[justify]

رمضان ...بين التربية الربانية والموسم الترفيهي

د.محمد توفيق رمضان

بمناسبة شهر رمضان المبارك ....
تجري أنشطة مختلفة إعلامية وترفيهية وخيم رمضانية حتى مطلع الفجر... وصلاة تراويح بجزء كامل ودروس دينية وأنشطة دعوية وأخرى خيرية...الخ
وبمناسبة شهر رمضان المبارك تخفف كثير من الأعباء من جهة، وتزيد كثير من النشاطات الاقتصادية والفنية من جهة أخرى... وكل هذا من أجل شهر رمضان المبارك.!!
إذا عدت إلى كتاب الله تعالى وسنة النبي r لأنظر بماذا تميز شهر رمضان وجدت الأمور الآتية:
وجوب صيامه...وقد فرض صيامه لعلنا نكتسب من صيامه صفة التقوى }لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{
وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وفي هذا تنويه بالصلة التي يجب أن توثق، والصلح الذي يجب أن يبدأ بين المسلم وبين القرآن الكريم، والذي يجب أن يعقد خلال هذا الشهر المبارك بتوثيق الصلة مع كتاب الله تعالى يبدأ بتلاوته ليصل إلى فهمه، ومن ثم إلى العمل به. إذ ما فائدة قراءة المريض للوصفة الطبية التي يقدمها له الطبيب إن لم يطبق مضمونها ؟!
وهو شهر الالتجاء إلى الله والتضرع بين يديه، وقد أشار إلى هذا المعنى عندما قال بعد ذلك: }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ { فشهر رمضان فرصة التائبين لرفع أكف التوبة الصادقة إلى ربهم والتضرع إليه بالاستغفار، والالتجاء إلى بابه بحوائجهم بافتقار إلى كريم فضله وواسع عطائه.
ووجدت أن باب استجابة الله لعباده مرهون باستجابتهم لأوامره وإيمانهم. وأن الدعاء سيستجاب؛ ولكن إن كان مرتكزاً على قاعدة الإيمان، والتوبة الصادقة، ليكون سبيلاً لتحقق الرشد في المرء.
ولكن ما الصوم الذي يكسب صاحبه صفة التقى؟ هل مجرد الإمساك عن الطعام والشراب وبقية المفطرات يكسب صاحبه صفة التقى؟ إن النبي r قد قال في حديث رواه الدارمي بإسناد حسن ورواه الإمام احمد بلفظ قريب منه: "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر" وقال أيضاً فيما أخرجه البخاري: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" وفي رواية: "قول الزور والجهل.." وقول الزور الكذب، ومنه الكذب على الله، بل هو أشنعه. والمراد بقوله r : فليس لله حاجة ...كناية عن عدم قبول الله صيام ذلك الذي لم يدع قول الزور والجهل والعمل به.
وقد صح أن رسول الله r قال: "من صام رمضان، إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه"رواه البخاري وأي جائزة كهذه الجائزة، ولكن لمن صام رمضان: إيماناً واحتساباً. فعنصر الإخلاص هو الشرط الأول، والشرط الثاني هو الالتزام بحدود الله، فلا يخرج الصائم عنها ولا يتجاوزها... هذا الذي يغفر الله له ما تقدم من ذنوبه.
كل ذلك يوضح لنا أن رمضان دورة تربوية متميزة، يعود من اتبعها بصورة صحيحة منها بنتائج عظيمة: في مقدمتها اكتساب صفة التقوى، واستجابة دعائه، والنتيجة الأخرى أن الله تعالى يغفر له ذنوبه فيعود نظيفاً من أوزاره كيوم ولدته أمه.
وإذا كان الأمر كذلك فإن علينا أن نتبين في رمضان برنامج حياتنا، ونتلمس مواضع الإخلاص في قلوبنا، عسى أن نحظى بمغفرته تعالى لذنوبنا. ولعل هذه الفرصة تكون منعطفاً نحو الخير والرشد في حياتنا، لتكون أرضى لله وأسعد للقلوب بالطمأنينة التي تنال بذكره سبحانه، على أنه لا أحد منا يدري هل ستتاح له فرصة كهذه الفرصة ؟
إن الأمة الجادّة ترسم بالصدق والعمل والإخلاص والنشاط مسيرة حياتها لتنال أفضل النتائج في دنياها وفي آخرتها.
وأن يصوم المسلم عن الطعام والشراب وغير ذلك من المباحات التي توجب فريضة الصوم الإمساك عنها، ثم ينال حظ نفسه من المحرمات، فذلك مما يتناقض مع حقيقة الصوم ومعناه.
أن يصوم فمه عن المباح في أصله من الطعام والشراب، ثم يفطر فمه على الغيبة والنميمة، وأن يصوم عن المباح من زوجته، ثم يفطر بصره على ما حرم الله من المشاهد التي تفسد قلبه وروحه، وتفسد صلته بربه؛ أن يصوم في نهاره عن المفطرات، ويفطر في ليله على المحرمات؛ ليس هذا بالصوم الذي أمر به الله. وليس الصوم الذي يثمر التقوى ويقرب العبد إلى ربه.
على الطرف المقابل نجد الهازلين الذين يريدون أن يُذهِبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، ويجعلوا حتى من شهر التقرب إلى الله فرصة لهزلهم وعبثهم. فهم يعطون أنفسهم في شهر رمضان المبارك من اللهو والعبث وإضاعة الحياة...ما لا يعطونها في غيره، منتهكين حرمته، مستخفين بحدوده.
لهؤلاء يقول سبحانه: }أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ{115} فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ{ ولهؤلاء نقول: إن العبث الذي تعبثونه لن يطول، ولن يدوم. وإن حال الغفلة التي غرقتم في مستنقعها ستعقبها يقظة... عندما تدركون أن الأمر جدّ وليس هزلاً، وأن بعد الحياة موتاً، وأن بعد الموت بعثاً، وأن بعد البعث حساباً وجزاء.
رمضان فرصة للعودة إلى الذات لتصحيح مسارها وتقويم اعوجاجها، فيغض بصره ويمسك لسانه عن الغيبة والنميمة وسائر ألوان التجاوز والخطأ...فرصة لإعداد المرء نفسه للموقف بين يدي الله يوم تبدو السريرة علانية....فرصة تزيد فيها شفافية روحه، وجدية سعيه، فرصة لينال فيها الجائزة: لعلكم تتقون.
والحمد لله رب العالمين.[/justify]