النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: محمد الفاتح.. صاحب البشارة

  1. #1
    كلتاوي فضي

    الحاله : Omarofarabia غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2007
    رقم العضوية: 448
    المشاركات: 706
    معدل تقييم المستوى : 120
    Array

    افتراضي محمد الفاتح.. صاحب البشارة

    محمد الفاتح.. صاحب البشارة



    أحمد تمام





    شاءت الأقدار أن يكون السلطان العثماني محمد الفاتح هو صاحب البشارة التي بشّر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه: "لتَفْتَحُنّ القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش" [مسند أحمد: 4/335].

    وانتظر المسلمون ثمانية قرون ونصف قرن حتى تحققت البشارة، وفُتحت القسطنطينية بعد محاولات جادة بدأت منذ عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه (32هـ=652م)، وازدادت إصرارًا في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في مرتين: الأولى سنة (49هـ = 666م) والثانية بين سنتي (54-60=673-679م)، واشتعلت رغبة وأملاً طموحًا في عهد سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي سنة (99هـ=719م).. لكن هذه المحاولات لم يُكتب لها النجاح والتوفيق.

    نشأة محمد الفاتح

    ولد السلطان محمد الفاتح في (27 من رجب 835 هـ = 30 من مارس 1432م)، ونشأ في كنف أبيه السلطان "مراد الثاني" سابع سلاطين الدولة العثمانية، الذي تعهّده بالرعاية والتعليم؛ ليكون جديرًا بالسلطنة والنهوض بمسئولياتها؛ فأتم حفظ القرآن، وقرأ الحديث، وتعلم الفقه، ودرس الرياضيات والفلك وأمور الحرب، وإلى جانب ذلك تعلم العربية والفارسية واللاتينية واليونانية، واشترك مع أبيه السلطان مراد في حروبه وغزواته.

    ثم عهد إليه أبوه بإمارة "مغنيسيا"، وهو صغير السن، ليتدرب على إدارة شئون الدولة وتدبير أمورها، تحت إشراف مجموعة من كبار علماء عصره، مثل: الشيخ "آق شمس الدين"، و"المُلا الكوراني"؛ وهو ما أثر في تكوين شخصية الأمير الصغير، وبناء اتجاهاته الفكرية والثقافية بناءً إسلاميًا صحيحًا.

    وقد نجح الشيخ "آق شمس الدين" في أن يبث في روح الأمير حب الجهاد والتطلع إلى معالي الأمور، وأن يُلمّح له بأنه المقصود ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم، فشبَّ طامح النفس، عالي الهمة، موفور الثقافة، رهيف الحس والشعور، أديبًا شاعرًا، فضلاً عن إلمامه بشئون الحرب والسياسة.

    تولى محمد الفاتح السلطنة بعد وفاة أبيه في (5 من المحرم 855 هـ=7من فبراير 1451م)، وبدأ في التجهيز لفتح القسطنطينية، ليحقق الحلم الذي يراوده، وليكون هو محل البشارة النبوية، وفي الوقت نفسه يسهل لدولته الفتية الفتوحات في منطقة البلقان، ويجعل بلاده متصلة لا يفصلها عدو يتربص بها.

    ومن أبرز ما استعد له لهذا الفتح المبارك أن صبَّ مدافع عملاقة لم تشهدها أوروبا من قبل، وقام ببناء سفن جديدة في بحر مرمرة لكي تسد طريق "الدردنيل"، وشيّد على الجانب الأوروبي من "البوسفور" قلعة كبيرة عُرفت باسم قلعة "روملي حصار" لتتحكم في مضيق البوسفور.

    فتح القسطنطينية

    وبعد أن أتم السلطان كل الوسائل التي تعينه على تحقيق النصر، زحف بجيشه البالغ 265 ألف مقاتل من المشاة والفرسان، تصحبهم المدافع الضخمة، واتجهوا إلى القسطنطينية، وفي فجر يوم الثلاثاء الموافق (20 من جمادى الأولى 857هـ= 29 من مايو 1453م) نجحت قوات محمد الفاتح في اقتحام أسوار القسطنطينية، في واحدة من العمليات العسكرية النادرة في التاريخ، وسيأتي تفاصيلها في يوم فتحها.. وقد لُقب السلطان "محمد الثاني" من وقتها بـ"محمد الفاتح" وغلب عليه، فصار لا يُعرف إلا به.

    ولما دخل المدينة ترجّل عن فرسه، وسجد لله شكرًا، ثم توجه إلى كنيسة "آيا صوفيا"، وأمر بتحويلها مسجدًا، وأمر بإقامة مسجد في موضع قبر الصحابي الجليل "أبي أيوب الأنصاري" الذي كان ضمن صفوف المحاولة الأولى لفتح المدينة العريقة، وقرر اتخاذ القسطنطينية عاصمة لدولته، وأطلق عليها اسم "إسلام بول" أي دار الإسلام، ثم حُرفت بعد ذلك واشتهرت بإستانبول، وانتهج سياسة متسامحة مع سكان المدينة، وكفل لهم ممارسة عباداتهم في حرية كاملة، وسمح بعودة الذين غادروا المدينة في أثناء الحصار إلى منازلهم.

    ما بعد الفتح

    بعد إتمام هذا الفتح الذي حققه محمد الثاني وهو لا يزال شابًا لم يتجاوز الخامسة والعشرين -وكان هذا من آيات نبوغه العسكري المبكر – اتجه إلى استكمال الفتوحات في بلاد البلقان، ففتح بلاد الصرب سنة (863هـ=1459م)، وبلاد المورة (865هـ= 1460م)، وبلاد الأفلاق والبغدان (رومانيا) سنة (866هـ=1462م)، وألبانيا بين عامي (867-884م=1463-1479م)، وبلاد البوسنة والهرسك بين عامي (867-870هـ=1463-1465م)، ودخل في حرب مع المجر سنة (881هـ=1476م)، كما اتجهت أنظاره إلى آسيا الصغرى ففتح طرابزون سنة (866هـ=1461م).

    كان من بين أهداف محمد الفاتح أن يكون إمبراطورًا على روما، وأن يجمع فخارًا جديدًا إلى جانب فتحة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، ولكي يحقق هذا الأمل الطموح كان عليه أن يفتح إيطاليا، فأعدَّ لذلك عدته، وجهّز أسطولاً عظيمًا، تمكّن من إنزال قواته وعدد كبير من مدافعه بالقرب من مدينة "أوترانت"، ونجحت تلك القوات في الاستيلاء على قلعتها، وذلك في (جمادى الأولى 885هـ= يوليو 1480م).

    وعزم محمد الفاتح على أن يتخذ من تلك المدينة قاعدة يزحف منها شمالاً في شبه جزيرة إيطاليا، حتى يصل إلى روما، لكن المنيّة وافته في (4 من ربيع الأول 886هـ=3 من مايو 1481م)، واُتهم أحد أطبائه بدس السم له في الطعام، وكان لموته دوي هائل في أوروبا، التي تنفست الصعداء حين علمت بوفاته، وأمر البابا أن تقام صلاة الشكر ثلاثة أيام ابتهاجًا بهذا النبأ.

    محمد الفاتح رجل الدولة وراعي الحضارة

    لم تكن ميادين الجهاد والحرب التي خاضها محمد الفاتح خلال مدة حكمه التي بلغت ثلاثين عامًا هي أبرز إنجازات محمد الفاتح؛ حيث اتسعت الدولة العثمانية اتساعًا عظيمًا لم تشهده من قبل -وإنما كان رجل دولة من طراز رفيع، فقد استطاع بالتعاون مع الصدر الأعظم "قرة مانلي محمد باشا"، وكاتبه "ليث زاده محمد جلبي" وضع الدستور المسمى باسمه، وقد بقيت مبادئه الأساسية سارية المفعول في الدولة العثمانية حتى عام (1255هـ=1839م).

    واشتهر محمد الفاتح بأنه راع للحضارة والأدب، وكان شاعرًا مجيدًا له ديوان شعر، وقد نشر المستشرق الألماني "ج. جاكوب" أشعاره في برلين سنة (1322هـ=1904م)، وكان الفاتح يداوم على المطالعة وقراءة الأدب والشعر، ويصاحب العلماء والشعراء، ويصطفي بعضهم ويُوليهم مناصب الوزارة.

    ومن شغفه بالشعر عهد إلى الشاعر "شهدي" أن ينظم ملحمة شعرية تصور التاريخ العثماني على غرار "الشاهنامة" التي نظمها الفردوسي. وكان إذا سمع بعالم كبير في فن من الفنون قدّم له يد العون والمساعدة بالمال، أو باستقدامه إلى دولته للاستفادة من علمه، مثلما فعل مع العالم الفلكي الكبير "علي قوشجي السمرقندي"، وكان يرسل كل عام مالاً كثيرًا إلى الشاعر الهندي "خواجه جيهان"، والشاعر الفارسي "عبد الرحمن جابي".

    واستقدم محمد الفاتح رسامين من إيطاليا إلى القصر السلطاني، لإنجاز بعض اللوحات الفنية، وتدريب بعض العثمانيين على هذا الفن.

    وعلى الرغم من انشغال الفاتح بالجهاد فإنه عُني بالإعمار وتشييد المباني الراقية، فعلى عهده أنشئ أكثر من ثلاثمائة مسجد، منها في العاصمة "إستانبول" وحدها (192) مسجدًا وجامعًا، بالإضافة إلى (57) مدرسة ومعهدًا، و(59) حمامًا.

    ومن أشهر آثاره المعمارية مسجد السلطان محمد، وجامع أبي أيوب الأنصاري، وقصر "سراي طوب قبو".

    لقد كان الفاتح مسلمًا ملتزمًا بأحكام الشريعة الإسلامية، تقيًا ورعًا بفضل النشأة التي نشأها وأثرت فيه تأثيرًا عظيمًا، أما سلوكه العسكري فكان سلوكًا متحضرًا، لم تشهده أوروبا في عصورها الوسطى ولم تعرفه شريعتها من قبل.

  2. #2
    كلتاوي فضي

    الحاله : Omarofarabia غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2007
    رقم العضوية: 448
    المشاركات: 706
    معدل تقييم المستوى : 120
    Array

    افتراضي رد: محمد الفاتح.. صاحب البشارة

    قال رسول الله :
    "لتفتحنَّ القسطنطينية، و لنعم الأمير أميرها ،و لنعم الجيش ذلك الجيش "
    رواه الإمام أحمد و الحاكم في الفتن عن بشر الغنوي، و صحَّحه ووافقه الذهبي.

    هذا قول رسول الله في محمد الفاتح و جيشه ، فمن هو محمد الفاتح و كيف كان جيشه !!

    ولد السلطان محمد بن مراد الثاني في 26 رجب 833هـ/20 نيسان 1429 م ، تعهّد بتربيته و تعليمه الشيخ (آق شمس الدين)فكان مرشده و شيخه و مربيه ، غرس في قلبه و روحه حديث رسول الله الذي كان يردّده دائماً على مسامعه ("لتفتحن القسطنطينية...")
    كان محمد الفاتح شخصية فذّة جمعت بين القوة و العدل ، و اتصف بالتقى و الورع،محبّاً للعلم ناشراً له ، نشأ على حب الالتزام بالشريعة الإسلامية ، و له ميل شديد لدراسة كتب التاريخ ، و عرف عدداً من لغات عصره ، مثل العربية و الفارسية و التركية ، و ترك ديوان شعر بالتركية .
    و هو سابع سلاطين العثمانيين ، تولى الملك بعد أبيه سنة 855هـ/1451م ... حدد موارد الدولة و طرق الإنفاق فمنع الإسراف و البذخ و التّرف ، ووضع سجلات خاصة بالجند و زاد في مرتباتهم ، و حافظ على روح إيمانية معنوية سامقة ، مع أحدث أسلحة العصر ، و بلغ عدد الجيش أكثر من ربع مليون مجاهد بتدريبات عالية المستوى أعدّته للجهاد و بقوة ، انتشر العلماء الحكماء الورعون بين الجند لتقوية عزائمهم ، و تحقق لهم ذلك .
    لقد كان الشيخ آق شمس الدين على رأسهم ، فهو الفاتح الروحي للقسطنطينية ، اشترك مع الجيش، و بشّر بالنصر الأكيد المحقق :ستفتح القسطنطينية إن شاء الله على يد المسلمين في هذا العام ، و إنهم سيدخلونها من الموضع الفلاني ، و في اليوم الفلاني ، وقت الضحوة الكبرى، و كانت خطبه في الجند تلهب حماسهم، فهي وقود روحي عجيب. و كان ذلك حقاً عام 1453م

    كتاب :فتح القسطنطينية بقيادة محمد الفاتح
    د. شوقي أبو خليل


    آق شمس الدين _شيخ محمد الفاتح

    من هو الشيخ آق شمس الدين؟

    محمد بن شرف الدين حمزة الشامي بن محمد بن هدايت بن موسى بن محمد بن أبي حفص عمر شهاب الدين السّهروردي، ولد بدمشق سنة 792هـ/1390م، ولي من أولياء الله ، هو الفاتح المعنوي للقسطنطينية،شيخ مرموق المنزلةمن شيوخ الصوفية عند الترك ،كان متمكّناً من شتّى العلوم ، و له تآليف و تصانيف في التصوّف و الطب ، و اشتهر بعلم التفسير .

    كيف وصل إلى الأناضول ، و ما كان عمله؟

    أتى مع والده إلى الأناضول ، إلى مدينة أماسية ، تاركاً بلاد الشام و هو صغير السن ، و لم تمضِ إلا أيام و يتوفى والده ، التحق بالمدارس فتعلّم الطب ، و ألّف كتاب (مادة الحياة)، و هو كتاب أشغل مكاناً و حيّزاً في تاريخ الطب العالمي حيث أتى من خلاله العلوم الجيدة لعلم (باكتريولوجي)، و درّس مدة طويلة بمدرسة عثمانجق ، و تخرّج مئات الطلبة على يديه ، و نشاطه في مجال الطب كبير جداً حيث عُدَّ خبيراً أولاً في زمنه في مجال صنع الأدوية من النبات ، و يُذكر أنه أول طبيب اكتشف الجراثيم(المكروب).

    ماذا قال عنه محمد الفاتح؟

    سمَّاه محمد الفاتح (كاشف الأسرار) لتبشيره بفتح القسطنطينية ، و قال عنه :
    احترامي لهذا الشيخ الجليل غير اختياري ،أنفعل عنده ، تهتزّ يدي بين يديه ، أما باقي الشيوخ حينما يأتون إليّ تهتز أيديهم بين يدي.
    أسلم على يديه كثيرون حينما رأوا منه ما رأوا من هيبة و صلاح و علم و حكمة .

    كتاب :فتح القسطنطينية بقيادة محمد الفاتح
    د. شوقي أبو خليل


  3. #3
    كلتاوي فضي

    الحاله : Omarofarabia غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2007
    رقم العضوية: 448
    المشاركات: 706
    معدل تقييم المستوى : 120
    Array

    افتراضي رد: محمد الفاتح.. صاحب البشارة

    [color=00008B]السلطان الصوفي فاتح القسطنطينية





    مفتي بيروت الشيخ الفاخوري يكتب في ترجمة الفاتح وفتح القسطنطينية:

    السلطان الملك المجاهد أبو المعالي السلطان الغازي
    محمد خان الثاني الفاتح ابن السلطان مراد خان الثاني

    جلس على سرير الملك بعد وفاة أبيه بعهد منه إليه وعمره تسع عشرة سنة وخمسة أشهر ومولده سنة 833 وجلوسه سنة 855 وهو السلطان الجليل والملك النبيل أعظم الملوك جهادا، وأقواهم إقداما واجتهادا، وأكثرهم توكلا على الله تعالى واعتمادا، وهو الذي أسس ملك هذه الدولة العلية المؤسَّسَة على التقوى وشيَّد لها قواعد العدالة ودعائم الاستعمار [بمعناها اللغوي الأصيل] حتى أصبحت راسخة كالجبال الشامخة لا تزعزعها أعاصير الأعصار، وله مناقب جميلة ومزايا فاضلة جليلة وآثار باقية في صفحات الليالي والأيام ومآثر لا يمحوها تعاقب السنين والأعوام.
    لما تسلطن خرج إلى قتال صاحب قرمان فخاف منه وصالحه وعاد إلى مقر سلطنته ولم يكن بآسيا الصغرى ما هو خارج عن دائرة سلطانه إلا جزءا قليلا من بلاد قرمان، ومدينة سينوب، ومملكة طرابزون الرومية فأصبحت مملكة الروم الشرقية قاصرة على مدينة القسطنطينية وضواحيها.
    وكان إقليم موره مجزأً بين البنادقة وإمارات صغيرة يحكمها بعض أعيان الروم والافرنج الذين تخلفوا عن حرب الصليبيين، وكانت بلاد البشناق وهي بوسنة مستقلة والصرب تابعة للدولة العلية وما بقي من جزيرة البلقان داخلا تحت سلطنة الدولة العلية.
    ثم أخذ السلطان محمد لتتميم ما بقي ولم يكن له همٌّ إلا فتح المدينة العظمى قسطنطينية تنفيذا لإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم فشرع في مهماتها ومقدماتها. وهي من أعظم البلدان وأمنعها، أحاط بها البحر من كل صوب إلا الطرف الغربي وهو محصن بثلاثة أسوار فأظهر السلطان أولا المسالمة مع الملك صاحب قسطنطينية وذلك سنة 856 فطلب من طرف بلاده أرضا مقدار جلد ثور فاستقله وقال: ما يفعل به! أعطوه ما طلب، فأرسل السلطان جماعة من البنائين فاختاروا الخليج الداخل من بحر نيطش وهو البحر الأسود. فقدّوا جلد الثور قدّا رقيقا وبسطوه على وجه الأرض على أضيق محل من فم الخليج فبنوا سورا منيعا شامخا، وركب فيه المدافع وكان اسمها أوربان كانت تقذف كرات من الحجر زنة كل واحدة منها اثنا عشر قنطارا إلى مسافة ميل، وبنى في مقابلة ذلك الحصن حصنا آخر مثله في براناطولي وشحنهما بالآلات النارية حتى ضبط فم الخليج فلم يقدر أن يسلكه بعدها مركب من مراكب البحر الأسود إلى قسطنطينية وإلى بحر الروم. ثم ثنى عزمه إلى مدينة أدرنة فأنشأ دار السعادة وأمر بسبك المدافع الكبار والمكاحل ثم لما تكاملت الأسباب والاحتياجات البرية والبحرية نهض بهمة وحزم وعزم في أوائل شهر جمادى الأولى سنة 857 بعسكر كثيف وجيش كبير خبير واستعد متوكلا على الله متوسلا بروحانية سيد البرية صلى الله عليه وسلم فخيم على قسطنطينية ونازلها من طرف الشمال، وكان عنده أربعمائة مركب قد أنشأها هو وأبوه رحمه الله فأرساها عند الحصن الذي أنشأه المعروف ببغزكشن وامر بالمراكب فسحبت إلى البر وقد جعلت تحتها دواليب تجري كالعجلة في البر والبحر، وشحنها بالرجال وساروا في البر مع موافقة ريح شديدة حتى انصبوا إلى الخليج الواقع شمالي البلد من طرف غلطة فامتلأ الخليج من الأغربة، وقربوا بعضها من بعض وربطوها بالسلاسل فصارت جسرا ممدودا ومعبرا للمسلمين وأهل البلد آمنون من هذه الجهة فلم يحصنوهاوغنما كان خوفهم من جهة البر فحصنوها وغفلوا عن هذه الجهةلأمر أراده الله فشرع المسلمون في الحصار من البر والبحرمدة احد وخمسين يوما حتى اعيى المسلمين أمرُها، وكان أهل قسطنطينية استمدوا من الإفرنج فأمدوهم بجيش عظيم، وكان السلطان محمد خان قد أرسل وزيره احمد باشا ابن ولي الدين باشا قبلا إلى العارف بالله الشيخ آق شمس الدين وإلى الشيخ آق بيق يدعوهما للجهاد والحضور معه لفتح قسطنطينية فحضرا، وقد بشر الشيخ شمس الدين الوزيرَ بالنصر والفتح إن شاء الله على يد المسلمين في العام نفسه وأنهم يدخلونها من الموضع الفلانيوأنت تكون حينئذواقفا عند السلطان، فبشر الوزير السلطان بذلك فلما صار الوقت المعين ولم تفتح القلعة خاف الوزير من السلطان فذهب إلى الشيخ فمنعوه عن الدخول إليه فرفع الوزيرُ أطناب الخيمة فإذا الشيخ ساجد على التراب يتضرع ويبكي فما رفع الوزير رأسه إلا وقد قام الشيخ على رجليه فكبر وحمد الله الذي منَّ على المسلمين بفتح هذه المدينة قال الوزير: فنظرت إلى جانب المدينة فإذا المسلمون قد دخلوا بأجمعهم فلما دخل السلطان محمد خان المدينة نظر فإذا بجانبه وزيره ابن ولي الدين واقف عنده فقال: هذا ما أخبر به الشيخ، وقال: ما فرحت بهذا الفتح وإنما فرحي بوجود مثل هذا الرجل في زماني. كان هذا العارف مستجاب الدعوة ومن مناقبه أنه كان طبيبا يداوي الأبدان كما يداوي الأرواح.
    وكان فتح قسطنطينية نهار الأربعاء لعشر بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وثمانمائة وكانت محاصرتها أحد وخمسين يوما فغنم المسلمون منها غنائم لم يسمع بمثلها، ولما دخل السلطان المدينة عند الظهر وجد الجنود مشتغلين بالسلب والنهب فأصدر امره بمنع كل اعتداء بسبب فساد الأمن وقضى بأن تكون الغنائم كلها للعسكر وقال: يكفيني فتح المدينة. فلما شاع خبر هذا الفتح في الآفاقهابه ملوك الأرض وأرسل له صاحب مصر والشام وصاحب العجم وصاحب المغرب مراسلات يهنئونه بهذا الفتح. لا شك ولا ريب في ان هذا الفتح من أعظم الفتوحات الإسلامية وقد حاوله غير واحد من الخلفاء والسلاطين وصرفوا همتهم وجهدهم وعساكرهم فلم ينالوه وقد حاصر قسطنطينية معاوية بن أبي سفيان في خلافة علي رضي الله عنه، وفي زمن يزيد بن معاوية، وحاصرها سفيان بن أوس في خلافة معاوية، وحاصرها مسلمة بن عبدالملك في زمن عمر بن عبدالعزيز، وحوصرت أيضا في زمن هشام بن عبدالملك، وحاصرها أيضا أحد قواد الخليفة هارون الرشيد وخص هذا الفتح لهذا السلطان الجليل لكونه من أعلم الملوك وأعدلهم وأحسنهم سيرة وأخلصهم نية وطوية. وقد ظهرت به معجزة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله مؤكدا: [لتفتحن القسطنطينية ولنعم الامير اميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش] رواه احمد بن حنبل والحاكم بسند صحيح [وأقره الذهبي وأورده السيوطي في الصغير ورمز له بالصحة]. وضمن بعضهم ذلك بقوله:
    رامَ أمرَ الفتحِ قومٌ أولونْ ... حازه بالنصر قوم آخرونْ
    وقع لفظة آخرون تاريخ فتح قسطنطينية وقيل في ذلك [بلدة طيبة] "857". لما دخل السلطان رحمه الله المدينة أسرع بالتوجه إلى كنيستها [آيا صوفيا] فدخلها وطهرها وأمر المؤذن فأذن لصلاة الظهر وصلى فيها ودعا وحمد الله وأثنى عليه وجعلها مسجدا جامعا للمسلمين إلى ما شاء الله. وعين له اوقافا ورتب له رواتب وسميت المدينة إسلام بول.
    ثم إن السلطان طلب من الشيخ شمس الدين أن يريه موضع قبر أبي أيوب الأنصاري الصحابي فقال الشيخ: إني شاهدت في موضع نورا لعل قبره هناك فجاء وتوجه ثم قال: قد اجتمعتُ مع روحه فهنأني بهذا الفتح وقال: [يشكر الله سعيكم خلصتموني من ظلمة الكفر]. فأخبر السلطان بذلك فحضر بنفسه وقال: [أطلب يا مولانا علامة أراها بعيني ليطمئن قلبي، فقال الشيخ احفروا هنا من جانب الرأس من القبر مقدار ذراعين يظهر لكم رخام عليه خط عبراني فحفروا ظهر رخام عليه خط عبراني فقرأه من يعرفه فإذا فيه ما ترجمته: [قبر أبي أيوب الأنصاري]. فعجب السلطان وغلب عليه الحال، ثم أمر ببناء قبة وجامع والتمس من الشيخ آق شمس الدين أن يجلس في ذلك المكان مع أتباعه فامتنع واستأذن بالرجوع إلى وطنه قصبة قونيك فإذن له تطييبا لقلبه. ولما فتح المسلمون المدينة أرسل صاحب غلطة مفاتيح قلعتها ففتحت ودخلها المسلمون وتسارعوا إلى مسجدها القديم الذي كان بناه مسلمة بن عبدالملك يوم حاصرها وقد صيروه كنيسة. ثم تسلم قلاع تلك الجهات كلها أدام الله العز والإقبال فيها إلى آخر الدوران.
    في سنة 860 غزا السلطان بلاد أنكروس وفتح عدة بلاد.
    وفي سنة 861 غزا بلاد موره وفتحها وأسكن فيها طائفة من العرب فتغلب عليهم الروم فتنصر جماعة ورحل آخرون ثم عاد السلطان لما بلغه ذلك فافتتح ستين قلعة لم يكن دخلها مسلم قبل ذلك.
    ثم سار إلى جهة سينوب وهي مدينة حصينة على البحر الأسود من اناطولي فاستولى على قسطموني، وسينوب، وطرابزون، ثم توجه إلى بلاد الكرج فتوغل عسكره فيها وغنموا كثيرا.
    وفي سنة 868 غزا السلطان بلاد بوسنة فاستولى على عامة بلادهم، ثم صوب رأيه وعزمه إلى فتح بلاد أرنؤد وهم صنف من النصارى يصبرون على المحن والشدائد والأعمال الشاقة. قيل أصلهم من عرب بني غسان ارتحلوا من بلاد الشام بعدما جاء الإسلام فتوطنوا هناك وكثروا، وقيل هم طائفة من أعراب البربر عبروا البحر إلى هذا المكان وتنصر اكثرهم، فلما غزاهم السلطان استولى على اكثر قلاع بلاد أرنؤد وبنى قلعة حصينة هناك وشحنها بالرجال وسماها آق حصار.
    وفي سنة 879 سار السلطان إلى قتال اهل بغدان فخاف منه اميرهم استيفان النصراني وهرب فدخل السلطان بغدان وتوغل فيها وغنم وسبى أموالا وأولادا لا تحصى حتى أذعن اميرها استيفان بالطاعة والجزية.
    وفي سنة 883 أمر السلطان بإنشاء دار السعادة الجديد في محلها الآن ورتبه ترتيبا حسنا.
    وفي سنة 886 بدا للسلطان محمد خان ان يسافر إلى بلاد أناضولي فخيم بعساكره ظاهر إسكدار فاتفق ان مرض السلطان وأوصى بالملك إلى ولده بايزيد.
    فتوفي رحمه الله ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الأول سنة 886 فحمل إلى إسلامبول وصلي عليه في الجامع الذي انشأه وعمره إحدى وخمسون سنة ومدة حكمه إحدى وثلاثون سنة.
    - حيث غنه قد أوصى لابنه بايزيد وقد كان عازما على التوجه إلى الحج فقيل له: قد أوصى السلطان لك بالملك فقال:
    والله ما أنثني عن سفري هذا أبدا، وإن ولدي قورقود ينوب عني في السلطنة إلى أن أعود فاستقر قورقود على التخت العثماني نيابة عن أبيه وأحسن إلى الجند، وضاعف عطاياهم فأحبوه محبة عظيمة وكان سنة اثنتي عشرة سنة وغاب السلطان بايزيد خان تسعة أشهر فلما عاد من الحج ووصل إلى أزنيق استقبله ولده قورقود مع أركان الدولة والوزراء والعساكر وسلمه الملك والسلطنة فدعا له والده.
    رحم الله تلك الأرواح الطاهرة. إ.هـ
    [/color]

  4. #4
    كلتاوي الماسي
    الصورة الرمزية صهيب ياس الراوي

    الحاله : صهيب ياس الراوي غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2007
    رقم العضوية: 17
    الدولة: العراق
    الهواية: طلب العلم
    العمل: امام وخطيب
    المشاركات: 1,335
    معدل تقييم المستوى : 127
    Array

    افتراضي رد: محمد الفاتح.. صاحب البشارة

    نقل موفق بارك الله فيك وبشرك الله بالجنة ان شاء الله تعالى


    ياأيها الفرد الحبيب نبهان ياعون الغريب لم يبق لي صبر لحين والقلب ذوبه الحبيب

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 23-Jun-2010, 11:35 AM
  2. شيخ علماء الإسلام محمد زاهد الكوثري
    بواسطة Omarofarabia في المنتدى منتدى التراجم
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 17-Sep-2009, 05:25 AM
  3. معاجم غريب القرآن
    بواسطة الخنساء في المنتدى المكتبة العلمية
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 29-Oct-2007, 02:17 PM
  4. رسائل جامعية حديثية حصراً
    بواسطة د.أبوأسامة في المنتدى السنة النبوية وعلومها
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 25-Oct-2007, 09:26 PM
  5. الشيخ محمد سعيد الإدلبي رحمه الله
    بواسطة أبوأيمن في المنتدى منتدى التراجم
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 21-Oct-2007, 01:19 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •