الإسلام، الوجه الآخر

إيفا دوفيتري ميروفيتش.. الإسلام، الوجه الآخر

حوار مع راشيل وجان بيير كارتييه في مقدمة كتاب: الإسلام، الوجه الآخر (ص 7-8-9) ترجمة: عائشة موماد بعد دخولنا إلى مكتب السيدة إيفا لبدء حواراتنا، شد انتباهنا فورا مجلد ضخم موضوع في مكان بارز وسط مائدة العمل، واحد من تلك الكتب التي نتمنى مداعبة أغلفتها طويلا قبل أن نغرق داخلها. "لقد حصل لي ذلك هذا الصباح"، هذا ما قالته ايفا بنبرة محايدة، لكنك تحس من ورائها بنوع من الفخر. فخر مستحق، فالأمر يتعلق بعمل أدبي، سخرت له إيفا دوفيتري ميروفيتش كل قوتها وموهبتها لمدة عشر سنوات: "مثنوي" مولانا جلال الدين الرومي. خمسون ألف بيت شعري ذي جمال أخاذ، لم يسبق أن ترجمت إلى اللغة الفرنسية. أضخم نشيد للحب لواحد من أنقى وأطهر الصوفية في تاريخ الإنسانية. إنه أكثر من كتاب، بل هو مسار طيران حقيقي كما يقول مولانا: "لم أنظم لك المثنوي لكي تحمله أو تردد مافيه، لكن لتضعه تحت قدميك وتطير بصحبته". لقد حاولت فرصة ذكية أن تضعنا على طريق إيفا دوفيتري ميروفيتش منذ عدة سنوات. هذه الفرصة التي رأينا من خلالها العناية الإلهية، أنا وراشيل. التقيناها عند الشيخ بنتونس عندما كنا نحضر لكتاب "أنبياء اليوم"، وهذا ما طرح علينا فكرة الغوص في مؤلفاتها، لكي نكتشف عبرها، وبحماس شديد، كنوز الأدب الصوفي الإسلامي. كان هذا الاكتشاف مصدرا لسعادتنا حتى اليوم. فبكل بديهية، عندما ألفنا كتاب "نساء من نور"، كنا نتمنى أن نأخذ رأي إيفا عن موضوع الكتاب، وبكل بديهية أيضا، لم يكن لقاؤنا بها شافيا للغليل. لقد اكتشفنا لدى هذه العالمة الجليلة قلبا متميزا، حماسا نادرا من أجل البحث، وحبا كبيرا للمتصوفة المسلمين و بالخصوص لمولانا جلال الدين الرومي، مما جعل فكرة هذا الكتاب تعرض نفسها علينا بهدوء. لقد كانت أزمة الخليج في طور الدخول إلى مرحلتها العسكرية، وكان الهواء الذي نتنفسه مليئا بالخوف والقلق وعند بعض الناس بحماس شديد للاقتتال. كنا أنا وراشيل حائرين ويائسين عندما لاحظنا تصاعد موجة الحقد والريبة تجاه الإسلام. مراحل التوتر تلك كما عرفناها كانت ملائمة للمقاربات المبسطة وللمفاهيم المغلوطة والمعاني الملتبسة. حتى بالنسبة للبعض من أصدقائنا فإننا كنا نستمع إلى استدلالات تجمد الروح: "لستم أغبياء لهذه الدرجة، تحدثتما في كتابيكما الأخيرين عن أناس يصفون الإسلام على أنه دين تسامح وروحانية صرفة. افتحا عينيكما جيدا: الإسلام الحقيقي، ذلك الذي امتنعتما عن رؤيته، هو إسلام آيات الله وصدام حسين، إسلام الحقد والجهاد، خطر دائم يترقبنا وعلينا محاربته لكي لا يفترسنا. كلما تقدمت الأزمة زاد شعورنا بأننا نعيش سوء فهم لا يطاق. أتخيل أن هنالك مسيحيين كثيرين عاشوا نفس المعاناة. كل أولئك الذين أعجبوا برسالة الحب للمسيح، رأوا إخوانهم يضطهدون اليهود، يحرقون "الزنادقة" ويبشرون بحروب صليبية واستعباد سكان عزل باسم المسيح. نحن الذين تتوهج قلوبنا بثراءة أغزال الرومي وأشعار الحلاج وابن عربي، نعرف أن الإسلام في العمق، لا يمكن أن يكون إسلام المتطرفين، كما هو الحال كذلك بالنسبة للمسيحية الحقة، التي لا يمكن أن تكون دين كبار المحققين القدامى أم متطرفي العصور الحالية. نعن نعلم، إذا أردنا ترديد ما قاله "كارلو كاريطو"، إن كان اللاهوت يفرق الصفوف، فالتصوف يوحد بين الناس مهما كانت تقاليدهم، وإلى حد ما، فإن "المؤمنين" يعيشون نفس التجربة. كانت حقا هذه الحوارات مع إيفا دوفيتري ميروفيتش بمثابة لحظات متميزة. كنا سعداء بالتعرف عن طريق هذه المرأة، نحن المسيحيون الذين نشعر بالراحة داخل هذا التقليد، على الإسلام الذي نحب. إسلام التصوف، إسلام المودة.
* عن موقع اسلام مغربي