سبب تسميته بنهر الذهب:
قال ابن العديم في زبدة الحلب في تاريخ حلب:
وأما نهر الذهب فقال لي والدي رحمه الله:
انما سمي نهر الذهب لأن أوله بالقبان وآخره بالكيل،
لأن أوله يزرع على مائه القطن، والبصل، والثوم والكسفره،
والكراويا، والخشخاش، والحبة السوداء، والحبة الخضراء،
وبزر البقلة وغير ذلك، ويباع ذلك كله بالقبان وآخره يجمد فيصير ملحاً،
فيباع بالكيل ولا يضيع من مائه شيء، ولهذا سمي نهر الذهب،
لأنه ذهب كله باعتبار ما يؤول إليه.
زبدة الحلب في تاريخ حلب (1/69)
وقال في موضع آخر:
فأما النهر فهو ماء يجري إلى أن ينتهي إلى مواضع في الجبول وغيرها من القرى،
فيسكبونها ويجرون إليها السواقي، فإذا دخل تلك المساكب جمد بإذن الله،
وصار ملحاً أبيض في بياض الثلج، فيباع منه بالأموال الخطيرة، ولذلك سمي نهر الذهب.
زبدة الحلب في تاريخ حلب (1/135)
موقع نهر الذهب ومجراه:
من خلال تتبع كتب تاريخ حلب وجغرافيتها استنتجت مايلي مايلي:
1-نهر الذهب عبارة عن وادي ولذلك أطلق عليه بعض المؤرخين اسم وادي الذهب
2-يختلف نهر الذهب عن غيره من الأنهارأنه لا يستمد مجراه من منبع معين
وإنما كان يستمد مياهه من عدة مصادر أولهاتجميع مياه الأمطار
وذلك بسبب كونه واديا ومن ثم بعض عيون المياه الجوفية الخفبفة
3-نهر الذهب لا يعبر مدينة حلب في العمق
وإنما يعبر الأرياف التابعة لمدينة حلب على مقربة 30 كم منها
4-يمر نهر الذهب بالمناطق التالية- وذلك من خلال تتبع الروايات-
دير حافر-عربيد، خربة الجحاش، عيشة، سرحان، شربع، نجارة، تل الحطابات،
عبوية، قطر، العوينات، كويرس الشرقي والغربي،
وعجوزية وتاذف وهي تابعة سابقا لقضاء ناحية الباب
انظر معجم قبائل العرب ج3
وأما أغزر منطقة يمر بها نهر الذهب هي منطقة الباب ووادي بطنان وبزاغة
ويستمر إلى أن أن يصب في مجراه الأخير في منطقة الجبول
وإليك أخي القارئ هذه الروايات التاريخية:
قال ابن العديم في زبدة الحلب في تاريخ حلب:
وهو يتحدث عن منطقة الباب ووادي بطنان
قال رحمه الله:
وفي هذا الوادي يجري نهر الذهب، ويخرج على قرى يسقيها،
وتمده عيون بالوادي إلى أن ينتهي إلى الجبول، وتجتمع إليه عيون أخر من قرى نقره بني أسد،
فيجتمع الماء في الشتاء في أرض سبخة، إلى جانب الجبول،
لاستغناء الناس عن السقي بالمياه في الشتاء،
فلا يزال الماء في السبخة إلى فصل الصيف، فيهب الهواء الغربي،
فيحمل ذلك الماء شيئاً فشيئاً إلى الأرض التي يجمد الماء فيها، فيصير ملحاً،
ويجمع الأول فالأول، ويعبى ويباع، وتمتار منه البلاد،
وربما ثقل ماء السبخة في بعض السنين،
فيستقون ماء من أبار حفرت في تلك الأرض،
ويجرونه إلى مساكب قد سكبوها فيجمد فيها ويصير ملحاً،
فيجمعونه منها ويرفعونه ويصنعون غيره،
وهذا الملح الذي يصنع يكون أشد بياضاً من الأول ويقال إن عجائب الدنيا ثلاث:
زبدة الحلب في تاريخ حلب (1/67)
قال ياقوت الحموي:
الجبولُ: بالفتح ثم التشديد والواو ساكنة ولام، قرية كبيرة إلى جنب مَلاحة حلب
وفي الجبول ينصب نهر بُطنان وهو نهر الذهب ثم يجمد مالحاً فيمتار منه كثير من بلدان الشام
وبعض الجزيرة ويُضمنُ بمائة وعشرين ألف درهم في كل عام
ويجتمع على هذه الملاحة أنواع كثيرة من الطير قبل جمودها.
أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهربن هبة الله النصيبيني الحلبي
قال: أنشدني المهذب حسن الساسكوني العامري الحموي لنفسه يصف ذلك.
قد جبل الجبول من راحة= فليس تعرُو ساكنيها هموم
كأنما الماء وأطياره = فيه سماءْ زينت بالنجوم
كأن سُود الطير في بيضها = خليطُ جَيش بين زنج ورُوم
معجم البلدان (1/472)
قال ابن الوردي:
نهر الذهب: وهو بأرض الشام وبلاد حلب. زعم أهل حلب أنه وادي بطنان.
ومعنى قولهم نهر الذهب أن جميعه يباع أوله بالميزان وآخره بالكيل.
فإن أوله تزرع عليه الحبوب والبذور وآخره ينصب إلى بطيحة،
فرسخين في فرسخين، فينعقد ملحاً.
خريدة العجائب وفريدة الغرائب (1/63)
قال القزويني يصف بلاد الشام:
وبها نهر الذهب، يزعم أهل حلب انه وادي بطنان،
ومن عجائبه ان أوله يباع بالميزان وآخره بالكيل.
ومعنى هذا الكلام أن أوله يزرع عليه القطن وسائر الحبوب،
وآخره وهو ما فضل من الزروع ينصب إلى بطيحة طولها فرسخان في عرض مثله،
فيجمد هناك ويصير ملحاً يمتار منه أكثر نواحي الشام فيباع كيلاً.
آثار البلاد وأخبار العباد (1/82)
وأخيرا أذكر للفائدة ما ذكره ابن العديم وهو يصف الباب ومياهها وبساتينها
قال رحمه الله:
باب في ذكر بزاعا والباب
وهما قريتان عظيمتان، بل مدينتان صغيرتان،
وفي كل واحدة منهما منبر وخطيب وبساتين تلذ للنازل بها وتطيب،
ولكل منهما وال يقطع الخصام، وقاض يفصل الأحكام، وبينهما وادي بطنان ومرجه،
وإلى محاسن هذا الوادي
عمرة كل متنزه وحجه، وهو من أصح البقاع ماء،
وأرقها هواء، وفيه نزل أبو نصر المنازي وقال، وقد تفيأ في ظلاله من الحر وقال:
[poem=font="Times New Roman,6,indigo,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وقانا لفحة الرّمضاء وادٍ = غذاه مضاعف النبت العميم
نزلنا دوحه فحنا علينا = حنوّ الوالدات على الفطيم
وأرشفنا على ظمأ زلالاً = ألذّ من المدامة للنديم
يصدّ الشمس أنّى واجهتنا = فيحجبها ويأذن للنسيم
يروع حصاه حالية العذارى= فتلمس جانب العقد النظيم[/poem]
وقد خرج من الموضعين جماعة من الأدباء وعصابة من الشعراء،
وأعيان الموضعين عباسيون، من بني العباس بن الوليد الكلابي،
وكان والي جند قنسرين، ونسله وعقبه ومواليهم بوادي بطنان.
وأما الباب فهي أكثر عمارة من بزاغا، وكان فيها مغائر تعصمهم من الغارات، وكان بها طائفة كثيرة من الإسماعيلية، فاجتمع النبويه فيها، وزحفوا إلى الباب فاعتصموا في المغائر فاستخرجوهم منها بالدخان، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وليس بها في زمننا هذا منهم إلا القليل،
وقد كثرت عمائر الباب، واتسعت وصارت مصراً من الأمصار،
وعمر فيها الأتابك طغرل الظاهري خاناً للسبيل،
ومدرسة لأصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه، وكنت في أيام الصبى أتردد إليها،
فازدادت عمارتها على الضعف مما كانت،
ولأبي عبد الله محمد بن نصر القيسراني فيها أبيات شاهدتها بخطه،
وأخبرنا بها أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إجازة عنه
قال: ومررنا بسقي الباب وهي ضيعة حسنة الظاهر كثيرة المياه والشجر فقلت ارتجالاً:
[poem=font="Times New Roman,6,purple,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أما لك رقي سرّح الطرف غادياً =على أهل بطنان سقتها سحابها
حدائق للأحداق فيها لبانةٌ =يعيد لنا شرخ الشباب شبابها
وإن كنت تبغي بالك الخير مدخلاً= إلى جنة الفردوس فالباب بابها[/poem]
والوادي ينسب إلى بطنان حبيب، وهي قرية تعرف ببطنان حبيب ولها تل عليه دير يقال له دير حبيب.
أنشدني بعض الاخوان لحمدان بن يوسف بن محمد البابي الضرير،
وكان من أهل الباب، وأدركته وسمعت منه شيئاً من شعره غير هذه الأبيات،
ثم حمل إلى بعض أهل الباب، وأنابها، شعر حمدان المذكور، فنقلت منه هذه
القصيدة، يصف فيها وادي بطنان،
وما على نهر الذهب من القرى إلى الجبول ويمدح فيها الملك الظاهر وهي.
[poem=font="Times New Roman,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
سل وميض البروق حمل التحيه = من محبٍ أشواقه عذريّه
أظهرت لوعة الغرام شجوناً= منه كانت بين الضلوع خفيّه
وبرى جسمه النحول فأمسى ال= همّ في حندس الظلام نجيّه
وأبى البين أن يبقّي من الصب = ر عليه بعد الفراق بقيّه
أيها السائق الذي لم يزل يطرب =شجواً بشدوه الشد نيّه
لا تسل عن قبا وسل عن نواحي= قبّيا فهي جنّة عدنيه
حبذا تاذف الأنيقة والأنه= ار تجري تحت الغصون البهيّه
وبساتينها إذا جاوبت ور= قاء فيها بسجعها قمريّه
وبنونا يا ليت لي كل يوم =غرفاً فوق مائها مبنيه
ولكم قد شممت في مرقونا= نسماتٍ مثل العبير ذكيّه
رشقتني على عوينات زكيّ = طيباتٍ بأعين بابليّه
هذه كلها مزارع بين الباب وبزاعا:
سفح الوابل الملث على وا = دي بزاعا وسميه ووليه
وسما بارق الغمام على بط = نان بالغيث بكرةً وعشيه
وغدت بالحبا وراحت على البا = ب غوادي السحائب الوسميه
قف على عينها تجد كل حورا = ء تثنيّ كأنها حورية
وعلى تيمر وقيت من الخط = ب فقف بي بالله عند الوقيه[/poem]
تيمر الجبل المشرف على الباب من غربية، والوقيه حجر كبير في هذا الجبل يعرف بالوقية.
زبدة الحلب في تاريخ حلب (1/68-69)
المفضلات