د.أبوأسامة
11-Dec-2008, 09:50 AM
رب حضارة ضارة (1 )
لا أسَلِّمُ أبداً بأن رقي الإنسان هو في تقدم أسباب معاشه المادية ، ولقد أرتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة ،حينما اعتبر الآلات العصرية هي هدف المدنية و التقدم ، فكم من آلات نافعة هي ضارة ، و إثمها أكبر من نفعها ،بل إن مشكلة الكسل والبطالة نشأت من مظهر الحضارة ، ومن تلك الآلات العصرية والرخاء ، ونحن عاجزون عن الكفاح بنجاح ضد الرخاء .
فكما أن الفقير المدقع يضعف الفرد والشعب ، كذلك الثراء ،إنه أيضاً خطر ،لأن الثراء يولد الفراغ ، والفراغ يولد الانحلال بين الفقراء والأغنياء على السواء ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ك الصحة والفراغ ) رواه البخاري .
إن تأثير نقص التنسيق على نمو الإنسان لم يعرف معرفة تامة حتى الآن ولكن تظهر نتائج هذه الظاهرة واضحة في بعض الأحيان ، لاسيما في أطفال الأسر الثرية، فإن هؤلاء الأطفال ،يعيشون منذ مولدهم في أحوال تؤدي إلى ضمور أجهزتهم التنسيقية ،فتراهم يوضعون في غرف دافئة ، حينما يخرجون منها ، يلبسون ثيابا ثقيلة، أشبه بما يرتديه سكان الأسكيمو( 2) .
إننا نستخدم وظائفنا التنسيقية على مدى أقل بكثير مما كان أسلافنا يستعملونها في الكد والتعب ، وفي السير والعمل ،حتى طريقة استخدام الوظائف الهضمية ، لقد كانت أطعمتهم تشمل على الخبز الجاف واللحم المقدد ،أما أطعمتنا فأغلبنا مصنوع مما هو لين وسهل المضغ .
وأطفالنا يغذون رئيساً بالأطعمة المهروسة والمعجونة ،وبذلك لا يتاح للفكين والأسنان وعضلات الوجه الكفاح و القيام صعب بما فيه الكفاية .
وكأن الأطباء قد نسوا أن الفكين خلقاً ليطحنا المواد الصلبة ، وأن المعدة ركبت لكي تهضم المنتجات الطبيعية.
إن الحضارة العلمية التي فرضت الفراغ و الرخاء على الفرد، جلبت له مأساة كبيرة ، وهدف المدنية ليس تقدم العلم و الآلات ، بل تقدم الإنسان قبل كل شيء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1 ـ مقالة نشرت في مجلة الكويت العدد 173ـ 2 ذي القعدة 1418 هـ 1 مارس 1998م : 7 .
2 ـ مجموعة من القبائل تنسب إلى العرق المغولاني وتقطن غرينلندا والمناطق القطبية الشمالية من كندا, وآلاسكا, وسيبيريا الشمالية الشرقية، وليس يزيد عدد الأسكيمو على مئة ألف نسمة، وهم يعيشون على القنص وصيد الأسماك ويحيون حياة أشبه بحياة البدو الرحل، وقد عرفوا ببراعتهم في الصناعات اليدوية كالنقش والحفر وما إليهما.
لا أسَلِّمُ أبداً بأن رقي الإنسان هو في تقدم أسباب معاشه المادية ، ولقد أرتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة ،حينما اعتبر الآلات العصرية هي هدف المدنية و التقدم ، فكم من آلات نافعة هي ضارة ، و إثمها أكبر من نفعها ،بل إن مشكلة الكسل والبطالة نشأت من مظهر الحضارة ، ومن تلك الآلات العصرية والرخاء ، ونحن عاجزون عن الكفاح بنجاح ضد الرخاء .
فكما أن الفقير المدقع يضعف الفرد والشعب ، كذلك الثراء ،إنه أيضاً خطر ،لأن الثراء يولد الفراغ ، والفراغ يولد الانحلال بين الفقراء والأغنياء على السواء ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ك الصحة والفراغ ) رواه البخاري .
إن تأثير نقص التنسيق على نمو الإنسان لم يعرف معرفة تامة حتى الآن ولكن تظهر نتائج هذه الظاهرة واضحة في بعض الأحيان ، لاسيما في أطفال الأسر الثرية، فإن هؤلاء الأطفال ،يعيشون منذ مولدهم في أحوال تؤدي إلى ضمور أجهزتهم التنسيقية ،فتراهم يوضعون في غرف دافئة ، حينما يخرجون منها ، يلبسون ثيابا ثقيلة، أشبه بما يرتديه سكان الأسكيمو( 2) .
إننا نستخدم وظائفنا التنسيقية على مدى أقل بكثير مما كان أسلافنا يستعملونها في الكد والتعب ، وفي السير والعمل ،حتى طريقة استخدام الوظائف الهضمية ، لقد كانت أطعمتهم تشمل على الخبز الجاف واللحم المقدد ،أما أطعمتنا فأغلبنا مصنوع مما هو لين وسهل المضغ .
وأطفالنا يغذون رئيساً بالأطعمة المهروسة والمعجونة ،وبذلك لا يتاح للفكين والأسنان وعضلات الوجه الكفاح و القيام صعب بما فيه الكفاية .
وكأن الأطباء قد نسوا أن الفكين خلقاً ليطحنا المواد الصلبة ، وأن المعدة ركبت لكي تهضم المنتجات الطبيعية.
إن الحضارة العلمية التي فرضت الفراغ و الرخاء على الفرد، جلبت له مأساة كبيرة ، وهدف المدنية ليس تقدم العلم و الآلات ، بل تقدم الإنسان قبل كل شيء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1 ـ مقالة نشرت في مجلة الكويت العدد 173ـ 2 ذي القعدة 1418 هـ 1 مارس 1998م : 7 .
2 ـ مجموعة من القبائل تنسب إلى العرق المغولاني وتقطن غرينلندا والمناطق القطبية الشمالية من كندا, وآلاسكا, وسيبيريا الشمالية الشرقية، وليس يزيد عدد الأسكيمو على مئة ألف نسمة، وهم يعيشون على القنص وصيد الأسماك ويحيون حياة أشبه بحياة البدو الرحل، وقد عرفوا ببراعتهم في الصناعات اليدوية كالنقش والحفر وما إليهما.