أبناؤنا في إجازتهم الصيفية
الوقت ثمين جدا، يحرص العاقل على اغتنامه بمايفيد، وملئه بمايعود عليه بالخير في الدنيا والأخرى، وإذا تتبعنا حياة الذين نجحوا في حياتهم، وأصبحوا قدوة لغيرهم، وملؤوا الدنيا بتآليفهم واختراعاتهم وإنتاجهم وآثارهم الخالدة نجد أنهم أشخاص عرفوا كيف ينظمون أوقاتهم، ويستفيدون من كل لحظة منها، ولأمرٍما قال عليه الصلاة والسلام: ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ)، فالفراغ نعمة من الله تعالى، يستغله الناجحون ليكون سلما يرتقون به في الحياة، ويملؤه الجاهلون باللهو واللعب والسفه فينحدرون به إلى درك التخلف ، وما أحوجنا للوقت نبني به وطننا، ونذود عن حياضه، وننهض بأمتنا، وكم للوطن من ديون في ذمتنا يجب أن نستغل كل لحظة فراغ لوفائها، وما أجدرنا أن نشحَّ بهذا الوقت فلانضيعه سدى،
قتل الوقت
من أصعب الكلمات التي نسمعها هي قول بعض الناس: إننا نقتل الوقت، تسأله ماذا تفعل فيقول لك: أضيع الوقت، وكأن الوقت عدو داهم يريد أن يقتله، أو يشتت قوته أو يتخلص منه بأي وسيلة ، وما عرف أن الوقت هو الحياة، وإنما نحن أيام، فإذا ذهب يوم فقد ذهب بعضنا، وكل لحظة تضيع إنما نضيع معها جزءا من حياتنا الثمينة التي وضعها الله أمانة بين أيدينا ووديعة مستردة، وبدخول الأدوات الالكترونية الحديثة في حياتنا أصبح تضييع الوقت سهل جدا ، ولو أحصينا ما نضيعه ويضيعه أبناؤنا أمام هذه الأدوات الحديثة لعلمنا أننا أمام كارثة حقيقية في حياتنا، وليت الدول تفرض عقوبات قانونية شديدة على تضييع الوقت وهدر الطاقات المعطلة، لأن حضارة الأمة ورقيها مرهونة بوعي أبنائها بقيمة الوقت، ولأن لأوطاننا حقاً في أوقاتنا.
ساعة وساعة
ليس كل لهو مذموم، ولا كل لعب عيب، فالنفوس تحتاج إلى بعض اللهو لتجدد نشاطها، وأطفالنا بحاجة إلى بعض اللعب في الإجازة لتفريغ طاقاتهم، واللعب من حق الطفولة، واللهو ببعض الأدوات الحديثة لاحرج فيه مالم يخرج عن حده، ويصل إلى درجة قتل الوقت، والسفر في الصيف والسياحة وزيارة البلدان هو من الثقافة الرائعة التي تجعلنا نتعرف على أصدقائنا على ظهر هذه المعمورة ونستفيد من خبراتهم وحضارتهم وثقافتهم وتطورهم فنزداد علما وثقافة وتطورا، يقول الثعالبي: "من فضائل السفر: أن صاحبه يرى من عجائب الأمصار، وبدائع الأقطار، ومحاسن الآثار، ما يزيده علمًا بقدرة الله - تعالى - ويدعوه شكرًا على نعمه"، و كل ذلك لتستجم النفس، وتكون أقدر على اسئناف الجد في العمل، ولو كانت الحياة كلها جداً لزهقت النفوس، ولو كانت كلها لعباً وعبثاً لخرجنا من عداد العقلاء، قال سيدنا أبو الدرداء رضي الله عنه : "إني لأستجم نفسي بشيء من اللهْو غير المحرَّم، فيكون أقوى لها على الحق، وأما أن نجعل اللهو واللعب غايتنا، وأن نجعل الأدوات الحديثة كل همنا وهم أطفالنا، ونجعل السفر وسيلة للتخلي عن آدابنا وأخلاقنا وتضييعا لحقوق ربنا تبارك وتعالى وإهمالا لعبادتنا، فهذا مالايرضاه عاقل ولايفعله إنسان ولايقره ديننا.

اغتنم خمسا قبل خمس
: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: )اغتَنِم خمسًا قبل خمس: شبابك قبلَ هرمِك، وصحَّتك قبل سقَمِك، وغِناك قبل فقرك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك(رواه الحاكم والبيهقي، قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اغتنم) إشارة إلى أن هذه الأشياء ثمينة جداً، وإذا ذهبت لاتعوض، فالشباب صيد ثمين جداً، ويكفيك أن تحادث عاقلاً بلغ من العمر عتياً لتدرك مدى أسفه على ماضاع من عمره، ويكفيك أن تدخل مستشفى لتقرأ مئات الرسائل في وجوه المرضى وعيونهم، وكأنها تقول لك: ليتك تدرك قيمة النعمة التي أعطاك الله إياها، إن الله تعالى لم يخلقنا عبثاً، ولكن خلقنا لغاية عظمى أنيطت في حياتنا ووجودنا وهي خلافته في الأرض وعمارتها، ومنحنا جل جلاله كل الوسائل اللازمة لهذه الغاية من الوقت والقدرات العقلية والجسدية والثروات، وسخر لنا كل شيء تحت أيدينا في هذا الوجود، ولكننا لن نصل إلى تنفيذ أمر الله من عمارة الأرض وخلافته فيها إلا باغتنام هذه الخمس التي حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على اغتنامها، وماقيمة إنسان لاهمة له تنهضه للأمور العظيمة، وهل الإنسان إلا بآثاره الباقية، وهل يميز الإنسان شيء عن باقي الحيوانات إلا أنه إنسان عاقل يخطط لمستقبله، ويضع لبنة في صرح حضارته، إن هدر الطاقات يؤدي إلى ضياع العمر، وضياع الأوطان، وهدم الحضارة، وإن من خيانة الحياة والأوطان أن نضيع ما أوصله إلينا آباؤنا من حضارة، فنعمل على هدمها بإهمالنا وضياع أوقاتنا، إن الحياة لاتحابي أحداً، فمن يقصر لايترقى في سلم الحضارة، وإن مستقبل الحياة لمن يعرف كيف يستغلها، ، وما نشأت حضارة وازدهرت واستمرت إلا بهمة أبنائها القادرين على بناء صرحها، وتعضيد أركانها، الذين استغلوا كل لحظة من أعمارهم لتشييدها لأبنائهم وأجيالهم القادمة، وإن الهمة لتصنع العجائب، وتحول التراب إلى تبر، وانظر كيف تحولت دولتنا الحبيبة( الإمارات العربية المتحدة) -بهمة المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد- من صحراء قاحلة إلى بلد ينبض بالحياة في كل شبر منه، تحولت إلى ظلال وارفة وجنات زاهية وحدائق ذات بهجة، إلى حضارة صارت مضرب المثل في كل دول العالم، إلى وجهة لكل من أراد مثالاً على نهضة الأمم، وفي سنوات قليلة جداً، ولكن الهمة مع الإيمان لايقف أمامها شيء أبداً،
إجازة مثمرة
ترسيخ المفهوم الصحيح لمعنى الإجازة هو الخطوة الأولى في تصحيح مسار أبنائنا فيها، ويكون ذلك بأن نفهمهم أن الإجازة إنما هي فصل بين مرحلتين من مراحل الدراسة، لاستئناف النشاط بهمة عالية، وهي فسحة للشخص لكي يمارس نشاطاته وهوايته دون أن تزاحمها واجبات المدرسة، فكم من مواهب جبارة اكتشفت في أوقات الإجازة حينما يطلق الشخص العنان لمواهبه في فضاء الإبداع، وهي فرصة لتدارك مافات الطالب من حفظ كتاب الله تعالى ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حفظا وتلاوة وتفسيرا وتذوقا ، وإني لأعرف كثيرا من الطلبة حفظوا كتاب الله تعالى وكثيراً من السنة النبوية غيباً في هذه الإجازات الصيفية بينما غيرهم يلهو ويلعب، وإن من واجب الأبوين أن يضعوا برنامجاً متنوعالأولادهم في هذه الإجازات، فيخصصون وقتاً للعب المفيد وممارسة المهارات، ووقتا للأدوات الالكترونية الحديثة ليطلع على الجديد المفيد فيها مع توجيه الابن لتجنب الأشياء التي تؤذيه في دينه وأخلاقه وسلوكه، ووقتا للقراءة ومصادقة الكتاب، فإنه خير جليس وأعز صديق، وجدير بالأبوين أن يخصصا وقتا لدراسة السيرة والثقافة الإسلامية، وصفحة من سمو شريعتنا في صفائها وسماحتها ونقائها، الشريعة التي جاءت لخير البشرية كلها لا للقتل والدمار وتفريق الناس، إننا بمطالعة حياة النبي صلى الله عليه وسلم ودراسة التشريع في الفترة النبوية يوم كان الإسلام غضاً طرياً نغرس في نفوس أبنائنا معنى الإسلام الصحيح السمح الوسط البعيد عن التطرف والتشدد، كل ذلك حتى لاتتخطف أبناءنا الأيدي الآثمة التي تريد أن تجنح بنا إلى إسلام متشدد مصبوغ بلون الدم الكريه، وتفوح منه رائحة القتل الآثم، ويسير في ركابه المتطرفون الآثمون، حري بنا أيها الآباء أن نأخذ بيد أبنائنا ونحافظ على طفولتهم وشبابهم وكل حياتهم قبل تبتلعهم موجات التطرف، والإجازة إن لم نملأها بالخير، ملأتنا بالشر.