صلاة العصر صلاة الوسطى " فضلها ومكانتها "
قال الله تعالى "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين " البقرة 238
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلقد خاطب الله الأمة بالمحافظة على إقامة الصلوات في أوقاتها بجميع شروطها والمحافظة على الشيء هي المداومة عليه والمواظبة عليه ولقد أفرد الصلاة الوسطى بالذكر وقد دخلت قبل في عموم الصلوات تشريفا لها، وهذا ما يعرف في البلاغة بذكر الخاص بعد العام كقوله تعالى: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم ) الأحزاب (7) فالنبي صلى الله عليه وسلم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى من النبيين لكن أفردهم بالذكر تنويها بفضلهم وأنهم أولوا العزم من الرسل "، وقوله: " فيهما فاكهة ونخل ورمان " الرحمن(68) فالنخل والرمان من الفاكهة لكنه أفردهما بالذكر تنويها بفضلهما " وقوله تعالى " تنزل الملائكة والروح فيها " القدر(4) فالروح من الملائكة لكنه خص بالذكر تنويها بفضله وهكذا فذكر الصلاة الوسطى وإفرادها عن الصلوات تنويه بشرفها وفضلها ومكانتها .
الصلاة الوسطى هي صلاة العصر:
قال ابن جرير الطبري في تفسيره في قوله تعالى " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " 5/ 168 اختلفوا في"الصلاة الوسطى". فقال بعضهم: هي صلاة العصر . وأصحاب هذا القول كثيرون منهم " علي وابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وابن عمر وعائشة وأم سلمة وحفصة وذهب إلى هذا الحسن البصري وقتادة ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم .ثم قال ابن جرير : والصواب من القول في ذلك ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها صلاة العصر.وقال ابن كثير في تفسيره في ذات الآية 1/ 647 وقيل: إنها صلاة العصر. وهو مذهب أحمد بن حنبل والشافعي وهو الصحيح عن أبي حنيفة وصاحبيه، واختاره ابن حبيب المالكي، رحمهم الله.وقال : قال الترمذي والبغوي، رحمهما الله: وهو قول أكثر علماء الصحابة وغيرهم، وقال القاضي الماوردي: وهو قول جمهور التابعين. وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: هو قول أكثر أهل الأثر. وقال أبو محمد بن عطية في تفسيره: هو قول جمهور الناس.
الأدلة على ذلك :
احتجوا بحديث البخاري في الغزوات " غزوة الخندق " رقم 4111 من حديث علي رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ « مَلأَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ » وعند مسلم في المساجد باب " الدَّلِيلِ لِمَنْ قَالَ الصَّلاَةُ الْوُسْطَى هِىَ صَلاَةُ الْعَصْرِ " رقم 1457 من حديث علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ مَلأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا ». ثُمَّ صَلاَّهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
وعند مسلم برقم 1458شاهدا له من حديث عبد الله قال: حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ أَوِ اصْفَرَّتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا ».
وعند الترمذي في باب ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر رقم 181من حديث ابن مسعود قال قال رسول -صلى الله عليه وسلم- « صَلاَةُ الْوُسْطَى صَلاَةُ الْعَصْرِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ.
سبب تسميتها بالوسطى :
قال القرطبي في تفسيره 3/ 209 والوسطى تأنيث الأوسط. ووسط الشئ خيره وأعدله، ومنه قوله تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " البقرة (143) أي خيارا عدولا , وقال أعرابي يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
يا أوسط الناس طرا في مفاخرهم ....... وأكرم الناس أما برّة وأبا
وذكر ابن كثير في سيرته 3/ 496 من سؤال هرقل أبا سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف نسبه فيكم ؟ فقلت: محضا من أوسطنا نسبا.
وقال القرطبي في تفسيره 2/ 153 وفي التنزيل: " قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون " القلم (28) " أي أعدلهم وخيرهم.
وقال زهيربن أبي سلمى :
هم وسط يرضى الانام بحكمهم .... إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم .
ووسط الوادي: خير موضع فيه وأكثره كلأ وماء. وفلان من أوسط قومه، وإنه لواسطة قومه، ووسط قومه، أي من خيارهم وأهل الحسب منهم. قال أبو هلال العسكري في ديوان المعاني 1/ 228 ومن جيد ما قيل في فقد الولد قول ابن الرومي :
توخى حمام الموت أوسط صبيتي ..... فلله كيف اختار واسطة العقد
طواهُ الرّدَى عني فأضحى مَزَارهُ ... بعيداً على قرب قريباً على البعدِ
وواسطة العقد : يضرب بها المثل في تفضيل بعض الشيء على كله، فيقال: واسطة القلادة، وواسطة العقد .
فضل صلاة العصر ومكانتها
إضافة إلى ما تقدم من إفراد الصلاة الوسطى وهي صلاة العصر على قول الجمهور عن بقية الصلوات تنويها بشرفها وأنها الوسطى بمثابة واسطة العقد هناك من المزايا لها أيضا في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
من حافظ عليها أعطي الأجر مضاعفا
أخرج مسلم في " الأَوْقَاتِ الَّتِى نُهِىَ عَنِ الصَّلاَةِ فِيهَا" رقم 830 عنْ أَبِى بَصْرَةَ الْغِفَارِىِّ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ فَقَالَ « إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ. قال النووي : فِيهِ فَضِيلَة الْعَصْر وَشِدَّة الْحَثّ عَلَيْهَا . والمخمص اسم موضع معروف .
أنها سبب في دخول الجنة
فقد أخرج البخاري في فضل صلاة الفجر رقم 548 من حديث أَبِى مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ » قال ابن حجر في الفتح : قَوْله : ( مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَسُكُون الرَّاء تَثْنِيَة بَرْدٍ ، وَالْمُرَاد صَلَاةُ الْفَجْر وَالْعَصْر: سُمِّيَتَا بَرْدَيْنِ لِأَنَّهُمَا تُصَلَّيَانِ فِي بَرْدَيْ النَّهَارِ وَهُمَا طَرَفَاهُ حِين يَطِيبُ الْهَوَاءُ وَتَذْهَبُ سورَةُ الْحَرِّ.
أنها سبب في رؤية الله يوم القيامة :
أخرج البخاري في مواقيت الصلاة باب " فضل صلاة العصر " رقم 529 من حديث جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, قال : كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم فنظر إلى القمر ليلة - يعني البدر - فقال ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ) . ثم قرأ { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } ق 39
وعند مسلم في المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاتي الصبح والعصر رقم 633 " فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني العصر والفجر ثم قرأ جرير { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها }طه 130 . قال النووي : ( لا تضامون ) يجوز ضم التاء وفتحها وهو بتشديد الميم من الضم أي لا ينضم بعضكم إلى بعض ولا يقول أرنيه بل كل ينفرد برؤيته وروي بتخفيف الميم من الضيم وهو الظلم يعني لا ينالكم ظلم بأن يرى بعضكم دون بعض بل تستوون كلكم في رؤيته تعالى
أن الملائكة يجتمعون في صلاتي الفجر والعصر
فقد أخرج البخاري في المواقيت " باب فضل صلاة العصر " رقم 530 من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ) وعند مسلم في المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاتي الصبح والعصر رقم 632 بمثله . ومعنى يتعاقبون تأتي طائفة بعد طائفة .
من تركها حبط عمله
أخرج البخاري في المواقيت باب " إثم من ترك العصر " رقم 528 عن أبي المليح قال كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم فقال بكروا بصلاة العصر فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله .
وأخرج في باب " إثم من فاتته العصر برقم 527 عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله )
وهو عند مسلم في المساجد ومواضع الصلاة باب التغليظ في تفويت العصر رقم 626 بمثله . قال النووي : ( وتر أهله وماله ) روى بنصب اللامين ورفعهما والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور ومعناه انتزع منه أهله وماله فبقي بلا أهل ولا مال فليحذر من تفويتها كما يحذر من ذهاب أهله وماله وقال أبو عمر بن عبدالبر معناه عند أهل اللغة والفقه أنه كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وترا والوتر الجناية التي يطلب ثأرها فيجتمع عليه غمان غم المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر ]
الخاتمة : بناء على ما تقدم يتبين لنا كم لصلاة العصر من فضل وشرف ومكانة بين الصلوات ولا يعني هذا أن الصلوات الأخرى ليس لها فضلها ومكانتهاولكن يفضل الله سبحانه ما يشاء على ما يشاء نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المحافظين على صلواتنا المواظبين عليها في أوقاتها اللهم آمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
بقلم الدكتور : محمد نور العلي .
المفضلات