الزوايا الصوفية ودورها في النهضة العلمية الإسلامية
بقلم : الداعية الإسلامي الشيخ أحمد سالم القطعاني
كتب الشيخ أبو بكر الجزائري كتاباً أسماه (إلى التصوف يا عباد الله)، ما ترك شاردة ولا واردة تقدح في التصوف إلا ذكرها فيه ، وقد قام بالرد عليه رداً وافياً مفصلاً، الداعية الإسلامي فضيلة الشيخ أحمد القطعاني في كتاب (الحجة)، ومن ذلك الرد كان هذا البحث التاريخي المفيد عن الزوايا الصوفية ودورها في النهضة العلمية الإسلامية ...
قال الشيخ القطعاني : أبدى المصنف (الشيخ الجزائري) اعتراضه على بناء الزوايا رياض الذكر ومواقع الجهاد، الأمر الذى يضطرنا أن نقف قليلاً لنشرح وظيفة الزاوية ودورها، ليعرف كل من لا يعرف ، ويعلم كل من لا يعلم .
بداية الزوايا والرُّبط
أنشيء أول رباط ـ زاوية ـ صوفي في المشرق في عبادان، أنشاه عبد الواحد بن زيد في حوالي سنة 150 هـ ، أما في المغرب وبالشمال الأفريقي عموماً فكان أول رباط فى عام 180هـ تقريبا بالمنستير، وتلاه رباط سوسه بتونس 206 هـ ، ثم انتشرت الربط خلال القرن الثاني والثالث والرابع والخامس .
وظيفة الرُّبط وانتشارها
نظراً لأنَّ الرباط قصد به في المقام الأول الدفاع عن الثغور ضد هجوم النصارى من البحر، فإنَّنا نجد هذه الربط لم تنتقل من سواحل شمال أفريقيا إلى سواحل المغرب الأقصى إلا فيما بعد، لتركز الهجمات المسيحية على شاطيء المتوسط ، وأيضاً لقتال المرتدين من سكان البلاد، فكان الرباط عبارة عن قلعة متقدمة وملجأ للسكان المسلمين المجاورين في حالة هجوم الأعداء .
وقد انتشرت هذه الربط كما قلنا على طول الساحل الأفريقي، وكانت وسائل الإنذار فيما بين هذه الحاميات هي إشعال النيران لتعلم بقية الربط فتقدم النجدة والعون، ولهذا نلاحظ وجودها على أعلى مرتفع في المنطقة عادة وأقربه إلى البحر.
ثم ومع بدايات القرن الخامس الهجري ابتدأ الرباط يتطور ويضاف إلى مهامه مهام أخرى لا تقل أهمية عن السابقة، فقد أصبح معهداً لتعليم المسلمين، وخلال سبعة قرون من التطور أصبحت الزوايا والرُّبط جامعات علمية أكاديمية تنشر العلم الإسلامي وتخرج كبار العلماء، وتقدم المأوى والقرى لطلاب العلم وعابري السبيل، وتنشر الأمان على طول الطريق.
والأهم من هذا كله نشر الدين الإسلامي ومحاربة المرتدين، ولعلنا نلاحظ أن جميع مشركي ووثني شمال أفريقيا باستثناء أقلية ضئيلة من اليهود دخلوا الإسلام ، وهذا لاشك لكثرة الزوايا بهذه المنطقة، إذ لم توجد هذه النسبة المرتفعة من الانتشار حتى في الشام والعراق رغم وجود الخلافة بها .
صور من الزوايا
وقد أنشأ الزاوية الدلائية الشيخ أبو بكر بن محمد الدلائي جد مؤلف كتاب ( نتائج التحصيل) فى أواخر القرن العاشر، وقد بلغت هذه الزاوية الغاية من التقدم فى العلوم، وخرّجت فطاحل العلماء ونوابغ الفقهاء، بل وكانت بمستوى جامع القرويين، فكان بها نزل مجاني للطلبة به له ما يزيد على ألف وأربعمائة مسكن حول الزاوية، وكثر المدرسون بها من مقيمين وزائرين، وشبهت مكتبتها بمكتبة المستنصر الشهيرة بالأندلس .
وهناك الزاوية العياشية التي أنشأها العياشي في (1044 هـ) المعروفة الآن بزاوية سيدي حمزة، وتقع على وادي زيز ، وكانت بمستوى الزاوية الدلائية بل وكانت منافساً شديداً لها .
والزاوية العيساوية التي أنشأها العارف بالله الشيخ محمد بن عيسى في أوائل القرن العاشر الهجري بمكناس، وكانت تدرس العلوم الإسلامية وتقدم القرى والمأوى لعابري السبيل، وكانت مأوى الرعية من جور الحكام وكهفهم الذي يلوذون به من استبداد الوزراء والأمراء من دولة بني مرين ، والزاوية التي أنشأها أبو المحاسن الفاسي في 988 هـ .
والزاوية الناصرية في وادي درعة تامكروت ، أسسها عمر الأنصاري في 983 هـ ، وكان شيخها في فترة من الفترات سيدي محمد بن ناصر الدرعي العالم المشهور .
والزاوية التي أسسها الشيخ عبد السلام الأسمر بزليتن فى الثلث الثاني من القرن العاشر، وكانت تحتوي على مكتبة كبيرة، وكانت مدرسة علمية كبيرة بالمنطقة حافظت رغم كل الظروف على كيانها ومنهجها عبر القرون، وهي أكبر معهد لتحفيظ القرآن بليبيا الآن .
والمئات غير هذه الزوايا، ويلاحظ أن كل هذا النشاط كان بالإضافة إلى قراءة القرآن الكريم، وتلاوة الأذكار، وتربية المريدين التربية الإسلامية الصحيحة.
رحلة ابن بطوطة
ويخرج ابن بطوطة فى رحلة من طنجة عام 725 هـ ليظل ولمدة 28 عاماً في تنقل وأسفار، طاف فيها بآسيا وأفريقيا والأندلس ، وليضع كتاباً يذكر فيه ما يقرب من مائة وثلاثين زاوية كانت تقدم الطعام وتقري الضيف، وتقدم للمسافر الأمن والطمأنينة، بل وتعطيه الزاد والثياب في طول البلاد الإسلامية وعرضها وحتى غرب آسيا .
زوايا مصر
وتضاف في مصر لبعض الزوايا مهمة جديدة ، وهى إيواء النساء اللاتي طلقن أو هجرن ولا مأوى لهن، حتى يتزوجن أو يرجعن إلى أزواجهن في أقسام خاصة صيانة لهن، بفضل ما كان فيها من شدة الضبط وغاية الاحتراز والمواظبة على الطاعات، وإشراف من قبل نساء مؤهلات على غرار المدارس النسائية الداخلية في عصرنا هذا .
- أيها المعترض : وبعد: فإننا نسأل المصنف (الجزائري) : لماذا لا يعترض على افتتاح أماكن الفجور والفساد بين المسلمين، بدلاً من شن الحملات على معاهد العلم والتربية ومشاعل الحضارة، التي كانت ولا زالت تنبت العلماء والصالحين، ولكن المصنف (الجزائري) - ويا للأسف - يكثر الحز ويخطئ المفصل .
المصدر: موقع المسلم
http://www.almoslem.net/modules.php?...e=article&sid=15
المفضلات