[justify]
في الهجرة فقه وقيم ومثل

بقلم: شيخ الأزهر الأسبق جاد الحق علي جاد الحق

لم تكن هجرة الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مكة إلى المدينة حدثـًا من الأحداث العابرة التي تطوى في سطور الصحف ، أو تطمر في غمار الأحداث ، ولكنها أكبر وأجل وأعظم من كل حادثة أو حدث ، لأنها تمثل تحولاً بالدعوة وتوسعـًا في مجالاتها ، ودعمـًا لمقوماتها وحركة وفكرًا وحياة ، انبعثت تذكى الروح المعنوية لجماهير المسلمين المقيمين في المدينة ، والذين كانوا يترقبون بزوغ نور الإسلام على يثرب بقدوم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليها واتخاذها مقرًا للدعوة الإسلامية .


كانت الهجرة بداية انطلاق إلى آفاق تتسع فيها الدعوة وتسعى وتنتشر ، وتعم الجزيرة العربية وما حولها ولتصبح المدينة قاعدة الدولة والدعوة .


في الهجرة برزت أخلاق ومبادئ كما كان فيها أمور خارقة لما اعتاده الناس ، فقد أيد الله رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هجرته بجنود لم يبصرهم الناس كما قال في كتابه في سورة التوبة : ( فأنزل الله سكينتهُ عليه وأيده بجنود لم تروها ) (التوبة/40) .



قيم برزت بالهجرة

وكان في الهجرة تلك الصداقة التي تخلت عن المال والأهل والولد في سبيل الصحبة ، تلك هي صداقة وصحبة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وفداؤه لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وترتيب وتدبير أمر الرحلة المباركة دعماً لها من أولاد أبي بكر وأتباعه .


كانت كل تحركات أبي بكر حال رحلة الهجرة تشير إلى حرصه على سلامة صاحبه وبلوغه مقصده ، فهو يرتاد الطريق ويمشي مرة أمامه ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن يساره ، ومن ثم فقد برزت في الهجرة قيم الإيمان العميق بمبادئ الحق والعدل والخير والوفاء النادر .


وذلك كله سمو في الخلق الإنساني وبعث للثقة في قدرة الإنسان ـ متى استقام على طريق الله ـ على النهوض بالأعباء التي أناطها الله به حين استخلف في الأرض ؛ وهي إقامة الدين الحق الذي يصون الأمن ويشيع الإخاء والمودة .


فِقْهُ التجربة برز ظاهرًا واضحـًا في تحديد المهام لكل المعاونين في نجاح الهجرة . ومن فقه الهجرة جواز الاستعانة بغير المسلم فيما يحسنه مما يلزم المسلمين فقد اختير دليل الرحلة خبيرًا يعرف دروب الصحراء ، وكان غير مسلم .


بهذه الهجرة نشأت الدولة بعد أن أقيم المسجد وعقدت المعاهدات وتوالت التشريعات وتوالى النصر والانتصارات حتى دخلت الجزيرة كلها في دين الله .


وصار الإسلام دعوة ودولة ولحق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ برحاب الله ـ راضيـًا مرضيـًا .

--------------------------


[/justify]