النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الهي ..............

  1. #1
    كلتاوي جديد

    الحاله : علاء حسين اليوسف غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2010
    رقم العضوية: 6294
    المشاركات: 10
    معدل تقييم المستوى : 0
    Array

    4 الهي ..............

    بسم الله الرحمن الرحيم



    في ليلة طويلة ظلماء , ساقني الكرب إلى أعتاب الخالق عز وجل . وهناك , لقيت من الأنس أضعاف ما أملته من دنيا الناس وشؤونهم . فغمرتني نشوة الذل لقيوم السماوات والأرض , وفاض القلب بهذه النجوى .









    وكيف يكون كسيراً وأنت النور الذي يشع في حناياه ,
    والأمل الذي يخفق به ويعيش عليه !..
    بل كيف لا يكون كسيراً , وقد ذلّ لعظيم سلطانك ,
    ودان لسابق حكمك وقضائك ! . .


    * * *

    بلائي به , محض العبودية لك . والتجاؤه إليك , محض رعايةٍ وتوفيق منك .
    فلأيهما أدين بالشكر , وعلى أيهما أبذل التحمل والصبر , وأقسى ما في كل منها
    نعمة منك لا أستحقها , ويد جميلة لا قبل لي بأداء شكرها .
    مولاي : لئن نسيتني أفراح الدنيا , فإن عزائي بما فاتني منها عظيم ما ألقاه من الأنس بذاتك , والأمل في رحمتك .
    ولئن أبكتني صروف الليالي والأيام , فإن عزائي معها بكائي على أعتاب لطفك وبين يدي ربوبيتك .

    وشتان بين دموع اعتصرتها الآلام من العيون , ودموع استجابت لذل العبودية فانحدرت تبكي لمن خلق الوجد في القلوب , وأودع الحرقة في الدموع .


    * * *

    مولاي : أأشكرك على ما أوليتني من نعمة الصبر على البلاء , أم أشكرك على ما أوليتني بذلك من سعادة القرب إليك ولذة المناجاة لك ؟ . .
    جلت حكمتك يا سيدي , وصدق ما قاله الواصلون :

    إن في كل جلال جمالاً , وفي كل ابتلاء منةً ولطفاً .

    وهل في اللطف ما هو أعظم من انصراف العبد إليك , وتحوله عن الأغيار إلى ملازمة بابك الكريم .
    إلهي : أي شيء يوحشني من الدنيا فقده , بعد أن رأيتك أمامي , وأنست بك في سري وجهري ؟ ..
    بل أي منة منك أعظم وأجل من أن تزيح عني حجاباً كان قد شغلني عنك , فشغلت بك عنه بما أكرمتني من الاعتصام بك والتضرع إليك ؟ ..
    أجل يا سيدي .. لقد ذهب موسى عليه السلام ليقتبس ناراً , فعوضته عن ذلك بعظيم نجواك ! ..

    نعم إن القلب قد يتألم ولكن ما ألذ الألم الذي يذيق صاحبه طعم العبودية لك وحلاوة الأنس بك ! ..


    * * *

    ولكني يا مولاي , أجدني قد تطاولت بهذا القول إلى مكانة ليس لي شرف الدنو إليها . وما أنا – وحقك – في المنزلة ممن يحسن بهم أن يقولوا :

    عذب بما شئت غير البعد عنك ..

    إنني يا مولاي عبد إحسانك وفضلك , افر من كل ضائقة إلى ظلال رحمتك , وأرتمي هارباً من كل بلاء أمام أعتاب جودك .
    حسبي إن أتعلق في الخوف من كل كرب بنجوى أحب خلقك إليك :

    " ولكن عافيتك أوسع لي " .

    وبدعاء نبيك الكليم : " رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير " .
    وبنداء رسولك الصابر الأواب : " رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ".
    وكيف لا أتعلق بفضلك واطمع بعافيتك , وأنت الذي لم تقصني عن مائدة إحسانك في يوم من حياتي , ولم تقطع عني وابل رحمتك في لحظة من عمري ؟ ! ..
    أما كيف أركن إلى البؤس والضيق , وأنت الذي عودتني العطاء , ونشأتي في ظلال الرخاء ؟ ! ..
    أعوذ برحمتك التي غمرت بها وجودي كله , من أن تبدل بها شدة لا قبل لي بها , أو بلاء لا صبر لي عليه .

    * * *

    إلهي : سألوني عن وجودك . فقلت لهم :

    متى عرفتم أنفسكم رأيتموه , ولولا ضلالكم عن كينونتكم لما افتقدتموه .

    إن الذي ينظر إلى العالم ذاهلاً من وراء منظار , جدير به أن يفتقد منظاره ولايراه ومهما أدار عينيه فيما حوله فإنه لن يعثر عليه , حتى يهتدي إلى ذاته ويتحسس المنظار القائم أمام عينيه .
    وسألوني عن أقدس سر من أسرارك . فقلت لهم :
    إنه القلب ! . ...............

    يخفق ويحس , ويحن ويئن , في عالم لا تطوله فيه يد المال والمتاع , ولا الصنعة والخداع . ولا الدنيا وزخرفها , أو المادة وقيمتها ! ..

    عروش الدنيا وممالكها , وبطشها وسلطنتها - كل ذلك أقل من أن يقاوم

    ( خفقة من خفقات قلب محب ! ..)


    ونعيم الدنيا وأفراحها , ولهوها ولذائذها – كل ذلك أقل من أن يخلق


    ( لمعة فرح في قلب حزين ! ..)

    يمضي الناس في معالجة مدنياتهم وحضاراتهم , ويتسابقون إلى دنياهم وملاذهم وتبقى هذه القلوب الخفاقة فوق ذلك كله , لا تطورها يد الحضارة , ولا تغيرها آثار المدنيّة .
    فهل في أسرار ما صنعه الخالق شيء أقدس وأعجب من القلب .

    * * *

    وسألوني يا مولاي عن أبدع مخلوقاتك وأجمل آثارك ,

    فخرجت بهم أجتلي مغاني الربيع ! ..

    ولما توسطنا السفوح الخضر , وهي ترتج وتموج بما انبسط فوقها من أفنين الخضرة الفاتنة , والرياحين العطرة , والأزاهير التي تذوب وراء جمالها العين – ناديت بأعلى صوتي :

    " فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها " !..

    انظر إلى آثار رحمة الله , كيف بدلت وحشة الأرض أنساً , وحولت جدبها اخضراراَ , وأخرجت من قسوتها رقة تثمل بها النفس , وفتنة ينتشي بها القلب !.
    بالأمس كنت تنظر إلى هذه الأرض وهي بلقع تلفها وحشة اليأس , واليوم تبعث العين فيها وإذا هي تفيض حياة ونضاراً , وتزدان برونق الأمل ! ..
    بالأمس كان يبصر فيها العاشق الملتاع صدى لوحشته وعذابه , واليوم يجلس إليها ليتخذ منها نجي أشواقه , وسمير آلامه , ومبعث أماله .

    أجل .. فانظر إلى آثار رحمة الله , كيف يحي الأرض بعد موتها !..
    مولاي : هل كان فيما أبدعه صنعك هذا ما بين شتاء وربيع , إلا صورة رائعة أبرزت فيه بعظيم إبداعك ,
    كيف يتحول اليأس المحرق إلى أمل خافق منعش , وكيف تنشأ الحياة المضيئة من جوف ظلام ميت ! . .
    جلت حكمتك وعظمت رحمتك يا مولاي : متعت أعين العشاق بالورود الحمراء , وأنطقتها لهم بلغة من الجمال تتقاصر عنها لغة الكلام , حتى يكون لهم من ذلك عزاء عن الجمال الذي افتقدوه وسلوى عن الأمل الذي خسروه ! ..
    أنعشت نفوسهم بعبق الرياحين وعطر الزهور , حتى يغسلوا أفئدتهم بها من غبار الكآبة وألم الهجران ! ..
    أقمت لهم من مرأى الخمائل , بكل ما زينتها بهي من فتنة وجمال , نديماً يسامرهم , وجليساً يؤنسهم , ونجياً يتأثر لأناتهم ويتمايل لآهاتهم ! ..
    وأبدعت لهم ذلك كله , يا مولاي , من جوف أمِّهم الأرض ! ..


    أجل .......... فانظر إلى آثار رحمة الله , كيف يحي الأرض بعد موتها !..
    أجل .......... فانظر إلى آثار رحمة الله , كيف يحي الأرض بعد موتها !..


    من فكر الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي












    عرفت الهوى مذ عرفت هواكا


    وأغلقت قلبي عمن سواكا


    وقمت أناجيك يا من ترى


    خفايا القلوب ولسنا نراكا


    أحبك حبين حب الهوى


    وحبا لانك أهل لذاكا


    فأما الذي هو حب الهوى


    فشغلي بذكرك عمن سواكا


    واما الذي هو أهل له


    فكشفك لي الحجب حتى أراكا

  2. #2
    كلتاوي مميز

    الحاله : د.محمد نور العلي غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Sep 2009
    رقم العضوية: 5441
    الدولة: سوريا حلب
    الهواية: البحث الشعر التأليف تحقيق مخطوطات
    السيرة الذاتيه: دكتور في الحديث من جامعة الأزهر
    المشاركات: 667
    معدل تقييم المستوى : 109
    Array

    افتراضي رد: الهي ..............

    أخي علاء بدايات طيبة جزاك الله خيرا على هذه التحفة بحق للدكتور البوطي حفظه الله تعالى التي تأتلق جمالا وتشع ضياء
    شكرا جزيلا لقد سعدت بهذه المشاركة الرائعة
    اطّلاعك على فكر غيرك إثراء لفكرك
    احترامك للرأي الآخر هو احترام لرأيك أولا
    ليكن نقاشك للفكر لا لصاحبه
    د. محمد نور العلي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •