النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: السلطان عبد الحميد المفترى عليه وقوى الشر التي تآزرت ضده

  1. #1
    كلتاوي فضي

    الحاله : Omarofarabia غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2007
    رقم العضوية: 448
    المشاركات: 706
    معدل تقييم المستوى : 117
    Array

    افتراضي السلطان عبد الحميد المفترى عليه وقوى الشر التي تآزرت ضده

    السلطان عبد الحميد المفترى عليه وقوى الشر التي تآزرت ضده
    الكاتب: علي عبد العال


    يجمع العدول من كتاب وباحثي التاريخ، على أن تاريخ السلطان عبد الحميد الثاني ناله من التشويه والافتراءما لم تنله شخصية تاريخية على الإطلاق، حتى جاوز ذلك الحد المعقول، فألصق به من الدكتاتورية والاستبداد والطغيان، ما جعل أكبر جبابرة البشرية يتضائلون جواره، وفى ذلك من الافتراء على الرجل الكثير والكثير، ولما كان السلطان عبد الحميد علم على وجود الدولة العثمانية، نظراً لطول الفترة التي قضاها حاكماً لها أكثر من ثلث قرن، فكان كل حاقد أو طاعن على الدولة التي ظلت تحتضن الخلافة الإسلامية حتى أوائل القرن العشرين، يرى في السلطان الذي هو رأس الدولة، الهدف الذي ينبغي أن تصوب له سهام الحقد، فألصقوا بالرجل كل نقيصة، وشوهوا تاريخه وطعنوا فيه.

    ولد السلطان عبد الحميد الثاني بن السلطان عبد المجيد فى21 سبتمبر عام 1842ص، وقد تفتحت عيناه على والده ومن بعده عمه السلطان عبد العزيز، فوجدهما يحميان حركة الأخذ عن الغرب الصليبي، كما شاهد ولمس عن قرب أطماع الدول الغربية وروسيا في الدولة العثمانية التي أطلقوا عليها رجل أوربا المريض، الذي يتربصون لسقوطه فتقسم أملاكه، فأدرك بذلك مدى الخطر الذي يترقب الدولة في ظل الضعف والتردي الذي لحق بها.

    وعندما تولى الحكم عام 1876 ص، كانت أطماع هذه الدول في الدولة العثمانية بلغت أوجهها، وكان عليه وحده عبء مواجهة هذه الأطماع، وإيجاد مخرج للدولة منها، ولكن أين له القوة على ذلك وقد بلغت الدولة من الانحطاط قبل توليه الحكم ما بلغت.

    كان للسلطان عبد الحميد منطلق فكرى وعقدي، يتمثل في أن الإسلام كما جاء في مذكراته: (هو الروح التي تسرى في جسم البشرية فتحييها، وتغزو القلوب فتفتحها)، ويرى: (أن القوة الوحيدة التي ستجعلنا واقفين على أقدامنا؛ هي الإسلام) (وأننا أمة قوية؛ بشرط أن نكون مخلصين لهذا الدين العظيم)، فكان يستمد من هذه العقيدة، القوة والصلابة التي تمكنه من مجابهة الأطماع الغربية الصليبية في دولة الخلافة، وكان يرى: (أن حملات الصليبية الموجهة ضد الدولة العثمانية لم تتوقف قط، ولا يزال جلادستون العجوز "رئيس وزراء انجلترا" يسير على خطى البابا في هذا السبيل)، (وما زال النصارى ينفقون الملايين في سبيل نشر النصرانية ببلاد الإسلام، وقد كان عليهم أن يفهموا من قبل أن التوفيق لن يحالفهم في هذه البلاد).

    كانت هذه الرؤية؛ بمثابة الأسس الفكرية التي كان ينظر من خلالها السلطان عبد الحميد إلى الصراع الدائر ضد حامية الخلافة الإسلامية ومن ثم: (كانت محاولة عبد الحميد في تنفيذ فكرة التجمع على النحو الذي يؤيد به نفوذ (القوة العربية الإسلامية) القائمة باسم (الخلافة العثمانية) كقوة مقاومة للنفوذ الغربي، ومن هنا أطلق الكتاب على هذه المرحلة 1876 - 1908، وهي فترة حكم السلطان عبد الحميد في تركيا، اسم (تركيا الإسلامية).

    ولما رأى عبد الحميد أن عقد الدولة العثمانية أخذ ينفرط، وأن البلاد الإسلامية تسقط الواحدة تلو الأخرى تحت نير الاحتلال الأجنبي؛ تونس 1881، مصر 1882، بدأ صيحته إلى (الجامعة الإسلامية)؛ وهي أن الدولة العثمانية قاعدة الخلافة الإسلامية، وهي ليست للعرب والترك فقط، بل لكل مسلمي العالم شرقاً وغرباً، وينبغي على المسلمين أن يتحدوا لتحرير أراضيهم وثرواتهم في كل مكان من أيدي الغرب الصليبي وأعوانه: "و كان ذلك في الحق، عملاً سياسياً كبيراً، استهدف به عبد الحميد دعم الوحدة الإسلامية العثمانية كقوة سياسية في وجه النفوذ الأجنبي والقوى الاستعمارية التي كانت تمر بأشد مراحل الغزو على عالم الإسلام شراسة، وبعد أن سقطت الهند في يد بريطانيا، والملايو في يد هولندا، وسيطرت بريطانيا وروسيا على حدود فارس والأفغان، وسقطت أجزاء الخليج العربي في يد بريطانيا أيضاً، بالإضافة إلى مصر والسودان، وسيطرت فرنسا على الجزائر وتونس".

    فكانت صيحته كما يقول لوثروب بمثابة (استصراخ الأمم الإسلامية في كل رقعة من رقاع العالم الإسلامي لتمد يد العون إليه وشد أزره بالالتفاف حوله، قاصداً قذف الرعب في روع الدول الغربية التي خالها تأتمر فيما بينها وتتحد الوسائل للقضاء على المملكة العثمانية)، وقد بلغ أمر هذه الدعوة غايته؛ وهي تكتيل المسلمين وجمع كلمتهم وتهيؤهم للجهاد، حتى كان السلطان يفاوض الدول الكبرى ويساومها، بل ويهددها أحياناً، مُلوّحا بسلاح الجهاد)

    فاجتهدوا على الفكاك منها بالقوة مرة، وخلق الدسائس والاضطرابات مرة، وبالحملة على عبد الحميد وتشويه سمعته ثم الانقضاض عليه حتى ينتهي الأمر بعزله، ومن ثم كانت الجامعة الإسلامية التي دعى إليها عبد الحميد لبعث القوة الإسلامية، والوقوف بها أمام الغرب الطامع، إحدى حلقات الصراع التي أدارها السلطان أثناء خلافته، ولم تكن بالطبع هي الحلقة الوحيدة التي صارع في رحابها عبد الحميد، لأن الغرب لم يكن وحده مهتماً بعزله وتمزيق دولته، بل كانت هناك قوى أخرى لعبت دوراً كبيراً سارت به في اتجاه متواز تماماً مع الجهود الغربية؛ ألا وهي المنظمات الصهيونية المتحالفة مع الماسونية، في التهام فلسطين من سكانها العرب، وقد بدأت هذه الجهود منذ عام 1897 بانعقاد المؤتمر الصهيوني برئاسة هرتزل في مدينة بال السويسرية، وقرر إنشاء الدولة اليهودية خلال خمسين عاماً، فاستغلت الجمعية الصهيونية الضائقة الاقتصادية التي كانت تمر بها الدولة العثمانية، ولجأت إلى الإغراء المالي لتحقيق أهدافها، واختارت (آمانويل قره صو) المحامي اليهودي، مؤسس المحفل الماسوني في مدينة سلانيك، لمقابلة السلطان عبد الحميد، وعرض مطالبهم عليه، وبالفعل تم ذلك بتاريخ 17 سبتمبر 1901ص، وقدم إليه عريضة يلتمس فيها منح اليهود منطقة ذات إدارة ذاتية في فلسطين، وفي مقابل ذلك تقدم الجمعية الصهيونية قرضاً لمدة غير محدودة، قيمته (20) مليون ليرة ذهبية دون فائدة، إلى خزينة الدولة، و(5) ملايين ليرة ذهبية إلى خزينة السلطان الخاصة كهدية، إلا أن السلطان عبد الحميد فور سماعه فحوى العريضة، استشاط غضباً وطرد (قره صو) وقال: "إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً، فلن أقبل، إن أرض فلسطين ليست ملكي، إنما هي ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلمون بدمائهم، لا يمكن أن يباع، وربما إذا تفتت امبراطوريتي يوماً، يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل).

    ولم يكتف السلطان بذلك، وإنما أصدر عدداً من الإرادات السَنيّة؛ يحظر فيها على ولاته، السماح لليهود بشراء أراض في فلسطين، أو استقرارهم فيها، وجاء في أحد فرماناته: (لا يسمح بإجراء ينتج عنه قبول اللاجئين اليهود المطرودين من كل بلد يترتب عليه إنشاء حكومة موسوية في القدس مستقبلاً،..... لماذا نقبل في بلادنا من طردهم الأوربيون المتدنون وأخرجوهم من ديارهم؟ ونطلب إلى مقام الصدارة، اتخاذ قرار عام في هذا الموضوع).

    ولم يقتصر السلطان على الصدر الأعظم رئيس الوزراء وإنما أصدر فرماناً موجهاً إلى السلطات العسكرية مباشرة؛ يأمرهم فيه بمنع قبول اليهود أو إسكانهم في فلسطين.

    فقد أدت مواقف عبد الحميد المتصلبة أمام المشروع الصهيوني، إلى جعلهم يوقنون باستحالة تحقيقه، طالما بقي هو على سدة الحكم، وقد عبّر هرتزل عن ذلك بقوله: (لقد فقدنا الأمل في تحقيق آمال اليهود في فلسطين، فإن اليهود لن يستطيعوا دخول الأرض الموعودة، طالما ظل عبد الحميد قائماً في الحكم مستمراً فيه).
    ومن ثم كان خلع عبد الحميد وتمزيق حكمه، هدفاً وغاية لا يمكن الرجوع عنها، وسوف نرى فيما بعد، الدور الصهيوني في انقلاب 1908ص، الذي نتج عنه عزل السلطان عبد الحميد.

    ويبقى لكل متأمل؛ كيف صارع السلطان عبد الحميد قوى الشر التي اتحدت ضده وأسقطت حكمه، أن يستوعب الدور الذي قامت به "جمعية الاتحاد والترقي الماسونية "وترجع جذور هذه الجمعية إلى الجالية اليهودية المهاجرة من الأندلس إلى مدينة سلانيك العثمانية منذ 1512ص، وعرفت ب (يهود الدونمة)، وفدت على تركيا ورحبت بهم الدولة آنذاك، نظراً لثرواتهم المالية، واستقر بهم الحال في سلانيك، وزادت ثرواتهم، وقويت جاليتهم، ثم ظهر منهم يهودي اسمه (شبتاي)، ذهب إلى بيت المقدس وأعلن أن الأوان قد حان لعودة إسرائيل، ثم جاء إلى استنبول معلناً إسلامه، وأسلم معه جماعة عرفوا ب (الدونمة)، وقد سجل كثير من المؤرخين؛ أن إسلام هذه المجموعة لم يكن إلا لتحقيق غايتهم ومآربهم، ثم اشتد نفوذهم خلال حكم السلطان عبد الحميد، وأنشأ لهم (قره صو) المحافل الماسونية في سلانيك (والمعروف أن مدينة سلانيك كان بها خمس محافل ماسونية، تضم 50 ألف يهودي، وكان لها اتصال بجمعية الاتحاد والترقي، وتأثير في أنظمتها).

    يقول الكاتب الغربي (بين هيس): "(الدونمة) كثيرون؛ منهم مدحت باشا حاكم ولاية الدنوب، الذي كان ابن حاخام هنغاري، وهو الذي أنشأ المدارس اليهودية في الشرق الأدنى، وكان قادة حزب الاتحاد والترقي من الدونمة، وكذلك أتاتورك، والدكتور ناظم، وفوزي، وطلعت، ونعوم أفندي، وغيرهم".فكانت جمعية الاتحاد والترقي، هي الأداة التي استخدمتها الدول الغربية والجمعية الصهيونية في تنفيذ المخطط الصليبي الصهيوني ضد الدولة العثمانية، وكان موقف السلطان عبد الحميد منه، موقف العداء لهم ولمخططاتهم، وكان موقفهم منه كذلك.

    وكان في طيات حركة الاتحاد والترقي، تتخفى دعوة أشمل منها وأشد خطورة على الوحدة الإسلامية، ألا وهي (الجامعة الطورانية) التي قامت على إعلاء الجنس التركي، وإن جذوره تنتهي عند الحضارة المغولية وجنكيز خان، وأنهم أمة أشد عراقة في التاريخ من العرب، ومن ثم يجب صهر جميع عناصر الدولة العثمانية في الجامعة الطورانية وتتريك العرب أنفسهم.

    كانت (الجامعة الطورانية) تهدف إلى خلع الجذور الإسلامية للدولة العثمانية وإعادة توثيقها الحضارة المغولية، كما كانت تسعى إلى صناعة الصراع بين شقي الدولة العرب والترك وذلك لأن جمعية الاتحاد والترقي دعت إلى تتريك عناصر، ومنهم العرب الذين حتماً لن يقبلوا هذه الدعوة، وينشأ الصراع بينهم وبين الترك، مما ينتهي بانفصالهم وتمزيق الخلافة الإسلامية التي قامت على توحيد جميع المسلمين تحت راية الإسلام، وقد غذى النفوذ الغربي اتجاة هؤلاء الدعاة االمتطرفين، وأيدهم، ووجد فيهم من يحقق هدفه؛ من تمزيق هذا الكيان السياسي وتقسيمه، والسيطرة علية عن طريق الاحتلال، وقد أتاح هذا فعلاً الاستعمار، أن يحقق هدفاً خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها، في السيطرة على وحدات العالم العربي وحكمها، ولذلك فقد أطلق بعض المؤرخين على حركة الدستور العثماني 1907ص، وسقوط عبد الحميد 1909ص، وتسلم الاتحاديين زمام السلطة اسم الثورة الصغرى، وأن قيام كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة في عام 1924ص، هو الثورة الكبرى.

    مما سبق؛ يتبين قوة التحديات التي وقفت أمام جهود السلطان عبد الحميد وسعيه إلى حماية الدولة العثمانية وباقي البلاد الإسلامية، من خطر الاستعمار والأطماع الصهيونية والدسائس الماسونية، إلا أن تحالف قوى الشر كان أقوى من صمود عبد الحميد، ولن نجد دليلاً على صمود عبد الحميد وحده في قلب هذا الصراع، من اعترافات تيودور هرتزل التي سجلها في مذكراته، التي ظل يكتبها حتى عام 1904ص، وما بذله من جهد ضخم في سبيل الدولة العثمانية بقيادة هذا الرجل الذي استعمل معه كافة سبل الترغيب والترهيب، حتى سجل له التاريخ كلمات خالدة: (بلغوا الدكتور هرتزل ألا يبذل بعد اليوم شيئاً من المحاولة في هذا الأمر (التوطن بفلسطين)، فإني لست مستعداً إلى أن أتخل عن شبر واحد من هذه البلاد ليذهب إلى الغير، فالبلاد ليست ملكي بل هي ملك شعبي الذي روى ترابها بدمائه، ولتحتفظ اليهود بملايينهم من الذهب).
    وعرف اليهود أن طريق السلطان محفوف بالخطر، إذن فليزول السلطان، وليفتح الطرق أتباعهم الاتحاديون، فيقول طه الولي: (كانت غاية اليهود؛ إزاحة السلطان عبد الحميد من طريقهم الموصل إلى فلسطين، ولذلك تمكنوا من رشوة بعض رجال الدين، ودفع الاتحاديين إلى الثورة عليه والتخلص نهائياً منه، تمهيداً للتخلص من الإسلام نفسه فيما بعد، وقد واتت هذه الحركة الارتجاعية أملها بالنصر لليهود، فقام الجيش بحركته الحاسمة، متقدماً نحو يلدز، طالباً إزاحة العرش من تحت سيده الذي رفض النزول عند مغريات اليهود لتحقيق مطامعهم).

    وهكذا تطورت الأمور بسرعة، حتى تحرك الجيش الثالث العثماني في مقدونيا، وضخمت الصحافة الخاضعة للنفوذ الصهيوني هذا التحرك، وكأن الجيش العثماني بتمامه قد هب في وجه السلطان عبد الحميد، وأن هذه الانتفاضة نابعة من الشعب التركي، وأدى ذلك إلى نجاح حركة الجيش في 24 يوليو 1908ص، وخضوع السلطان عبد الحميد لمطلب الجيش، ثم إلى تنحيته تماماً عن العرش عام 1909، وكان الذي أبلغ السلطان قرار الخلع هو(قره صو) عضو حزب الاتحاد والترقي، اليهودي، مؤسس محافل سلانيك الماسونية، وانتخب حاييم ناحوم؛ حاخاماً أكبر، عقب سقوط السلطان، واستطاع أن يحصل لليهود على عدة امتيازات في البلاد التي تتألف منها السلطة العثمانية.

    ويقول بعض المؤرخين: "إن الانقلاب العثماني، أمر بَيّتَ له يهود سالونيك منذ نصف قرن، حتى يتم على أيدى متأسلمين كانوا يهوداً في الأصل، فأسلموا لأجل هذه الغاية، ولا ريب أن هذا الانقلاب قد أسلم زمام تركيا لليهود الماسون الدونمة: (طلعت وجاويد وجمال ونيازي وكمال).
    فقد أرسلت الحكومة التي تولاها كمال أتاتورك، الحاخام حاييم ناحوم، مندوباً لها إلى لاهاي، وناطت به معالجة القضية التركية، فمهد السبيل إلى الصلح الذي أقرت فيه تركيا بالتنازل عن صبغتها الإسلامية، وعن اللغة العربية، والشريعة الإسلامية.

    وفي مذكرات السلطان عبد الحميد؛ يقول - رحمه الله - في رسالة كتبها بعد خلعه من الحكم، إلى شيخه "محمود أبو الشامات":

    (أنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما، سوى أنني بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد، المعروفة باسم جون تورك، وتهديدهم، اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة، إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا علىّ بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة، ورغم إصرارهم لم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف، وأخيراً وعدوا بتقديم 150 مليون ليرة إنجليزية ذهباً، فرفضت هذا التكليف. لقد خدمت الملة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد على ثلاثين سنة، فلم أُسَوّد صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء، وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى (سلانيك)، فقبلت هذا التكليف الأخير، وحمدت المولى وأحمده، أني لم أقبل أن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة).

    وهكذا ظل السلطان عبد الحميد، حجر عثرة في طريق ثالوث الشر الصليبي الصهيوني الماسوني، إلى أن تآزرت دسائس الحقد في الإجهاز عليه، وكان - رحمه الله - قد تولى الحكم والدولة مثخنة بجراحها، ولم تسعفه صيحة

    "يا مسلمي العالم اتحدوا"، لأن الاستعمار كان قد سبقه إلى احتلال كبرى حواضر الإسلام، واستمر حال التردي والتراجع، إلى أن تمكن الأعداء من ضرب حامية الخلافة العثمانية في مقتل، تظل الأمة الإسلامية تنزف عليه من آلامها دماً حتى تبرأ الجراح، وأنّى لها، فرحم الله السلطان عبد الحميد، الذي ظل وفياً لأمته إلى آخر الرمق، وقد وافاه الأجل 10 شباط عام 1918ص.
    التعديل الأخير تم بواسطة الخنساء ; 25-Dec-2007 الساعة 03:27 PM سبب آخر: تنسيق الخط

  2. #2
    كلتاوي فضي

    الحاله : Omarofarabia غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2007
    رقم العضوية: 448
    المشاركات: 706
    معدل تقييم المستوى : 117
    Array

    افتراضي رد: السلطان عبد الحميد المفترى عليه وقوى الشر التي تآزرت ضده

    عبد الحميد الثاني
    (لن يستطيعوا أخذ فلسطين إلا عند تشريح جثتي وساعتها يأخذونها بلا ثمن، أما وأنا على قيد الحياة فلا).
    في سنة 1258هـ-1842م ولد السلطان عبد الحميد ونشأ وترعرع في دار الخلافة العثمانية التي كانت محط أنظار المسلمين، كانت لهم نعم العون والسند، يجتمعون تحت رايتها، ويحتمون بها من شرور أعداء الإسلام.
    ومرت الأيام، وآن لـ(عبد الحميد الثاني) أن يتحمل المسئولية في وقت كانت تحيط فيه الأخطار بالدولة من كل جانب، بعد أن أصدر شيخ الإسلام في دار الخلافة العثمانية فتواه التاريخية بعزل السلطان (مراد الخامس) وتعيين شقيقه الأصغر
    عبد الحميد الثاني خليفة على المسلمين.
    وقبل أن يباشر السلطان مهامه الجديدة صلى لله تعالى ركعتين شكرًا في جامع
    (أبي أيوب الأنصاري) وهناك تسلم من شيخ الإسلام سيف عمر بن الخطاب
    -رضي الله عنه- وهو سيف الخلافة، وبدأ موكب السلطان الجديد يسير في شوارع العاصمة (استنبول).. تنثر الزهور، وتنشر الرياحين من شرفات المنازل ابتهاجًا بالسلطان الجديد، حتى إذا مرَّ الموكب بقبر والد السلطان ومقابر أجداده
    الفاتحين، نزل السلطان عبد الحميد ليدعو لهم بالرحمة والمغفرة وفاء وعرفانًا.
    وبدأ السلطان عبد الحميد الثاني بداية طيبة تدل على اعتزازه بدينه الإسلامي وفخره بتعاليمه، فكان أول ما أصدره من قرارات أن أقرَّ الدستور الذي يكفل المساواة بين جميع الناس من خلال المجالس الشرعية، كما أصدر أوامره بحرية القضاء لتكون كلها نافذة من خلال النظام الإسلامي للدولة، فظل الإسلام في عهده منبع القوانين ودستورها، كما عرف السلطان للعلماء حقهم، فكان لا يقطع أمرًا دونهم، ويحرص على استشارتهم والأخذ بآرائهم.
    وقد حاول اليهود عن طريق زعيمهم الماكر (هرتزل) استمالة السلطان عبد الحميد الثاني، حتى يسمح لهم بإقامة وطن لليهود في فلسطين (بيت المقدس)، فعرضوا عليه مبلغًا ضخمًا في ذلك الزمان البعيد يقدر بثلاثة ملايين من الجنيهات بالإضافة إلى دفع مبلغ كبير للدولة العثمانية -سنويًّا- مقابل أن يصدر السلطان عبد الحميد قرارًا يسمح فيه لليهود بالهجرة إلى فلسطين والتوطن فيها، وهنا قال السلطان عبد الحميد قولته الخالدة التي سجلها التاريخ بمداد من ذهب: (لست مستعدًّا لأن أتخلى عن شبر واحد من هذه البلاد، فهي ليست ملكي بل هي ملك لشعبي، روي ترابها
    بدمه، وليحتفظ اليهود بأموالهم، ولن يستطيعوا أخذ فلسطين إلا عند تشريح
    جثتي، وساعتها يأخذونها بلا ثمن، أما وأنا على قيد الحياة.. فلا).
    واستمرت مكائد اليهود، فحاول هرتزل، أن يقدم عرضًا مغريًّا جديدًا
    للسلطان، فلقد كانت الدولة العثمانية مدينة لأوروبا بمبلغ كبير من المال، وعرض اليهود تسديد هذه الديون مقابل تحقيق طلبهم، ولكن السلطان كان أثبت جأشًا وأقوى عزيمة عندما قال: (إن الديون ليست عارًا، ولكن العار أن أبيع أرضًا
    لليهود، فليحتفظ اليهود بأموالهم، فالدولة العثمانية لا يمكن أن تحتمي وراء حصون بنيت بأموال أعداء المسلمين).
    واستمرت الدسائس والحيل الخبيثة، ففي عام 1902م طلب هرتزل من السلطان أن يسمح له بإنشاء جامعة عبرية في فلسطين يديرها أساتذة من بني صهيون، فرفض السلطان هذا العرض أيضًا، لأنه يعلم أن هذه الجامعة سوف تكون بداية لاحتلال الأرض، فأنكر جميع رسائلهم ورفض قبول هداياهم.
    وعند ذلك عمل اليهود على تأليب أوروبا وروسيا ضد السلطان عبد الحميد، فقامت الثورات على الحدود، وأعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية، وتنكرت أوروبا للمعاهدات المعقودة معها، فوقفت إلى جوار روسيا في حربها ضد السلطان
    عبد الحميد.
    وفي نفس العام ثار المسيحيون في (تكريت) بتحريض من البابا، وكان السلطان يحارب ومن ورائه قلوب المسلمين تدعو له، ورغم هزيمته فإن القادة والجنود العثمانيين أظهروا شجاعة فائقة شهد بها الأعداء الأوربيون، ولكن لم تشغل هذه الأحداث السلطان عبد الحميد عن الإصلاحات الداخلية في شتى أنحاء الدول العثمانية؛ فنشر التعليم المدني بجميع مراحله وأنواعه، وأنشأ جامعة (استنبول)
    سنة 1885م والتي كانت تعرف أولا باسم (دار الفنون) كما أنشأ دورًا للمعلمين ومعاهد فنية ومدارس ابتدائية وثانوية مدنية، واهتم بالتعليم العسكري، وأنشأ المكتبات ومدرسة خاصة لتخريج الدعاة.
    كما توسع في إنشاء الخطوط الحديدية ليسهل الحج وذلك بتقصير مدة الرحلة وليجعله في متناول الجميع، واستخدم البرق كوسيلة جديدة للمراسلة، وتبنى مشروع الجامعة الإسلامية، وسار فيه سيرًا مباركًا، وعمل على إعادة الهيبة إلى الخلافة كما كانت في عهودها الأولى، وكان دائمًا يدعو المسلمين إلى الاتحاد، كما كان حريصًا كل الحرص على نشر هذا الأمر بين المسلمين جميعًا في كل البلاد الإسلامية.
    لكن اليهود ظلوا يعملون ضده في الخفاء، فسلطوا عليه إعلامهم، واتهموه في حياته الخاصة، وشهروا به وبأسرته، وساهموا في إنشاء جمعية (الاتحاد والترقي العثمانية) التي قامت بثورة عسكرية استمرت عامًا كاملاً من سنة 1908 حتى سنة 1909 ونجحت بعدها في سلب الخلافة من السلطان عبد الحميد، وقررت نفيه إلى (سالونيك) في إبريل سنة 1909م.
    وظل عبد الحميد الثاني في منفاه حتى لقي ربه سنة 1918م بعد أن أدار شئون الدولة العثمانية لمدة أربعة وثلاثين عامًا، فكان من أطول سلاطين الدولة العثمانية
    حكمًا، كما كان من أكثر السلاطين الذين تمَّ الافتراء عليهم زورًا وبهتانًا.
    1


    الحقوق محفوظة لكل مسلم
    التعديل الأخير تم بواسطة الخنساء ; 25-Dec-2007 الساعة 03:49 PM

  3. #3
    كلتاوي فضي

    الحاله : Omarofarabia غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2007
    رقم العضوية: 448
    المشاركات: 706
    معدل تقييم المستوى : 117
    Array

    افتراضي رد: السلطان عبد الحميد المفترى عليه وقوى الشر التي تآزرت ضده

    وثيقة تاريخية هامة بخط السلطان عبد الحميد الثاني:
    بين يدينا وثيقة تاريخية هامة بخط السلطان عبد الحميد الثاني، تتضمن رسالة كان قد وجهها السلطان بعد خلعه إلى شيخه الشاذلي محمود أبي الشامات، وفيها سر خلعه عن الخلافة، نشرها المرحوم سعيد الأفغاني في مجلة العربي الكويتية في عددها الصادر في شوال 1392 الموافق كانون أول 1972 وأعاد نشر مضمونها الأستاذ رفيق النتشة في كتابه (السلطان عبد الحميد الثاني وفلسطين) والدكتور موفق بني المرجه في كتابه القيم (صحوة الرجل المريض) والباحث محمد علي شاهين في كتابه (قضايا القرن العشرين) وننقلها من مجلدات العربي المحفوظة من مكتبة مراجع أمانة عمان الكبرى، أما الترجمة العربية للرسالة فقد قام بها الشيخ أحمد القاسمي الدمشقي، وإليك الرسالة المترجمة:

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلى يوم الدين.

    أرفع عريضتي هذه إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية، إلى مفيض الروح والحياة، وإلى شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفندي أبي الشامات، وأقبل يديه المباركتين راجيا دعواته الصالحة. بعد تقديم احترامي أعرض أني تلقيت كتابكم المؤرخ في 22 مايس من السنة الحالية، وحمدت المولى وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمتين.

    سيدي : إنني بتوفيق الله تعالى مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية ليلا ونهارا، وأعرض أنني مازلت محتاجا لدعواتكم القلبية بصورة دائمة.

    بعد هذه المقدمة أعرض لرشادتكم وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة المسألة المهمة الآتية كأمانة في ذمة التاريخ:

    إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما، سوى أنني _ بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم (جون تورك) وتهديدهم _ اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة. إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة (فلسطين)، ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف، وأخيرًا وعدوا بتقديم 150 مائة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهبا، فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضا، وأجبتهم بهذا الجواب القطعي الآتي: (إنكم لو دفعتم ملء الأرض ذهبا - فضلا عن 150 مائة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهبًا فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي، لقد خدمت الملة الإسلامية والمحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلم أسود صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين، لهذا لن أقبل تكليفكم بوجه قطعي أيضا). وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي، وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى (سلانيك) فقبلت بهذا التكليف الأخير. هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة فلسطين… وقد كان بعد ذلك ما كان، ولذا فإنني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال، وأعتقد أن ما عرضته كاف في هذا الموضوع الهام، وبه أختم رسالتي هذه. ألثم يديكم المباركتين، وأرجو واسترحم أن تتفضلوا بقبول احترامي بسلامي على جميع الإخوان والأصدقاء.

    يا أستاذي المعظم لقد أطلت عليكم التحية، ولكن دفعني لهذه الإطالة أن نحيط سماحتكم علما، ونحيط جماعتكم بذلك علما أيضا.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    في 22 أيلول 1329

    خادم المسلمين

    عبد الحميد بن عبد المجيد



    الشيخ محمود أبو الشامات
    التعديل الأخير تم بواسطة الخنساء ; 25-Dec-2007 الساعة 03:52 PM

  4. #4
    مشرف
    الصورة الرمزية الخنساء

    الحاله : الخنساء غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2007
    رقم العضوية: 127
    المشاركات: 3,593
    معدل تقييم المستوى : 135
    Array

    افتراضي رد: السلطان عبد الحميد المفترى عليه وقوى الشر التي تآزرت ضده

    نقل جميل وهام أخي الكريم جزيت كل الخير

    فشخصية السلطان عبد الحميد الثاني من أكثر الشخصيات التي شوهت سيرتها في صفحات التاريخ خلال حكم الدولة العثمانية

    مما لا شك فيه أن التاريخ سيظل يذكر للسلطان عبد الحميد رحمه الله وقفته الرائعة والحاسمة من مسألة بيع أرض فلسطين لليهود حين طلبون منه ذلك وعرضوا عليه المبالغ الطائلة في وقت كانت الدولة في أشد الحاجة إلى المال ، وحتى لا تنس الأجيال هذا الموقف المشرف فإننا نعرض لهذا الموقف من خلال الحوار الذي دار بين السلطان وبين الوسيط الذي حمل العرض اليهودي إلى السلطان:

    ما نقله نيولنسكي إلى هرتزل
    قال السلطان لي : إذا كان هرتزل صديقك بقدر ما أنت صديقي فانصحه ألا يسير أبدًا في هذا الأمر ، لا أقدر أن أبيع ولو قدمـًا واحدة من البلاد ؛ لأنها ليست لي ، بل لشعبي ، لقد حصل شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائهم ، وقد غذوها فيما بعد بدمائهم وسوف نغذيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا .

    لقد حاربت كتيبتنا في سوريا وفي فلسطين وقتل رجالنا الواحد بعد الآخر في بلفنة ؛ لأن أحدًا منهم لم يرض بالتسليم وفضلوا أن يموتوا في ساحة القتال .

    الإمبراطورية التركية ليست لي وإنما للشعب التركي ، لا أستطيع أبدًا أن أعطي أحدًا أي جزء منها .

    ليحتفظ اليهود ببلايينهم ، فإذا قسمت الإمبراطورية ؛ فقد يحصل اليهود على فلسطين دون مقابل ، إنما لن تقسم إلا جثثنا ، ولن أقبل بتشريحنا لأي غرض كان.

    وقد أعترف بفضله ألد خصومه ومعارضيه ومنهم "رضا توفيق" الذي كتب يقول عند وفاته

    عندما يذكر التاريخ اسمك

    يكون الحق في جانبك ومعك أيها السلطان العظيم

    كنا نحن الذين افترينا دون حياء

    على أعظم سياسي العصر

    قلنا: إن السلطان ظالم، وإن السلطان مجنون

    قلنا لا بد من الثورة على السلطان

    وصدقنا كل ما قاله لنا الشيطان

  5. #5
    كلتاوي فضي

    الحاله : Omarofarabia غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2007
    رقم العضوية: 448
    المشاركات: 706
    معدل تقييم المستوى : 117
    Array

    افتراضي رد: السلطان عبد الحميد المفترى عليه وقوى الشر التي تآزرت ضده

    لماذا دعم اليهود جمعيه الاتحاد والترقى ضد السلطان عبد الحميد



    تؤكد "الموسوعة اليهودية " بأن السلطان عبد الحميد الثاني عامل يهود الدولة العثمانية معاملة طيبة، توافق مع اعتلاء السلطان عبد الحميد الثاني عرش السلطنة العثمانية في 1869م حدوث نمو و ازدهار في الحركة الصهيونية وعموما حيث تم عقد مؤتمر لكافة يهود العالم برئاسة هرتزل ، وذلك في يوم الأحد الواقع في التاسع والعشرين من شهر يوليو من عام 1897، وقد حضر المؤتمر 204 مندوبين يمثل جزء منهم 117 جمعية صهيونية، وقد أرسل يهود روسيا وحدهم 70 مندوبًا إلى ذلك المؤتمر الذي حضره أيضًا مندوبون من أمريكا والبلدان الاسكندنافية وحتى من الجزائر.

    ولقد كان من المقرر أن يعقد ذلك المؤتمر في مدينة ميونخ في ألمانيا غير أن الجالية اليهودية في تلك المدينة عارضت ذلك فانعقد في مدينة بازل السويسرية، وكان هذا المؤتمر أول مؤتمر يهودي عام يُعقد بعد أن دمر الإمبراطور الروماني أدريان مدينة أورشليم في عام 135 ميلادية، وذلك بعد أن أخمد ثورة اليهود بزعامة شمعون بارخوشبا.

    وقد افتتح هرتزل المؤتمر بخطبة جاء فيها قوله: "إننا في هذا المؤتمر نريد أن نضع حجر الأساس للبيت الذي سيصبح الملجأ للشعب اليهودي. ان الصهيونية تعني العودة إلى القومية اليهودية قبل العودة إلى أرض إسرائيل.."، وقد أسفر المؤتمر الوطني الأول، الذي استمر مدة ثلاثة أيام، عن الإتفاق على منهج عرف فيما بعد باسم منهج بازل. أما أهم فقرة من فقرات ذلك المنهج فكانت تقول: "ان الصهيونية تطمح إلى إقامة وطن قومي آمن للشعب اليهودي، وذلك في أرض إسرائيل". وقد انتخب المؤتمرون هرتزل رئيسًا للمنظمة الصهيونية العالمية. . وكذلك جرى انتخاب لجنة تنفيذية موسعة ومكونة من 15 عضوًا وأخرى مصغَّرة تتألف من خمسة أعضاء، وبعد انتهاء المؤتمر أدلى هرتزل بالتصريح التالي:
    "لو طلب إلي تلخيص ما حدث في مؤتمر بازل بجملة واحدة لقلت: إنني في بازل قد أسست الدولة الصهيونية. إن قولي هذا سيثير عواصف من الضحك والسخرية. ولكن العالم إن لم يشهد خلال السنوات الخمس القادمة قيام دولة إسرائيل، فإنه سيشهد حتمًا ذلك خلال الخمسين سنة القادمة". أي أن المؤتمر أنتهي إلى إنه يجب أن تقوم الدولة اليهودية في فلسطين ، وقد باشر هرتزل نشاطه العملي الهادف إلى إقامة دولة يهودية بالاتصال بالبارون موريس دي هيرش De Hirsch. وكان هذا البارون وعائلة روتشيلد يعتبرون من أوسع أغنياء العالم ثراء.

    هذا و قد عقدت أربع مؤتمرات صهيونية بعد مؤتمر بازل فكان المؤتمر الثاني في 1898م ، و الثالث في 1900م ، و الرابع في 1901م و الخامس في 1902م ، وفي هذا المؤتمر الخامس تم استبعاد يوغندا من تأسيس وطن قومي لليهود و أقرار فلسطين لتكون ذلك الوطن.

    و في الواقع أنه عندما تولى السلطان عبد الحميد الثاني الحكم الحكم عام 1876 م كانت أطماع الدول الأوروبية في الدولة العثمانية بلغت أوجهها ، و كان عليه وحده عبأ مواجهة هذه الأطماع ، و إيجاد مخرج للدولة منها ، و لكن أين له القوة على ذلك، و قد بلغت الدولة من الانحطاط قبل توليه الحكم ما بلغت .

    وهكذا فقد حاول اليهود التفاهم مع السلطان عبد الحميد الثاني حول توطين اليهود في فلسطين بل قد أرادوا شراء فلسطين كلها من السلطان عبد الحميد مستغلين في ذلك ضعف الدولة العثمانية ، و ديونها الكثيرة ، وكان أول اتصال بين "هرتزل" رئيس الجمعية الصهيونية، والسلطان عبد الحميد، بعد وساطة قام بها سفير النمسا في إستانبول، في (المحرم 1319 هـ = مايو 1901م)، وعرض هرتزل على السلطان توطين اليهود في فلسطين، وفي المقابل سيقدم اليهود في الحال عدة ملايين من الليرات العثمانية الذهبية كهدية ضخمة للسلطان، وسيقرضون الخزينة العثمانية مبلغ مليوني ليرة أخرى، وأدرك السلطان أن هرتزل يقدم له رشوة من أجل تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وبمجرد تحقيقهم لأكثرية سكانية سيطالبون بالحكم الذاتي، مستندين إلى الدول الأوروبية.. فأخرجه السلطان من حضرته بصورة عنيفة، و يقول السلطان عبد الحميد الثاني في مذكراته عن سبب عدم توقيعه على هذا القرار: "إننا نكون قد وقَّعنا قرارًا بالموت على إخواننا في الدين".

    وقال السلطان : ( إن ديون الدولة ليست عاراً عليها ، وإن بيت المقدس الشريف افتتحه سيدنا عمر رضي الله عنه ، ولست مستعداً أن أتحمل تاريخياً وصمة بيع الأراضي المقدسة لليهود ، وخيانة الأمانة التي كلفني المسلمون بالحفاظ عليها.. ليحتفظ اليهود بأموالهم ، فالدولة العلية لا يمكن أن تحتمي وراء حصون بنيت بأموال أعداء الإسلام).

    أما هرتزل فأكد أنه يفقد الأمل في تحقيق آمال اليهود في فلسطين، وأن اليهود لن يدخلوا الأرض الموعودة (فلسطين) طالما أن السلطان عبد الحميد قائمًا في الحكم مستمرًا فيه.

    فكررت الجمعية الصهيونية المحاولة مرة أخرى ، و اختارت (آمانويل قره صو ) المحامى اليهودي مؤسس المحفل الماسونى في مدينة سلانيك لمقابلة السلطان عبد الحميد ، و عرض مطالبهم عليه ، و بالفعل تم ذلك بتاريخ 17سبتمبر 1901م مقدما إليه عريضة يلتمس فيها منح اليهود منطقة ذات إدارة ذاتية في فلسطين ، وفي مقابل ذلك تقدم الجمعية الصهيونية قرضا لمدة غير محدودة قيمته 20 مليون ليرة ذهبية دون فائدة إلى خزينة الدولة ، و (5) ملايين ليرة ذهبية إلى خزينة السلطان الخاصة كهدية إلا أن السلطان عبد الحميد فور سماعه فحوى العريضة استشاط غضبا ، و طرد (قره صو ) ، و قال : " أنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهبا فلن اقبل أن ارض فلسطين ليست ملكي إنما هي ملك الأمة الإسلامية، و ما حصل عليه المسلمون بدمائهم لا يمكن أن يباع ، و ربما إذا تفتت امبراطوريتى يوما يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل".

    و لم يكتف السلطان بذلك و أنما أصدر عددا من الإيرادات السنية يحظر فيها على ولاته السماح لليهود شراء أراضي في فلسطين ، و استقرارهم فيها جاء في احد فرماناته " لا يسمح بإجراء ينتج عنه قبول اللاجئين اليهود المطرودين من كل بلد يترتب عليه إنشاء حكومة موسوية في القدس مستقبلا ......... لماذا نقبل في بلادنا من طردهم الأوربيون المتدنون و أخرجوهم من ديارهم ؟ نطلب إلى مقام الصدارة اتخاذ قرار عام في هذا الموضوع ".

    و لم يقتصر السلطان على الصدر الأعظم _ رئيس الوزراء - و أنما أصدر فرمانا موجها إلى السلطات العسكرية مباشرة يأمرهم فيه منع قبول اليهود أو إسكانهم في فلسطين .

    وقد نقل نيولنسكي وهو صديق للسلطان عبد الحميد وهيرتزل في نفس الوقت نص جواب السلطان عبد الحميد التالي : (إذا كان هيرتزل صديقك بقدر ما أنت صديقي فانصحه أن لا يتابع أبداً هذا الأمر لا أقدر أن أبيع ولو قدماً واحدة من البلاد لأنها ليست لي بل لشعبي. لقد حصل شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمه وغذاها فيما بعد بدمه أيضاً. وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منها. لقد حاربت كتيبتان من جيشنا في سورية وفلسطين وقتل رجالنا الواحد بعد الآخر لأن أحداً لم يقبل التسليم. وفضلوا أن يموتوا في ساحة القتال. الإمبراطورية التركية ليست لي وإنما لشعبي. لا أستطيع أبداً أن أعطي أحداً أي جزء منها).

    وقد حاول هرتزل طمأنة السلطان عبد الحميد الثاني فأرسل رسالة إلى السلطان في عام 1902م يوضح فيها أن اليهود سيجلبون الخير للدولة العثمانية من خلال أموالهم الوفيرة لا الشر كما يتوقع السلطان و لكن السلطان عبد الحميد رفض بشدة هرتزل مطالب هرتزل.

    و في عام 1902 تقدّم اليهود بعرضٍ مغرٍ للسلطان عبد الحميد يتعهّد بموجبه أثرياء اليهود بوفاء جميع ديون الدولة العثمانية و بناء أسطولٍ لحمايتها ، و تقديم قرضٍ بـ (35) مليون ليرة ذهبية لخزينة الدولة العثمانية المنهَكة ، إلا أن السلطان رفض العروض.

    وهكذا أدت مواقف عبد الحميد المتصلبة أمام المشروع الصهيوني إلى جعلهم يوقنون باستحالة تحقيقه طالما بقى على سدة الحكم و قد عبر هرتزل عن ذلك بقوله" : (لقد فقدنا الأمل في تحقيق آمال اليهود في فلسطين فاءلن اليهود لن يستطيعوا دخول الأرض الموعودة طالما ظل عبد الحميد قائما في الحكم مستمرا فيه ".

    وهكذا ظلت العلاقات بين اليهود والسلطان عبد الحميد حتى خلع السلطان 1909م علاقات عدائية بين الطرفين في مجملها . و من ثم كان خلع عبد الحميد، و تمزيق حكمه هدف و غاية لا يمكن الرجوع عنها ، و بناء على ذلك قام اليهود بدعم جمعية الأتحاد والترقي الماسونية المعادية للسلطان عبد الحميد حتى تمكن الأتحاديين من الأطاحة بالسلطان عبد الحميد في أنقلاب 1909م و فتحت أبواب فلسطين أمام اليهود بعد أن خلع عدوهم الشرس و كان ذلك خطوة مهمة للغاية في سبيل تهويد فلسطين .





    عبد الحليم عويس : دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية – مكتبة نداء الأيمان
    التعديل الأخير تم بواسطة Omarofarabia ; 26-Oct-2010 الساعة 07:53 PM

  6. #6
    كلتاوي فضي

    الحاله : Omarofarabia غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2007
    رقم العضوية: 448
    المشاركات: 706
    معدل تقييم المستوى : 117
    Array

    افتراضي رد: السلطان عبد الحميد المفترى عليه وقوى الشر التي تآزرت ضده

    شجاعة السلطان عبد الحميد الثانـي

    أورخان محمد علي

    السلطان عبد الحميد الثاني هو السلطان الرابع والثلاثون في دولة آل عثمان. جاء إلى الحكم في ظروف صعبة جدًّا؛ فالدولة كانت على حافة الانهيار جراء ضعفها الداخلي اقتصاديا وعسكريا وعلميا، ومن جراء الخطر الخارجي الذي كان يتمثل في اجتماع الدول القوية (مثل إنكلترة وروسيا وفرنسا والنمسا) عليها، ومحاولة كل منها ابتلاع قطع من أراضيها الواسعة الممتدة على ثلاث قارات. في مثل هذه الظروف القاسية استطاع هذا السلطان المحافظةَ على الدولة العثمانية ثلاثا وثلاثين سنة (1876-1909م) بأقل الخسائر، وحال دون انهيارها، وقام بحملة كبيرة في ساحة التعليم وبناء المدارس والكليات. ولكن من جاء بعده من الاتحاديين فتّتوا الدولة العثمانية وبعْثروا أشلاءها في عشر سنوات فقط.

    كان عبقريا في السياسة وفي إدارة الدولة حتى قال جمال الدين الأفغاني وهو يصف سياسة السلطان عبد الحميد: "إن السلطان عبد الحميد لو وزن مع أربعة من نوابغ رجال العصر لرجحهم ذكاء ودهاء وسياسة، خصوصا في تسخير جليسه. ولا عجب، إذ رأيناه يذلل ما يقوم لملكه من الصعاب من دول الغرب ويخرج المناوئ له من حضرته راضيا عنه وعن سيرته وسيره، مقتنعا بحجته"، و"رأيته يعلم من دقائق الأمور السياسية ومرامي الدول الغربية وهو معدّ لكل هوة تطرأ على الملك مخرجا وسلّما. وأعظم ما أدهشني ما أعد من خفي الوسائل وأمضى العوامل كي لا تتفق أوروبا على عمل خطير في الممالك العثمانية، ويريها عيانا محسوسا أن تجزئة السلطنة العثمانية لا يمكن إلا بخراب الممالك الأوروبية بأسرها".

    تعرض هذا السلطان العظيم إلى العديد من الافتراءات الظالمة من قبل أعدائه؛ من أهمها أنه "كان سلطانا ظالما قتل العديد من خصومه"، و"كان كثير الوساوس وعلى خوف دائم على حياته وعلى عرشه، لذا قام ببث العيون والجواسيس في طول البلاد وعرضها". وسنتناول في مقالنا هذا تهمة الجبن. أما أنه بث العيون والجواسيس، فنقول لمن لم يدقق التاريخ العثماني ولا سيما في أدواره الأخيرة إن إسطنبول عاصمةَ الدولة العثمانية كانت تعجّ آنذاك بجواسيس الدول الكبرى، وقد نجحت هذه الدول في تدبير المؤامرات والانقلابات حتى في القصر السلطاني. مثلا استطاعت إنكلترة وفرنسا تدبير انقلاب على السلطان عبد العزيز (عمّ السلطان عبد الحميد). لذا كان من الطبيعي قيام السلطان عبد الحميد بتشكيل مؤسسة استخبارية تقاوم وتناضل ضد الألاعيب والمؤامرات التي كانت هذه الدول الكبرى تدبرها ضد الدولة العثمانية. هل كان المتوقع من هذا السلطان أن يترك دولته في مهب الريح طعمة للمؤامرات؟!

    المدقق لحياة السلطان عبد الحميد يتوصل إلى أن هذا السلطان كان شجاعا رابط الجأش أمام المخاطر التي كانت تطير بألباب الرجال. أي يتوصل إلى عكس تهمة الجبن التي حاول أعداؤه إلصاقها به..
    ويكفي أن نورد هنا حادثتين تاريخيتين في هذا الصدد:

    1-حادثة الزلزال الكبير
    لنَنْقل وصفًا لهذا الزلزال الذي سجّل في التاريخ التركي تحت اسم "الزلزال الكبير" (6 محرم 1312هـ - 10/7/1893م) من المؤرخ التركي حامي دانشماند، يقول: "إن هذا الزلزال الهائل الذي كان متوجهًا من الجنوب إلى الشمال والذي استمر دقيقة واحدة تقريبًا –كما ذكرت جريدة "ترجمان الحقيقة" في نسختها الصادرة في اليوم الثاني للزلزال- قد أدّى إلى تلف وتخريبات كبيرة، فقد تهدم كثير من الجوامع والمنائر والمدارس ومراكز الشرطة وأرصفة الموانئ والمباني الرسمية والخانات(1) والدكاكين والبيوت، كما أصبحت بنايات كثيرة معرضة للسقوط وخطرة على الناس، لذلك فقد هدمت من قِبل الحكومة. وكان معظم الذين ماتوا في هذه الحادثة هم الذين بقوا تحت الأنقاض؛ فمثلا في منطقة الـ"سراجخانة" قُتل خمسة أطفال من طلاب مدرسة ابتدائية، كما مات بعض المارة عندما سقط عليهم جدار. وكان عدد الجرحى أكثر من عدد القتلى، وقد نُقلوا مباشرة إلى المستشفيات للعلاج. وكلّف السلطان فورًا –بوساطة ياوَرِِِه- وزارةَ الداخلية ورئاسة البلدية ورئاسة الصحّة بإبداء المعونة والمساعدة الفورية، وبفتح سجل بجمع التبرعات حيث بلغ مجموع ما جمع من التبرّعات في خمسة أشهر وتسعة عشر يومًا (أي حتى 29 من جمادى الآخر المصادف ليوم الجمعة 28/12) 82874 ليرة ذهبية عثمانية، علمًا بأن القسم الأعظم من هذا المبلغ دفع من قِبل السلطان عبد الحميد".(2)

    ويصف شاهد آخر هذا الزلزال، وهو الشاعر التركي المعروف عبد الحق حامد، فيقول: "كنت آنذاك على باخرة "الشركة الخيرية"، وبعد أن اجتازت الباخرة "بشكتاش"(3) واقتربتْ من الجسر، رأينا فجأة منظرًا غريبًا كاد يفقدنا عقولنا!.. كانت البيوت تتهدم والسقوف تنهار والمنائر تهوى وتتحطم... لم نكن ندري ما الأمر، وأخيرًا صاح أحدهم: إنه الزلزال. عند ذلك توضّحت لنا المسألة؛ كان الزلزال عنيفًا إلى درجةٍ حسبنا أن القيامة قد قامت".(4)

    في ذلك اليوم كان السلطان عبد الحميد في قصر "يِلْدِز" جالسًا في صالون استقبال المهنّئين بالعيد تحت "ثريا" تزن عدة أطنان، يستقبل المهنئين من السفراء وحوله كبار الضبّاط والوزراء ورجال الدولة... وفجأة وقع الزلزال العنيف وبدأ الناس يتراكضون وعمت الفوضى كل مكان. حتى إن الضبّاط تراكضوا إلى النوافذ القريبة يكسرون الزجاج بأعقاب أحذيتهم العسكرية لكي يُلقوا بأنفسهم إلى الحديقة، وبدأت الثريّا الكبيرة المعلقة في السقف تتأرجح بقوة وعنف كبندول الساعة.

    كان السلطان الشخص الوحيد المتمالك لأعصابه، إذ لم يقم ولم يتحرك من مكانه بل بقي هادئًا وقورًا الوقار اللائق بخليفة المسلمين، تتحرك شفتاه بتلاوة بعض آيات من القرآن الكريم.
    هذا المشهد الهائل الذي لم يتمالك معه الضباط –الذين خاضوا الحروب وواجهوا الموت فيها- من ضبط أنفسهم فاستسلموا للهرب للنجاة بأنفسهم.. لم يهتزّ السلطان ولم يفقد أعصابه أمام هذا المشهد، بل واجهه بأعصاب ثابتة وبرباطة جأش عجيب.

    2- حادثة القنبلة
    في 21/7/1905م حدثت محاولة لاغتيال السلطان، وذلك بوضع 80 كغم من المتفجرات مع 20 كغم من قطع الحديد في مركبة أُوقفتْ في فناء الجامع الذي كان يصلي فيه السلطان أيام الجمع، ووقّتت القنبلة بحيث تنفجر في الوقت الذي يخرج فيه السلطان من الجامع. وقد تأخر السلطان في الخروج قليلًا، فانفجرت القنبلة –والسلطان بعدُ في المسجد- مُحْدثة دويًّا هائلًا تردد صداه من أقصى إسطنبول إلى أقصاها. قُتل في هذا الانفجار 26 شخصًا وجُرح 58 ونفقت ما يقارب العشرين من الخيول. في هذا الموقف الرهيب الذي ساد فيه الهَرْج والمرْج وتراكض الضبّاط والجنود والناس خوفًا وهلعًا يريدون النجاة بأنفسهم، بقي السلطان هادئًا وساكنًا، ثم مشى –بعد أن أصدر بعض الأوامر- إلى عربته حيث قادَها بنفسه بين هتاف الناس له.

    جرَتْ هذه المحاولة بعدما أيقن الأرْمن بأن السلطان عبد الحميد لن يطبّق البند الوارد في معاهدة "برلين" –التي اضطر السلطان على التوقيع عليها- حول الامتيازات والمؤسسات الضرورية التي طلبتها الدول الأوروبية الكبرى من الدولة العثمانية لتأسيس حكم ذاتي مستقل للأرمن مع أنهم كانوا أقلّية في الدولة العثمانية.
    كانت خطة الأرمن هي اغتيال السلطان أولاً ثم نسف مقر الحكومة العثمانية، أي نسف الباب العالي وجسْر غَلَطَة والبنك العثماني وسفارات بعض الدول الأوروبية في إسطنبول لإشاعة فوضى كبيرة فيها لفسح المجال لتدخل الدول الأوروبية.

    كان القائم بهذه المحاولة –التي وضعت تفاصيلها في مدينة "صوفيا"- أرمنيًا من منظمة "طشناق" من باكو اسمه "كريستوفر ميكاليان"، حيث قام كريستوفر لتنفيذ العملية بالاتصال مع فوضوي بلجيكي مختص بصنع القنابل الموقوتة اسمه "أدوارد جوريس". وقد صنعت العربة التي وضعت فيها المتفجرات في الخارج، وأدخلت أجزاؤها إلى إسطنبول قطعة قطعة ومن أماكن متفرقة.

    وبعد الحادثة تم القبض على أدوارد جوريس وعلى بعض أعوانه، وقد اعترف في المحكمة التي حضرها السفير البلجيكي أيضا بأنه قام بهذه العملية، وحكم عليه بالإعدام. ومع أنه حاول الانتحار في سجنه إلا أنه لم يفلح. أما السلطان "الظالم!" فقد عفا عنه وأمر بإخراجه خارج الحدود، لأنه لم يكن يرغب في توقيع عقوبة الإعدام على أحد.(5)

    يصف "الأميرال هنري وودس" في مذكراته هذه الحادثة فيقول: "لم أكن بعيدًا عن السلطان.. في هذه الأثناء فرْقع دوي كصوت عدة مدافع، واهتزّت الأرض تحت قدمي وكأنها تريد الإطاحة بي، ذهلت من رباطة جأش السلطان، وفجأة شاهدت العديد من الأشخاص الذين هرْولوا داخل جامع "يِلدِز" والدماء تنـزف من وجوههم وأياديهم، حسبت لأول وهلة أن قنبلة يدوية ألقيَت على السلطان، ولكنني عندما نظرت إلى فناء الجامع الذي كان السلطان يركّز نظره عليه، ارتعشتُ من الدهشة؛ كان الفناء كأنه ساحة حرب دمرتها المدافع، فهناك تناثرت أجساد الخيول وقطع الأخشاب والعربات التي تمزقت شرّ ممزق وأجساد السائسين المساكين الراقدة دون حياة... وعلى بُعد مترين لاحظت جاويشًا يحاول تغطية جسد ضابط كبير خر صريعًا بإحدى الشظايا.

    وما إن سُمع الدوي حتّى أسرعت كوكبة من الفرسان إلى مكان الحادثة وبأيديهم السيوف المشهرة، ولكنها قفلت راجعة عندما تلقّى آمرها إشارة السلطان بالرجوع. وبعد قليل عرف الجميع مدنيّين وعسكريين بأن السلطان سليمٌ معافًى، فلم يتمالكوا أنفسهم –أتراكًا وأجانب، مدنيين وعسكريين- من الفرح وبدأوا بالهتاف "عاش السلطان، عاش السلطان" وانشغل عبد الحميد مدة دقيقة أو دقيقتَين بإعطاء الأوامر لبعض كبار الضباط، ثم توجه إلى عربته بكل هدوء ورباطة جأش. وكعادته فإنه قادها بنفسه، وكانت تقاطيع وجهه في غاية الهدوء. وهكذا ترك الجامع وذهب إلى القصر. وأصيبت إحدى المتفرجات،(6) كما جرح كثير من المتفرجين بسبب تناثر عظام الخيول الموجودة في مكان الحادث. وسقط فخذ حصان أمام المكان المخصص للسفراء كما تحطم زجاج ساعة برج القصر، وفتحت فتحات كبيرة في أعلى الجامع، وتحطم زجاج نوافذه مما أدى إلى جرح الكثيرين، كما تضرر داخلُ المسجد بشكل كبير".(7)

    يقول رئيس الكتاب "تَحسين باشا" في مذكراته بعد شرح الحادثة: "ماذا شعر السلطان آنذاك؟ لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال، ولكن لا يستطيع أحد الإنكار بأنه أبدى شجاعة خارقة... ولم يُظهر أي نوع من أنواع الانفعال، أو الخوف، واكتفى بسؤال: ماذا هناك؟. وعندما اقترب من عربته ورأى الاضطراب والهلع هتف بهم بصوته الجهوري: "لا تخافوا!.. لا تخافوا!".(8)
    وقد نظم أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة،(9) مهنّئا الخليفة الذي نجا من الموت بعد إلقاء قذيفة عليه، في سبتمبر 1905م، قال فيها:



    نَجاة
    هنيئًا أميرَ المؤمنين، فإنما
    نجاتك للدين الحنيف نجاةُ
    هنيئًا لطه، والكتابِ، وأمةٍ
    بقاؤك إبقاءٌ لها وحياة
    أخذتَ على الأقدار عهدًا ومَوثقًا
    فلستَ الذي ترقى إليه أذاةُ
    ومَن يك في بُرد النبي وثوبه
    تجُزْه إلى أعدائه الرَّمَياتُ
    يكاد يسير البيتُ شكرًا لربّه
    إليك، ويسعى هاتفًا عرفاتُ
    وتستوهبُ الصفحَ المساجدُ خُشّعًا
    وتبسُط راحَ التوبةِ الجُمُعاتُ
    وتَستَغفِرُ الأَرضُ الخَصيبُ وَما جَنَتْ
    وَلَكِن سَقاها قاتِلونَ جُناةُ
    وَتُثني مِنَ الجَرحَى عَلَيكَ جِراحُهُمْ
    وَتَأتي مِنَ القَتلى لَكَ الدَعَواتُ
    ضَحِكتَ مِنَ الأَهوالِ ثُمَّ بَكَيتَهُمْ
    بِدَمعٍ جَرَت في إِثرِهِ الرَحَماتُ
    تُثابُ بِغاليهِ وَتُجزى بِطُهرِهِ
    إِلى البَعثِ أَشْلاءٌ لَهُمْ وَرُفاتُ
    وَما كُنتَ تُحييهِمْ فَكِلهُمْ لِرَبِّهِمْ
    فَما ماتَ قَومٌ في سَبيلِكَ ماتوا
    رمَتهم بسَهم الغدر عند صلاتهم
    عصابةُ شرٍّ للصلاة عُداةُ
    تَبرَّأ عيسى منهمُ وصِحابِه
    أأتباعُ عيسى ذي الحَنان جُفاةُ؟
    يُعادونَ دِينًا، لا يعادون دَولةً
    لقَد كذِبَت دَعوى لهم وشَكاةُ
    وَلا خَيرَ في الدُنيا وَلا في حُقوقِها
    إِذا قيلَ طُلّابُ الحُقوقِ بُغاةُ
    بأي فؤادٍ تَلتقي الهَولَ ثابتًا
    وما لقلوب العالَمِين ثباتُ؟
    إذا زُلزلت من حولك الأرضُ، رادَها
    وَقارُك حتى تَسكُن الجنباتُ
    وَإِن خَرَجَت نارٌ فَكانَت جَهَنَّمًا
    تُغَذَّى بِأَجسادِ الوَرى وَتُقاتُ
    وَتَرتَجُّ مِنها لُجَّةٌ وَمَدينَةٌ
    وَتَصلى نَواحٍ حَرَّها وَجِهاتُ
    تَمَشَّيتَ في بُردِ الخَليلِ فَخُضتَها
    سَلامًا وَبَرْدًا حَولَكَ الغَمَراتُ
    وَسِرتَ وَمِلءُ الأَرضِ حولَك أَدرُعٌ
    وَدِرعُكَ قَلبٌ خاشِعٌ وَصَلاةُ
    ضَحوكًا وَأَصنافُ المَنايا عَوابِسٌ
    وَقورًا وَأَنواعُ الحُتوفِ طُغاةُ
    يَحوطُكَ إِن خانَ الحُماةَ انتِباهُهُمْ
    مَلائِكُ مِن عِندِ الإِلَهِ حُماةُ
    تُشيرُ بِوَجهٍ أَحمَدِيٍّ مُنَوِّرٍ
    عُيونُ البَرايا فيهِ مُنحَسِراتُ
    يُحَيِّي الرَّعايا وَالقَضاءُ مُهَلِّلٌ
    يُحَيّيهِ وَالأَقدارُ مُعتَذِراتُ
    نَجاتُكَ نُعمى لِلإِلَهِ سَنِيَّةٌ
    لَها فيكَ شُكرٌ واجِبٌ وَزَكاةُ
    فَصَيِّرْ أَميرَ المُؤمِنينَ ثَناءَها
    مَآثِرَ تُحْيِي الأَرضَ وَهْيَ مَواتُ
    إِذا لَم يَفُتنا مِن وُجودِكَ فائِتٌ
    فَلَيسَ لآمالِ النُفوسِ فَواتُ
    بَلَوناكَ يَقظانَ الصَّوارِمِ وَالقَنا
    إِذا ضَيَّعَ الصيدَ المُلوكَ سُباتُ
    سَهِرتَ وَلَذَّ النَّومُ وَهْوَ مَنِيَّةٌ
    رَعايا تَوَلاّها الهَوى وَرُعاةُ
    فَلَولاكَ مُلكُ المُسلِمينَ مُضَيَّعٌ
    وَلَولاكَ شَملُ المُسلِمينَ شَتاتُ
    لَقَد ذَهَبَت راياتُهُمْ غَيرَ رايَةٍ
    لَها النَصرُ وَسْمٌ وَالفُتوحُ شِياتُ
    تَظَلُّ عَلى الأَيّامِ غَرّاءَ حُرَّةً
    مُحَجَّلَةً في ظِلِّها الغَزَواتُ
    حَنيفِيَّةٌ قَد عَزَّها وَأَعَزَّها
    ثَلاثونَ مَلْكًا فاتِحونَ غُزاةُ
    حَماها وَأَسماها عَلى الدَّهرِ مِنهُمُ
    مُلوكٌ عَلى أَملاكِهِ سَرَواتُ
    غَمائِمُ في مَحْلِ السِّنينِ هَواطِلٌ
    مَصابيحُ في لَيلِ الشُّكوكِ هُداةُ
    تَهادَت سَلامًا في ذَراكَ مَطيفَةً
    لَها رَغَباتُ الخَلقِ وَالرَّهَباتُ
    تَموتُ سِباعُ الجَوِّ غَرثى حِيالَها
    وَتَحيا نُفوسُ الخَلقِ وَالمُهَجاتُ
    سَنَنتَ اعتِدالَ الدَّهرِ في أَمرِ أَهلِهِ
    فَباتَ رَضِيًّا في ذَراكَ وَباتوا
    فَأَنتَ غَمامٌ وَالزَّمانُ خَميلَةٌ
    وَأَنتَ سِنانٌ وَالزَّمانُ قَناةُ
    وَأَنتَ مِلاكُ السِّلمِ إِنْ مادَ رُكنُهُ
    وَأَشفَقَ قُوّامٌ عَلَيهِ ثِقاتُ
    أَكانَ لِهَذا الأَمرِ غَيرُكَ صالِحٌ
    وَقَد هَوَّنَتهُ عِندَكَ السَّنَواتُ
    وَمَن يَسُسِ الدُّنيا ثَلاثينَ حِجَّةً
    تُعِنهُ عَلَيها حِكمَةٌ وَأَناةُ
    مَلَكتَ أَميرَ المُؤمِنينَ ابنَ هانِئٍ
    بِفَضلٍ لَهُ الأَلبابُ مُمتَلَكاتُ
    وَمازِلتُ حَسّانَ المَقامِ وَلَم تَزَل
    تَليني وَتَسري مِنكَ لِي النَّفَحاتُ
    زَهِدتُ الَّذي في راحَتَيكَ وَشاقَني
    جَوائِزُ عِندَ اللهِ مُبتَغَياتُ
    وَمَن كانَ مِثلي أَحمَدَ الوَقتِ لَم تَجُز
    عَلَيهِ وَلَو مِن مِثلِكَ الصَّدَقاتُ
    وَلي دُرَرُ الأَخلاقِ في المَدحِ وَالهَوى
    وَلِلمُـتَـنَـبّي دُرَّةٌ وَحَصاةُ
    نَجَت أُمَّةٌ لَمّا نَجَوتَ وَدُورِكَتْ
    بِلادٌ وَطالَت لِلـسَريرِ حَياةُ
    وَصينَ جَلالُ المُلكِ وَامتَدَّ عِزُّهُ
    وَدامَ عَلَيهِ الحُسنُ وَالحَسَناتُ
    وَأُمِّنَ في شَرقِ البِلادِ وَغَربِها
    يَتامى عَلى أَقواتِهِم وَعُفاةُ
    سَلامِيَ عَن هَذا المَقامِ مُقَصِّرٌ
    عَلَيكَ سَلامُ اللهِ وَالبَرَكاتُ

المواضيع المتشابهه

  1. احكام التصوير والصور
    بواسطة ابومحمد في المنتدى عالم الأحكام الفقهية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 24-Feb-2008, 09:46 PM
  2. المسابقة القرآنية ( أسئلة وأجوبة)
    بواسطة أبوأيمن في المنتدى القرآن الكريم وعلومه
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 18-Jan-2008, 12:58 AM
  3. الإسلام يتحدى
    بواسطة يوسف ( أبومحمد) في المنتدى المكتبة العلمية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-Nov-2007, 03:06 PM
  4. كتاب البرهان المؤيد للامام الرفاعي
    بواسطة الحنفي1900 في المنتدى المكتبة العلمية
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 30-Aug-2007, 07:51 PM
  5. لوصف الكامل لرسول الله
    بواسطة alubaid في المنتدى السنة النبوية وعلومها
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 25-Jun-2007, 08:57 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •