أبوأيمن
02-Mar-2009, 05:33 PM
كلمتان للحبيب عمر بن حفيظ في شهر ربيع الأول
القصة واختيارها وأثرها في تقوية اليقين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على عبده المبعوثِ رحمةًً للعالمين، حبيبه المصطفى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ومن اهتدى بهداهم من المؤمنين الموقنين.
إن من المطالب الأساسية لدى المؤمن تثبيتُ الفؤاد وزيادةُ اليقين، فيجب أن يرسخ هذا الطلبُ ويتأكد في بالِ وقلبِ وعقلِ كلِّ مؤمنٍ بالله ورسوله، وحسبُنا ما سمعنا الرحمنَ جل جلاله يقول لرسوله المصطفى أقوى الناس إيماناً وأثبتهم فؤاداً وأعظمهم يقيناً { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ* وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ* وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ* وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ..}هود120-123
ومن هذا الخطاب الإلهي لحضرة النبوة والرسالة ومعدن البلاغ عن الله تبارك وتعالى لعباده ندرك أهميةَ تثبيتِ الأفئدة وامتلاء القلوب بالإيمان واليقين؛ وفي مرور الحياة بنا كم الذين يتأكد ويترسخ في عقولهم وقلوبهم ونفوسهم طلبُ زيادة الإيمان واليقين!؟ وطلب تثبيت الفؤاد!؟
وإذا علموا هذا الطلب فمن الذين يسلكون المسالكَ الصحيحة لتحصيل ذاك المطلب؟
فمن الواجب ونحن في ذكرى مولد نبيِّنا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن نؤصِّل في واقعنا وحياتنا إقامةَ هذا الطلب والسلوك إليه بالمسلك الأطيب، فيجب أن نطلب زيادة الإيمان واليقين، فما نزل شيءٌ من السماء إلى الأرض أشرف من اليقين.
وهو عبارة عن قوة الإيمان وثباته ورسوخه في القلب حتى يصير كالطود الشامخ من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين إلى حق اليقين.
ونقول على جزئيةٍ من جزئيات المسلك الصحيح لتحقيق هذا المطلب القصة واختيارها، وبهذا يلزم كل فرد منا أن ينظر ما يدور من القصص في مجالسه وفي بيته وبين أهله وأولاده، مسموعةً أو مرئيةً فيما يدور من الحديث بينهم وفيما يشاهدونه أو يسمعونه من شريط أو تلفاز أو انترنت أو مسجل أو إذاعة إلى غير ذلك، ونعلم تأثيرَ القصص في تثبيت الفؤاد فلا بد أن هناك قصصاً بالمقابل تزعزع الفؤاد وتزعزع الإيمان من القلب فيجب تنقيةُ مجتمع الإيمان وأسرة المؤمن وبيت المؤمن من كل القصص الحاملة على الإستخفاف بأمرِ الدين والتساهل بأمر الشريعة والوقوع في ضعف الإيمان واليقين، من كل ما يثير الشهواتِ المحرمات ويقلب الحقائق عن الحوادث والوقائع وعن تصوير الأحوال والنتائج والثمرات لمختلف الأعمال والمسالك.
إذا علمنا ذلك وجب أن نهتم اهتماماً حسناً باختيار القصص، والاعتناء بالمفيد النافع منها ونشرِه، كقصص الأنبياء والمرسلين.. بما قصَّ الله علينا ورسوله، وقصص الصالحين والأخيار، وقصص تحمل نتائج الأعمال والمسالك بحقيقة وصدق تنفع مستَمعَها والمتأملَ فيها، وأن ننزِّه ديارَنا ومجالسَنا عن القصص الكاذبة والمؤدية إلى ضعف في الإيمان، وإفسادٍ في المسالك.
ومتابعةً لهذه الجزئية يجب أن نجعل من تلك القصص إبداءَ حقيقةٍ وهي أن أهلَ الحق والهدى في واقع الحياة قد يعانون كثيراً من الإشكالات أو وقوع شدائد أو نوازل أو بلايا بهم ليزول وهمُ أن معنى النصرة لأهل الحق والهدى من الأنبياء وتابعيهم بإحسان أن لا تصيبهم شدة أو لا تنزل بهم نازلة أو لا يحصل فيهم قتلٌ أو لا يكون بهم ضرر!!
فليس ذلك بمعنى النصر الموعود، ولا ما اختاره الله تبارك وتعالى لأهلِ ذلك المسلك المحمود، ولكن كثيراً من الإبتلاءات والإختبارات تمر بالصادقين المخلصين في حياتهم - وفي قصص الأنبياء كثيرٌ منها- وصبرٌ يصل إلى تسعمائة وخمسين سنة كما هو في قصة سيدنا نوح عليه السلام إلى غير ذلك مما جاء، وفي الحديث (أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم العلماء ثم الأمثل فالأمثل)رواه الحاكم وصححه.
وأن هذه الإبتلاءات عندما تصادف ذلك القلبَ الممتلئ بالإيمان والمسلك الصحيح إلى الرحمن لا يكون منها إلا حسيٌّ وصوريٌّ في الشدة والبلاء، وفي الحقيقة والواقع مننٌ ومنحٌ ومواهبُ من العليِّ الأعلى جل جلاله.
وأن واقع المسلمين من سنة الله أن يكون فيه أنواعٌ من الاختبارات والابتلاءات، وأن تكون تذكيرات من الله في تسلطاتٍ لكثير من المفسدين والظالمين في جوانب من الأماكن ومن شئون الناس، وكل ذلك لا يؤخر إنجازَ وعد الله بالنصر للمؤمنين وأن العاقبة للمتقين.
يجب أن نعي ذلك ونفهمَه، ونأخذ واجبَنا في التصرف الحسن القويم على المنهج القويم في كل ما ينازلنا مطمئنِّين واثقين بوعدِ الله، ومسألة العاقبة التي خلاصة معناها أن الغاية والنهاية إظهارٌ من الله تبارك وتعالى لحقائق الحق، ووقوع العلائم الواضحة الدالة على كذبِ الكاذبين وافتراء المفترين، وأن يتحول أولئك المتسلطون والمؤذون إلى عبرةٍ للمعتبرين، هذا في الدنيا والنصر الكبير بما بعد الموت، ثم يوم يقوم الأشهاد.. {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}غافر51.
فلنجعل من منحى إيرادنا القصص الطيبة توضيح هذه المعاني حتى يزول ذلك الوهم الذي يحدث إشكالات كثيرة وبالله التوفيق
الكلمة الثانية :
الحمد لله رب العالمين.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ربُّ كلِّ شي ومليكُه، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك المصطفى المنقذ من الضلال، الهادي بنورِك إلى سبيل الحق والهدى في المقاصد والأقوال والأفعال، وعلى آله خير آل، وأصحابه الهداة المهتدين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد: فإلى إخواننا من أهل الملة الحنيفية السمحاء ودين الحق، بمناسبة قدوم شهر ربيع الأول الذي في مثله كان بروزُ نبيِّ الله وصفيِّه وحبيبهِ وخاتم رسله سيدِنا المصطفى محمدٍ ، نتذاكر حقيقةً في إيماننا بالله ورسوله وطاعتنا لله ورسوله تتعلق بالمشاعر منا والانطلاقات بالأحاسيس والوجدان والمساعي، بالوجهات والإرادات وبالحركات والسكنات ، إنها حقيقة الإدراك لعظمة المكوِّن للكون والمنشئ للوجود، وأنه على كل شي قدير، وأنه قد أحاط بكل شي علما إدراكًا يحل في الوجدان والذوق، يُعرف به سرُّ الاصطفاء لعبدِ الله وحبيبه المصطفى محمد مِن قِبلِ هذا الإله الحق الحكيم جل جلاله. إن ما نتحدث عنه وإن كان في وضوحٍ يُعدُّ من البديهيات لدى أهل الإيمان، لكنه مهمٌّ وعظيمٌ وليس المراد بإدراكه مجرد الإقرار والعلم به، ولكنا نريد شأنَ ذلك الحال والواقع منا في تعاملنا وتفاعلنا مع الواقع حوالينا.
يا أهل الملة: تُستَتبع الأمةُ اليوم فكرًا وتصوُّرًا وتعاملاً وتخاطبًا إلى مخالفاتٍ صريحات لمنهجهِ ومنهجِ رسوله المصطفى خيرِ البريات محمدٍ ، وهناك انسياقاتٌ غريبة وراء تلك الدواعي لذلك الاستتباع الذي مِن شأنه حطُّ المنزلةِ لدى الفردِ من أهل الملة مِن سموِّ وعظمةِ التبعيةِ لله ورسوله إلى حظيظِ التبعيةِ لمُفسدي الأرض وفاسدي الأرض والساقطين مِن عينِ رب السماء والأرض جل جلاله وتعالى في علاه، في اختلاطٍ لمعاني حسنِ التعامل مع أهل الأفكار والمبادئ المختلفة، والاستفادة مِن كلِّ ما يتوصل إليه الإنسان من معرفةٍ وقدرةٍ وإمكانيات، واستعمال الحكمة فيما يحاوله ويزاوله، اختلاط كل هذه المعاني الصحيحة الأصل بضعف الإيمان والثقة وضعف الرابطة بالمبعوث بالحق والهدى وفقدان التعظيم للتوجيهات الإلهية والتعليمات المحمدية النبوية، والإنبهار بأطروحات الكفار والفجار على ظهر الأرض، والتأثرات السلبية بكثير مما يُطرح ومما يُذاع ويُشاع ومما يُروَّج له بمختلف الوسائل .
يا أهل الملة: معاني الاعتزاز بالتبعية لله ولرسوله غائبةٌ في كثير من ساحات المسلمين ومساحات تعاملاتهم وانطلاقهم فكرًا وعملاً، وحسبُنا قول الجبار الأعلى عند ذكر نبيِّه محمد ( فالذين آمنوا به وعزَّروه ونصروه واتبعوا النورَ الذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون ) ومقتضى الإيمان به أن يتقوَّم الفكر، وتثبُت المرجعيَّة للحق ورسوله ، فيقوم الميزان للعمل وتتزكى النفس عن الهوى والعصبية في تفكيرها وتعاملها، وتتزكى عن الغلو وعن الإهمال والتضييع وعن الحسد وعن إرادة العلو وإرادة الفساد في الأرض؛ وبذلك تُعلم مكانة المذاهب بين المسلمين وترجمتها لسعةِ الشريعة وشمولها وكمالها، وبُطلان أن تُتَّخذ مطايا للعصبيات والأهواء واقتحام منكراتِ تطاولِ المسلمين على بعضهم البعض وسبابِهم والنَّيلِ من أعراضهم، كما أنها تقيمُ ميزانَ الأخذِ في الاستفادة من المُكتَشفات والمُخترعات والمصنوعات لتكون مستخدَمةً لمنهاج الحق لا مستخدِمة لأتباع الحق، وبه تُبَثُّ الطمأنينة في القلوب والعقول عند نشر بهرجةِ القول مِن قبلِ أهل التطاول على منهج الله ورسوله، ومن يتجرَّأ على أن يُلصق به ما ليس فيه وما ليس منه، وأن ينسب إليه ما هو مُتسامٍ عنه، فلا يأتي إيضاحٌ ولا بيانٌ ولا ردٌّ بتزعزعٍ ولا انزعاجٍ ولا تنازلٍ عن حقائق ثابتةٍ في منهج الله ورسوله ولا تتبُّعاتٍ للأقوالِ الشاذة في خزائن فقهِ الشريعة المطهرة، فيما انتهى إليه استنباط المستنبطين واجتهاد المجتهدين مِن المهَيئين المؤهَّلين، وبذلك يتم التعظيم لله ورسوله فتنهار إراداتُ النفس علوًّا أو فسادًا في الأرض بجميع معاني ذلك رغبةً في الدار الآخرة التي يوقنُ بها المنتمي لهذه الملة، فقد جُعلت مِن قِبل خالقِها خاصةً للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادا ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين ) .
يا أهل الملة: ما ارتضى اللهُ لنبيه محمدٍ من قيادة المؤمنين ما أوجب على مَن صدَّقه أن يسلِّم الزِّمام له حتى يقول جل جلاله ( فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيتَ ويسلِّموا تسليما ) ثم يقول ( وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللهُ ورسولُه أمرًا أن تكون لهم الخيَرة مِن أمرِهم ومن يعصِ الله ورسولَه فقد ضلَّ ضلالاً مبينا ) وفيما يقول نبيه ( لا يؤمن أحدُكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به ) في كل ذلكم حقائق غائبة عن مشاعر وأحاسيس ووجدان اليوم في أهل هذه الملة انتَهشَهُ من بينهم واستلَبه منهم مظاهرُ فتنٍ اقتضت انسياقَهم وراء دعواتٍ قاطعةٍ عن الله وعن رسوله.
فلنُنزِل رسولَ الله في مشاهدنا ومشاعرنا المنزلَ الذي أنزله الله فيه، ولنثِق بجميع ما قال وما أخبر ولنُحيِ من جديدٍ سرَّ اتباعهِ باليقين والمحبة والمودة في الديار والمنازل والأفكار والقلوب والوجهات والتعامل ( وإن تطيعوه تهتدوا) ( من يطع الرسولَ فقد أطاع الله ) ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزِّل على محمد وهو الحق من ربهم كفَّر عنهم سيئاتِهم وأصلح بالهم ) ( قل إن كنتم تحبون اللهَ فاتبعوني يحببكم الله ).
اللهم أيقظ قلوبَ المسلمين، وفي ذكرى ميلاد نبيِّهم الأمين ولِّد في قلوبِهم أنوارَ الارتباطِ به وثبِّت أقدامَهم على السيرِ على دربه، واحلُل عنهم عُقَدَ الانبهارَ بأطروحات الكفار والفجار، وأشعِرهم بمكانة الأمانة التي ائتمنتهم عليها في إنقاذ الأمة، وهداية البشرية بنورك الحق المبين يا أرحم الراحمين..
وصلى الله على المصطفى محمد وآله وسلَّم، والحمد لله رب العالمين
القصة واختيارها وأثرها في تقوية اليقين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على عبده المبعوثِ رحمةًً للعالمين، حبيبه المصطفى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ومن اهتدى بهداهم من المؤمنين الموقنين.
إن من المطالب الأساسية لدى المؤمن تثبيتُ الفؤاد وزيادةُ اليقين، فيجب أن يرسخ هذا الطلبُ ويتأكد في بالِ وقلبِ وعقلِ كلِّ مؤمنٍ بالله ورسوله، وحسبُنا ما سمعنا الرحمنَ جل جلاله يقول لرسوله المصطفى أقوى الناس إيماناً وأثبتهم فؤاداً وأعظمهم يقيناً { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ* وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ* وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ* وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ..}هود120-123
ومن هذا الخطاب الإلهي لحضرة النبوة والرسالة ومعدن البلاغ عن الله تبارك وتعالى لعباده ندرك أهميةَ تثبيتِ الأفئدة وامتلاء القلوب بالإيمان واليقين؛ وفي مرور الحياة بنا كم الذين يتأكد ويترسخ في عقولهم وقلوبهم ونفوسهم طلبُ زيادة الإيمان واليقين!؟ وطلب تثبيت الفؤاد!؟
وإذا علموا هذا الطلب فمن الذين يسلكون المسالكَ الصحيحة لتحصيل ذاك المطلب؟
فمن الواجب ونحن في ذكرى مولد نبيِّنا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن نؤصِّل في واقعنا وحياتنا إقامةَ هذا الطلب والسلوك إليه بالمسلك الأطيب، فيجب أن نطلب زيادة الإيمان واليقين، فما نزل شيءٌ من السماء إلى الأرض أشرف من اليقين.
وهو عبارة عن قوة الإيمان وثباته ورسوخه في القلب حتى يصير كالطود الشامخ من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين إلى حق اليقين.
ونقول على جزئيةٍ من جزئيات المسلك الصحيح لتحقيق هذا المطلب القصة واختيارها، وبهذا يلزم كل فرد منا أن ينظر ما يدور من القصص في مجالسه وفي بيته وبين أهله وأولاده، مسموعةً أو مرئيةً فيما يدور من الحديث بينهم وفيما يشاهدونه أو يسمعونه من شريط أو تلفاز أو انترنت أو مسجل أو إذاعة إلى غير ذلك، ونعلم تأثيرَ القصص في تثبيت الفؤاد فلا بد أن هناك قصصاً بالمقابل تزعزع الفؤاد وتزعزع الإيمان من القلب فيجب تنقيةُ مجتمع الإيمان وأسرة المؤمن وبيت المؤمن من كل القصص الحاملة على الإستخفاف بأمرِ الدين والتساهل بأمر الشريعة والوقوع في ضعف الإيمان واليقين، من كل ما يثير الشهواتِ المحرمات ويقلب الحقائق عن الحوادث والوقائع وعن تصوير الأحوال والنتائج والثمرات لمختلف الأعمال والمسالك.
إذا علمنا ذلك وجب أن نهتم اهتماماً حسناً باختيار القصص، والاعتناء بالمفيد النافع منها ونشرِه، كقصص الأنبياء والمرسلين.. بما قصَّ الله علينا ورسوله، وقصص الصالحين والأخيار، وقصص تحمل نتائج الأعمال والمسالك بحقيقة وصدق تنفع مستَمعَها والمتأملَ فيها، وأن ننزِّه ديارَنا ومجالسَنا عن القصص الكاذبة والمؤدية إلى ضعف في الإيمان، وإفسادٍ في المسالك.
ومتابعةً لهذه الجزئية يجب أن نجعل من تلك القصص إبداءَ حقيقةٍ وهي أن أهلَ الحق والهدى في واقع الحياة قد يعانون كثيراً من الإشكالات أو وقوع شدائد أو نوازل أو بلايا بهم ليزول وهمُ أن معنى النصرة لأهل الحق والهدى من الأنبياء وتابعيهم بإحسان أن لا تصيبهم شدة أو لا تنزل بهم نازلة أو لا يحصل فيهم قتلٌ أو لا يكون بهم ضرر!!
فليس ذلك بمعنى النصر الموعود، ولا ما اختاره الله تبارك وتعالى لأهلِ ذلك المسلك المحمود، ولكن كثيراً من الإبتلاءات والإختبارات تمر بالصادقين المخلصين في حياتهم - وفي قصص الأنبياء كثيرٌ منها- وصبرٌ يصل إلى تسعمائة وخمسين سنة كما هو في قصة سيدنا نوح عليه السلام إلى غير ذلك مما جاء، وفي الحديث (أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم العلماء ثم الأمثل فالأمثل)رواه الحاكم وصححه.
وأن هذه الإبتلاءات عندما تصادف ذلك القلبَ الممتلئ بالإيمان والمسلك الصحيح إلى الرحمن لا يكون منها إلا حسيٌّ وصوريٌّ في الشدة والبلاء، وفي الحقيقة والواقع مننٌ ومنحٌ ومواهبُ من العليِّ الأعلى جل جلاله.
وأن واقع المسلمين من سنة الله أن يكون فيه أنواعٌ من الاختبارات والابتلاءات، وأن تكون تذكيرات من الله في تسلطاتٍ لكثير من المفسدين والظالمين في جوانب من الأماكن ومن شئون الناس، وكل ذلك لا يؤخر إنجازَ وعد الله بالنصر للمؤمنين وأن العاقبة للمتقين.
يجب أن نعي ذلك ونفهمَه، ونأخذ واجبَنا في التصرف الحسن القويم على المنهج القويم في كل ما ينازلنا مطمئنِّين واثقين بوعدِ الله، ومسألة العاقبة التي خلاصة معناها أن الغاية والنهاية إظهارٌ من الله تبارك وتعالى لحقائق الحق، ووقوع العلائم الواضحة الدالة على كذبِ الكاذبين وافتراء المفترين، وأن يتحول أولئك المتسلطون والمؤذون إلى عبرةٍ للمعتبرين، هذا في الدنيا والنصر الكبير بما بعد الموت، ثم يوم يقوم الأشهاد.. {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}غافر51.
فلنجعل من منحى إيرادنا القصص الطيبة توضيح هذه المعاني حتى يزول ذلك الوهم الذي يحدث إشكالات كثيرة وبالله التوفيق
الكلمة الثانية :
الحمد لله رب العالمين.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ربُّ كلِّ شي ومليكُه، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك المصطفى المنقذ من الضلال، الهادي بنورِك إلى سبيل الحق والهدى في المقاصد والأقوال والأفعال، وعلى آله خير آل، وأصحابه الهداة المهتدين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد: فإلى إخواننا من أهل الملة الحنيفية السمحاء ودين الحق، بمناسبة قدوم شهر ربيع الأول الذي في مثله كان بروزُ نبيِّ الله وصفيِّه وحبيبهِ وخاتم رسله سيدِنا المصطفى محمدٍ ، نتذاكر حقيقةً في إيماننا بالله ورسوله وطاعتنا لله ورسوله تتعلق بالمشاعر منا والانطلاقات بالأحاسيس والوجدان والمساعي، بالوجهات والإرادات وبالحركات والسكنات ، إنها حقيقة الإدراك لعظمة المكوِّن للكون والمنشئ للوجود، وأنه على كل شي قدير، وأنه قد أحاط بكل شي علما إدراكًا يحل في الوجدان والذوق، يُعرف به سرُّ الاصطفاء لعبدِ الله وحبيبه المصطفى محمد مِن قِبلِ هذا الإله الحق الحكيم جل جلاله. إن ما نتحدث عنه وإن كان في وضوحٍ يُعدُّ من البديهيات لدى أهل الإيمان، لكنه مهمٌّ وعظيمٌ وليس المراد بإدراكه مجرد الإقرار والعلم به، ولكنا نريد شأنَ ذلك الحال والواقع منا في تعاملنا وتفاعلنا مع الواقع حوالينا.
يا أهل الملة: تُستَتبع الأمةُ اليوم فكرًا وتصوُّرًا وتعاملاً وتخاطبًا إلى مخالفاتٍ صريحات لمنهجهِ ومنهجِ رسوله المصطفى خيرِ البريات محمدٍ ، وهناك انسياقاتٌ غريبة وراء تلك الدواعي لذلك الاستتباع الذي مِن شأنه حطُّ المنزلةِ لدى الفردِ من أهل الملة مِن سموِّ وعظمةِ التبعيةِ لله ورسوله إلى حظيظِ التبعيةِ لمُفسدي الأرض وفاسدي الأرض والساقطين مِن عينِ رب السماء والأرض جل جلاله وتعالى في علاه، في اختلاطٍ لمعاني حسنِ التعامل مع أهل الأفكار والمبادئ المختلفة، والاستفادة مِن كلِّ ما يتوصل إليه الإنسان من معرفةٍ وقدرةٍ وإمكانيات، واستعمال الحكمة فيما يحاوله ويزاوله، اختلاط كل هذه المعاني الصحيحة الأصل بضعف الإيمان والثقة وضعف الرابطة بالمبعوث بالحق والهدى وفقدان التعظيم للتوجيهات الإلهية والتعليمات المحمدية النبوية، والإنبهار بأطروحات الكفار والفجار على ظهر الأرض، والتأثرات السلبية بكثير مما يُطرح ومما يُذاع ويُشاع ومما يُروَّج له بمختلف الوسائل .
يا أهل الملة: معاني الاعتزاز بالتبعية لله ولرسوله غائبةٌ في كثير من ساحات المسلمين ومساحات تعاملاتهم وانطلاقهم فكرًا وعملاً، وحسبُنا قول الجبار الأعلى عند ذكر نبيِّه محمد ( فالذين آمنوا به وعزَّروه ونصروه واتبعوا النورَ الذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون ) ومقتضى الإيمان به أن يتقوَّم الفكر، وتثبُت المرجعيَّة للحق ورسوله ، فيقوم الميزان للعمل وتتزكى النفس عن الهوى والعصبية في تفكيرها وتعاملها، وتتزكى عن الغلو وعن الإهمال والتضييع وعن الحسد وعن إرادة العلو وإرادة الفساد في الأرض؛ وبذلك تُعلم مكانة المذاهب بين المسلمين وترجمتها لسعةِ الشريعة وشمولها وكمالها، وبُطلان أن تُتَّخذ مطايا للعصبيات والأهواء واقتحام منكراتِ تطاولِ المسلمين على بعضهم البعض وسبابِهم والنَّيلِ من أعراضهم، كما أنها تقيمُ ميزانَ الأخذِ في الاستفادة من المُكتَشفات والمُخترعات والمصنوعات لتكون مستخدَمةً لمنهاج الحق لا مستخدِمة لأتباع الحق، وبه تُبَثُّ الطمأنينة في القلوب والعقول عند نشر بهرجةِ القول مِن قبلِ أهل التطاول على منهج الله ورسوله، ومن يتجرَّأ على أن يُلصق به ما ليس فيه وما ليس منه، وأن ينسب إليه ما هو مُتسامٍ عنه، فلا يأتي إيضاحٌ ولا بيانٌ ولا ردٌّ بتزعزعٍ ولا انزعاجٍ ولا تنازلٍ عن حقائق ثابتةٍ في منهج الله ورسوله ولا تتبُّعاتٍ للأقوالِ الشاذة في خزائن فقهِ الشريعة المطهرة، فيما انتهى إليه استنباط المستنبطين واجتهاد المجتهدين مِن المهَيئين المؤهَّلين، وبذلك يتم التعظيم لله ورسوله فتنهار إراداتُ النفس علوًّا أو فسادًا في الأرض بجميع معاني ذلك رغبةً في الدار الآخرة التي يوقنُ بها المنتمي لهذه الملة، فقد جُعلت مِن قِبل خالقِها خاصةً للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادا ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين ) .
يا أهل الملة: ما ارتضى اللهُ لنبيه محمدٍ من قيادة المؤمنين ما أوجب على مَن صدَّقه أن يسلِّم الزِّمام له حتى يقول جل جلاله ( فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيتَ ويسلِّموا تسليما ) ثم يقول ( وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللهُ ورسولُه أمرًا أن تكون لهم الخيَرة مِن أمرِهم ومن يعصِ الله ورسولَه فقد ضلَّ ضلالاً مبينا ) وفيما يقول نبيه ( لا يؤمن أحدُكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به ) في كل ذلكم حقائق غائبة عن مشاعر وأحاسيس ووجدان اليوم في أهل هذه الملة انتَهشَهُ من بينهم واستلَبه منهم مظاهرُ فتنٍ اقتضت انسياقَهم وراء دعواتٍ قاطعةٍ عن الله وعن رسوله.
فلنُنزِل رسولَ الله في مشاهدنا ومشاعرنا المنزلَ الذي أنزله الله فيه، ولنثِق بجميع ما قال وما أخبر ولنُحيِ من جديدٍ سرَّ اتباعهِ باليقين والمحبة والمودة في الديار والمنازل والأفكار والقلوب والوجهات والتعامل ( وإن تطيعوه تهتدوا) ( من يطع الرسولَ فقد أطاع الله ) ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزِّل على محمد وهو الحق من ربهم كفَّر عنهم سيئاتِهم وأصلح بالهم ) ( قل إن كنتم تحبون اللهَ فاتبعوني يحببكم الله ).
اللهم أيقظ قلوبَ المسلمين، وفي ذكرى ميلاد نبيِّهم الأمين ولِّد في قلوبِهم أنوارَ الارتباطِ به وثبِّت أقدامَهم على السيرِ على دربه، واحلُل عنهم عُقَدَ الانبهارَ بأطروحات الكفار والفجار، وأشعِرهم بمكانة الأمانة التي ائتمنتهم عليها في إنقاذ الأمة، وهداية البشرية بنورك الحق المبين يا أرحم الراحمين..
وصلى الله على المصطفى محمد وآله وسلَّم، والحمد لله رب العالمين