[align=center]قرأت قوله تعالى : ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) التوبة 109.
فخطرت لي هذه الخاطرة أحببت أن أعرضها عليكم فأنتم إخوتي ومن حقي
أن أستبين رأيكم فأقول وبالله التوفيق :
حينما تملأ شرور الناس أرض الله وتنساح المكاره
والمنكرات فتعم كل مكان ، ويظهر الفساد في البر والبحر
بما كسبت أيدي الناس ، تبقى المساجد مباءة المؤمنين
ومرجع المتقين ، وحصن المسلمين الحصين ، لم ينلها من رجس الناس وأوضارهم شيئاً مذكوراً،
قد طهر الله ساحاتها وزانها بالذكر والتسبيح وعبق الهدى ونور اليقين،
وأرج العبادة والابتهال ، والتبتل و طهر الروح الأواب ،عرصاتها مسرح العلوم ،
وفجاجها نجعة العلماء ،
فاءت إلى ظلها نفوس تطهرت من أوضارها، واغتسلت من دنس أشرارها،
لم تعكر الطبيعة نقاء فطرتها، ولم تحجب ظلمة الحياة سناء نورها،
ولم تذهب الأماسي والأصباح بهاء روعتها وروعة بهائها،
حُلاها الهمة، ومجدها العلم ، وأخلاقها الطهر ، ورسالتها نشر الهداية،
وديدنها الرقي ، وعيبها عز النظير ،
ولرب مكان يفتن منظره وشارته المتأمل لحسن بنائه وطلاوة روائه،
وزهو حجارته وملاحتها ، ونضرة نعيمه ولباقة فنونه ،
وإتقان هندسته ، وبراعة اللمسات المبدعة التي عملت في إبداء حسنه
للناظرين؛ تجده عفناً داخلًه، قذرة حقيقته ،
قد عبثت به أيدي الخنا وأرجله ، وعاثت به فساداً رؤوس الفتنة
وأدمغة السحت الأثيم ،
وما عملت تلك الجدران المصقولة المحلاة إلا على إخفاء
ذلك الفجور تحت ذلك المنظر البهي البهيج الذي تظنه طهوراً وما هو بطهور ،
قد أتقنته يد البناء وأفسدته ضعة الأخلاق ،
فهو من فجوره على شفا جرف هار ،
لايقوم بناؤه ولاتدوم مدته إلا بمقدار ما ينهار به في نار جهنم
وعن قريب سينهار ،
وما وجدت تلك الحيطان ، والأسيجة المزركشة إلا لتخدع الناظرين
عن حقيقة ذلك الخبث المخبوء بين أسواره وأستاره ،
وفي ظل أشجاره ونواره ،
فكم من جريمة اقترفت وكم من حيانةارتكبت ، وكم من فعل دنيء
جنته أيد أثيمة، وكم من قذارة لو أفلتت من بين جدرانه لأنتنت منها
فجاج الأرض ، وجدت لها في ساحاته مرتعاً خصيباً وفي عرصاته مسرحاً
رحيباً ،
وما أجدر ساكنيه أن يُهرعوا إلى توبة بعد تلك الحوبة ،
وإلى طهر بعد ذلك الرجس ، وإلى عمل يرضي الخالق بعد
ذلك الشطط المزري في اتباع الشيطان؛
وإلى خطاب الروح الأعلى بعد صراخ الشهوة ونهمة االشيطان ،
ونباح الدناءة المتسعرة ،
وإلى همة عالية بعد تلك الفسولة الوضيعة ،
وإلى طباع إنسانية مهذبة بعد ذلك الشره الحيواني ،
وإلى رقة الهدى ولطافة الإيمان بعد وحشة الفجور وغلظة الابتعاد عن اليقين ،
آه ، آه !! لو وجد هؤلاء من يتقرب إلى الله بدعوتهم وهدايتهم ،
إذا لأصبحوا أداة بناء وعنصر خير ،
وضميراً تظهره المحاسن بعد أن سترته مساوئ الأخلاق ؛
أ(لم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) . أ.هـ[/align]
المفضلات