الانسانية و قبول الأخر في الأدب الصوفي
كان الفكر الصوفي و منذ نشأته في القرن الثاني الهجري هو فكر تنويري و انساني و من تلك الافكار التنويرية في الفكر الصوفي هو احترام و تكريم الانسان مهما كان انتمائه الديني أو العرقي و سواء كان الانسان مؤمن أو كافر و تتلخص الرؤية الصوفية للأنسان على أنه المخلوق المكرم من الله و يعتمد الصوفية على هذا الطرح على الآية الكريمة " و نفخنا فيه من روحنا " ، البعض فسروا الاية على انها تكريم الانسان على انه من روح الله و البعض فسرها على انها محبة الله و على هذا فأن جميع البشر متساويين بسبب هذه الروح أو هذه المحبة المقدسة ، عبٌر كبار الصوفية من خلال أدبهم الثري بالشعر و النثر و القصة عن هذه الرؤيا للأنسانية و قبول و محبة الآخر ، و من أشهر القصائد التي قيلت بهذا الخصوص هي قصيدة لأبن عربي في ديوان ترجمان الاشواق يقول فيها :

لقد كنتُ قبلَ اليوم

أنكِرُ صاحبي

إذا لم يكنْ ديني إلى دينِه داني

لقد صار قلبي قابلاً كلّ صورةٍ

فمرعى لغزلان وديرٌ لرهبان وبيتٌ لأوثان

وكعبةُ طائفٍ وألواح توراة ومصحفُ قرآنِ

أدين بدين الحبِّ أنّى توجّهت ركائبه

فالحبُّ ديني وإيماني

أما الصوفي و الشاعر الكبير جلال الدين الرومي في احد قصائده فينفي عن نفسه

جميع انتماءاته العرقية و الدينية و المذهبية و أنقل بعض مقاطعها :

أيها المسلمون ما التدبير، وأنا نفسي لا أعرف نفسي،

فلا أنا مسيحيٌّ، ولا أنا يهوديٌّ، ولا أنا مجوسيٌّ ولا أنا مسلمٌ،

ولا أنا شرقيٌّ ولا أنا غربيٌّ، ولا أنا بريٌّ ولا أنا بحريٌّ،

ولا أنا من الهند، ولا أنا من الصين، ولا أنا من البلغار

لأنني أنا في الحقيقة من روح الروح الحبيب

يقول المستشرق نيكلسون عن هذه القصيدة أن الرومي قصد بروح الحبيب انتمائه الى المحبة ،

و روي عن الحلاج أنه قال في قضية الاديان و المذاهب :

يا بني إن الأديان كلّها لله عز وجل، شغلَ بكل دين طائفة لا اختياراً فيهم بل اختياراً عليهم.

فمن لام أحداً ببطلان ما هو عليه فقد حكم أنه أختار ذلك لنفسه،

بعض الصوفية ذهبوا في نظرتهم الانسانية الى أبعد من هذا حيث نصح الشاعر الصوفي الكبير سعدي الشيرازي

بأن يعامل الانسان أحيه الانسان أفضل المعاملة حتى لو كان عدوه و في ساحة الحرب و يقول :

و املك رقاب العدو بالاحسان و اللطف

فلن تستطيع أن تقطع صنيعهما بالسيف

فحين يرى العدو كرمك و لطفك و إحسانك

لن يصيبك شره مرة أخرى في حياتك

من الواضح أن الفكر و الادب الصوفي الاسلامي يسير عكس تيار الفكر الاسلامي الاصولي المتشدد حيث يقدم طرح عكسي تماما لافكار التعصب و التكفير ورفض الآخر مما استدعى من الفكر الاصولي إلى أن يعادي الفكر الصوفي و يشن عليه اشرس حملات التكفير و صلت احيانا الى حد القتل بتهمة الزندقة فكان أن تم قتل الحلاج و السهروردي و أخرين ممن حملوا هذا الفكر الانساني المتسامح على يد غلاة الاصولية و التطرف الديني ..



* عن صوت العقل
الكاتب ياسر حباب