-
كلتاوي فضي
العلامة المجاهد والداعية الغيورالعالم الجريء حسن حبنّكة الميداني
اعلام علماء الشام
العالم الجريء حسن حبنّكة الميداني
المتوفى في ذي القعدة 1398 هـ
رحمه الله تعالى
هو العالم الداعية والمجاهد في سبيل الله تعالى حسن بن مرزوق حنبكة الشهير بالميداني. وُلِدَ في حي الميدان بدمشق سنة 1326هـ تقريباً، لأسرة قَدِمَت من بادية حماة من أبوين صالحين اهتما به ودفعاه نحو طلب العلم. فبعثاه أولاً إلى الكتّاب ليدرس فيه دراسته الأولية ومن ثمّ أخذ ينتقل على الشيوخ. تتلمذ على كبار علماء دمشق كالشيخ عبد القادر شموط، كما درس على الشيخ بدر الدين الحَسَني الذي دعاه إلى درس خصّصه له قائلا: ( انتقِ كتاباً وتعال)، كما لزم الشيخ علي الدقر رحمهم الله تعالى جميعاً وكان الشيخ الدقر يحب فيه روح الإخلاص ويعتمد عليه.
تفقّه الشيخ حبنكة أولاً على مذهب الإمام أبو حنيفة ثم على مذهب الامام الشافعي ورسخت معرفته بسائر العلوم من تفسير وحديث وعلوم العربية وتوحيد التربية، وغيرها من العلوم العصرية.
كان الشيخ خطيباً من الطراز الأول يجري في خطبته على الأسلوب التربوي الذي يرهف المشاعر ويملك القلوب ويستدرّ الدموع فيستأثر بالسامعين لا سيّما أنه كان فصيح اللسلان سليم اللغة رفيع الأدب، جمع بين عمق التفكير وسهولة التعبير، وكان يتعرض للمشكلات المعاصرة الاجتماعية والسياسية والدينية فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينصح للجميع دون استثناء لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يحابي ولا يداجي في الحق أحداً.
وعندما انطلقت الثورة السورية على الاستعمار خرج مع الثوار محارباً دولة الاستعمار يحمل السلاح متنقلاً من مسجد إلى مسجد. ثم لما ضعفت شوكة الثورة لجأ مع من لجأ إلى الأردن وبقي فيها سنتين لم ينقطع خلالهما عن العلم والتعليم. ولمّا هدأت الأوضاع عاد إلى بلده وشارك في النهضة التعليمية في دمشق بتوجيه محدّث الشام بدر الدين الحسني وتلميذيه الشيخ علي الدقر والشيخ هاشم الخطيب وأسسوا (الجمعية الغرّاء) للقيام برسالة التعليم وتخريج الفقهاء والوعّاظ والدعاة.
ثم أسس الشيخ (جمعية التوجيه الاسلامي) وقد شاركه في التأسيس ثلة من المشايخ. أخذت هذه الجمعية على عاتقها مهمة نشر العلوم الاسلامية وتخريج الدعاة من حَمَلَة الشهادات الشرعية مع ما تقوم به من أعمل خيرية أخرى.
كما شارك الشيخ في تأسيس رابطة العلماء في سورية وكان الأمين العام لها، وأسس أيضاً عدة جمعيات خيرية أخرى، وانتُخِب عضواً للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة. وكانت له مكانة مرموقة في الأوساط الدينية والعلمية في البلاد الاسلامية توفرت لديه إلى جانب غزارة علمه ووفرة ذكائه وقوة الشخصية ولطف المعشر والتحبب إلى الناس.
وإذا أردنا أن نختصر صفاته رحمه الله تعالى في عبارة واحدة فبإمكاننا أن نقول إنه كان أمة في رجل، ويتجلى ذلك من خلال تخريجه جيلاً كاملاً من العلماء الأكابر الذين ارتفع ذكرهم في الآفاق وتولوا من بعده مهمة التعليم والتوجيه.
لم يتفرغ الشيخ للتأليف بسبب مشاغله في العلم والتعليم لذا نجده مُقلاًّ منه باستثناء مقالات في موضوعات دينية وتوجيهية، وشرح لنظم الغاية والتقريب للعمريطي، ومولد نبوي.
توفي رحمه الله بدمشق ليلة الاثنين 14 ذي القعدة عام 1398هـ الموافق له 15 تشرين الأول 1978م عن عمر يناهز الإثنين والسبعين عاماًَ، حيث نعته المآذن والمنابر والإذاعات والصحف.
هذا وقد قال الشيخ أبو الحسن النَّدوي رحمه الله تعالى: "قد حُرِمَ العالم الإسلامي بوفاته عَلَماً من أعلام العلم والروحانية، فَقَدَ فيه رجلاً كبيراً لا ينساه التاريخ المعاصر ويسجّل آثاره بمداد النور ويخلِّد ذكره في سجل الخالدين العلماء الابرار والصالحين الأخيار رضوان الله عليهم أجمعين". ولابنه - أحد أنضج ثمرات غراسه ونتاج جهده وتربيته - المفكّر الإسلامي الشيخ عبد الرحمن كتاب حافل - لم يُطبع - في سيرة حياته وأثره على الحياة الدينية والسياسية في بلاد الشام، يسّر الله له النور.
رحم الله الشيخ "حسن حبنكة الميداني" رحمة واسعة وجزاه عن العلم والعلماء خير الجزاء
العلامة المجاهد والداعية الغيور
الشيخ حسن حبنكة الميداني رحمه الله تعالى
إعداد : خالد عالولا
24/7/2006
مازلنا في هذه الزاوية ( أعلام ومشاهير) مع ثلة مباركة من علماء هذه الأمة ، في بلادنا بلاد الشام نطلع على صفحات مجيدات من حياتهم ، الغنية بالعلم الرصين ، والعمل المتواصل ، والحركة الدائبة المخلصة ، والسلوك الرائع النبيل ، في سبيل إعلاء كلمة الله عز وجل ونشر رسالته رسالة الإسلام ، وبيان ما فيها من خير عظيم ، يجعلها الجديرة وحدها بالإتباع والتطبيق .
وهانحن اليوم مع عالم جليل آخر ، من أولئك العلماء الأعلام ، الذي أعاد بعلمه وأخلاقه ومواقفه سيرة سلطان العلماء العز بن عبد السلام رضي الله عنه ، والذي تذكره دمشق وسائر المدن السورية بالفخر والإجلال ، لما له في حياتها من أثر بالغ ، يمتد منذ عشرات السنين . إنه العلامة المجاهد والداعية الغيور ، الجريء في الحق ، الشجاع في مقارعة الباطل ، الشيخ حسن حبنكة الميداني عليه رحمة الله ورضوانه .
1ًـ مولده ونسبه :
ولد الشيخ رحمه الله في العام 1326 هجرية والموافق لعام 1908 ميلادية في دمشق في حيِّ الميدان ، المعروف بأصالته العربية ، وحبه للدين ، ومحافظته على العادات والشيم الرفيعة . ويعود نسب الشيخ إلى عرب بني خالد ، وهم قبيلة معروفة من قبائل العرب ، ولها منازل في بادية حماة من أرض الشام .
نشأ الشيخ في أحضان عائلة تتصف بالاستقامة والصلاح ، فوالده الحاج مرزوق عُرف بتدينه ومواظبته على الطاعات ، وحب فعل الخير ، والبر بوالديه وبخاصة والدته ، التي كان لها الخادم البار في سنيِّ كبرها وعجزها ، وكان مواظباً على العبادة في وقت السحر ، ويخرج إلى صلاة الفجر مبكراً فيصلي ويجلس للذكر وتلاوة القرآن ، وكان ذا رغبة صادقة في أن يكون ولده (حسن) عالماً .
وأما والدة الشيخ فهي الحاجة خديجة المصري ، من قرية الكسوة جنوب دمشق ، وهي من النساء الصالحات العفيفات ، وقد توفيت أثناء عودتها من رحلة الحج عن طريق البحر ، مع ابنها الشيخ حسن .
2ًـ نشأته وطلبه للعلم :
نشأ الشيخ منذ طفولته متوقد الذكاء ، قوي الحافظة طموحاً ، محباً للعلم والفضيلة والمجد ، فتعلم في الكُتاب القراءة والكتابة والقرآن ، ثم أرسله أبوه إلى مدرسة في أطراف دمشق ، يشرف عليها الشيخ شريف اليعقوبي وكان أهل علم وصلاح ، وبعد أن أنهى صفوف المدرسة عنده اتجه إلى أستاذ آخر ، كان قد سمع به في حيِّه وهو الشيخ طالب هيكل ، وكان له علم بشيء من النحو والصرف والفقه على مذهب الامام الشافعي ، فاستفاد منه في هذه العلوم ، ثم تعرف على عالم آخر من المعروفين بالعلم والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الشيخ عبد القادر الأشهب ، فتلقى عنه أوسع مما تلقى عن شيخه السابق ، لكن رغبته في العلم ، وطموحه في التحصيل ، كانا يدفعانه إلى المزيد من العلم ، والجلوس بين يدي العلماء ، لاسيما وقد سمع بكبار العلماء في قلب مدينة دمشق ، فبدأ الاتصال بهم واحداً فواحداً ، ليروي نهمه العلمي ، وكان والده يشجعه على ذلك ، وقد تكفل به وبأسرته ، بعد أن زوجه في سن صغيرة في الخامسة عشر من عمره .
تابع الشيخ مسيرته العلمية ، بكل همة واجتهاد ونشاط ، ينهل من مختلف العلوم العربية والشرعية ، وحتى بعض العلوم الكونية مثل الطب وعلم النبات ، خصوصاً وقد أكرمه الله عزوجل بالتعرف على ثلة من جهابذة العلماء ، كان في مقدمتهم الشيخ محمود العطار وهو فقيه حنفي وعالم متمكن ، فتتلمذ على يديه سنين طوالاً ، كما اتصل بالعلامة التقي الورع والأصولي والفقيه البارع ، الشيخ أمين سويد رحمه الله تعالى ولازمه ملازمة طويلة ، ثم التقى عالماً ضليعاَ بعلوم اللغة العربية لاسيما البلاغة والأدب وحسن صياغة النصوص والإنشاء هو الشيخ عبد القادر الاسكندراني رحمه الله الذي أفاده في هذه العلوم كثيراً ، كما استفاد من عالم كردي متمكن في العلوم العقلية ( المنطق والفلسفة وأصول الفقه ) فقرأ عليه عدداً من الكتب في هذه العلوم ، كما تتلمذ على الشيخ عطا الكسم مفتي الديار الشامية ، فلازمه مدة سمع خلالها مسائل كثيرة من الفقه الحنفي ، وأكرمه الله تبارك وتعالى بالاتصال بعلامة الشام وشيخ مشايخها الشيخ بدر الدين الحسني الذي أفرد له وقتاً خاصاً ، ليقرأ عليه فيه واستمر ذلك حتى وفاة الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى فاستفاد من علمه وروحانيته الشيء الكثير .
هؤلاء هم أشهر الأساتذة والمشايخ ، الذين تلقى عنهم ، واغترف من غزير علومهم ومعارفهم واقتبس من أخلاقهم وصفاتهم ، مع ما وهبه الله من عقل ذكي وبديهة حاضرة وحب شديد للمعرفة بحيث أصبح من خيرة العلماء علماً وعملاً ودعوة .
3ًـ مرحلة الدعوة والتعليم :
لم يكن الشيخ محباً للعلم ، والاستزادة منه ، ليملأ به عقله وذهنه فحسب ، ومن ثم يتغنى بأمجاد العلم ويتعالى به على الناس ، بل كان العلم هو وسيلته إلى الدعوة إلى الله عز وجل ، وإصلاح المجتمع ، وتربية العلماء الراسخين ، الذين يقودون حركة الإصلاح والنهوض بمجتمعهم ، لذلك رأيناه يسلك طريق الدعوة والتعليم ، وهو بعد ما يزال صغيراً طالب علم ، فملأ وقته مابين طلب للعلم ومابين التعليم والوعظ والإرشاد ، وأصبح له طلاب يقصدونه ، ليقرؤا عليه بعض الكتب في مختلف العلوم بعد أن عاينوا تمكنه وحسن أسلوبه وشرحه .
ولما قامت النهضة العلمية الدعوية في دمشق ، على يد العالم الداعية الشيخ علي الدقر رحمه الله تعالى كان الشيخ حسن أحد أركانها ، وقدم لها كل إمكاناته وكان مديراً لإحدى المدارس التي أنشأها بالتعاون مع الجمعية الغراء جمعية الشيخ علي الدقر، وهي مدرسة (وقاية الأبناء) وشهدت المدرسة في عهد إدارته نجاحاً باهراً ، وتخرج منها طلاب علم غدوا فيما بعد من أكابر علماء الشام ، وفي هذه الأثناء لم ينقطع الشيخ حسن عن التعليم والدعوة في جامع منجك مقرِّ دعوته الرئيسي ، حيث كان الطلاب يتوافدون عليه صباحاً ومساءً ، ويتنقلون من علم إلى علم وفق منهج جادٍ صارمٍ ، لتبنى شخصياتهم العلمية بناءً قوياً راسخاً ، وكانت فكرة إنشاء معهد شرعي له نظامه المتكامل ، وصفوف متدرجة ، فكرة قد شغلت ذهن الشيخ وصمم على تنفيذها مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه ، وتم له مأراد حين قام (معهد التوجيه الإسلامي) بإشراف الشيخ حسن وبمعونة طلابه المتقدمين ، الذين تعب على تدريسهم وتعليمهم ، ليكونوا من خيرة الأساتذة بل والعلماء ولقد تخرج من هذا المعهد ، العدد الكبير من طلاب العلم ، من سوريا ولبنان والأردن وتركيا وبعض البلاد الافريقية ، والذين أصبح الكثير منهم علماء البلاد ومراجع الناس في العلم والفتوى .
ولم يعتن الشيخ كثيراً بالتأليف ، لأنه كان منصرفاً إلى تربية الرجال المؤمنين الصادقين وتخريج العلماء المتمكنين ، وطلابه اليوم والحمد لله هم في مقدمة علماء سوريا ، أمثال أخيه العالم الفقيه واللغوي الأديب ، والخطيب الحكيم ، الشيخ صادق حبنكة حفظه الله وبارك في حياته ، والشيخ حسين خطاب رحمه الله تعالى شيخ قراء الشام العالم العامل ، والداعية المؤثر ، وخلفه الشيخ محمد كريم راجح شيخ قراء الشام حالياً الخطيب المفوه ، والأديب الشاعر والفقيه الحاذق ، والشيخ الدكتور مصطفى الخن الفقيه الأصولي ، الأديب والمدرس في كليات الشريعة في دمشق وفي المملكة العربية السعودية ، والشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي العالم المفكر الفقيه الأصولي والداعية المشهور، ونجل الشيخ الأكبر الشيخ عبد الرحمن حبنكة رحمه الله تعالى العالم المطلع ، والمصنف المكثر الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة أم القرى في مكة المكرمة .
4ًـ أسلوبه في التعليم :
كان الشيخ حريصاً على أن يُخرِّج علماء ، يتقنون ما تعلموه ليستطيعوا بذله للناس بكل ثقة وأمانة فكان مع الطلاب المبتدئين ، كثير الشرح والبيان لمسائل العلم الذي يتلقونه ، يعطيهم مفاتيح العلوم ويحثهم على الرجوع إلى الكتب لفهم عباراتها ، وحفظ مسائلها ، وأما الطلاب المتقدمون ، فكان يدربهم على استخراج المسائل من مظانها ، وتحليل القضايا إلى عناصرها ، تحليلاً عقلياً منطقياً ويمرنهم على المناظرة والمحاورة ، لتكون لكل منهم شخصيته العلمية المستقلة ، التي تعتمد على قدراتها وتثق بإمكاناتها .
5ًـ مشاركاته العلمية :
كانت للشيخ مكانته العلمية والدينية المتميزة ، ولذلك لما تأسست جمعية لعلماء سوريا باسم (رابطة العلماء) كان الشيخ أحد أعضائها البارزين ، فكان الشيخ أبو الخير الميداني رئيساً لها والشيخ حسن حبنكة أميناً عاماً لها ، وقد قامت هذه الرابطة بدور توجيهي بالغ الأثر في الحياة العامة للبلاد .
وشارك الشيخ أيضاً في رابطة العالم الإسلامي ، واختير عضواً فيها عن سوريا خلفاً للشيخ مكي الكتاني رحمه الله تعالى ، وكان يحضر اجتماعاتها السنوية في مكة المكرمة مشاركاً بعلمه ورأيه .
6ًـ اهتمامه بالمجتمع والأعمال الخيرية :
إن مثل الشيخ حسن حبنكة رحمه الله تعالى ، في وراثته لهدي النبوة التي كانت رحمة للناس في كافة مجالات حياتهم ، لايمكن أن يكون بمعزل عن حياة الناس ، وعن المشاركة في حلِّ أزماتهم وتخفيف معاناتهم ، ورفع شأنهم في كل أمر ، لذلك وجَّه الشيخ عنايته إلى أفراد حيِّه أولاً يبحث عن الفقراء والمحتاجين والمرضى والأيتام ، ليحوطهم بكل ما يستطيع تقديمه لهم ، وذلك بمعونة أهل الخير والإحسان ، وراح يوجه إلى قيام وإنشاء الجمعيات الخيرية ، التي تتولى جمع التبرعات من زكوات وصدقات ، لتوزع على المستحقين بكل أمانة ودقة ، وكانت فاتحة هذه الجمعيات (جمعية أسرة العمل الخيري) ثم توسع هذا العمل المبرور ، إلى باقي أحياء وحارات الميدان ومدينة دمشق ، كما كان الشيخ أيضاً ملاذ الناس في معضلات أمورهم ، ومشاكلهم يهرعون إليه للنظر فيها والمساعدة على حلها ، فكان بيت الشيخ داراً للقضاء والشورى وفضِّ المنازعات .
7ًـ مواقفه الإسلامية الشجاعة :
إن من أعظم ما يتميز به الشيخ حسن رحمه الله تعالى جرأته في الحق ، وشجاعته في مواجهة الباطل ، وهي صفة رافقته منذ يفاعته وشبابه المبكر ، فحينما اندلعت الثورة السورية على المستعمر الفرنسي عام 1925م وكان الشيخ يطلب العلم ، وهو في مقتبل العمر في السابعة عشر من عمره ، هبَّ ليشارك الثوار المجاهدين ، وانضوى تحت لواء واحد من مشاهيرهم ، وهو الشيخ محمد الأشمر رحمه الله تعالى وشارك في قتال المغتصبين المحتلين .
ولما أرادت فرنسا فرض (قانون الطوائف) ، محاولة بذلك تغيير العديد من قوانين الأحوال الشخصية المستمدة من الشريعة الإسلامية ، قام الشيخ خطيباً ينبه العقول ، ويفضح الألاعيب ويُلهب المشاعر ، وكان لموقفه هذا أثره البالغ في إبطال العمل بذلك القانون المنحرف .
وهكذا كان الشيخ رحمه الله في كل مرة وفي أي عهد من العهود ، لسان الحق الجريء المقدام الذي ينافح عن عقيدة الأمة وتشريعها وتاريخها ، مرتكزاً في ذلك على علم راسخ ، ووعي يدرك أبعاد القضايا ، وحكمة تزن الأمور بميزان دقيق حساس ، وقلب عميق الصلة بالله والتوكل عليه واحتساب الأجر والثواب عنده وحده ، ولقد لقي الشيخ في سبيل ذلك من المكاره والأذى الشيء الكثير ، ولكنه وبفضل الله ومعونته خرج ظافراً منتصراً .
8ً ـ صفاته الشخصية ومشاركاته الأدبية ومختارات من شعره :
لقد أوتي الشيخ رحمه الله من الصفات الذاتية والمحامد الخلقية نصيباً موفوراً ، فكان حاد الذكاء حاضر البديهة ، وكان عميق التفكير ، صادق الفراسة ، وكان فصيح اللسان واسع الشرح والبيان وخطيباً جماهيرياً يملك قلوب وأفكار مستمعيه ، وكان محدثاً بارعاً يأسر مَن يحدثه بحسن بيانه وجواهر لفظه ، وكان رحمه الله عظيم الصبر على الناس كثير التسامح حريصاً على تأليف القلوب ، وكان كثير الاهتمام بعيادة المرضى والدعاء لهم بالشفاء ، وكان حكيماً في فضِّ المنازعات وإطفاء نيران الفتنة بين الناس ، وكان رحمه الله عفيفاً يعلم طلابه ويدربهم على العفة والترفع عن الدنايا والصغائر ، وكان متواضعاً وخصوصاً لرجل صالح أو عالم فاضل أو شيخ كبير السن أو امرأة عجوز ، وهو في ذات الوقت كان عزيزاً لم يُهن نفسه لغني من أجل غناه ، ولا لذي وجاهة في قومه من أجل وجاهته ، ولم يمالىء ذا سلطان وهو في سلطانه ، وكان الشيخ ذا حس ونفس أدبي واضح ، وربما نظم شعراً وجدانياً دينياً ، لكنه فيه مقلٌّ إذ لم يُفرِّغ نفسه له وفي مناسبة من مناسبات الحج فاضت مشاعره ببعض أبيات ومما قاله فيها :
صفق القلب للحجاز وثارا شفه الشـوق للحـبيب فـطـارا
واقتفت إثره الجسومُ غراماً فجرى الركب في الرمال وسارا
ياديار الحبيب يا أنس قلبي عدل الدهر في الهوى أو جارا
يا بقاع الأنوار من فيض ربي حدثيني عن الرسـول جـهـارا
9ً ـ صفاته التربوية :
كان رحمه الله مربياً شديد الملاحظة والمتابعة ، لا تكاد تفوته كبيرة ولا صغيرة من حركات مَن هم في دائرة تربيته وتوجيهه ، وكان من أساليبه التربوية إلجاء مَن يشرف على تربيتهم إلى ممارسة الأمور التي يحرص أن يربيهم عليها ، من أعمال وأقوال وتعليم وتوجيه . وكان أخشى ما يخشاه أن يُصاب من هو في دائرة تربيته بالغرور بنفسه فيستكبر أو يقنع بما وصل إليه فلا يتابع مسيرته متنامياً متكاملاً . وكان من أساليبه التربوية أيضاً تصيد أيِّ حدث يمكن الاستفادة منه لتربية العقائد والمفاهيم الإسلامية وتثبيتها وتعميقها .
10ً ـ وفاته وتشييعه :
أصيب الشيخ بجلطة قلبية ، نتيجة الإجهاد والتعب المتواصل ، وما يحمل من هموم الأمة وآلامها ولكنها مرت بسلام ، إلا أن همة الشيخ وصحته لم تعد كما كانت من قبل ، وفي فجر الاثنين في 14ذي القعدة /1398 هجرية الموافق 16/10/1978م التحق الشيخ بالرفيق الأعلى عن عمر ناهز السبعين عاماً ، وكان قد أزمع السفر إلى مكة المكرمة ، لحضور مؤتمر من مؤتمرات رابطة العالم الإسلامي ، ثم الحج إلى بيت الله الحرام ، وما إن أشيع النبأ حتى عم الحزن والأسى بلاد الشام قاطبة ، وتقاطرت الوفود من كل الجهات لتشييع جنازته ، التي كانت جنازة ضخمة مشى فيها مئات الآلاف من محبي الشيخ وطلابه وعارفيه ، وصُلي عليه في الجامع الأموي الكبير في قلب دمشق ، ثم دُفن في حيِّه حيِّ الميدان بجوار المسجد الجامع الذي سعى في إنشائه وإعماره والذي سُمي فيما بعد جامع الحسن .
تغمد الله الشيخ حسناً بواسع رحمته ، ورفع مقامه في عليين ، وجزاه عن جهاده ودعوته وتعليمه أفضل ما يُجازى العاملون ، وجمعنا به مع أشياخنا وأحبابنا في مستقر رحمته ، تحت لواء الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .
مصادر الترجمة : كتاب (قصة عالم حكيم شجاع) لنجل الشيخ الأستاذ عبد الرحمن حبنكة
رسالة رثاء في الشيخ لتلميذه الشيخ محمد كريم راجح
التعديل الأخير تم بواسطة Omarofarabia ; 28-May-2010 الساعة 06:41 AM
-
كلتاوي فضي
رد: العلامة المجاهد والداعية الغيورالعالم الجريء حسن حبنّكة الميداني
د . يحيى الغوثاني
الشيخ حسن حبنكة الميداني
لقد كان الشيخ حسن حبنكة ذا هيبة كبيرة في قلوب أهل الشام ولا زلنا نذكر ونحن صغار شَبَبة كيف كنا نتطلع إلى رؤية وجهه ومحياه عندما يدخل إلى بعض المحافل أو يحضر إحدى المناسبات ... وإن أنس لا أنس ذلك الحفل المهيب الذي حضر فيه أكابر علماء دمشق ليسلموا شهادات التقدير والتخرج لطلبة معهد الفرقان وذلك عام 1976 م وقد امتلأ المكان بأكابر القوم وحشد من أهل العلم وألقى العلماء كلماتهم وكان قمر هذه الحفل الشيخ حسن حبنكة الميداني رحمه الله وتشرفنا بتسليم شهاداتنا من يده
وساذكر ترجمته هنا ثم ترجمة أخيه الشيخ صادق حبنكة العالم الشهير الذي ورث مكانة أخيه ولا زال إلى هذه اللحظة يحظى بتقدير العلماء
1ـ مولده ونسبه :
ولد الشيخ حسن حبنكة رحمه الله في العام 1326 هجرية والموافق لعام 1908 ميلادية في دمشق في حيِّ الميدان ، المعروف بأصالته العربية ، وحبه للدين ، ومحافظته على العادات والشيم الرفيعة . ويعود نسب الشيخ إلى عرب بني خالد ، وهم قبيلة معروفة من قبائل العرب ، ولها منازل في بادية حماة من أرض الشام .
نشأ الشيخ في أحضان عائلة تتصف بالاستقامة والصلاح ، فوالده الحاج مرزوق عُرف بتدينه ومواظبته على الطاعات ، وحب فعل الخير ، والبر بوالديه وبخاصة والدته ، التي كان لها الخادم البار في سنيِّ كبرها وعجزها ، وكان مواظباً على العبادة في وقت السحر ، ويخرج إلى صلاة الفجر مبكراً فيصلي ويجلس للذكر وتلاوة القرآن ، وكان ذا رغبة صادقة في أن يكون ولده (حسن) عالماً .
وأما والدة الشيخ فهي الحاجة خديجة المصري ، من قرية الكسوة جنوب دمشق ، وهي من النساء الصالحات العفيفات ، وقد توفيت أثناء عودتها من رحلة الحج عن طريق البحر ، مع ابنها الشيخ حسن .
2ًـ نشأته وطلبه للعلم :
نشأ الشيخ منذ طفولته متوقد الذكاء ، قوي الحافظة طموحاً ، محباً للعلم والفضيلة والمجد ، فتعلم في الكُتاب القراءة والكتابة والقرآن ، ثم أرسله أبوه إلى مدرسة في أطراف دمشق ، يشرف عليها الشيخ شريف اليعقوبي وكان أهل علم وصلاح ، وبعد أن أنهى صفوف المدرسة عنده اتجه إلى أستاذ آخر ، كان قد سمع به في حيِّه وهو الشيخ طالب هيكل ، وكان له علم بشيء من النحو والصرف والفقه على مذهب الإمام الشافعي ، فاستفاد منه في هذه العلوم ، ثم تعرف على عالم آخر من المعروفين بالعلم والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الشيخ عبد القادر الأشهب ، فتلقى عنه أوسع مما تلقى عن شيخه السابق ، لكن رغبته في العلم ، وطموحه في التحصيل ، كانا يدفعانه إلى المزيد من العلم ، والجلوس بين يدي العلماء ، لاسيما وقد سمع بكبار العلماء في قلب مدينة دمشق ، فبدأ الاتصال بهم واحداً فواحداً ، ليروي نهمه العلمي ، وكان والده يشجعه على ذلك ، وقد تكفل به وبأسرته ، بعد أن زوجه في سن صغيرة في الخامسة عشر من عمره .
تابع الشيخ مسيرته العلمية ، بكل همة واجتهاد ونشاط ، ينهل من مختلف العلوم العربية والشرعية ، وحتى بعض العلوم الكونية مثل الطب وعلم النبات ، خصوصاً وقد أكرمه الله عز وجل بالتعرف على ثلة من جهابذة العلماء ، كان في مقدمتهم الشيخ محمود العطار وهو فقيه حنفي وعالم متمكن ، فتتلمذ على يديه سنين طوالاً ، كما اتصل بالعلامة التقي الورع والأصولي والفقيه البارع ، الشيخ أمين سويد رحمه الله تعالى ولازمه ملازمة طويلة ، ثم التقى عالماً ضليعاَ بعلوم اللغة العربية لاسيما البلاغة والأدب وحسن صياغة النصوص والإنشاء هو الشيخ عبد القادر الاسكندراني رحمه الله الذي أفاده في هذه العلوم كثيراً ، كما استفاد من عالم كردي متمكن في العلوم العقلية ( المنطق والفلسفة وأصول الفقه ) فقرأ عليه عدداً من الكتب في هذه العلوم ، كما تتلمذ على الشيخ عطا الكسم مفتي الديار الشامية ، فلازمه مدة سمع خلالها مسائل كثيرة من الفقه الحنفي ،
وأكرمه الله تبارك وتعالى بالاتصال بعلامة الشام وشيخ مشايخها الشيخ بدر الدين الحسني الذي أفرد له وقتاً خاصاً ، ليقرأ عليه فيه واستمر ذلك حتى وفاة الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى فاستفاد من علمه وروحانيته الشيء الكثير .
هؤلاء هم أشهر الأساتذة والمشايخ ، الذين تلقى عنهم ، واغترف من غزير علومهم ومعارفهم واقتبس من أخلاقهم وصفاتهم ، مع ما وهبه الله من عقل ذكي وبديهة حاضرة وحب شديد للمعرفة بحيث أصبح من خيرة العلماء علماً وعملاً ودعوة .
3ًـ مرحلة الدعوة والتعليم :
لم يكن الشيخ محباً للعلم ، والاستزادة منه ، ليملأ به عقله وذهنه فحسب ، ومن ثم يتغنى بأمجاد العلم ويتعالى به على الناس ، بل كان العلم هو وسيلته إلى الدعوة إلى الله عز وجل ، وإصلاح المجتمع ، وتربية العلماء الراسخين ، الذين يقودون حركة الإصلاح والنهوض بمجتمعهم ، لذلك رأيناه يسلك طريق الدعوة والتعليم ، وهو بعد ما يزال صغيراً طالب علم ، فملأ وقته مابين طلب للعلم ومابين التعليم والوعظ والإرشاد ، وأصبح له طلاب يقصدونه ، ليقرؤا عليه بعض الكتب في مختلف العلوم بعد أن عاينوا تمكنه وحسن أسلوبه وشرحه .
ولما قامت النهضة العلمية الدعوية في دمشق ، على يد العالم الداعية الشيخ علي الدقر رحمه الله تعالى كان الشيخ حسن أحد أركانها ، وقدم لها كل إمكاناته وكان مديراً لإحدى المدارس التي أنشأها بالتعاون مع الجمعية الغراء جمعية الشيخ علي الدقر، وهي مدرسة (وقاية الأبناء) وشهدت المدرسة في عهد إدارته نجاحاً باهراً ، وتخرج منها طلاب علم غدوا فيما بعد من أكابر علماء الشام ، وفي هذه الأثناء لم ينقطع الشيخ حسن عن التعليم والدعوة في جامع منجك مقرِّ دعوته الرئيسي ، حيث كان الطلاب يتوافدون عليه صباحاً ومساءً ، ويتنقلون من علم إلى علم وفق منهج جادٍ صارمٍ ، لتبنى شخصياتهم العلمية بناءً قوياً راسخاً ، وكانت فكرة إنشاء معهد شرعي له نظامه المتكامل ، وصفوف متدرجة ، فكرة قد شغلت ذهن الشيخ وصمم على تنفيذها مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه ، وتم له ما أراد حين قام (معهد التوجيه الإسلامي) بإشراف الشيخ حسن وبمعونة طلابه المتقدمين ، الذين تعب على تدريسهم وتعليمهم ، ليكونوا من خيرة الأساتذة بل والعلماء ولقد تخرج من هذا المعهد ، العدد الكبير من طلاب العلم ، من سوريا ولبنان والأردن وتركيا وبعض البلاد الإفريقية ، والذين أصبح الكثير منهم علماء البلاد ومراجع الناس في العلم والفتوى .
ولم يعتن الشيخ كثيراً بالتأليف ، لأنه كان منصرفاً إلى تربية الرجال المؤمنين الصادقين وتخريج العلماء المتمكنين ، وطلابه اليوم والحمد لله هم في مقدمة علماء سوريا ، أمثال أخيه العالم الفقيه واللغوي الأديب ، والخطيب الحكيم ، الشيخ صادق حبنكة حفظه الله وبارك في حياته ، والشيخ حسين خطاب رحمه الله تعالى شيخ قراء الشام العالم العامل ، والداعية المؤثر ، وخلفه الشيخ محمد كريم راجح شيخ قراء الشام حالياً الخطيب المفوه ، والأديب الشاعر والفقيه الحاذق ، والشيخ الدكتور مصطفى الخن الفقيه الأصولي ، الأديب والمدرس في كليات الشريعة في دمشق وفي المملكة العربية السعودية ، والشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي العالم المفكر الفقيه الأصولي والداعية المشهور، ونجل الشيخ الأكبر الشيخ عبد الرحمن حبنكة رحمه الله تعالى العالم المطلع ، والمصنف المكثر الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة أم القرى في مكة المكرمة .
4ًـ أسلوبه في التعليم :
كان الشيخ حريصاً على أن يُخرِّج علماء ، يتقنون ما تعلموه ليستطيعوا بذله للناس بكل ثقة وأمانة فكان مع الطلاب المبتدئين ، كثير الشرح والبيان لمسائل العلم الذي يتلقونه ، يعطيهم مفاتيح العلوم ويحثهم على الرجوع إلى الكتب لفهم عباراتها ، وحفظ مسائلها ، وأما الطلاب المتقدمون ، فكان يدربهم على استخراج المسائل من مظانها ، وتحليل القضايا إلى عناصرها ، تحليلاً عقلياً منطقياً ويمرنهم على المناظرة والمحاورة ، لتكون لكل منهم شخصيته العلمية المستقلة ، التي تعتمد على قدراتها وتثق بإمكاناتها .
5ًـ مشاركاته العلمية :
كانت للشيخ مكانته العلمية والدينية المتميزة ، ولذلك لما تأسست جمعية لعلماء سوريا باسم (رابطة العلماء) كان الشيخ أحد أعضائها البارزين ، فكان الشيخ أبو الخير الميداني رئيساً لها والشيخ حسن حبنكة أميناً عاماً لها ، وقد قامت هذه الرابطة بدور توجيهي بالغ الأثر في الحياة العامة للبلاد .
وشارك الشيخ أيضاً في رابطة العالم الإسلامي ، واختير عضواً فيها عن سوريا خلفاً للشيخ مكي الكتاني رحمه الله تعالى ، وكان يحضر اجتماعاتها السنوية في مكة المكرمة مشاركاً بعلمه ورأيه .
6ًـ اهتمامه بالمجتمع والأعمال الخيرية :
إن مثل الشيخ حسن حبنكة رحمه الله تعالى ، في وراثته لهدي النبوة التي كانت رحمة للناس في كافة مجالات حياتهم ، لايمكن أن يكون بمعزل عن حياة الناس ، وعن المشاركة في حلِّ أزماتهم وتخفيف معاناتهم ، ورفع شأنهم في كل أمر ، لذلك وجَّه الشيخ عنايته إلى أفراد حيِّه أولاً يبحث عن الفقراء والمحتاجين والمرضى والأيتام ، ليحوطهم بكل ما يستطيع تقديمه لهم ، وذلك بمعونة أهل الخير والإحسان ، وراح يوجه إلى قيام وإنشاء الجمعيات الخيرية ، التي تتولى جمع التبرعات من زكوات وصدقات ، لتوزع على المستحقين بكل أمانة ودقة ، وكانت فاتحة هذه الجمعيات (جمعية أسرة العمل الخيري) ثم توسع هذا العمل المبرور ، إلى باقي أحياء وحارات الميدان ومدينة دمشق ، كما كان الشيخ أيضاً ملاذ الناس في معضلات أمورهم ، ومشاكلهم يهرعون إليه للنظر فيها والمساعدة على حلها ، فكان بيت الشيخ داراً للقضاء والشورى وفضِّ المنازعات .
7ًـ مواقفه الإسلامية الشجاعة :
إن من أعظم ما يتميز به الشيخ حسن رحمه الله تعالى جرأته في الحق ، وشجاعته في مواجهة الباطل ، وهي صفة رافقته منذ يفاعته وشبابه المبكر ، فحينما اندلعت الثورة السورية على المستعمر الفرنسي عام 1925م وكان الشيخ يطلب العلم ، وهو في مقتبل العمر في السابعة عشر من عمره ، هبَّ ليشارك الثوار المجاهدين ، وانضوى تحت لواء واحد من مشاهيرهم ، وهو الشيخ محمد الأشمر رحمه الله تعالى وشارك في قتال المغتصبين المحتلين .
ولما أرادت فرنسا فرض (قانون الطوائف) ، محاولة بذلك تغيير العديد من قوانين الأحوال الشخصية المستمدة من الشريعة الإسلامية ، قام الشيخ خطيباً ينبه العقول ، ويفضح الألاعيب ويُلهب المشاعر ، وكان لموقفه هذا أثره البالغ في إبطال العمل بذلك القانون المنحرف .
وهكذا كان الشيخ رحمه الله في كل مرة وفي أي عهد من العهود ، لسان الحق الجريء المقدام الذي ينافح عن عقيدة الأمة وتشريعها وتاريخها ، مرتكزاً في ذلك على علم راسخ ، ووعي يدرك أبعاد القضايا ، وحكمة تزن الأمور بميزان دقيق حساس ، وقلب عميق الصلة بالله والتوكل عليه واحتساب الأجر والثواب عنده وحده ، ولقد لقي الشيخ في سبيل ذلك من المكاره والأذى الشيء الكثير ، ولكنه وبفضل الله ومعونته خرج ظافراً منتصراً .
8ً ـ صفاته الشخصية ومشاركاته الأدبية ومختارات من شعره :
لقد أوتي الشيخ رحمه الله من الصفات الذاتية والمحامد الخلقية نصيباً موفوراً ، فكان حاد الذكاء حاضر البديهة ، وكان عميق التفكير ، صادق الفراسة ، وكان فصيح اللسان واسع الشرح والبيان وخطيباً جماهيرياً يملك قلوب وأفكار مستمعيه ، وكان محدثاً بارعاً يأسر مَن يحدثه بحسن بيانه وجواهر لفظه ، وكان رحمه الله عظيم الصبر علىa الناس كثير التسامح حريصاً على تأليف القلوب ، وكان كثير الاهتمام بعيادة المرضى والدعاء لهم بالشفاء ، وكان حكيماً في فضِّ المنازعات وإطفاء نيران الفتنة بين الناس ، وكان رحمه الله عفيفاً يعلم طلابه ويدربهم على العفة والترفع عن الدنايا والصغائر ، وكان متواضعاً وخصوصاً لرجل صالح أو عالم فاضل أو شيخ كبير السن أو امرأة عجوز ، وهو في ذات الوقت كان عزيزاً لم يُهن نفسه لغني من أجل غناه ، ولا لذي وجاهة في قومه من أجل وجاهته ، ولم يمالئ ذا سلطان وهو في سلطانه ، وكان الشيخ ذا حس ونفس أدبي واضح ، وربما نظم شعراً وجدانياً دينياً ، لكنه فيه مقلٌّ إذ لم يُفرِّغ نفسه له وفي مناسبة من مناسبات الحج فاضت مشاعره ببعض أبيات ومما قاله فيها :
صفق القلب للحجاز وثارا **** شفه الشـوق للحـبيب فـطـارا
واقتفت إثره الجسومُ غراماً **** فجرى الركب في الرمال وسارا
يا ديار الحبيب يا أنس قلبي **** عدل الدهر في الهوى أو جارا
يا بقاع الأنوار من فيض ربي **** حدثيني عن الرسـول جـهـارا
9ً ـ صفاته التربوية :
كان رحمه الله مربياً شديد الملاحظة والمتابعة ، لا تكاد تفوته كبيرة ولا صغيرة من حركات مَن هم في دائرة تربيته وتوجيهه ، وكان من أساليبه التربوية إلجاء مَن يشرف على تربيتهم إلى ممارسة الأمور التي يحرص أن يربيهم عليها ، من أعمال وأقوال وتعليم وتوجيه . وكان أخشى ما يخشاه أن يُصاب من هو في دائرة تربيته بالغرور بنفسه فيستكبر أو يقنع بما وصل إليه فلا يتابع مسيرته متنامياً متكاملاً . وكان من أساليبه التربوية أيضاً تصيد أيِّ حدث يمكن الاستفادة منه لتربية العقائد والمفاهيم الإسلامية وتثبيتها وتعميقها .
10ً ـ وفاته :
أصيب الشيخ بجلطة قلبية ، نتيجة الإجهاد والتعب المتواصل ، وما يحمل من هموم الأمة وآلامها ولكنها مرت بسلام ، إلا أن همة الشيخ وصحته لم تعد كما كانت من قبل ، وفي فجر الاثنين في 14ذي القعدة /1398 هجرية الموافق 16/10/1978م التحق الشيخ بالرفيق الأعلى عن عمر ناهز السبعين عاماً ، وكان قد أزمع السفر إلى مكة المكرمة ، لحضور مؤتمر من مؤتمرات رابطة العالم الإسلامي ، ثم الحج إلى بيت الله الحرام ، وما إن أشيع النبأ حتى عم الحزن والأسى بلاد الشام قاطبة ، وتقاطرت الوفود من كل الجهات لتشييع جنازته ، التي كانت جنازة ضخمة مشى فيها مئات الآلاف من محبي الشيخ وطلابه وعارفيه ، وصُلي عليه في الجامع الأموي الكبير في قلب دمشق ، ثم دُفن في حيِّه حيِّ الميدان بجوار المسجد الجامع الذي سعى في إنشائه وإعماره والذي سُمي فيما بعد جامع الحسن .تغمد الله الشيخ حسناً بواسع رحمته ، ورفع مقامه في عليين ، وجزاه عن جهاده ودعوته وتعليمه أفضل ما يُجازى العاملون ، وجمعنا به مع أشياخنا وأحبابنا في مستقر رحمته ، تحت لواء الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
رثاء العلاّمة الشيخ حسن حبنكة الميداني رحمه الله تعالى
من شعر العلاّمة الشيخ محمد صالح فرفور ( رحمه الله تعالى )
بَـيــنُ 1 الأحـبــة ألـقـى الـقلب في كَمَد ِ 2 و صـيّــَر الـعـيـــش في بُـؤس وفي نـَكَـد ِ 3
مــا قـيـمـة ُ الـعـيــش إن بـانــت أحـبـتــــــُه لا خـيــر في لــذة فـيــه و لا رَغَـــــــــــــــــد
مــا لـلــمـصــائـب قــد حـلــت بســـاحـتـنـــا و قــد ألـحَّــت على الـعـصـيــان و الـلَّــدَد ِ 4
تـخـتــار مـنــا خـيــار الـقــوم مســـرعـــــــة ً و لــم تـبـــِت لـحـظـــة إلا عـلى الـضَّـمَـــد 5
قــد جــاءنــي نـعـيـه في مـصــر وا أســفي فـخِـلــت أن يـدي قـد قُـطِـّعَــت بـيــــــــــدي
و جــاء نـعــيُ ابــن ِ مـحمـود ٍ ضـحى فغــدا دمـعــي يَـســـحّ 6 على الأمـجــاد كـالـبَرَد ِ
نـعـيــا ً لـمـحمــود أم نـعـيـــا ً إلـى حســـن و الـقلــب ُ قـد بــات مقروحا ً على عَـمَد ِ 7
جــرحــان في الـقلـب : جرح منك يا حسنا ً و آخــر حَـــزَّهُ أودى 8 بـــه جَــلَــــــــــــــدي
يـــا قــلــب أنــت بـجــرح قــد تــَنــُو ء بـــــــه فـكـيــف جــرحــان ؟ وا قلـبـي ووا كـبــــدي
وعــدتـنــي الـصـبــرَ إن نـابـتــك نــائـبـــــــــة هـذي الـنـوائــب ُ لــم تُــوف ِ ولـم تَــعِــــــــد
صـبـــرا ً فـــإن قــضـــاء الله أبـــرمَــــــــــــــه عـلى الـعـبــاد فـلــم يَــنـقُــص ولـم يَـــــــزد
بــالله هــل كُســـِفت شـمسُ العلا أسفـي عـلى الـمـعــالــي كــأن الـشــمـس لم تَقِد
وبــات صـــاحـبـهــــا تــاجُ الـتـقــى حســــن فـي جـنــة الـخـلــد عـنـد الـمـنـعـم الـصَّمَـد
تــالله قــد نـقـصــت أرض الشـــآم بــمــــــــا قـد بـــِنـتَ عـنـهـــا أبــا عـبـد مــن الـمَــــدَد
ودَّعـــتَ قــومــك في أ ُنـــس ومــكـرُمَـــــــةٍ و زدتـهــم رشـــدا مــا شـــئـتَ مـن رَشَـــد
لـمَّـــا رأوكَ صـبــاحــــا ً مُـزمـعـــا ً ســــفــرا في ذلـك الـيــوم ِ أو تـبـغـيــه يــَوم غـــــــــد
قــالــوا إلـى أيــن تسـعى ؟ قلت َ مبتسما ً إمــا إلـى الـحـج ، أو إمــا إلـى الأبـــــــــــــد
فــاخـتـــار ربُّــك ُأخـــرى الســـفرتـيــن وقــد نــاداك يــا حســنــا..... لـبـيــك يــا سـندي
يــا لـيـتـنــي كـنـت ُ يــوم الـبـَـيـــن بـيـنـَكُــم أشــفـي غـلـيـلــي ولا ُأبـقـيــه قَــطُّ صــدي
بــرؤيـــة مـن سَـــنـى 9 وجـــه ٍ ُأقــبــلــــــهُ تُـطـفـي لــواعــجَ 10 شــوق ٍ أحرقت كبدي
لــمــــا رَأوا نــعشـــك الـمـبـروكَ فــوقـهُـــــمُ مـهـيـمـِنــا ً صـَدَدا 11 يـبــغـي إلى صَـــــدَد
و الــنـــاس ُ قــد ُأخِـذُوا مــن لــَوعــة وتــرى دمـعــا ً يَـسِـــحُّ وقـلـبـــا ً ذاب َ مـن كَـمَــد ٍ
أوَّاهُ تُســـمــَعُ مــن سَـــودا قــُلــوبــهــــــــمُ والـحـزن حَــزَّ قـلــوبَ الـمـوكــــب الـحَــشــِدِ
ســـارت بــنـعشـــك أقــوام عـديــدهــــــــم عــدُّ الـحـصــى ورمـــال الـبـِيــدِ في الــعَدَد ِ
مــا كـنـــت ُ أحســـِبُ أن الـعــلــم ينزل في طـيّ ِ 12 الـرُّمُـوس ِ ولا قــد دار في خَـلَدي
حـتـى رأيـــت ُ أبــا عــبــد ٍ يُــطــاف بـــــــــه فـوق الـرؤوس ويـُمــسـِي داخــل الـلـَّحَـــد ِ
خـمســـون عــامــا ً لـقــد عــانــيت صحبتها فــوق الـمـنــابــر في وعـظ و في رَشَــــــــد
ولــم تَــهُـــن هـمّــَة قَــعسَـــاءُ 13 أيّــَدَهـــا ربُّ الـبـرايــــا بـتـأيــيــد مــن الـعُـتــــــُد ِ 14
هــذي الـمـحــاريــب تــبــكـي نـأيَ صـاحبها كــذا الــمـنـابــر تـشـــكـو كـثــرة الـفـَنَد ِ 15
سَـــل ِ الشـــريــعـــة تـُنـَبــي عـن مـواقـفـه قـد كـــان يـحـرســـهــا صَـدقــا و في جَهَد ِ
شـــهـم غَـيُـــور أبـــِي لا تــلــيــن لــــــــــــه قـنــاة عــز ســـوى لـلـواحـــد الأحـــــــــــــد
صَــدق صـَبــور مَــنَــــاع لا قـــريـــن لــــــــــه مــاضي الـعـزيـمـة بـل طَـلاَّعَــةُ الـنُّـجـد 16
صـُلــبُ الـعـقـيــدة كــم رَامــوا إلا نـَتَـهــــــــا فـصــافَ 17 سهـمُـهمُ من شِدَّة الصَّلَد ِ 18
و إن قــومـــا ً أبــاحـــوا الاعــوجـــاجَ بــهـــــا مـا كـنــت فـيـهــم ولـم تـنـشـــأ ولـم تَـلِـــد
وقــلــت لـلـنــاس : مــا شــيء تـَعـبّـَدَنـــي جـاه ودنـيــا وقـد أنـصـفـتَ في السَّـدَد ِ 19
لله ِ مـجـلُِســـك َ الـمــأنــوسُ صــاحــبُــــــه يـَعـمُّــه الـبــِشـــر و الإخـلاص فـهــو نَــــدي
أحـدوثــة مـنـك تُـحـيــي قــلــبَ ســـامـعهـا أحـلــى مـن الـعـســل الصافي من الشَّهَد ِ
طـلـق ُ الـمـحـيــا كـريــم في شـــمـائـلـــــه ألـفـاظــه مـثــل حــب الـلـؤلــؤ الـنّـَضــد ِ 20
عـلاَّمــةُ الـعـلـــم والـتـحـقـيــقُ ديــدنـــُـــــه حـلُّ الـمـشـــاكـل مـن لـَبـس ومـن عُـقَــد ِ
ألــدُّ ســـاعــاتــه ســـاعــاتُ مـشـــكـلـــــة أعـيَــت عـقــول ذوي الألـبــاب و الـرَّشَـــــد ِ
يـغــوص فـيـهــا الـلـيـالــي ثـم يـخـرجـهــــــا غــرّاءَ در ِ لـقـد فُـكَّــت مـن الـصَّـفَـــــــد ِ 21
تـفـســـيــر آيــة ِ قــرآن يَـهــِيــم بــهـــــــــــا بـيــن الـقــراءات أو شــرح ٍ على الـزُّبـَد ِ 22
مـن مـنـبــع الـشـــرع قـد كـانـت هـدايـتــــه وغـيـرَ نـبــع الـتـقــى الـمـحـمــود لم يَــــــرِدِ
أحـكـمــت رابـطــة َ الإســـلام تـنـصــرهــــــا ولم تـَمِــل عـن تـعــالـيــم ولــم تَــحِـــــــــد ِ
وكـنـت َ سِـــلـكـا يـضـمّ الـمـخَـلـصـيـــــن إذا هـبـت شِـــمـال ولــم تـســلـم من الحسـد
وبــات غـيــرك لا يـــرعـــى حـمـايـتـهــــــــــا و أنـت مضنـى 23 بها إذ بتَّ في سَهـد ِ24
زيــنَ الـمـجــالـس قـد أوحـشــت سـاحـتـنـا مـن لـلـمـجــالـــس والـحـفــلات بـعــد غـــد
قـد كـنــت فــارســـهـا بـل تــاج زيـنـتـهــــــا فـمَــن يـقــوم بـهـذا الـمـنـصـب الـعـَضُد ِ 25
و إن يــومـــا يُـســـرُّ الـمســلـمــون بـــــــــه فـذلـــك الـيـوُم مــن أيــامــــــك السّـــُعـــد ِ
جاس 26 الـفـرنسيس أرض الشام وانتهكوا مـن حـرمـة الله مــا شـــاؤا على حَــرَد ِ 27
وثــارَ جِـلّــــــــَقُ أجــــبـــــــالا وأوديـــــــــــة ً وشـبّـَت ِ الـنــار في الـبـيــداء و الـبـلـــــــــد
وقـمـت يــا حـســـنــا تـَفــري 28 الـعدو بمـا آتـــاك ربـــك مـن عــون ٍ و مــن مــــــــــــدد
أبـلـيـــــتَ فـيـهــــم بـــــلاء كـلــــهُّ هــمــــم ولــم تـهــب كـثــرة الأجـنــاد و الـعُـــــــــدَد ِ
يــا يــوم كـنــت َ أخـــا فـي الـنـائـبـات لـنــــا وكـنـت إذ هَـبّـَت ِ الـنـكـبــا 29 بهم عضُــدي
حـتــى إذا فــرقَ الـنّـــَأيُ الـقـضـــاءُ بـنـــــــا هـنــاك قـد قـطَّـعَ الــرَّيــبُ 30 المنـون يـدي
أبــقـيـتـنــي واحــدا ً فــردا ً بـــــــلا سَـــنَــد يــا قــوم مــالــي ســوى الـجـبـار من سَنَد ِ
لا هُــــمَّ إن عِــدانـــا يــرصــدون لــنــــــــــــا مـكــرا وكـيـدا فـكـن قـيــومَ ذي الــرَّصَــــــد ِ
الـديــن ديـنُـك فـــانــصــره وأنــت لـــــــــــــه ومـن لـنـصـرتـــــه غـيـر ُ الـقــوي الـصّـَمــــد ِ
و إنّ فُــرقــة أحـبـابــي أشَــــدُّ عَـنـــــــــــىً مـن طـعـنـة الــرمــح بين العنق و الكَتَد ِ 31
لـكـنـنــي قــد يـســـلـيـنـي و يــؤنســـنـــي مـن قــد تـركــتَ مـن الأصحــاب و الـوَلـــــَد ِ
أبـقـيــت عَـبـدا إلى الــرحـمــن يـكـلـــــــــؤه ربُّ الســـمــاء ويـحـمـيـه مـن الـنّـَكَــــــــــد ِ
و صـحـبـة ً أوفـيــا أوفَــوا بـعـهــدهِـــــــــــــمُ مـن كــل صَـدق ٍ كــريـــم الأصــل مـُعـتَـمَــدَ
إنّ فــرق الـمــوتُ في الـدنـيـــا أيــا حـسـنـا وغـبــت عـن أعـيـن أعـيـت مـن الــرَّمَــــــــد
ولــم أكــن حـيــن قــد نــاداك بــارئــنــــــــــا وأصـبـحــت زفـــرات الـقـلــب فـي صُـعُـــــد ِ
و قـلــت لـبـيــك ســـبــاقــا ً لـطـُلـبـتــــــــــه طـوعـا ً ومـالـَكَ عن ذي الـوجه من حَدَد 32
فـمـلـتـقـانـــا على حــوض الـنـبــي غـــــــدا نُــروى هـنـيـئــــا لـنـــا مـن مـــائــه الـبَـــرد ِ
إن غـبــت َ تـحــت الـثّــَرى عـنّــَا أيـا حسنــا فـــإن ذِكـــراك لـــن تُـمســـى إلى الأبــــد ِ
شرح المفردات :
1- فراق 17- صاف السهم : مال عن هدفه
2- حزن شديد 18- الصلابة والشدة
3- في شدة 19- السَّدَدُ : القصد في القول والإصابة والوفق
4- شدة الخصومة 20- المضموم بعضه إلى بعض
5- الضماد : العصابة ، والضمد : شدة الغيظ 21- الوثاق
6- يسيل 22- الزبد : نظم في الفقه لأحمد بن رسلان الشافعي
7- عمده المرض : أضناه 23- مثقل
8- ذهب به صبري 24- في أرق
9- ضوء 25- القوي
10- يقال هوى لاعج : لشدة الحب 26- تردّدوا فيها
11- الصَّدَرُ : القرب ، والقصد ، والناحية 27- على غضب
12- الرمس : القبر : يعني داخل القبر 28- تقطع وتمزق
13- همة قعساء : ثابتة 29- النكباء : الريح والمراد : المصائب
14- جمع عتاد : العدة 30- ريب المنون : حوادث الدهر
15- الخطأ في القول والرأي ، والكذب 31- الكَتَد والكَتِد : مجمع الكتفين
16- ضابط للأمور يسمو لمعاليها 32- مالك من بُدّ ٍ
التعديل الأخير تم بواسطة Omarofarabia ; 16-May-2010 الساعة 08:34 AM
-
كلتاوي فضي
رد: العلامة المجاهد والداعية الغيورالعالم الجريء حسن حبنّكة الميداني
تاريخ يشيع في يوم - ترجمة الشيخ حسن حبنكة
بقلم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
لتحميل أو قراءة الترجمة http://naseemalsham.com/activities.php?ID=2239
-
كلتاوي الماسي
رد: العلامة المجاهد والداعية الغيورالعالم الجريء حسن حبنّكة الميداني
كان له أثر عظيم في دمشق ، من خلاله معهد التوجيه الإسلامي وغيره ، وتلامذته أكبر شاهد على ذلك ، وهم كثر ، عرض عليه منصب شيخ الإسلام فرفض ، توفي عام 1978 م ، وشيعه أكثر من مئة ألف رجل ، رحمه الله ـ وولده عبد الرحمن ـ رحمة واسعة ، وأسكنهما فسيح جناته ، وشكرا لكم .
التعديل الأخير تم بواسطة فياض العبسو ; 09-May-2010 الساعة 02:18 PM
[align=center]

[/align]
-
كلتاوي فضي
رد: العلامة المجاهد والداعية الغيورالعالم الجريء حسن حبنّكة الميداني
الشيخ حسن حبنكة الميداني، تاريخ يشيع في يوم ويوم يتحول إلى وثيقة خالدة
أ.د. محمد سعيد رمضان البوطي
لا أعرف في حياتي يوماً سالت فيه شوارع دمشق وأزقتها وميادينها، بأمواج متلاطمة من الناس، كالذي حدث يوم الاثنين الواقع في 15 ذي القعدة سنة 1398، يوم شُيِّع شيخنا العالم المربي الشيخ حسن حبنكة الميداني إلى مثواه الأخير.
في ذلك اليوم، توقفت حركة دمشق أو كادت، وهجر الناس أعمالهم، وترك معظم الطلاب دروسهم، ونسُوا مدارسهم وجامعاتهم، وسار الكل مشياً على الأقدام في خطى وئيدة وسط زحام شديد، من دار شيخنا الراحل -رحمه الله- في أواسط حي الميدان إلى مسجد بني أمية الكبير، ثم من مسجد بني أمية إلى مثواه الأخير بجوار مسجد الحسن في حي الميدان (مسافة لا تقل عن 8 كيلو متر).
لم يكن ذلك اليوم العجيب زمناً مر وانقضى، ولكنه كان في الحقيقة سجلاً ثبت واستقر. سجلٌّ ارتسمت عليه صورة أمينة ودقيقة لمدى محبة أهل الشام لعالمها الجليل الذي ارتحل.. محبة صادقة نبعت من القلوب، ولم تُلصق إلصاقاً بالمظاهر والوجوه، فما قادهم إلى توديعه بالسير في ذلك الدرب الطويل شيء، غير تلك المحبة التي لم تكن ثمرة لأي رغبة مما قد تميل إليه النفس البشرية من أمور الدنيا وأسبابها، وإنما هي سر رباني ينطوي على أكبر الآيات الدالة على ما لهذا الدين من سلطان على القلوب.
وبيان ذلك، أن الناس -أيّاً كانوا- مفطورون على الحنيفية السمحة التي ابتعث الله بها جميع الرسل والأنبياء. فإذا توفر لهم سبيل تربوي سليم يقيهم غوائل النفس ومكر الشيطان، نمت هذه الفطرة كما تنمو الحبة في باطن الأرض، واستقرت لها جذور راسخة في القلب، ثم امتدت منها أغصان باسقة وثمار عظيمة إلى الفكر والنفس.
فما يبصر هؤلاء الناس عالِماً بدين الله، قد أخلص لله في علمه وعمله، إلا وأبصروا فيه مظهراً للفطرة التي أُشربتها قلوبهم وهفت إليها نفوسهم، فتعلقوا به من حيث هو تعبير مرئيٌّ ومحسوس عن الحقيقة الإيمانية التي تعلقت بها أفئدتهم. ولعل هذا بعضٌ من معنى الحديث الوارد بأن الله إذا أحب أحد عباده في الأرض، نادى ملك: "إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه" (رواه البخاري) فيكتب له القبول في الأرض.
وعلى الرغم من أن شيخنا الراحل -عليه رحمة الله- كان كغيره من عامة الناس -حاشا الرسل والأنبياء- غير معصوم، يجوز عليه السهو والخطأ والعصيان، فقد كان في حياته العامة والخاصة نموذجاً نادراً للمسلم العالم بدين الله، العامل بعلمه، الداعي إلى صراط ربه، الجريء في إعلان كلمة الحق وإبلاغها، المتخلق بأخلاق خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام.
وسأتناول بالشرح الوجيز بعضاً من هذه الصفات، مؤكداً للقارئ أنني لن أبالغ في بيان منقبة للشيخ ولا محمده، ولن أصفه إلا بما أعلمه فيه مشاهدة، أو بلاغاً من إخوة أجلاء لا يُرتاب بحديثهم. وقد عشت عمري هذا، ولا أذكر أنني سخّرت قلمي أو لساني لمدح من لا أثق بفضله، أو لقدْح من لا أستيقن مبرراً لقدحه.
علومه ومصادر استحصالها
كان عالماً غزير العلم، وأعني بغزارة العلم كلاً من صفتي العمق والاتساع معاً. فما كان يتناول المسائل العلمية بسطحية عابرة، بل كان يقف عندها وقفة المنقب والمعقب، ويصلها بكل ما قد يكون لها علاقة به من مسائل أو علوم أخرى. وكان في الوقت ذاته ذا بصيرة نافذة بمختلف علوم الإسلام؛ من عقيدة وفقه وأصول وتفسير وحديث، وبمختلف مايعدّ آلة له أو سبيلاً إليه؛ كعلوم العربية بأنواعها، والمنطق والمناظرة والفلسفة.
فإن سألتَ عن المصدر الذي تلقى منه الشيخ -رحمه الله- هذه العلوم، قلتُ لك: إنه كان قد طوى في سنوات شبابه عهداً من طلب الدراسة والعلم، قلّ أن يجد طلاب العلم اليوم مثله في الشدة والقسوة، فإن هم صادفوا ما يشبهه فقلّ من يتحمله ويصبر عليه، حتى يتجاوز حناظله المرة ويصل إلى ثماره الشهية.
لقد كان من الشيوخ الذي تلقى عليهم شيخنا -رحمه الله-: الشيخ محمود عطار، والشيخ أمين السويد، والشيخ بدر الدين، والشيخ عبد القادر الإسكندراني، والشيخ عطا الكسم، والشيخ سعيد البدليسي.
وكان من دأبه أن يحمل أوقار كتبه متنقلاً من واحد إلى آخر، يجشِّم نفسَه قطْع المسافات الطويلة التي تَفصِل ما بين هؤلاء الشيوخ، سيراً على قدميه في أكثر الأحيان.
ولم يكن إقباله على العلم بدافع من الهواية الذاتية، كما هو دأب كثير من العلماء والباحثين.. فما عرف عنه أنه عكف على دراسة علم من العلوم لمجرد أن له هوى في دراسته، بل كان همه أن يجعل من العلم الذي يقبل عليه -معلماً أو متعلماً- أداة في طريق الدعوة إلى الإسلام. وقد انعكس هذا الاهتمام على طريقة حياته الخاصة والعامة، وعلى الأسلوب الذي كان يعتمد عليه في التدريس والتعليم.
أما انعكاس ذلك في حياته الخاصة والعامة، فقد ظهر جلياً في ميله إلى التبتل والإكثار من العبادة منذ أوائل عهده بالدراسة وطلب العلم، دون أن يسبب له هذا الميل إعراضاً عن الدراسة أو فتوراً في عزيمته نحوها، ودون أن تقصيه الدراسة أو الرغبة في العلم عن عباداته وأوراده وأذكاره. ولقد علمت مما أخبرنا به الشيخ عن نفسه -رحمه الله- أنه كان يمضي معظم شهر رمضان معتكفاً في المسجد، وكان يجعل من اشتغاله بالعلم -مطالعة وتدريساً- أهم عبادة يملأ بها جلّ أوقات اعتكافه.
وإنها لطبيعة نادرة في طلاب العلم أن يجتمع لدى أحدهم حب العلم مع الإقبال على العبادة والاستئناس بالأذكار والأوراد، بل إن معظم من رأيناهم من طلاب العلم يتفرقون بين هذين السلوكين: فإما عكوف على العلم واستغراق فيه مع تقصير في الطاعات والعبادات، وإما اتجاه إلى العبادات والأذكار مع زهد في الدراسة والعلم.
ولعل مما يتصل بهذه المزية في شيخنا -رحمه الله تعالى- أن علوماً مختلفة، بل متباعدة، كانت تتلاقى في حلقاته الدرسية، قلّ أن تجدها تتلاقى على نهج مطرد من الاحتفاء والتقدير عند كثير من العلماء والباحثين. فلقد كنا نقرأ عليه -مثلاً- كتاب الخبيصي في المنطق، ونقرأ عليه إلى جانبه الحكم العطائية في التصوف، وكنا نقرأ عليه شروح العقائد النسفية في علم الكلام، إلى جانب زهر الآداب في علم الأدب...
وإني لأذكر جيداً كيف كان يبصّرنا في كل مناسبة، بالجسور الواصلة بين هذه العلوم المختلفة، وينبهنا إلى الجامع المشترك الذي تتلاقى عليه هذه العلوم مهما بدت متخالفة متفرقة بعضها عن بعض؛ ثم يؤكد لنا أن هذا الجامع المشترك يمثل الطاقة التي لابد من الحصول عليها، ابتغاء النهوض بشكل سليم بأعباء الدعوة إلى دين الله عز وجل. فالمنطق والفلسفة والأدب والتصوف وعلوم اللغة.. إنْ كل ذلك إلا أدواتٌ ذات أهمية قصوى في مجال الدعوة الإسلامية، يعلم كيف يسخّرها لذلك على أحسن وجه، كلُّ من أخلص دينه لله وابتغى في كل شؤونه وجه الله عز وجل.
دعوته إلى الله وروحه الجهادية
ثم إنه ما عُرف عن الشيخ -رحمه الله- أنه فصل يوماً ما في حياته، جهادَ العلم والتعليم في صفوف الطلاب وبين كتب العلم، عن الجهاد بصدع كلمة الحق في المجتمع وعلى مسامع الحكام. ما أذكر، وما يذكر أحد من طلاب الشيخ وإخوانه، أنه اختار يوماً ما واحداً فقط من هذين الطريقين سواء في عهد دراسته للعلم طالبا متمكناً، أو في عهد نضوجه واشتغاله بالعلم أستاذاً ومرشداً.
أجل، ما أعرف أنه -رحمه الله تعالى- قد تخلى عن إحدى هاتين الوظيفتين في أي مرحلة من مراحل حياته، منذ أن كان طالب علم متبصراً يدرس العلم على أساتذته وشيوخه، إلى أن ودع طلابه وإخوانه أثناء بعض الدروس قبل ثلاثة أيام من وفاته...
فأما وظيفته الأولى، فتتلخص في إنشائه معهداً لطلاب العلوم الشرعية باسم معهد التوجيه الإسلامي، بدأت نواته بطلاب قد انقطعوا لدراسة العلم على يديه في مسجد "منجك" قرب داره في حي الميدان. (ويتكون من هؤلاء الطلاب وإخوان لهم، اليوم، واحدة من أهم جبهات العلم والدعوة الإسلامية في دمشق). وسرعان ما انبثق من هؤلاء الطلاب معهد نظامي شرعي ضم العشرات ثم المئات، وسرعان ما أسست لهذا المعهد جمعية ترعى الشؤون المالية لهذا المعهد، وكان معهداً داخلياً، يتوفر فيه للطلاب المسكن والطعام، بل حتى المهم من الثياب في مناسبات موسمية متكررة.
وأما وظيفته الثانية التي كان قد أخذ نفسه بها، فتتمثل في الآثار التاريخية التي سجّلها اشتراكه -رحمه الله تعالى- في الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، ثم في إثارة الرأي العام وجماهير المسلمين ضد كثير من التدابير والقوانين التي سنها الاستعمار الفرنسي، مما يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية أو مع مصالح الأمة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الثورة التي اجتاحت البلاد آنذاك ضد قانون الطوائف التي حاولت فرنسا أن تفرضه على المسلمين.
كما تتمثل وظيفته الثانية هذه في الآثار التاريخية الهامة التي سجلتها محاضر "رابطة العلماء" في دمشق. وقد كان له دور كبير في إنشائها، كما كانت إليه أمانة سرها. وقد كانت لهذه الرابطة جولات عظيمة لا تنسى، وأيام باقيات لا يعفي عليها الدهر، ظهر فيها الدفاع عن دين الله والاستبسال لحفظ حرمات الله بشكل تقرّ له عين كل مؤمن، وتتفجر منه مرارة كل زنديق منافق.
فراسته وبراعته في معالجة الأمور
ثم إن الشيخ -رحمه الله- كان قد أوتي -إلى جانب انكبابه على العلم وشغفه بالدعوة إلى الله- فراسة ثاقبة وحكمة دقيقة، وبراعة نادرة في معالجة الأمور والمشكلات، وتقديراً قلّ أن يخطئ لعواقب الأمور ونتائج الأحداث؛ كل ذلك مع جرأة في الحق تستعلي على جميع المخاوف والأخطار.
ولقد شهد من مناورات أولي الأمر الذين تعاقبوا على سدّة الحكم خلال جيل من الزمن، ألواناً وأصنافاً، فما خدع منها بلون ولا غرّه منها ظاهر.
ولقد جاء من لوّح له فيما بعد بسلاح القهر وخطر القتل، فما طاش له من ذلك رأي ولا ذلت له قناة. وواصل جهره بالحق وتنديده بالمنكر وأهله، ملتزماً في ذلك خطه الذي لا عوج فيه: حكمة بالغة في التعبير والبيان، وجرأة نادرة في التحذير من الباطل والتنديد بالمبطلين.
ثم رأت دوائر الكفر والطغيان، ذات الهوية المادية الملحدة، أن بقاء الشيخ بفكره المتدبر الثاقب ولسانه القوي الصارم يحول دون سعيها الناجح إلى خنق الإسلام وأهله، ويصدّها عما ألزمت نفسها به من القضاء على فكرة الإيمان بالله، وما عزمت عليه من "تحنيط الإله والزج به في المتاحف" فأوعزت إلى أجرائها أن ينفذوا التهديد ويحققوا الوعيد، وأن يخنقوا صيحة الإسلام في دمشق بقتل زعيم الدعوة الإسلامية فيها، لسان أهل العلم جميعاً، ورأسهم المفكر والمدبر: الشيخ حسن حبنكة الميداني.
فما كان من الأُجَراء إلا أن خفّوا إلى تنفيذ الأوامر، وزجّوا به في الغياهب تمهيداً لإعدامه والقضاء عليه.. ولكن الرب الذي كان المبطلون يدبرون سبيل "تحنيطه" فيما زعموا، كان يدبّر لهم سبيل النهاية والانمحاق، فلقد صدق فيهم قوله جل جلاله: ?وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ?(الأنبياء:70). لقد انتهوا من بطشتهم وسلطانهم إلى شَذَرَ مَذَرَ، وإلى ذلٍّ يتمنى الإنسان معه نعيم الموت.. من حيث عاد الشيخ إلى وظيفته التي أقامه الله فيها معلّماً وداعياً ومرشداً. وقد تضاعف له الحب والتقدير في العالم الإسلامي أجمع، وازدادت قلوب المسلمين توجهاً إليه وتعلقاً به.
شموخ فريد وتواضع عجيب
أما في نطاق الأخلاق الشخصية، فإني أرى أن أهم مزية أوتيها فقيد العالم الإسلامي، أنه كان يتمتع بكل من صفتي الشموخ والتواضع معاً، بالغاً في كل منها الذروة التي تتصورها، وكان الأهم من هذا أنه كان يضع كلاً من هاتين الصفتين من حياته في الموضع المناسب.
فإن اقتضى الموقف اعتزازاً وشموخاً، لم يستطع أن يغلب شموخه من الجبابرة أحد، وإن اقتضى الموقف تواضعاً وليناً، لم يتدان إلى لينه وتواضعه أحد.
ومكان الأهمية من هذه المزية الكبرى، أن بين كل من العزة المحمودة والكبرياء المذمومة، وبين التواضع المطلوب والهوان المكروه، فرقاً دقيقاً جداً، كثيراً ما تضيع معالمه على الناس، فتتداخل هذه الحقائق المختلفة في بعضها أمام تصوراتهم، فيُذَم منها ما هو خليق بالمدح والثناء، ويُمدَح منها ما هو جدير بالتحذير والتنفير منه.
وما رأيت إنساناً في عصرنا هذا، ملك الميزان الدقيق في التفريق بين هذه المواقف الأربعة، ثم ضبط سلوكه بمقتضات هذا الميزان مثل شيخنا الراحل عليه رحمة الله.
وربما عرف بعض الناس الشيخ معرفة سطحية لا مخالطة فيها، فتوهم أنه كان ذا أنفة وكبرياء على الناس، ولكن الحقيقة أن هؤلاء الناس لم يتح لهم أن يروا من حياة الشيخ إلا جانباً واحداً ألزمه بما قد توهموه تعالياً وكبرياء.. ولو أنهم عرفوا منه الجانب الآخر أيضاً، لتكاملت لهم الرؤية ولوجدوا في كل من الجانبين ما يتكفل بتفسير الجانب الثاني.
إن الذي يقف مع أهل بيته في مرافق الخدمة من داره، ثم ينخرط معهم في القيام بكل ما تتصوره من الخدمات المنزلية، لأبعد ما يكون عن طبيعة التكبر والتعالي. وقد كان هذا العمل من شأنه، يعرف ذلك منه كل من خالطه في حياته.
وإن الذي يسهر الليل مع أهل بيته، عاكفاً معها على تفصيل أردية الطلاب وخياطتها، ثم يحملها إليهم مع الصباح ليرى أقيستها عليهم، فيأخذ من طول هذا ويزيد من عرض ذاك، يمارس ذلك كله بنفسه لأبعد ما يكون عن معنى الغطرسة والتعالي.
نعم، هكذا عرفت شيخنا رحمه الله. كان يمضي ليالي بطولها في شهر رمضان مع زوجته، لا شغل لهما إلا تحضير أردية (جبب) الطلاب، كي تكون جاهزة لهم مع إشراقة العيد. بيده المقص وبيدها المخيط. فإن رأى أن التعب قد نال منها، ذكّرها -رحمه الله- بأن أعظم عبادة يتقرب بها عبد إلى الله عز وجل إنما هو خدمة طلاب العلم ورعايتهم لوجه الله عز وجل.
وقد أخبرني صديقنا ونجل شيخنا -رحمه الله- فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الرحمن حبنكة(1) أن الشيخ -رحمه الله- قد بلغ من اهتمامه وشفقته بطلابه أنه كان ينسى في جنبهم كثيراً من شؤون أولاده. فقالت له زوجه يوماً: هلاّ أوليت أولادك أيضاً من العناية والاهتمام مثل الذي توليه لسائر الطلاب. فقال لها: عليّ أن أهتم كثيراً بشؤون طلاب العلم، وسيتولى الله عز وجل مقابل ذلك، شؤون أولادي...
حقاً، لقد أوتي الشيخ -رحمه الله- مجموعة من المزايا والصفات، قلّ أن تجتمع في تكامل وتناسق عند شخص واحد. والذين لم يعلموا الشيخ إلا في سنواته الأخيرة، لم يعلموه على حقيقته ولم يكتشفوا سائر مزاياه وأخلاقه.
لقد كانت حياته تاريخاً وعبرة، ثم جاء يوم وفاته فكان هو الآخر تاريخاً وعبرة!..
كانت حياته عبرة تنطق لكل ذي فكر ولب، بأن الجرأة الحكيمة في التعبير عن الحق، لا تنسخ حياة ولا تنقص من العمر ذرة، وأن المداهنة أو المصانعة على حساب الحق، لا ترفع لصاحبهما قدراً ولا تنسج له جاهاً، بل تهبط به إلى الدرك في أعين الذين يداهنهم من الفسقة والمنحرفين قبل المستقيمين والصالحين. وأن أشرف ما يرتديه العالِم في قومه من سيما المهابة والوقار أن يسمو بعلمه عن مصانعة المارقين ومماراة السفهاء، ويسخره مخلصاً لبلوغ مرضاة الله عز وجل.
وكان يوم وفاته أيضاً عبرة للناظرين المتبصرين، أكد لهم أن المسلمين لا يزالون مسلمين صادقين، وفي مقدمتهم جيلهم الصاعد الذي تفيض بهم المدارس والجامعات.. بيعتهم للحق وأهله وحبهم للعلم ورجاله وهواهم مع كل داع إلى دين الله صادق في دعوته مخلص لله في عمله وجهاده.
ـــــــــــــــ
الهوامش
(1) هو أكبر أنجال الشيخ -رحمه الله- قد ورث عنه الكثير من علمه، وانطبع بجميل أخلاقه وسموّ نفسه. وهو إلى جانب علمه، أديب شاعر مرهف الحس، سخر أدبه وشعره في السبيل إلى مرضاة ربه.
كان أستاذاً في كلية الشريعة من جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة، وشغل قبلها منصب مدير التعليم الشرعي بوزارة الأوقاف في دمشق. أخرج سلسلة من المؤلفات القيمة، جلّها يعالج الكشف عن خطط الغزو الفكري في العالم الإسلامي. آخرها كتاب "صراع مع الملاحدة حتى العظم". توفي -رحمه الله- يوم الأربعاء: 11/8/2004.
-
كلتاوي فضي
رد: العلامة المجاهد والداعية الغيورالعالم الجريء حسن حبنّكة الميداني
هذه مدرسة العلامه المجاهد الفقيه العالم الجامع الورع الشيخ حسن حبنكه الميداني الذي افنا عمره في تربية الاجيال الصالحة وفي تربية العلماء المخلصين ليكونوا منارات علم وادب وورع وليكونوا دعاة عاملين ولينشروا علومهم في مشارق الارض ومغاربها ونذكر من هؤولاء الاعلام على سبيل المثال لا الحصرشيخ قراء الشام العلامة الشيخ حسين خطاب رحمه الله تعالى والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي والعلامة علي منصور الحموي ((القابوني))رحمه الله تعالى وعلامة دمشق وفقيهها الكبير الشيخ الأستاذ صادق حبّنكة الميداني
الاخ الاصغر للشيخ رحمها الله ونجل الشيخ الأكبر الشيخ عبد الرحمن حبنكة رحمه الله تعالى والشيخ الدكتور مصطفى الخن الفقيه الأصولي رحمه الله تعالى وشيخ قراء الشام العالم العامل الشيخ محمد كريم راجح والعالم الفقيه الرباني مصطفى تركماني رحمه الله تعالى والعلامه الفقيه المفسر وهبه الزحيلي والعلامه مصطفى البغا وعلماء لا يحصوا نهلوا من علم هذا الامام العبقري الفذ الذي كان بحق مدرسة علم واخلاق وسلوك رحمه الله رحمة واسعة واسكنه الفردوس مع النبين والصديقين والصالحين
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات