كيف أُعتَقُ من النار..لو سمحت؟

بقلم مصطفى عبدالعال

هل يعتق الله في رمضان مَن ظلم الناس وجارَ على الحقوق ومازال مصراً؟ الأمر إذاً ما أسهله! أختلس مليوناً أو أرتكب فاحشة، وآخر اليوم أصلي ثماني ركعات ومع الوتر أردد باكياً: اللهم اجعلنا يامولانا من عتقائك من النار ومن المقبولين الفائزين، وهكذا دواليك! أم أن عندنا مسلّمات لا ينبغي أن نغفلها تتعلق بحقوق العباد؟ ولماذا سمى الرحمن نفسه بالمنتقم الجبار؟

نازعت امرأة تسمى أروى جارها سعيد بن زيد عند مروان بن الحكم على قطعة أرض زعمت أنه أخذها من أرضها، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا طَوقَهُ اللهُ إِياهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِين». فقال له مروان لا أسألك بينة بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فأعْمِ بصرها، واجعل قبرها في دارها. وما مرت أيام حتى كُف بصرُها وأخذت تتلمس جدران المنزل وتقول: أصابتني دعوة سعيد، وبينما هي تتلمس الجدران سقطت في بئر كانت في دارها فكانت قبراً لها. هذا تفعيل صفة المنتقم سبحانه، وإن حقوق الله يغفرها بكرمه للتائبين، أما حقوق العباد فلابد من أحد أمرين: إما ردها وإما استسماح أصحابها، وهذه الحقوق إما عينية يمكن ردها وإما معنوية، كأن انتهكت زوجة شرفها كيف يُرد للعرض شرفه؟ وهل تقدر أو يقدر الفاعل على الاعتراف بفعلته؟ وهل تضمن مصيرها ؟ أو لو خرجت كلمة تسببت في طلاق زوجين، كيف تُرد هذه الكلمة؟ وهل سيرجع الزوج؟ وهل ستقبل الزوجة؟

رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشاهد الإسراء ثوراً يخرج من جحر ثم يريد أن يعود فلا يستطيع، فأخبره جبريل أنها الكلمة تخرج فلا يستطيع قائلها أن يردها، فليس إلا استسماح صاحب الحق، فإذا تعذر وخلصت التوبة عسى الله أن يرضيهأ فيسامح، وإلا فتحذير النبي: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَللْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَم، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِه، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْه». (البخاري)، فإن صدقت وأخلصت التوبة ولم تستطع رد الحقوق يردها الله عنك، إذ يؤتى بالعبدين يوم القيامة، فيرى صاحب الحق قصراً في الجنة، فيسأل لمن هذا القصر يا رب؟ فيقال: لمن يدفع ثمنه، فيقول: ومن يملك ثمنه؟ فيقال: أنت تملك ثمنه إن عفوت عن أخيك فلان، فيقول: يا رب عفوت عنه، فيقال: خذ بيد أخيك وادخلا الجنة معاً.