الظلم ظلمات يوم القيامة
د . عكرمة صبري
* رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس
يمهل الله تعالى الظالم ويؤخر عقابه حيث يعطيه فرصة للتراجع عن ظلمه، فإذا لم يرتدع ولم يتراجع يأخذه الله اخذ عزيز مقتدر، فيقول في سورة هود: “وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة، إن أخذه أليم شديد” (الآية 102)، وفي سورة القمر: “كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم اخذ عزيز مقتدر” (الآية 42)، وفي سورة الحاقة: “فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية” (الآية 10)، وفي سورة المزمل: “فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلاً” (الآية 16) . ويقول رسولنا الأكرم: “الظلم ظلمات يوم القيامة” (متفق عليه)، ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث شريف آخر: “إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته” (رواه البخاري ومسلم والترمذي) .
أما المظلوم فإن دعوته مستجابة عند الله عزوجل فيقول رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: “اتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب” (رواه البخاري ومسلم وابوداود والنسائي والترمذي)، وفي حديث شريف آخر “ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين” (رواه احمد والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان) .
وأسوق في هذا المجال مثالاً واحداً ناطقاً بالحقيقة صادراً عن شخص مؤمن صادق، هو الصحابي الجليل سعيد بن زيد رضي الله عنه، فقد خاصمته امرأة تدعى أروى إلى الخليفة الاموي مروان بن الحكم حيث ادعت هذه المرأة بأن سعيد بن زيد اخذ شيئاً من أرضها . فقال سعيد: أأنا آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال الخليفة مروان: ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال سعيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله إلى سبع أرضين” (رواه مسلم) . فقال مروان: لا أسألك بينة بعد هذا وصدقه، ورد ادعاء المرأة: فقال سعيد: “اللهم إن كانت هذه المرأة كاذبة فأعم بصرها واقتلها في أرضها” . وبعد هذا الدعاء أذهب الله بصرها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت .
وهناك من يتساءل: إننا ندعو الله عزوجل ان يرفع الظلم عنا، فلا نشعر بأن الله العلي القدير قد استجاب لنا، فلماذا؟ والجواب على ذلك أنه ليس بالضرورة أن تكون استجابة الدعوات فورية، فالله علام الغيوب يلبيها متى شاء “لا يسأل عما يفعل وهم يسألون” (سورة الأنبياء الآية 23)، إضافة إلى أن استجابة الدعوة لها شروط أهمها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيقول رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر او ليوشكن الله ان يبعث عليكم عذاباً من عنده ثم لتدعنه ولا يستجاب لكم” (رواه الترمذي عن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه) . فهذا الحديث النبوي الشريف جواب لمن يقول: لماذا لا يستجيب الله عزوجل لدعوتنا .
إن الظالم يتحمل مسؤولية ظلمه، وهو يظلم نفسه قبل أن يظلم الآخرين فيقول سبحانه وتعالى: “ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه” (سورة الطلاق الآية 1)، وفي آية كريمة أخرى: “وقد خاب من حمل ظلماً” (سورة طه الآية 111)، وإن الله عز وجل منزه عن الظلم بقوله: “من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد” (سورة فصلت الآية 46)، وفي آية كريمة أخرى: “ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد” (سورة طه الآية 29)، ويقول عليه الصلاة والسلام: “إياك ودعوة المظلوم فإنما يسأل الله تعالى حقه، وإن الله لا يمنع ذا حق حقه” (أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن الصحابي الجليل الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه) .
المفضلات