فضل يوم عاشوراء

د . تيسيررجب التميمي

شهر الله المحرم، شهر عظيم مبارك، أول العام الهجري وواحد من الأشهر الحرم التي اصطفاها الله فعظمها وقال فيها “إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافةً واعلموا أن الله مع المتقين” (التوبة 36)، ومعنى “فلا تظلموا فيهن أنفسكم” أن الله سبحانه جعل العمل الصالح في الأشهر الحرم أعظم أجراً والظلم فيها أعظم خطيئة ووزراً من الظلم في ما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً .

وقال صلى الله عليه وسلم: “السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان” (رواه البخاري) .

شهر الله المحرم، موسم من مواسم الخيرات وزيادة الطاعات والقربات، وأظهرها الصيام، قال صلى الله عليه وسلم “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم” (رواه مسلم) وكلما كثر الصيام في محرم كان أفضل وأطيب .

وفي شهر الله المحرم هذا يوم فضيل هو يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر منه، يوم يستحب فيه التقرب إلى الله تعالى بالصيام، فقد “قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه (رواه البخاري) . وفي رواية أخرى “كان أهل خيبر (اليهود) يتخذونه عيداً ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم فصوموه أنتم” (رواه البخاري)، ولعل هذه هي الحكمة من استحباب صيامه، وروى أحمد أنه اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكراً .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال “ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان” (رواه البخاري)، ومعنى “يتحرى” أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه .

كانت قريش تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، وصامه صلى الله عليه وسلم معهم في مكة، وصامه هو والمسلمون قبل أن يفرض رمضان، فلما فرض رمضان قال صلى الله عليه وسلم: “إن عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه” (أخرجه مسلم) .

إذن في هذا إشارة إلى أن صوم عاشوراء كان فرضاً في بداية الإسلام، ثم نسخ وجوبه بفرضية صوم رمضان، وبقي الأمر فيه على الندب والاستحباب، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم “هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر” (رواه البخاري) .

ويجوز إفراد يوم عاشوراء بالصوم، لكن الأكمل صيام عاشوراء وضم تاسوعاء إليه وهو اليوم التاسع من المحرم “فالرسول صلى الله عليه وسلم حين صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال صلى الله عليه وسلم فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال ابن عباس رضي الله عنه: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم” (رواه مسلم) .

ويتضح من الحديث النبوي أن حكمة استحباب صيام تاسوعاء مع صيام عاشوراء هي مخالفة اليهود في اقتصارهم على صوم اليوم العاشر .

وحرص الصحابة والسلف الصالح على صيام عاشوراء، فقد أرسل صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: “من كان أصبح صائماً فليتم صومه ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، فكنا بعد ذلك نصومه” (رواه البخاري) . وكان من السلف من يصومه في السفر ابتغاء تحصيل ثوابه، معللين ذلك بأن رمضان له عدة من أيام أخر، أما عاشوراء فإنه يفوت .

وفي فضل صوم يوم عاشوراء ومضاعفة الأجر فيه قال صلى الله عليه وسلم: “ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله صيام يوم عر فة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله” (رواه مسلم)، ومعنى تكفير سنة أي ذنوب سنة من الصغائر، فإن لم يكن للصائم صغائر خفف من كبائر السنة، وهذا التخفيف موكول إلى فضل الله تعالى، فإن لم يكن له كبائر رفع الله له الدرجات .

ويرى بعض العلماء استحباب التوسعة على العيال والأهل في عاشوراء، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في ذلك: “من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته” (رواه البيهقي).