سذاجة الكاردينال لافيجري


بقيت الحرب الصليبية أحد وجوه الحرب الشاملة للدول الإستعمارية . و من المعروف أن الجزائر قد تعرضت سنة 1867 و بعدها الى كوارث و نكبات طبيعية مثل ( الجفاف، و مرض الطاعون ) بالاضافة الى سياسة الأرض المحروقة التي لم يسلم منها لا الأخضر و لا اليابس ، هذه الظروف الصعبة بل القاتلة كانت وراء وفاة الالاف من الأسر و العائلات الجزائرية .
و خلّفت وراءها عشرات الالاف من الأطفال الأيتام ، فوجد رجال الدين في ذلك الفرصة المؤاتية لتنصير أولئك الأطفال بطرق أو أخرى .
إندفع أُسقف مدينة الجزائر ( لافيجري)لأستغلال جوع الأطفال و بعض الأسر لصالح الكنيسة . و وجد من نابليون الثالث تشجيعا زاد ن حماسته حيث وجدت رسالة تحمل تاريخ 29 كانون الثاني - يناير -1867 و فيها جاء ما يلي : (( علمنا و أخبرنا بنبأ جديد له أهميته ، و هم أن الاسقف الجديد - لافيجري - قد حصل على إذن من الإمبراطور بتنصير الأهالي مع تزويده بصلاحيات واسعة ، و يعتزم الأسقف انشاء أديرة هنا و هناك بالتعاون مع رجال الدين المطرودين من إيطاليا لتنصير المسلمين )).
و كانت حجة الكاردينال في ذلك هي (( أن هؤلاء الايتام بقوا بدون آباء و أمهات معرضين للموت في كل وقت . و جزاء الكنيسة عندما تؤويهم هو أن تنصرهم و تحولهم عن عقيدة آبائهم و أجدادهم الاسلامية. و كان يرى أن هذا التنصير يتبغي ان يتم و لو بالقوة و حتى بالتفرقة بين الجزائريين من أجل القضاء على تاثير القرآن الكريم )).
و على هذا الاساس جمعت الكنيسة حوالي عشرة الاف يتيم من تتراوح اعمارهم بين الثامنة و العاشرة ،و أحذت تجمع الأموال باسمهم لستغل ذلك دينيا و سياسيا .
إليك أخي القارئ أختي القارئة هذه المحادثة التي زعم الكاردينال لافيجري أنه أجراها مع يتيم جزائري عمره عشر سنوات ، زعم انه التقى به في حي باب الواد بالجزائر العاصمة في شهر تشرين الأول - أكتوبر - عام 1868 و إسمه عُمَرْ :

س : من أين جئت يا بني ؟
ج : من الجبل ، من بعيد ، بعيد ..!
س : و أبواك اين هما ؟
ج : أبي مات ،و أمي في القرية ( الغوربي )
س : لماذا تركتها ؟
ج : هي التي قالت لي لا شيئ هنا ، إذهب الى قرى المسيحيين ، و سألحق بك أن كذلك .
س : ماذا فعلت في الطريق ؟
ج : كنتُ آكل الأعشاب في النهار ، و أختفي في الليل داخل الكهوف ، حتى لا يقتلني العرب إذا رأوني ، لأنهم يقتلون الأولاد و ياكلونهم .
س : و الآن الى أين أنتَ ذاهب ؟
ج : لا أدري .
س : أتذهب الى أحد الأولياء العرب - المشايخ - ؟
ج : آه !....لا ، لأني عندما أذهب اليهم يطردونني ، واذا رفضت يسلطون علي الكلاب لتقتلني .
س : أتريد أن تبقى معي ؟
ج :أه..نعم .
س : ايه ، حسنا ، سِرْ معي الى دار الأولاد ، و سأعتبرك مثلهم ، و سأسميك شارل ، و بعد مُدة سأله عن بقائه ؟
س : أتريد ـن تذهب الى أمك ؟
ج : لا أذهب ، و لا أحب ذلك ؟
س : لماذا ؟
ج : لأنني و جدتُ أحسن من أمي !!!


هذه المحادثة القصيرة تُدين نفسها ، بقدر ما ما تُدين ( الكاردينال لافيجري )بما تُبرزه من تناقض في النقاط التالية :
-1- و أنت تقرأ نص المحادثة تشعر و كأن الطفل تم تلقينه بما يجب عليه قوله
-2- هل يُعقل أن تترك الأم فلذة كبدها في مثل هذه الظروف الصعبة و بهذه السهولة ؟ تتركه لوحده يقطع الجبال و السهول و الهضاب و الوديان وحدَهُ ، حتى لو إفترضنا أن هذا صحيح لكان من المُحتمل أن ترافقه .
-3- ليس من عادة العرب أو الأمازيغ الأحرار أن يتركوا أبنائهم في مثل هذه الظروف ...ليتعرضوا للذبح و الاكل .
-4- ليس من عادة المشايخ طرد طفل جائع أو محروم ، في حين أن أموال الأوقاف و الزوايا كانت وفيرة و محبوسة لمثل هذه الأعمال الخيرية .
-5-ليس من عادة العرب المسلمين إدخال الكلاب الى الزوايا و المساجد و إستخدامها لطرد الغرباء ، بل يقتصر دورها عندهم في حراسة قُطعان الماشية و الصيد . بينما يستعمل الفرنسيون و الفرنسيات الكلاب عندهم للتجميل أو حراسة المنازل و طرد الغرباء.
-6- إذا كان عمل الكردينال المحترم ( حضاريا - إنسانيا )فلماذا يُغير إسم الطفل من عُمر الى شارل ؟
-7- ثم هل هناك و في مثل هذا العمر أن يرضى عن أمه بديلا .الا إذا تم توجيهه بروح من الحقد و الكراهية ؟