من أقدم دور العلم في سوريا ثانوية المأمون قاومت الفرنسيين وخرجت الرواد

تحتل ثانوية المأمون مكانة خاصة ليس في اذهان اهالي مدينة حلب فحسب, بل لدى اهل الشام قاطبة, لما تتميز به عن غيرها من صروح العلم والمعرفة في سوريا ويعتبر طالب هذه الثانوية نفسه محظوظا كما ان كل مدرس يزهو على زملائه ممن هم في غيرها من المدارس. افتتاح تاريخي بتمام الساعة التاسعة من يوم الجمعة 2 ربيع الاول 1310 هـ 1892 م وفي عهد الوالي العثماني (عثمان باشا) والي حلب تم الاحتفال رسميا بافتتاح هذا المعهد الذي حمل اسم المكتب الاعدادي. وحضر الشيخ كامل الغزي مؤرخ حلب ذلك الاحتفال ليقدم وصفا للمعهد المذكور في كتابه (نهر الذهب بتاريخ حلب) فقال مكتب عظيم لا يضاهيه في البلاد العثمانية غير مكاتب استانبول لسعته وكثرة غرفه وحسن هندامه). ويروي الشيخ راغب الطباخ في كتابه (اعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء) ان العمل ببناء هذا المعهد بدأ عام 1304 وانتهى عام 1310, ثم تحول اسمه الى المكتب السلطاني عام 1330 ـ 1912. وقد اشرف على بنائه مهندس الماني استخدم في بنائه الحجارة والكلس وجسور الحديد. فجاء البناء معبرا اصدق تعبير عن الهيبة واحترام العلم والادب لما توفر له من الجهد والمال والعمل الدؤوب. تزاوج الطرز ولا يمكن القول بان الطابع المعماري للمبنى ذو طابع شرقي بحت, بل انه يحمل طبيعة المباني الموافقة معه في الفترة نفسها, حيث انه يحمل طراز العمارة السورية القديمة والمسيحية الاولى (القوس نصف الدائري) والكورنيشات, اما الزخارف فهي موحدة ونباتية, كما ان الملحق الذي اضيف فيما بعد, يحمل الطراز نفسه سوى ان المدخل فيه ذو قوس اسلامي. ولدى دخول المبنى تصادفك بوابة حديدية ضخمة وممر طويل مرصوف بالحجارة وعلى جانبي الممر ترتفع اشجار السرو والصنوبر. وشيد البناء على ارض اوقاف عائدة لوقف المدرسة العثمانية التي زادت عن ثلاثة هكتارات وبلغت تكاليف البناء الاف الليرات الذهبية. وقبل دخول المبنى المؤلف من طابقين تستوقفك بوابة حديدية اخرى ضخمة نقش في اعلاها خاتم السلطان العثماني عبد الحميد. ويحيط بالبناء حدائق غناء وملاعب وساحات. في كل طابق من مبنى الثانوية نجد ممرا طويلا فسيحا, تطل عليه غرف كبيرة واسعة عالية الاسقف. يصل ارتفاع جدرانها الى ستة امتار وتبلغ سماكتها حوالي المتر. مراحل التسمية تحول اسم المبنى من المكتب الاعدادي الى تجهيز حلب عام 1920, وحينما افتتحت مدارس ثانوية اخرى بحلب تحول الاسم الى التجهيز الاولى ثم اصبح اسمها ثانوية المأمون عام 1949. كان يؤم هذا المعهد العلمي طلبة العلم من مختلف المدن السورية لاسيما الشمالية منها. كما كان نظام المدرسة نظاما داخليا حيث انقسمت المدرسة الى قسمين للدراسة وبناء للمبيت وكل ما يتعلق به من خدمات وملحقات. اما قسم الدراسة فكان يدرس فيه طلاب الصف السادس والمرحلة الاعدادية والثانوية ودور المعلمين بالاقساط او بالمجان وذلك حسب تفوق الطالب او وضعه الاجتماعي. قدمت ثانوية المأمون مئات الرجال الذين تركوا بصماتهم في ميادين الفكر والادب والعلم والفن والسياسة منهم د. منذر مكانسي كبير كيماويي شركة دوبلان, محمد السيد وفائي استاذ الجراحة العينية في جامعة هارفرد, محمد السيد رئيس لجنة منبر المسجد الاقصى, د. عبدالسلام العجيلي الطبيب والاديب الكبير. د. سعدالله آغا القلعة باحث موسيقي. الروائي وليد اخلاصي والمخرج هثم حقي. ذكريات لا تنسى يروي الاحياء ممن درسوا في هذه الثانوية كيف كان الطلاب يرمون الدبابات الفرنسية بالحجارة, ويتحدثون عن الملاحم البطولية وتحديهم للاستعمار, وعن شجبهم لزيارة الجنرال غورو للثانوية, والسخرية من الشيخ تاج الدين الذي عينته فرنسا رئيسا للحكومة آنذاك, اثناء زيارته للثانوية والهتاف ضده لانه كان يهادن الفرنسيين. واذا كانت مدينة حلب تفخر بقلعتها وثانويتها العريقة المأمون, فان المأمون تزهو طربا وتفخر بانها قدمت شهداء الاستقلال والحرية حيث سقط اكثر من شهيد من طلاب الثانوية عندما اقتحم الفرنسيون الثانوية لانهاء اعتصام قام به الطلاب احتجاجا على سياسة فرنسا التعسفية. وكانت الثانوية دائما قاعدة للنضال الوطني والقومي, فخرجت منها مظاهرات الاحتجاج والتأييد. وفي عام 1961 فوجىء الشعب العربي في سوريا بالانفصال بين سوريا ومصر فتحولت ثانوية المأمون الى قلعة صامدة للنضال الوحدوي. وبقيت المأمون موحدة الصفوف ادارة واساتذة وطلابا, جبهة قوية تناضل ضد الانفصال, ومازالت ثانوية المأمون تتابع مهامها التربوية والتعليمية والسياسية على اكمل وجه. وقد تعاقب على التدريس في هذه الثانوية مدرسون عظام كان لهم الفضل في احياء علوم اللغة العربية, ففي فترة الثلاثينيات وما قبل ذلك لم يكن للكتاب المدرسي وجود حيث بذل اساتذة التجهيز في ذلك الحين جهودا جبارة في كتابة الامالي وتأليف الكتب باللغة العربية. وكان الطلاب يتداولون تلك الامالي وينكبون الساعات الطوال ينقلون وينسخون المحاضرات, من اشهر هؤلاء المدرسين: الشيخ طاهر الكيالي, والروائي الكبير شكيب الجابري وامين الكيلاني وسامي الدهان, الشاعر سليمان العيسى, خليل هنداوي. اما في الفلسفة فقد كان الفيلسوف زكي الارسوزي من اوائل مدرسي هذه المادة في الثانوية. وتقوم ثانوية المأمون بدور ثقافي متكامل, اذ انها ترفد جوانب التعليم بمختلف الانشطة الثقافية والرياضية والموسيقية والمسرحية و ... من هذه الانشطة نذكر: أماسي الخميس: وهي عبارة عن امسيات ثقافية يشارك فيها طلاب الثانوية حيث يعقدون حلقات ادبية, ومناظرات فكرية يعقبها حفلات سمر. ـ تكريم بعض الاعلام والعلماء الكبار. ففي بداية الاربعينيات اجتمع نخبة من ادباء وشعراء وفلاسفة عرب لتكريم (أبي العلاء المعري) بمناسبة مرور ألف عام على وفاته, ضمن احتفالية ثقافية كبيرة, واسعة المشاركة. ـ اما في مجال الرياضة فقد كان طلاب الثانوية وما زالوا روادا في مجال الرياضة وفي المدرسة عدد من الكؤوس الرياضية التي حاز عليها طلاب الثانوية ضمن نطاق مباريات مدارس حلب. كما توجد في الثانوية عدة مرافىء رياضية منها: ملعب كرة القدم, ملعب كرة اليد, صالة جمباز, صالة للتنس. ويصدر عن الثانوية مجلة طلابية يحررها طلاب الثانوية بمساعدة اساتذتهم كان يطلق عليها في البداية اسم (صوت الطالب ) ثم تحول اسمها الى (صوت المأمون) وحاليا تصدر باسم (صوت الشباب). ـ ومما يذكر تلك الرحلات الطلابية التي تنظمها الثانوية بغية التعرف على بعض البلدان العربية, وزيارة آثارها ومواقعها التراثية ومدارسها وجامعاتها. من هذه الرحلات نذكر رحلة متميزة يتحدث عنها بعض طلابها, آنذاك وهي رحلة الى مصر الشقيقة في عام 1958 يذكر الاديب الكبير والطبيب عبدالسلام العجيلي كيف انه سافر في رحلة مدرسية الى مصر وحضر الجميع حلفة غنائية للسيدة ام كلثوم, وهناك قابلوا الشاعر الكبير احمد رامي وتحدثوا اليه وسعدوا بلقائه. كما تنظم المدرسة رحلات سياحية الى لبنان باستمرار. ـ وفي الثانوية فرقة موسيقية اعضاؤها من طلاب الثانوية, يشاركون في احتفالات الثانوية ويعزفون الاناشيد الوطنية والحماسية. ـ وفي عام 1992 تم الاحتفال بالذكرى المئوية لمدرسة المأمون, حضره كبار الشخصيات, هذا وقد تم اعتبار ثانوية المأمون من الآثار التي وثقت رسميا في منظمة اليونسكو التابعة لهيئة الامم المتحدة بصفتها مبنى اثريا يجب المحافظة عليه. مدخل المدرسة فناء المدرسة


* عن البيان