البخيل والكريم
قال: (اعلم أن البخيل كلامه مر ولو كان حقًا، والكريم كلامه حلو ولو كان باطلًا )، وقال: (سمعت من الشيخ نفعنا الله به أنه قال: مثل صاحب الكرم في الناس كمن طلى نفسه بالعسل، الناس كلهم تشتهيه وتحبه، لأن الكريم محبوب عند الله ومن أحبه الله حتمًا يحبه الخلق كلهم على كل حال، والبخيل مبغوض عند الله حتمًا يبغضه الخلق كلهم. إن الله آخذ بيد الساخي حيث ما عثر، أو كما قال الحديث. والسخاوة على قسمين: سخاوة النفس وسخاوة الفلس. صاحب سخاوة الفلس يملك ظواهر الوجود بأسره، وصاحب سخاوة النفس يملك بواطن الوجود بأسره وبواطن المغيبات.
صاحب الفلس تصرفه حاضر بالظواهر، وصاحب النفس تصرفه حاضر في الظواهر كما يتصرف بالباطن في غيب المغيبات )، وقال: (ومما قال لي سيدنا: يا ولدي كل من رأينا وشهدنا من الرجال ما كان عملهم مبني إلا على السخاء، لأن القدرة الربانية كالمرآة ما قابلتها بشيء إلا قابلتك بتلك الشيء الذي قابلتها به، كادت أن تكون نسخة منك، كما قال بعضهم: أقبح من كل قبيح صوفي شحيح. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ [ محمد: 38 ]، وقال بعض الصالحين: الصيام تجلد والصلاة عادة، إن أردت أن تجرب الناس فجربهم في هذا يعني الفلس، لأن الطريق طريق الجود والكرم من الله، وطريق الإحسان لا تكون مبنية إلا على الجود والإحسان، فكيف يا أخي تطلب أفضل ما عند الله بأقبح ما عندك والله تبارك وتعالى يقول: ﴿ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [ الأنعام: 139 ]. ومثل هذا كمن غرس الشوك ويطمع أن يجني منه العنب، كما قال القائل:
ثمار ما قد غرست تجني
* وهذه عادة الزمان


من بات منه الورى في أمنٍ
* بات منع الدهر في أمان


خذ الحديث الصحيح عني
* كما يدين الفتى يدان


كيف تطلب الكرم وأنت لم تتكرم، كيف تطلب الرحمة وأنت لم ترحم، وقال صلى الله عليه و سلم : « ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء » ).

* من كتاب في أنوار الطريقة وأسرار الحقيقة لمولانا علي العمراني