مسعود جاء السعد والخير واليسر

أمسعود جاء السعد والخير واليسر * وولّت جيوش النحس ليس لها ذكرُ
ليالي صدودٍ وانقطاعٍ وجفوةٍ * وهجران ساداتٍ فلا ذكرَ الهجر
فأيامها أضحت قتاماً ودجنةً * ليالي لا نجم يضيء ولا بدر
فراشي فيها حشوه الهم والضنى * فلا التذ لي جنب ولا التذ لي ظهر
ليالي أنادي والفؤاد متيّم * ونار الجوى تشوي لما قد حوى الصدر
أمولاي طال الهجر وانقطع الصبر * أمولاي هذا الليل هل بعده فجر
أغث يا مغيث المستغيثين والهاً * ألمّ به من بعد أحبابه الضر
أسائل كل الخلق هل من مخبّر * يحدّثني عنكم فينعشني الخبر
إلى أن دعتني همة الشيخ من مدى * بعيد ألا فادن فعندي لك الذخر
فشمّرت عن ذيلي الإطار وطار بي * جناح اشتياقٍ ليس يخشى له كسر
وما بعدت عن ذا المحب تهامةٌ * ولم يثنه سهل هناك ولا وعر
إلى أن أنخنا بالبطاح ركابنا * وحطت بها رحلي وتم لها البشر
بطاح بها البيت المعظّم قبلةٌ * فلا فخر إلا فوقه ذلك الفخر
بطاح بها الصيد الحلال محرمٌ * ومن حلها حاشاه يبقى له وزر
أتاني مربي العارفين بنفسه * ولا عجبٌ فالشأن أضحى له أمر
وقال فإني منذ أعداد حجة * لمنتظر لقياك يا أيها البدر
فأنت بنيي مذ ألست بربكم * وذا الوقت حقاً ضمّه اللوح والسطر
وجدّك قد أعطاك من قدم لنا * ذخيرتكم فينا ويا حبذا الذخر
فقبّلت من أقدامه وبساطه * وقال لك البشرى بذا قضي الأمر
وألقى على صفري باكسير سرّه * فقيل له هذا هو الذهب التبر
وأعني به شيخ الأنام وشيخ من * له عمة في عذبة وله الصدر
عياذي ملاذي عمدتي ثم عدّتي * وكهفي إذا أبدى نواجذه الدهر
غياثي من أيدي العداة ومنقذي * منيري مجيري عندما غمّني الغمر
ومحبي رفاتي بعد أن كنت رمة * وأكسبني عمراً لعمري هو العمر
محمدٌ الفاسي له من محمد * صفيّ الإله الحال والشيم الغرّ
بفرض وتعصيب غدا أرثه له * هو البدر بين الأوليا وهم الزهر
شمائله تغنيك إن رمت شاهدا * هي الروض لكن شق اكمامه القطر
تضوّع طيبا كلّ زهر بنشره * فما المسك ما الكافور ما الند ما العطر
وما حاتم قل لي وما حلم أحنف * وما زهد ابراهيم أدهم ما الصبر
صفوحٌ يغض الطرف عن كلّ زلةٍ * لهيبته ذلّ الغضنفر والنمر
هشوشٌ بشوشٌ يلقى بالرحب قاصداً * وعن مثل حب المزن تلقاه يفترّ
فلا غضبٌ حاشا بأن يستفزه * ولا حدّة كلا ولا عنده ضرّ
لنا منه صدرٌ ما تكدّره الدلا * ووجه طليق لا يزايله البشر
ذليلٌ لأهل الفقر لا عن مهانةٍ * عزيزٌ ولا تيه لديه ولا كبر
وما زهرة الدنيا بشء له يُرى * وليس لها يوما بمجلسه نشر
حريصٌ على هدي الخلائق جاهد * رحيمٌ بهم برٌ خبير له القدر
كساه رسول اللّه ثوب خلافةٍ * له الحكم والتصريف والنهي والأمر
وقيل له إن شئت قل قدمي علا * على كلّ ذي فضل أحاط به العصر
فذلك فضلُ اللّه يؤتيه من يشا * وليس على ذي الفضل حصرٌ ولا حجر
وذا وأبيك الفخر لا فخر من غدا * وقد ملك الدنيا وساعده النصر
وهذا كمالٌ كلّ عن وصف كنهه * فمن يدّعي هذا فهذا هو السر
أبو حسنٍ لو قد رآه أحبّه * وقال له أنت الخليفة يا بحر
ما كل شهم يدعى السبق صادق * إذا سيق للميدان بان له الخسر
وعند تجلّي النقع يظهر من علا * على ظهر جردبل ومن تحته حمر
وما كل من يعلو الجواد بفارس * إذا ثار نقع الحرب والجو مغبر
فيحمي ذماراً يوم لاذوا حفيظةٍ * وكل حماة الحي من خوفهم فرّوا
ونادى ضعيف الحي من ذا يغيثني * أما من غيور خانني الصبر والدهر
وما كلّ سيف ذو الفقار بحدّه * ولا كل كرارٍ عليا إذا كروا
وما كلّ طير طار في الجو فاتكاً * وما كل صياح إذا صرصر الصقر
وما كل من يسمى بشيخ كمثله * وما كل من يدعى بعمروٍ إذا عمرو
وذا مثلٌ للمدعين ومن يكن * على قدم صدق طبيبا له خبر
فلا شيخ إلا من يخلّص هالكاً * غريقاً ينادي قد أحاط بي المكر
ولا تسألن عن ذي المشائخ غير من * له خبرةٌ فاقت وما هو مغترّ
تصفّح أحوال الرجال مجربّا * وفي كل مصر بل وقطر له أمر
فانعم بمصرٍ ربّت الشيخ يافعا * وأكرم بقطر طار منه له ذكر
فمكّة ذي خير البلاد فديتها * فما طاولتها الشمس يوما ولا النسر
بها كعبتان كعبة طاف حولها * حجيج الملا بل ذاك عندهم الظفر
وكعبة حجّاج الجناب الذي سما * وجلّ فلا ركنٌ لديه ولا حجر
وشتّان ما بين الحجيجين عندنا * فهذا له ملك وهذا له أجر
عجبتُ لباغي السير للجانب الذي * نقدّس ممّا لا يجدّ له السير
ويلقي إليه نفسه بفنائه * بصدقٍ تساوى عنده السر والجهر
فيلقى مناخ الجود والفضل واسعا * ويلقى فراتا طاب نهلا فما القطر
ويلقى رياضا أزهرت بمعارفٍ * فيا حبذا المرأى ويا حبذا الزهر
ويلقى جنانا فوق فردوسها العلى * وما لجنان الخلد ان عبّقت نشر
ويشرب كأساً صرفة من مدامةٍ * فيا حبذا كاس ويا حبذا خمر
فلا غول فيها لا ولا عنها نزفة * وليس لها برد وليس لها حرّ
ولا هو بعد المزج أصفر فاقع * ولا هو قبل المزج قانٍ ومحمر
معتّقة من قبل كسرى مصونة * وما ضمّها دنّ ولا نالها عصر
ولا شانها زقّ ولا سار سائر * بأجمالها كلا ولا نالها تجر
فلو نظر الأملاك ختم إنائها * تخلّوا عن الأملاك طوعا ولا قهر
ولو شمّت الأعلام في الدرس ريحها * لما طاش عن صوب الصواب لها فكر
فيا بعدهم عنها ويا بئس ما رضوا * فقد صدّهم قصدٌ وسيرّهم وزر
هي العلم كلّ العلم والمركز الذي * به كلّ علمٍ كلّ حينٍ له دور
فلا عالم إلاّ خبيرٌ بشربيها * ولا جاهلٌ إلا جهولٌ بها غرّ
ولا غبن في الدنيا ولا من رزيئةٍ * سوى رجل عن نيلها حظّه نزر
ولا خسر في الدنيا ولا هو خاسرٌ * سوى والهٍ والكفّ من كأسها صفر
إذا زمزم الحادي بذكر صفاتها * وصرح ما كنّى ونادى نأى الصبر
وقال اسقني خمراً وقل لي هي الخمر * ولا تسقني سرّا إذا أمكن الجهر
وصرّح بمن تهوى ودعني من الكنى * فلا خير في اللذات من دونها ستر
نرى سائقيها كيف هامت عقولهم * ونازلهم بسطٌ وخامرهم سكر
وتاهوا فلم يدروا من التيه من هم * وشمس الضحى من تحت أقدامهم عفر
وقالوا فمن يرجى من الكون غيرنا * فنحن ملوك الأرض لا البيض والحمر
تميد بهم كاسٌ بها قد تولّهوا * فليس لهم عرفٌ وليس لهم نكر
حيارى فلا يدرون أين توجّهوا * فليس لهم ذكرٌ وليس لهم فكر
فيطربهم برقٌ تألّق بالحمى * ويرقصهم رعد بسلعٍ له أزر
ويسكرهم طيب النسيم إذا سرى * تظنّ بهم سحرا وليس بهم سحر
وتبكيهم ورق الحمائم في الدجى * إذا ما بكت من ليس يدري لها وكر
بحزنٍ وتلحين تجاوبتا بما * تذوب له الأكباد والجلمد الصخر
وتسبيهم غزلان رامة إن بدت * وأحداقها بيض وقاماتها سمر
وفي شمّها حقا بذلنا نفوسنا * فهان علينا كلّ شيء له قدر
وملنا عن الأوطان والأهل جملة * فلا قاصرات الطرف تثني ولا القصر
ولا عن أصيحاب الذوائب من غدت * ملاعبهم منى الترائب والنحر
هجرنا لها الأحبا والصحب كلهم * فما عاقنا زيدٌ ولا راقنا بكر
ولا ردّنا عنها العوادي ولا العدا * ولا هالنا قفرٌ ولا راعنا بحر
وفيها حلا لي الذلّ من بعد عزة * فيا حبذا هذا ولو بدءه مرّ
وذلك من فضل الإله ومنّه * عليّ فما للفضل عدّ ولا حصر
وقد أنعم الوهّاب فضلا بشربها * فللّه حمد دائمٌ وله الشكر
فقل لملوك الأرض أنتم وشأنكم * فقسمتكم ضئزى وقسمتنا كثر
خذ الدينا والأخرى أباغيهما معاً * وهات لنا كأسا فهذا لنا وفر
جزى اللّه عنّا شيخنا خير ما جوى * به هادياً فالأجر منه هو الأجر
أمولاي إني عبد نعمائك التي * بها صار لي كنزٌ وفارقني الفقر
وصرت مليكاً بعد ما كنت سوقة * وساعدني سعد فحصباؤنا درّ
أمولاي إني عبد بابك واقف * لفيضك محتاجٌ لجودك مضطر
فمر أمر مولى للعبيد فإنني * أنا العبد ذاك العبد لا الخادم الحرّ
هنيئاً لنا يا معشر الصحب إننا * لنا حصنُ أمن ليس يطرقه ذعر
فنحن بضوء الشمس والغير في دجى * وأعينهم عميٌ وآذانهم وقر
ولا غرو في هذا وقد قال ربّنا * تراهم عيون ينظرون ولا بصر
وغيم السما مهما سما هان أمره * فليس رى إلا لمن ساعد القدر
ألا فاعلموا شكرا لمن جاد بالذي * هدانا ومن نعمائه عمّنا اليسر
وصلّوا على خير الورى خير مرسل * وروح هداة الخلق حقاً وهم ذرّ
عليه صلاة اللّه ما قال قائل * أمسعود جاء السعد والخير واليسر