[align=justify]اعلم أن العلماء من أهل الفقه والأصول وغيرهم اختلفوا فى جواز المعاصى على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
وقد لخص القاضي _ عياض _ رحمه الله تعالى مقاصد المسألة فقال:
لا خلاف أن الكفر عليهم بعد النبوة ليس بجائز بل هم معصومون منه
واختلفوا فيه قبل النبوة : والصحيح أنه لا يجوز
وأما المعاصى : فلا خلاف أنهم معصومون من كل كبيرة
واختلف العلماء هل ذلك بطريق العقل أو الشرع؟؟
فقال الأستاذ أبو إسحاق ومن معه : ذلك ممتنع من مقتضى دليل المعجزة
وقال القاضي أبو بكر ومن وافقه ذلك من طريق الاجماع
وذهبت المعتزلة إلى أن ذلك من طريق العقل
وكذلك اتفقوا على أن كل ما كان طريقه الابلاغ فى القول فهم معصومون فيه على كل حال وأما ما كان طريقه الابلاغ فى الفعل فذهب بعضهم إلى العصمة فيه رأساً وأن السهو والنسيان لا يجوز عليهم فيه وتأولوا أحاديث السهو في الصلاة وغيرها ( وهذا مذهب الاستاذ أبى المظفر الاسفراينى من أئمتنا الخراسانيين المتكلمين وغيره من المشايخ المتصوفة )
وذهب معظم المحققين وجماهير العلماء إلى جواز ذلك ووقوعه منهم (وهذا هو الحق )
ثم لا بد من تنبيههم عليه وذكرهم اياه : إما في الحين على قول جمهور المتكلمين وإما قبل وفاتهم على قول بعضهم ليسنوا حكم ذلك ويبينوه قبل انخرام مدتهم وليصح تبليغهم ما أنزل اليهم
وكذلك لا خلاف أنهم معصومون من الصغائر التى تزري بفاعلها وتحط منزلته وتسقط مروءته
واختلفوا فى وقوع غيرها من الصغائر منهم :
فذهب معظم الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من السلف والخلف إلى جواز وقوعها منهم ، وحجتهم ظواهر القرآن والاخبار
وذهب جماعة من أهل التحقيق والنظر من الفقهاء والمتكلمين من أئمتنا إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر وأن منصب النبوة يجل عن مواقعها وعن مخالفة الله تعالى عمداً وتكلموا على الآيات والأحاديث الواردة فى ذلك وتأولوها وأن ما ذكر عنهم من ذلك انما هو فيما كان منهم على تأويل أو سهو أو من إذن من الله تعالى فى أشياء أشفقوا من المؤاخذة بها وأشياء منهم قبل النبوة ( وهذا المذهب هو الحق لما قدمناه) ولانه لو صح ذلك منهم لم يلزمنا الاقتداء بأفعالهم واقرارهم وكثير من أقوالهم ولا خلاف فى الاقتداء بذلك وانما اختلاف العلماء هل ذلك على الوجوب أو على الندب أو الاباحة أو التفريق فيما كان من باب القرب أو غيرها
قال القاضي وقد بسطنا القول فى هذا الباب فى كتابنا الشفاء وبلغنا فيه المبلغ الذى لا يوجد فى غيره وتكلمنا على الظواهر فى ذلك بما فيه كفاية ولا يهولك أن نسب قوم هذا المذهب إلى الخوارج والمعتزلة وطوائف من المبتدعة اذ منزعهم فيه منزع آخر من التكفير بالصغائر ونحن نتبرأ إلى الله تعالى من هذا المذهب وانظر هذه الخطايا التى ذكرت للانبياء من أكل آدم عليه الصلاة و السلام من الشجرة ناسيا ومن دعوة نوح عليه السلام على قوم كفار وقتل موسى صلى الله عليه و سلم لكافر لم يؤمر بقتله ومدافعة ابراهيم صلى الله عليه و سلم الكفار بقوله عرض به هو فيه من وجه صادق وهذه كلها في حق غيرهم ليست بذنوب لكنهم أشفقوا منها اذ لم تكن عن أمر الله تعالى وعتب على بعضهم فيها لقدر منزلتهم من معرفة الله تعالى هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى والله أعلم
انتهى من شرح صحيح مسلم للإمام النووي رحمه الله ج3 ص61[/align]
المفضلات