آخر المواضيع
اخترنا لكم




  الرئيسية    أتباعه وإخوانه   أتباع السيد النبهان من سورية وبلاد الشام
الحاج مُلْحِم الحَمَد رحمه الله



مرات القراءة:560    
أرسل إلى صديق
أبلغ عن مشكلة في هذه المادة

 الحاج مُلْحِم الحَمَد

رحمه الله

1350 - 1437هـ/ 1932  2016م

 

ترجمة الحاج ملحم الحمد-رحمه الله- كما جاءت في كتاب «الدرر الحسان في تراجم أصحاب السيد النبهان» (ج2 صفحة 392).

هو الحاج ملحم بن مصطفى بن حمد بن عبد بن علي بن محمد بن عبد الله بن حسن المسرة. وينتمي لعشيرة المَسرّات، المتفرعة عن قبيلة الوَلْدَة البوشعبان، وتعود إلى زبيد نسبة لعمرو بن معد يكرب الزَّبيدي.

ولادته ونشأته:

ولد -رحمه الله- في قرية الزيارة ناحية الزربة-في محافظة حلب عام 1932م.

 نشأ في كنف أبوين صالحين في أسرة فقيرة طيبة، وتعلم القراءة والكتابة وقراءة القرآن في الكتّاب في القرية.

وفي ريعان شبابه كان يعمل مع والده وإخوته في الزراعة.

في صحبة العارف بالله سيدنا الشيخ محمد النبهان h:

لما بلغ من العمر ثلاثين عامًا كانت نسائم الخير والنور تلوح له، وأنوار العارف بالله السيد محمد النبهان -رضي الله عنه- تشعّ على فؤاده وروحه، فيلتقي بدَلّالٍ ناصحٍ ألا وهو الأستاذ الشيخ حسان فرفوطي -رحمه الله- حيث كان يقوم بزيارات للقرى والأرياف، ويحدث الناس عن سيدنا النبهان -رضي الله عنه- ومآثره وخصاله الحميدة، ويحثهم على زيارته والتعرف عليه.

 وهذا كان بداية الغيث النبهاني على الحاج ملحم -رحمه الله-، فتعلق قلبه بهذا الاسم الكريم، فيممّ شطر حلب الشهباء، ليزور الكلتاوية ويظفر ببغيته وسؤله، ولسان حاله يقول:  

يازائرَ الشهباء يمم مسرعًا* واقصد جناب السيد النبهاني

للقبة الخضراء عرّج داخلًا*فلك الهنا إن جُزت في ذاك الحمى

أمّ الحمى وادخل على السلطان*وظفرت بالفرد العظيم الشأن

وبدأت زياراته وحضوره في مجالس السيد النبهان -رضي الله عنه-، وتشرف بخدمته الخاصة ستة أعوام.

 بعد أن أكرمه الله بالتشرف بالعارف بالله محمد النبهان -رضي الله عنه- جعل من غرفته المتواضعة في قريته مكانًا يجتمع فيه أحباب السيد تحت عنوان: «تعالوا نؤمن ساعة» يُحيون قلوبهم بذكر حبيبهم، ويَسقون أرواحهم بالأناشيد النبهانية العطرة.

يقول رحمه الله: «كنا نجلس مع أصحاب سيدنا -رضي الله عنه- في بيتنا في قرية الزيارة، وكان عندنا كلب يجلس أمام باب الغرفة، ومن عجائب هذا الكلب أنه إذا كان الذي يدخل علينا له لحية يسمح له بالدخول، وإن لم تكن له لحية يمنعه، وفي إحدى المرات دخل علينا الغرفة رجل حليق ولم يره الكلب لحظة دخوله، فجلس بيننا، فنظر الكلب فرآه بيننا فدخل عليه وأمسك بثوبه وأخذ يجره حتى أخرجه من الغرفة». 

 والحاج ملحم أميّ لم يدرس بمدرسة، وليس عنده مؤهل علمي، ولكنه بالمدد والفضل النبهاني كان خطيب الجمعة في قرية الزيارة طيلة حياته، فقد كان الشيخ عبد الله إسماعيل الدليم -رحمه الله- يخطب في قرية الزيارة، ثم أمر سيدُنا النبهان -رضي الله عنه- الحاج ملحم أن يخطب في قرية الزيارة.

يحدث الحاج خليل الأحمد عن نفحة نبهانية مباركة لهذين الخطيبين رحمهما الله قائلًا: (لما كان الشيخ عبد الله الدليم يخطب في الزيارة قال له سيدنا رضي الله عنه: «ياشيخ عبد الله أنت تروح وتخطب في قرية تَلْ كَلْبة، وأنت يا ملحم تخطب الجمعة في قرية الزيارة». وفي إحدى المرات راح الحاج ملحم إلى الشيخ عبد الله في قرية تل كلبة وجاؤوا مشيًا إلى قرية التويم، فرآهم سيدنا -رضي الله عنه-  فقال لأمنا أم أحمد: تعالي فانظري إلى هؤلاء، واحد من الزيارة وواحد من تل الكلبة لكن يحبون بعضهم).

استمر يخطب الجمعة في قرية الزيارة بشكل دائم لم يتركها إلا وقت مرضه، وخلال فترة نزوحه عن القرية صلى الجمعة مرات في قرية طويل الحليب ويقول: إن أهل القرية هذه آل علاوي الحسين علوش يحبون سيدنا رضي الله عنه.

ولما بلغ من العمر ثلاثًا وثلاثين عامًا كانت رحلة الحج المباركة مع العارف بالله سيدنا محمد النبهان -رضي الله عنه- عام 1965م.

وقال -رحمه الله- عن هذه الرحلة المباركة: «إنه حج على نفقة السيد الكريم وأن التكلفة وقتها من حلب إلى حلب خمسمئة ليرة سورية، واستمرت خمسةً وخمسين يومًا.

ومن العلماء الذين رافقوا سيّدنا رضي الله عنه: الشيخ محمد بشير حداد، والشيخ علاء الدين علايا، والشيخ حسان فرفوطي، والشيخ ياسين الويسي، والشيخ محمد الصندل، والشيخ صالح حميدة الناصر، الشيخ عمر ملاحفجي، الشيخ محمد الشامي، الشيخ محمد أديب حسون، الشيخ محمود العسّاني، الشيخ ناجي أبو صالح، والشيخ محمد رشواني، وكان عمره اثني عشر سنة، وقد عيّنه سيّدنا -رضي الله عنه-  حلقةَ وصلٍ بين الرجال والنساء.

 وهناك علماء أيضًا من إخواننا في العراق لا أحفظ أسماءهم. وكان هناك أيضًا علماء في الباخرة التي استقلّها سيّدنا منهم: الشيخ كامل السرميني وغيره.

 ولدى ذكرِه لاسم الشيخ صالح حميدة الناصر قال: أذكر أنه كان له موقف في الباخرة، وذلك حين بدأ سيّدنا -رضي الله عنه-  في البحث والتفقد عن إحدى الأخوات -وقد تأخرت- فإذا هي في قضاء حاجتها، ومسكة الباب قد خُلِعت، وكان هناك رجل أجنبي يبدو أنه يضمر سوءًا، فضربه الشيخ صالح حميدة الناصر، ثمّ أمسك به يريد أن يلقيه في البحر ولكنّ سيّدنا -رضي الله عنه- منعه.

وفي الحرم المكي رأى سيدنا -رضي الله عنه- الحاج عيد المصطفى العبود أبا جمّاس- مختار قرية الزيارة- فقال له: تفضل معنا يا أبا جمّاس، فقال الحاج عيد: ياسيدي أخاف ألا يتسع المكان وأنت معك إخوانك. فقال له سيدنا -رضي الله عنه-: إذا كان المكان لا يتسع أضعك بعيوني.

ولما انتهينا من مناسك الحج وقف إخوان سيدنا يسألون وسيدنا يجيبهم ويوجههم بخصوص الكفارات والصيام، ولما وصل الدور إليّ قال لي: يا ملحم أنت لاتَصُمْ ولاتفدِ؛ الله غني عنك وعن صيامك».

 وفي عام 1966م كان زواجه، وقد بلغ من العمر أربعة وثلاثين عامًا، فتزوج على حساب سيدنا -رضي الله عنه- وساعده في ذلك بعض إخوان السيد الكريم.

 وبعد زواجه جاء بزوجته لحضور درس النساء في الكلتاوية وبعد انتهاء الدرس استأذن الوالد بالخروج، وطلب من السيد الكريم الإذن له ولزوجته بالانصراف، وهنا ينظر سيدنا -رضي الله عنه-  إلى والدي مبتسمًا ونسائم حنانه ولطفه تظلل والدي، فيقول له: (وتْزوجنا يا ملحم، وتْزوجنا يا ملحم) ثم دعا له قائلًا: «اللهم ارزقه منها ذرية صالحة، واجعلها عونًا له على التقوى».

ويتواصل فيض الحبيب وكرمه وعطاؤه الذي لا ينتهي عليه وأسرته؛ فلما ولد ابنه الأكبر محمد جاء إلى سيدنا -رضي الله عنه-  فقال: ياسيدي جاءني ولد، أريد أن تسميه وتدعو له، فقال سيدنا رضي الله عنه: أسميه اسمًا تتأدبون معه؛ هذا اسمه محمد. فقال -رحمه الله: يا سيدي ادع له أن يحب جنابكم، فقال سيدنا -رضي الله عنه-:«هذا يحب جنابي أكثر منك».

لقد قال السيد النبهان -رضي الله عنه- عن الحاج ملحم: «ملحم صاحبي».

فهنيئًا لك ياحاج ملحم هذا الوسام النبهاني، وهذا الكرم والعطاء الفياض.

وذات يوم مرض ابنه أحمد، وكان عمره سنتين تقريبًا، فذهب به والده الحاج ملحم إلى الدكتور محمد سعيد عبدان -رحمه الله تعالى- ولما عاينه الدكتور سعيد عبدان وجده متعبًا جدًّا، وقال: «يا أخي ملحم ابنك هذا انتهى أمره، طالعه إلى القرية؛ الولد خالص منتهي» ويقصد أنه ميت. وضاقت الدنيا على الوالد -رحمه الله-فصعد به إلى الكلتاوية، ولما وصل كلّم سيدنا وأخبره بما قال الدكتور سعيد عبدان رحمه الله، فقال له سيدنا -رضي الله عنه-: «طالعه إلى القرية؛ ما فيه شيء، هؤلاء الدكاترة لا يعرفون».

 وعاش أحمد ودرس في الكلتاوية وتخرج فيها ولله الحمد.

رزق الله الحاج ملحم ستة أبناء وخمس بنات.

 

وما زالت فيوضات السيد النبهان وعطاؤه عليه وعلى أسرته تتوالى، يقول، رحمه الله: لما حضرت والدي مصطفى الحمد الوفاة، وصار في النزع الأخير كبر لسانه وثقل كثيرًا، وفي هذه الحال رأيت سيدنا النبهان -رضي الله عنه- قد حضر إلى بيتنا، وصار يخرج بأصبعه ريقه الشريف ويضع على لسان والدي حتى صار عاديًّا ونطق بالشهادتين فتوفي ودفنّاه. ذهبت صباحًا إلى التويم وحكيت لسيدنا حفظنا الله به فما أعطاني جوابًا حتى شرف إلى المصلحة، واجتمع كل إخوان سيدنا، فصاح -رضي الله عنه-: «أين ملحم؟» قلت: نعم سيدي. فقال -رضي الله عنه-: «آه يا حبّابي الدنيا! حتى تعرفوا أهل الله لايتركونكم أنتم ولا آباءكم ولا أولادكم ولا أصحابكم ولا أصدقاءكم». ثم قال -رضي الله عنه-: «الذي له مرجع لا يخاف ولو انطبقت عليه السموات والأرض فلا يخاف، كيف بك بالوارث المحمدي»

وتتوالى كرامات السيد النبهان ويغمر الحاج ملحم بفضله وإحسانه، فقد نشأ في أسرة فقيرة، وكان هذا حاله بعد زواجه كذلك، فقر ودَيْن من هنا وهناك، وأكثر أهل القرية لهم عليه ديون حتى القرى المجاورة، وكان يملك سبعة هكتارات فأراد اصحاب الديون أن يأخذوا الأرض، واشتد الأمر وضاقت به الأحوال، ماذا يفعل وأين يتوجه؟ لا يشكو أمره إلا لسيده.   وجاء إلى السيد النبهان..نعم.. نعم..وكل ذراته صدق وانكسار

فشكا حاله وأمر ديونه لسيدنا النبهان -رضي الله عنه- فأجابه: «لاتخف، إذا نزلت بالديون إلى أذنيك سوف أطالعك».

وسبحان الله لقد أخذت هذه الكلمة تعمل عملها، وتبارك للوالد عمله، فتوجه للعمل بالتجارة وهو لا يعلم عنها شيئًا، فابتدأ يتاجر بالمواد الزراعية، ويتنقل بين الصيدليات الزراعية في حلب وأريافها، وجعل من الكلتاوية بيتًا يأوي إليها وينام ثلاث ليال والليلة الرابعة يذهب إلى أسرته في القرية، واستمر سنوات طويلة يعمل ويتاجر لا يكل ولا يمل حتى تعجب الناس في القرية من ذلك لتتحقق كرامة سيدنا فيوفي الحاج ملحم ديونه كلها، ويشتري أرضًا ضعف مساحة أرضه، إضافة إلى آليات للزراعة وسيارة خاصة به، وإني رأيت الكثير من أهل القرية وغيرها يستدينون منه بعد أن كان يستدين منهم، وتوفي وله أموال عند كثير من الناس.

وفي أمر تظهر فيه مزية إخوان السيد الكريم -رضي الله عنه-، وأنهم حصن وأمان لبلدانهم وقراهم سمعتُ منه -رحمه الله تعالى- أن سيدنا النبهان -رضي الله عنه- ذكر عددًا من القرى وهي: الزيارة والشيخ عيسى وأبو الظهور وتل الكلبة والوضيحي وقال: إنه سمع السيد يقول عنها: (هي نقطة سوداء) فقلنا: يا سيدي إذن نخرج منها؟ فقال -رضي الله عنه-: «لا أولادي إذا خرجتم منها تخرب».

 وعن أيامهم ولقاءاتهم بسيدنا -رضي الله عنه-  سمعت منه قوله: قال لنا سيدنا النبهان في التويم: «يا أولادي ستبكون على هذه الأيام دمًا».

قال -رحمه الله-: أكرمني الله بالإنشاد في حضرة سيدنا -رضي الله عنه-  مرة في التويم وجلست أمامه وبدأت أنشد:

من فاته منك وصل حظه الندم
وناظرٌ في سوى معناك حُقَّ له
أخذتمُ الروح مني في ملاطفةٍ
فإن تكلمتُ لم أنطقْ بغيركمُ
والسمع إن جال فيه من يحدثه
في كل جارحةٍ عينٌ أراك بها
فما المنازل لولا أن تحل بها
 

 

ومن تكن همَّه تسمو به الهمم
يقتصُّ من جفنه بالدمع وهو دمُ
فلست أعرف غيرًا مذ عرفتكمُ
وكل قلبي مشغوفٌ بحبكمُ
سوى حديثك أمسى وقره  صممُ
مني وفي كل عضوٍ بالثناء فمُ
وما الديار وما الأطلال والخيم
  

فلما قلت:

لولاك ما شاقني ربع ولا طلل

 

ولا سعت بي إلى نحو الحمى قدم

بكى سيدنا النبهان -رضي الله عنه-  حتى ابتلت لحيته الشريفة بالدموع

مرضه ووفاته:

قبيل وفاته بعدة أشهر اشتد به المرض، وكانت رحلة نزوحه قاسية عليه وعلى أهله، إذ نزح نتيجة أحداث سورية -سنة 2011 ومابعدها- من قريته إلى بلدة ابو الظهور ومرض هناك واشتد به المرض، لكن بقي بالمدد في كامل إدراكه وذاكرته ومتابعته لكل واحد من أبنائه وبناته، ويذكر آخر أيامه أصحاب سيدنا ويزور من يتمكن من زيارته وقتها.

وفي صبيحة يوم الثلاثاء 29 ربيع الآخر 1437 هــ الموافق التاسع من شباط عام 2016 م فاضت روحه إلى بارئها.

ومن حبه ووفائه لأصحاب سيدنا أنه أوصى أولاده قبل وفاته أن يدفن في قرية أم جرين ليدفن بجانب الإخوة: الشيخ عبد الله إسماعيل الدليم والشيخ صالح والشيخ علي-رحمهم الله جميعًا- ودفن هناك مع هذا الجمع الطيب، رحمه الله.

مصدر الترجمة:

أعد لنا هذه الترجمة ابنه الشيخ محمد ملحم الحمد.

 انظر كتاب «الدرر الحسان في تراجم أصحاب السيد النبهان» (ج 2 صفحة 392).

نشر في موقع أحباب الكلتاوية بتاريخ 27-3-2022م.