[justify]قد أظلّكم شهر مبارك

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء


كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشّر أصحابه بقدوم شهر رمضان المبارك فيقول: «يا أيها الناس، قد أظلّكم شهر مبارك، فيه ليلة خير من ألف شهر، فرض الله فيه صيامه، وجعل قيام ليله تطوعاً، فمن تطوّع فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة في ما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة، فهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وهو شهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطّر فيه صائماً كان له عتق رقبة، ومغفرة لذنوبه». (أخرجه ابن خزيمة من حديث سلمان رضي الله تعالى عنه)، يفعل ذلك ليهيئ نفوس أمته لاستقبال هذا الشهر المبارك، فيغتنموه ولا يغبنوا فيه، لا يتكرر في العام إلا مرة واحدة، وما يدري المرء أيعود لمثله أم لا. وهو موسم عظيم لله فيه هبات وعطيات ونفحات، لا يدرك أحد مدى ذلك، حجب الله علم ذلك عن كل أحد من خلقه، وقال «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به». (كما في الصحيحين). وقد بيّن في حديث آخر أن «من أدرك رمضان فلم يغفر له، أبعده الله». (أخرجه ابن حبّان وأحمد). وفي رواية «رغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له». فإذا لم يستعد المرء لاستقباله بصالح القول والعمل فلعله يفتر عن ذلك ثم يندم، ولات حين مندم. ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فما من خير إلا دلّهم عليه، وما من شر إلا حذرهم منه. فعلى المسلم أن يهيئ نفسه لهذا المضمار الذي يتنافس فيه المتنافسون، فإن وفق له فذلك هو المراد، وإن لم يوفق بمرض مفند أو موت مجهز كتب له أجره، فقد قال عليه الصلاة والسلام «إن الله عز وجل ليكتب نوافله وأجره قبل أن يدخله، إن المؤمن ليعد فيه القوة للعبادة، وإن المنافق ليعد فيه الغفلات، فهو غنم للمؤمن، ووزر على المنافق». ومن ذا الذي لا يريد أن يكتب الله له خير هذا الشهر العظيم؟ اللهم إلا أن يكون ممن كتبت عليه شقوته في الدنيا و الآخرة.

وإن من فضل الله تعالى على المسلم أن يعود عليه رمضان وهو صحيح مقيم يمكنه أن يصوم ويقوم ويصلي ويقرأ ويتصدق ويعتكف ويذكر، فهذه أمنيات الصالحين ورغبة الصادقين الذين يزرعون لآخرتهم كما يعمرون دنياهم، الذين يصدق فيهم قول الشاعر:

فلا هو في الدنيا مضيّع نصيبه ولا عَرض الدنيا عن الدين شاغله

وقد صح في الحديث عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ». ذلك أن هاتين النعمتين سريعتا التغير والذهاب، فمعوقات الصحة كثيرة، وشواغل الدنيا أكثر من ذلك، فكان من الحزم للمؤمن أن ينتهز هذه الفرصة العظيمة التي لا يعوّض يوماً منها صومُ الدهر، ولا ليلة القدر فيه وهي خير من ألف شهر، والتوفيق بيد الله تعالى والمحروم من حرم الخير ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وهو سبحانه ولي التوفيق.



[/justify]