الاحتياج


(اعلم أن باب الخير هو الخير أو الوحلا أو الاضطرار وهما
بمعنى واحد وهو شدة الاحتياج الكثير وهذا هو مفتاح الغيوب. من
ظفر بهذا المفتاح فتحت له مخازن الغيوب كلها فلهذا قيل: الفاقة
أعياد المريدين على ما احتوت عليه من الخير. لو عرف الإنسان
فوائد الاحتياج ما احتاج إلى شيء سوى الاحتياج. قيل إن الاحتياج
نسخة من اسم الله العظيم الأعظم ). وقال: (اعلم أن أول ما يفعل
بصاحب هذا الطريق، تسد عنه أبواب الظاهر حتى يرده مولاه
إليه، أحب أم كره، ثم بعد ذلك يقع له الفتح بالمغيبات فتفتح له
أبواب الغيوب، لأن شمس النهار لا تطلع إلا بعد ظلمة الليل، لأجل
ذلك قيل: الفاقة أعياد المريدين، لأن العيد هو الذي يعود على أهله
بالسرور والأفراح، كذلك شدة الفاقة إذا حصلت للمريد وكان من
مع شيخ عارف بالله، وكان عند أمره ونهيه، لا يغيب عنه شيئًا مما
يعرض له من الفاقة، والفاقة هي شدة الاحتياج، وضاقت عليهم
الأرض بما رحبت، فإن ذلك علامة الفتح، وعلى قدر ما تعظم
الفاقة وتشتد، على قدر ما يعظم الفتح ويجهر ويتبين، فصار على
هذا، لا يوم على المريد أفضل من يوم تشتد عليه الفاقة في الظاهر
أو في الباطن، فإذا كان الأمر هكذا وجب على المريد الصادق طلب
الفاقة لا الفرار منها كما يقع لبعض المتفقرة، ويرحم الله القائل:

إن شكوت الهوى فما أنت منا * احمل الصد والجفا يا معنا
تدعي مذهب الهوى ثم تشكو * دعواك في الهوى أين أينَ
لو وجدناك صابرًا لهوانا * لمنحناك كل ما تتمنى

و (اعلم ومما قال لي الشيخ رحمه الله قال لي: إذا توقفت في
شيء أو احتجت إلى شيء فاقصد معدنه أو اقصد أهله. إذا قصدت
معدنه فإنه يلقيك مع أهله، وإذا قصدت أهله فإنهم يجمعونك مع
معدنه، لأن كل شيء أهله في معدنه ومعدنه عند أهله )


* من كتاب انوار الطريقة لسيدي علي العمراني الملقب بالجمل رضي الله عنه.