من قطوف الحكمة
اللقاء يذهب بالسخائم، فكأن نظر العين للعين يصلح القلوب، فلا يسؤك التقاء صديقك بعدوك، فإن ذلك يفتر أمره عنده.
أشد الأشياء على الناس الخوف والهم والمرض والفقر، وأشدها كلها إيلاماً للنفس، الهم للفقد من المحبوب، وتوقع المكروه، ثم المرض، ثم الخوف، ثم الفقر. ودليل ذلك أن الفقر يستعجل ليطرد به الخوف، فيبذل المرء ماله كله ليأمن، والخوف والفقر يستعجلان ليطرد بهما ألم المرض، فيغرر الإنسان في طلب الصحة، ويبذل ماله فيها إذا أشفق من الموت، ويود عند تيقنه به لو بذل ماله كله ويسلم ويفيق. والخوف يستسهل ليطرد به الهم، فيغرر المرء بنفسه ليطرد عنها الهم. وأشد الأمراض كلها ألماً، وجع ملازم في عضو ما بعينه.
إنما العقل أساس ... فوقه الأخلاق سور
فحلي العقل بالعلم ... وإلا فهو بور
جاهل الأشياء أعمى ... لا يرى كيف يدور
وتمام العلم بالعد ... ل وإلا فهو زور
وزمام العدل بالج ... ود وإلا فيجور
وملاك الجود بالنج ... دة والجبن غرور
عف إن كنت غيو ... راً ما زنى قط غيور
وكمال الكل بالتقوى ... وقول الحق نور
ذي أصول الفضل عنها ... حدثت بعد البذور
من عجائب الأخلاق أن الغفلة مذمومة، وإن استعمالها محمود، وإنما ذلك لأن من هو مطبوع على الغفلة يستعملها في غير موضعها، وفي حيث يجب التحفظ، وهو مغيب عن فهم الحقيقة، فدخلت تحت الجهل فذمت لذلك. وأما المتيقظ الطبع، فإنه لا يضع الغفلة إلا في موضعها الذي يذم فيه البحث والتقصي والتغافل، فهماً للحقيقة، وإضراباً عن الطيش، واستعمالاً للحلم، وتسكيناً للمكروه، فلذلك حمدت حالة التغافل وذمت الغفلة
من اكتفى بقليله عن كثير ما عندك، فقد ساواك في الغنى، ولو أنك قارون، حتى إذا تصاون في الكسب عما تشره أنت إليه، فقد حصل أغنى منك بكثير. ومن ترفع عما تخضع إليه من أمور الدنيا، فهو أعز منك بكثير.
أشد الناس استعظاماً للعيوب بلسانه هو أشدهم استسهالاً لها بفعله،
وأعدل الشهود على الكذاب: لسانه، لاضطرابه، ونقض بعض كلامه بعضاً.
المفضلات