[justify]

مليون حالة إجهاض في العالم سنوياً

الإسلام يحيط الجنين بحماية شاملة


القاهرة - إسلام عبدالعزيز:



“26 مليون حالة إجهاض رسمي و20 مليوناً غير رسمي، في العالم سنوياً” . هذا ما تؤكده تقارير منظمة الصحة العالمية، ما يعني أن 46 مليون إنسان يقتلون سنوياً، وهذا الرقم المهول لم يسجل في أعتى حروب التاريخ ضراوة . وعلى مستوى الأمهات فإن تقارير أخرى موثقة تؤكد أن عمليات الإجهاض غير الآمن تقتل 70 ألف امرأة سنوياً وتضر بالملايين، والمصيبة الأكبر أن إجهاض غير المتزوجات يمثل 87% من اللاتي يقدمن على الإجهاض، بحسب تلك التقارير .

على مستوى التفصيلات فإن إفريقيا وحدها تجري فيها 5 .5 مليون عملية إجهاض غير آمن سنوياً لا تتم بمعرفة اختصاصيين، وكشفت إحصائية صادرة عن وزارة الصحة في إحدى الدول العربية، أن حالات الإجهاض في المستشفيات المحلية بلغت في عام ،2009 47 ألفاً و586 حالة إجهاض، وفي الوقت نفسه تجرى سنوياً 2،3 مليون عملية إجهاض في إندونيسيا، وتبلغ نسبة السيدات اللواتي يجرين عملية إجهاض قبل بلوغهن سن 45 عاماً في الولايات المتحدة 43% من نسبة النساء .

الأمر إذاً يحتاج إلى وقفة، في عالم يتشدق بحقوق الحيوان، فما باله يقتل الإنسان؟ وأي إنسان؟!! إنه الضعيف الذي لا يقوى على أن يدفع الضر عن نفسه، فكيف وصلنا إلى هذه الدرجة من الوحشية؟ وهل قدم الإسلام سياجاً محكماً من الحقوق يكفل لهذا الكائن الضعيف حقه في الحياة وحقوقه الأخرى؟!

بداية لا بد من تعريف فقهي للجنين، وهو بالمناسبة لا يختلف عن التعريف العلمي، فالجنين في اللغة هو “حمل المرأة مادام في بطنها” فإن خرج فهو “ولد” وإن خرج ميتاً فهو “سقط”، وقد يطلق عليه أنه جنين أيضاً، ويسمى جنيناً منذ اللحظة التي يلتقي فيها الحيوان المنوي بالبويضة مكونين خلية تتكاثر حتى تصبح خلقاً مصوراً متكاملاً إلى ما قبل مولده .

وفترة حياة الجنين في بطن أمه فترة تؤثر به وبمستقبله، حيث أكد باحثون تابعون للمركز الأوروبي لعلم التذوق الذي يتخذ من فرنسا مقراً له أن الأطفال يتعرفون إلى مذاق بعض الأطعمة وهم في أرحام أمهاتهم، وبيّنت العديد من الدراسات أنهم يتعرفون أيضاً إلى الأصوات مستدلين بحفظ بعض الأطفال القرآن الكريم تحت ال6 سنوات لأن أمهاتهم كن يسمعنهم إياه في فترة تكونهم، ما يسر حفظه عليهم .

حقوق متعددة

يقول الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية وفقهاء الشريعة حقوق الجنين متعددة في الإسلام وتبدأ بحقه الأول في الحفاظ على حياته، فلا يجوز إسقاطه بالرغم من اختلاف العلماء في جواز الإجهاض قبل بلوغ الجنين 120 يوماً لأن الروح الإنسانية تنفخ فيه بعد ال120 كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن أحدكم ليجمع في بطن أمه 40 يوماً ثم مثلها علقه ثم مثلها مُضغة ثم يأمر الله الملك فينفخ فيه الروح” .

وهذا الحديث وإن كان يبين أن الروح الإنسانية تأتي بعد 120 يوماً، فإن الجنين قبل هذه المدة فيه حياة، بل إن الحيوان المنوي والبويضة فيهما حياة ابتدائية بالرغم من خلوهما من الروح الإنسانية، لوجود فارق كبير بين الحياة والروح، على حد تعبير الدكتور عثمان .

ويضيف د . عثمان: إن العلماء بعد إجماعهم على أنه لا يجوز إجهاض الجنين بعد بلوغه 120 يوماً لوجود الروح الإنسانية، اختلفوا حول جواز الإجهاض خلال المدة الأقل من 120 يوماً، والرأي الذي يرجحه د . عثمان أنه لا يجوز الإجهاض إطلاقاً، إلا إذا اشتدت الحاجة إليه في ال40 يوماً الأولى، ولا يجوز الإجهاض بعد ال120 يوماً إلا إذا أدى بقاء الجنين في بطن أمه إلى تعريض حياتها للخطر .

ويوضح د . عثمان أن الحق الثاني للجنين هو أهلية الحقوق بمعنى أن له نصيباً في الميراث يحفظ له حتى يولد، وهو أهل لقبول التملك، فيمكن كما يشير د . عثمان لأي إنسان أن يهبه شيئاً من أملاكه وتثبت له هذه الملكية .

ويلفت إلى أنه في حالة اعتداء أي إنسان على امرأة حامل اعتداء أدى إلى إجهاضها فإنه يعاقب بنصف عُشر الدية الكاملة التي تبلغ 1000 دينار كما قدرت في الأحاديث النبوية، والدينار وقتها كان يزن أربعة غرامات وربع الغرام من الذهب في أرجح الآراء، وعلى هذا تكون الدية حاصل ضرب 1000 دينار × 4 غرامات وربع الغرام من الذذهب = 4250 غراماً من الذهب، ويصبح نصف العشر 5 .212 غرام من الذهب حسب السعر الحالي .

ويضيف د . عثمان أن الميراث من حقوق الجنين أيضاً فيحفظ نصيبه على أحسن الاحتمالات وهي أن يقدر كونه ذكراً أو ذكرين لاختلاف العلماء إذا مات والده .

ويرى أنه في حالة إضرار الصيام بالجنين فإن الشرع يبيح لأمه أن تفطر في رمضان وتصوم بعد ولادته أياماً عوضاً عما أفطرت، ويصبح الإفطار واجباً إذا أقر طبيب ثقة باحتمال وقوع ضرر على الجنين، وتصبح الأم آثمة لو لم تفطر، وما ذلك إلا من باب حفظ حق الجنين وعدم الإضرار به .

أبوان مسلمان

ومن جانبه يؤكد د .رجب أبومليح أستاذ أصول التربية، المحاضر بالجامعة الإسلامية بماليزيا أن الإسلامئاهتم بالجنين اهتماما كبيراً، وجعل له حقوقاً أصيلة، ما يدل على اعتبارهئكائناً موجوداً له احترامه وحقوقه التي يجب أن توفر له، حيث تبدأ تلك الحقوق باختيار أبويه على دين الإسلام ليدل ذلك على اهتمام الإسلام بكمال دين الجنين قبل مجيئه، فيقول تعالى: “ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم” (البقرة: 221)، فأبوه يجب أن يكون مسلماً، ومن هنا حرم الإسلام على المسلمة حيث أن تتزوج غير مسلم، لأن الابن سيتبع دين أبيه، والإسلام اختار له الدين الأكمل، ويكتمل الأمر عندما تكون أمه مسلمة يقول تعالى: “ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم” (البقرة: 221) .

كما يشترط الإسلام أن يكون والداه من ذوي الأخلاق الحسنة امتثالاً للأمر النبوي في قوله صلى الله عليه وسلم : “إذا خطب إليكم من ترضون دينهئوخلقه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض” (رواه الترمذي وابن ماجة)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: “لا تَزَوجُوا النساء لحسنهن؛ فعسى حُسْنهن أن يرديهن،ئولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين” رواه ابن ماجة .

ويشير د . أبومليح إلى التوجيهات النبوية للرجل عندما يأتي أهله حيث أمره بترديد هذا الدعاء: “باسم الله، اللهمّئجنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا” بهدف حفظ الجنين من الشيطان .

وينبه إلى أن الإسلام راعى الحفاظ على صحة الجنين، فعن عمر رضي الله عنه “اغتربوا؛ لا تَضْوُوا” وهذا ما أثبته العلم الحديث حيث إن زواج الأقارب يورث الضعف في النسل، ويعرضه لانتقال الأمراض الوراثية، ولفت أبومليح كذلك إلى أن إباحة الفقهاء للفحص الطبي قبل الزواج بل وجوبه في بعض الأحوال بمنزلة حماية لحقوق الجنين .

حفظ الجنين وأمه

ويضيف د . أبومليح: إن الإسلام حرص على الاهتمام بتوفير ما يحفظ الجنين وأمه، حيث كفلت له الشريعة حقه في إنفاق والده عليه، وتوفير السكن المناسب والرعاية الكاملة، فالنفقة واجبة على أبيه حتى لو كانت الأم ناشزاً أو مطلقة، قال تعالى: “أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوائعليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهنئوأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى، لينفق ذو سعة من سعته ومن قدرئعليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً) (الطلاق: 6 7) .

ويستطرد د . أبومليح قائلاً إن الإسلام أمر بتعطيل الحد الشرعي تأجيل العقوبة البدنية على الأم خلال فترة الحمل والرضاع إذا كان ذلك سيؤثر في الجنين بالضرر، حيث أوقفت الشريعة تنفيذ عقوبة الإعدام لحين وضع الجنين بل حتى اكتمال قدرته على الاعتماد على نفسه، مدللاً على ذلك بقصة المرأة الغامدية التي حملت من الزنا فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : “اذهبي حتى تضعي حملك” ثم إلى إرضاعه “لا نرجمها وندع لها ولدها صغيراً ليس له من يرضعه” كما ورد في صحيح مسلم .

ويؤكد أيضاً أن من حقوق الجنين المعاصرة (حق حماية النطف) مشيراً في ذلك إلى طفل الأنابيب أو التلقيح الصناعي، ويوضح أن صورته الصحيحة أن تكون النطفة من الزوج، والبويضة من الزوجة أثناء فترة الزوجية، ولا يصلح الأخذ من هذه البويضات الملقحة بعد انتهاء فترة الزوجية بالطلاق البائن أو الوفاة حفاظاً على حق الجنين في النسب .

ولهذا السبب كما يرى د . أبومليح كان تحريم الرحم “الظئر” بتعبير الفقهاء، وهو ما يعني الرحم المستأجر، وغير ذلك من الأمور التي لا يعيش معها الجنين بصورة طبيعية في الحياة، ويلاحقه نسب صاحبة الرحم المستأجر، وصاحبة البويضة .

أنواع الإجهاض

ومن جانبها تؤكد الدكتورة منى الكاشف أستاذة أمراض النساء والتوليد والعقم أن التغذية السليمة للأم تعتبر من الحقوق الأولية قبل الحمل وأثناءه، فتصبح الأم بحاجة إلى تناول نسبة مضاعفة من البروتين تصل إلى 100 غرام يومياً، لاعتباره مصدراً مهماً لبناء أنسجة الأم والجنين، إلى جانب الاهتمام بالأطعمة الغنية بالحديد والزنك والكالسيوم والمعادن والفيتامينات وحامض الفوليك الذي يدخل في بناء خلايا الدم الحمراء ويساعد على نمو الجهاز العصبي للجنين، وكل ذلك لتجنيب الجنين سوء التغذية الذي يسبب له أمراضاً خطرة .

وتوضح أن الإجهاض أنواع، منه “التلقائي” الذي يحدث من دون تدخل من أحد وبحكمة من الله عز وجل لوجود مشكلات صحية عند الأم، ومنه “الإجهاض الجنائي أو المفتعل” وهو الذي تجرمه أخلاقيات المهنة ويعاقب عليه القانون في الدنيا، والله عز وجل في الآخرة، ولا يقوم به إلا أطباء السوق السوداء في الخفاء، مشيرة إلى أن الأم مهددة في عملية الإجهاض هذه بالإصابة بأمراض خطرة قد تؤدي بها إلى استئصال الرحم بكامله أو موتها في بعض الأحيان .

وتشير د . الكاشف إلى وجود نوع ثالث من الإجهاض يسمى “الإجهاض العلاجي” ولا يتم اللجوء إليه إلا في حدود ضيقة، وذلك إذا هدد الحمل صحة الأم فتتم التضحية بالجنين من أجل إنقاذ حياتها .

وتلفت أستاذة أمراض النساء والتوليد والعقم إلى أن التعليمات البسيطة التي كانت تنصحنا بها أمهاتنا وجداتنا منذ القدم بمنزلة “روشتات” قيمة لكل حامل، وحقوق مهمة لكل جنين إذا التزمت الأم بتنفيذها، مثل عدم حمل أشياء ثقيلة، وعدم الإجهاد والإقبال على أعمال عنيفة، وعدم صعود السلم ونزوله مرات عدة، مع الاهتمام بارتداء الملابس الواسعة التي تمتص الرطوبة، وعدم ارتداء أحذية عالية عن الأرض .

عقوبات قانونية

وبالرغم من اهتمام الشرع والطب بالجنين وحياته فإن القانون أيضاً كفل له ما يحفظ حياته وأقر توقيع العقوبة على من يهدده .

ولذا يؤكد خالد حسن عضو نقابة المحامين المصرية وعضو اتحاد المحامين العرب، أن القانون جرم الإجهاض في قانون العقوبات، ووضع الكثير من المواد التي تختص بعقوبة الإجهاض، ومنها في القانون المصري على سبيل المثال المادة 260 التي تنص على أن “كل من أسقط عمداً امرأة حاملاً بضرب أو نحوه من أنواع الإيذاءات يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة”، بينما تنص المادة 261 من القانون نفسه على أن “كل من أسقط عمداً امرأة حاملاً بإعطائها أدوية أو باستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك سواء كان برضائها أم غيره يعاقب بالحبس” .

ويوضح أن المادة 262 توقع العقوبة نفسها على الحامل التي رضيت بتعاطي الأدوية مع علمها بها أو مكّنت غيرها من استعمال تلك الوسائل بحيث تسبب الإسقاط، مشيراً إلى أن المادة 263 أيضاً نصت على أنه “إذا كان المسقط طبيباً أو جراحاً أو صيدلياً أو قابلة يحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤقتة”، وبهذا يكون القانون قد عاقب كل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجريمة سواء كانت الأم نفسها أو الآخرون أو الأطباء [/justify]