[justify]
المسلمون وثقافة التغيير
د . محمود حمدي زقزوق
هبت رياح التغيير السياسي والاقتصادي على عالمنا العربي والإسلامي، ولابد أن يواكبها تغيير فكري وثقافي يحقق طموحاتنا الحضارية ويعيد المسلمين إلى مكان الصدارة في عالم يموج بالتيارات والصراعات السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية، ولن يكون فيه مكان للأمم والشعوب الهزيلة التي تستهلك مواردها وطاقاتها وقدراتها في الخلافات والصراعات والمعارك الكلامية .
ونحن نؤكد هنا بداية أن الموقف الإسلامي من الحضارات الأخرى موقف واضح لا لبس فيه، فالإسلام لا يمنع أتباعه من الاستفادة من تجارب الآخرين، وعلومهم وخبراتهم فالحكمة كما جاء في الحديث الشريف “ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها”، وليس هناك من حرج على المسلمين في الأخذ بكل ما هو مفيد لدى الآخرين، بل إن الفيلسوف العظيم ابن رشد جعل الاطلاع على ما لدى الآخرين واجباً شرعياً . ولكنه أوصانا بأن تكون لنا في ذلك نظرة نقدية تميز بين النافع والضار .
ولسنا نشك في أن عقلاء الأمة يريدون الارتقاء بحضارتها ويريدون أن تكون الأمة مشاركة ومؤثرة في الحضارة الإنسانية حتى لا يكون المسلمون مجرد مستقبلين أو مقلدين أو مستهلكين .
ولكن النوايا وحدها لا تصنع حضارة، ولا تغير من الواقع شيئاً . ومن أجل ذلك فإننا في عالمنا الإسلامي في أشد الحاجة إلى ثقافة جديدة هي ثقافة التغيير التي تستطيع أن تحول النوايا والأمنيات إلى واقع ملموس .
والملاحظ أن ثقافة الأمة في الأعم الأغلب صارت ثقافة سكونية منذ قرون عدة، تعتمد على الحفظ والتلقين وتشجع على التقليد وليس على الإبداع والابتكار .
إننا في أمس الحاجة الآن إلى إعلاء قيمة العقل عن طريق ترسيخ ثقافة تحترم العقل وتمارس الفكر وتنمي شخصية الفرد وتحفزه على العمل المنتج والفكر المبدع .
ولم يكن ذلك بالأمر الغريب على الحضارة الإسلامية فقد عرفت هذه الحضارة هذا اللون من الثقافة الخلاقة التي أبرزت المواهب العلمية والأدبية والفلسفية وغيرها في كل مجالات العلوم والمعارف وازدانت الحضارة الإسلامية بالأعلام الكبار الذين كان لهم عطاؤهم المتميز الذي أثرى الحياة الثقافية في العالم الإسلامي، وكان التجديد هو السمة الغالبة في الحضارة الإسلامية، وتميزت الحياة الثقافية الإسلامية على مدى ما يقرب من ثمانية قرون بالحيوية والإبداع، باستثناء بعض فترات شابتها عوامل الجمود والانغلاق .
ونحن إذ نتذكر ذلك اليوم فليس من غرضنا مجرد التغني بالأمجاد أو اجترار ذكريات عزيزة علينا، كما أنه ليس من غرضنا أيضاً أن نبكي على الأطلال، فذلك كله شأن العاجزين .
ولكن المقصود من الإشارة إلى ذلك كله هو استعادة الثقة بأنفسنا وقدراتنا، والاستفادة من دروس الماضي، فالذكرى، كما يقول القرآن الكريم، تنفع المؤمنين .
إننا في حاجة ماسة إلى التزود بالعزيمة القوية والتسلح بالإرادة الحاسمة، والتمسك بالأمل في مستقبل مشرق وغد أفضل، والاقتناع بأننا نقف على أرض صلبة، وأننا في انطلاقتنا الحضارية الجديدة لا ننطلق من فراغ، وإنما نعتمد على رصيد حضاري ضخم أثبت التاريخ أنه كان نموذجاً رائعاً قدم للإنسانية عطاء حضاريا بلا حدود، ولكن هذا يتطلب منا في العصر الحاضر قراءة جديدة للإسلام لنعيد النظر في فهمنا لهذا الدين الذي لا يتعرض فقط لظلم خصومه وإنما يعاني أيضا جهل أبنائه .
لابد أن نكون على ثقة أن الإسلام كان أول دين دعا إلى الحضارة وطالب باتخاذ كل الأسباب المؤدية إليها، وجعل منها فريضة دينية وواجباً إسلامياً لا يجوز التهاون فيه، ولا يقل شأناً عن فرائض الإسلام الأخرى، ولكن الفهم القاصر للإسلام لدى المسلمين جعل من الحضارة أمراً هامشياً . فنحن نقول دائماً إن الإسلام عقيدة وشريعة وهذا حق، ولكن ذلك ليس كل الحقيقة الإسلامية، فالإسلام إضافة إلى ذلك أخلاق وحضارة .[/justify]
المفضلات