بزنس رمضان

يوسف ضمرة

لا أحد باستطاعته أن يقنعنا بأن ما تبثه القنوات التلفزيونية العربية في شهر رمضان، من مسلسلات أو برامج للتسلية، إنما هو ينسجم مع حرمة هذا الشهر، أو هو للتخفيف من أعباء الصوم.

فليس من قبيل المصادفة مثلا، أن تكون المسلسلات كلها مكونة من 30 حلقة، وهذا يعني أن هنالك تفصيلا للحبكة والحكاية، وتزيدا في الشخوص والموضوعات، ومزيدا من الكلام الفائض عن حاجته.

كل ما في الأمر أن شهر رمضان الكريم، تحول تلفزيونياً إلى معرض أو سوق تجارية، تركض القنوات فيه وراء الربح المادي، تماما كشركات الإنتاج الدرامي.

ولسنا أبدا ضد البرامج الترفيهية أو المسلسلات الدرامية، ولكننا لسنا مع أن يتحول هذا الشهر إلى سباق محموم بين الشركات والقنوات والاتصالات، لجني المزيد من الأرباح السريعة، التي هي في نهاية المطاف نتيجة العولمة الثقافية، التي تركز على احتياجات الفرد الذاتية، وتنحي جانبا تلك القضايا الجمعية، وتبتعد عن تلمس القيم الإنسانية الأساسية كالحرية والعدل والحق في التحرر من الظلم والاستبداد.

ليس في مقدوري إحصاء المسلسلات الدرامية، أو البرامج الترفيهية كالغناء والمسابقات، التي تبث على القنوات العربية في رمضان، ولكني أستطيع أن أؤكد أنها أخذت في السنوات الأخيرة توظف جسد المرأة عاملاً أساسياً من عوامل الجذب، فلم تعد المسلسلات قائمة على حكاية أو موضوع قيّم، مقدار قيامها على جمال الممثلات اللواتي أخذن يتنافسن على ما يسمونه «الجرأة في الظهور»، وصار باستطاعة الشركة المنتجة، أن تعتمد على بعض الأسماء النسوية من الممثلات، سعيا إلى جذب المشاهد، الأمر الذي يشجع القنوات التلفزيونية على شراء تلك الأعمال، وحقنها بالإعلانات التجارية التي تعود على القناة بكسب مالي كبير.

وليس هذا من قبيل التجني على أحد، وربما كان ثمة بعض المسلسلات التي تستحق المشاهدة حقا، ولكن التمييز بينها وبين كل تلك الأعمال الساذجة والمفبركة والمصنعة أو المعلبة والمغلفة بالسوليفان الأنثوي، يكاد يكون صعبا إلى درجة الاستحالة المطلقة.

وللحق والإنصاف، فإن هذا ما كان ليحدث من تلقاء نفسه، وهو ليس معزولا عما يحدث في المجتمع العربي من تغيرات ثقافية واجتماعية كبيرة.

فقد أسفر الصراع بين الطبقات الدنيا والعليا في المجتمعات، عن تعميق الهوة بين الفقراء والأغنياء، ولم يعد خافيا على أحد أن ثقافة الطبقات العليا هي الأكثر قوة وطغيانا، الأمر الذي يحتم على ثقافة الطبقات الدنيا أن تتعايش مع تلك الثقافة العليا، ولأن الثقافة العليا معنية في الأساس بتقوية الطبقة العليا، وبترسيخها كقوة اقتصادية وسياسية واجتماعية، فإنها توظف كل وسائلها الممكنة، المقبولة وغير المقبولة، المحببة والمستنكرة، لكي تحقق من خلالها مزيدا من الهيمنة الثقافية، التي تعد ركيزة أساسية من ركائز البقاء والتسلط والسيادة والهيمنة.

هكذا لم تعد هذه الطبقات العليا، بعد استقرارها وثباتها ورسوخ قوتها، تخشى ردود فعل شعبية من الطبقات الدنيا، خصوصا حين نعلم أن هنالك تحالفا متينا بين هذه الطبقات العليا والسلطات السياسية والاجتماعية القائمة، بالنظر إلى المصالح المشتركة بين الطرفين، وعليه تصبح ثقافة الطبقة العليا موظفة في خدمة السلطة السياسية القائمة، التي تعرف ذلك جيدا، فتقوم بتشجيع تلك الثقافة، وتغذيتها، ظنا منها أن هذه الهيمنة الثقافية أبدية ومطلقة، متجاهلة جدل الثقافة المهيمنة والمهمشة، الذي يعني تغيرات اجتماعية ربما لا تكون متوقعة!