النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: وقفات في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة

  1. #1
    المشرف العام
    الصورة الرمزية أبوأيمن

    الحاله : أبوأيمن غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2007
    رقم العضوية: 3
    الدولة: أبوظبي
    الهواية: القراءة والتصفح
    العمر: 43
    المشاركات: 5,392
    معدل تقييم المستوى : 10
    Array

    وقفات في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة

    إن وطن المسلم الحقيقي عقيدته فحيثما عزّت العقيدة وازدهرت فثم الأهل والوطن وثم الدار والعشيرة وحيثما فقدت العقيدة وضمحلت ولم يبق لها حول ولاطول فلاقيمة لوطن ولاعشيرة ولاجوار بل لاقيمة للحياة كلها إذا فقدت العقيدة مكانها ولذلك تبرأ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرابة الكافرة فلم يبق الأب أباً ولاالأخ أخاً ولاالقريب قريباً مادامت مختلفة
    ومن أجل ذلك كانت الهجرة النبوية بحثاً عن القرابة الحقيقية وبحثاً عن الوطن الحقيقي لم تكن الهجرة بحد ذاتها رد فعل حفاظاً على الأجسام أن تصاب ولاعلى الأعراض أن تنال ولاعلى الأشخاص أن ينالهم الأذى لم تكن هروباً من الشدة ولافراراً من الأذى والعذاب والضنك والحرمان بل إن نبينا صلى الله عليه وسلم على استعداد تام أن يبقى هو وأصحابه في مكة وحماية الله ورعايته من فوقهم فالله هو من قال : والله يعصمك من الناس ولوعلم المصطفى أن هنالك في مكة أملاً ضئيلاً لظل في مكة ثابتاً لايتحرك ولكن أم القرى لم تكن في ذلك الظرف صالحة للدعوة الإسلامية بل ضيقت الخناق عليها وحاولت القضاء عليها فخرجت الدعوة باحثة عن أرض صالحة لها

    ويح قوم جفوا نبياً بأرض ألفته جنباتها والظباء
    وسلوه وحن جذع إليه وقلوه وودّه الغرباء
    أخرجوه منها وآواه غار وحمته حمامة ورقاء
    وكفته بنسجها عنكبوت ماكفته الحمامة الحصداء
    واختفى منهم على قرب مرآ ه ومن شدة القرب الخفاء
    ونحا المصطفى المدينة واشتا قت إليه من مكة الأنحاء


    فالهجرة النبوية كانت عبارة عن جسر عبرت منه الدعوة الإسلامية إلى الفسحة بعد الضيق

    ﴿إِلا تنصُروهُ فقدْ نصرَهُ اللهُ إِذْ أَخرجَهُ الذينَ كَفَروا ثانيَ اثنينِ إِذْ هُمَا في الغَارِ إِذْ يقولُ لصاحبِهِ لا تحزَنْ إِنَّ اللهَ معَنا فأنزلَ اللهُ سكينتَهُ عليهِ وأيَّدَهُ بجنودٍ لمْ تَرَوْهَا وجَعَلَ كلمةَ الذينَ كفَروا السُّفلى وكلمةَ اللهِ هيَ العُليَا واللهُ عزيزٌ حكيمٌ﴾ سورة التوبة/40

    وما اروع ان تقف لحظات تنظر في دروس الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة وننظر بعمق في فصول الهجرة ودروسها، ونتعلم منها جوانب مضيئة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي لم يخرج من مكة مهاجرا الى المدينة الا بعد ان اذن له الله عز وجل بذلك، وبعد ان صبر وتحمل واحتسب وعانى ماعاناه من البلايا والرزايا والاذى من اهله وذويه، ثم ممن حوله من الذين كرهوا ان تظهر كلمة الله عز وجل وان تكون كلمته سبحانه وتعالى هي العليا،وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
    ومن ينظر في قضية الهجرة النبوية الشريفة يلاحظ ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان متعلقا بمكة المكرمة .هذه المدينة الطيبة الطاهرة، وقد احبها وولد فيها، وعاش ونشأ وترعرع فيها ونزل عليه الوحي من الله في غار حراء بهذه المدينة ، والتي قال فيها رسول الله وهو يخرج منها مهاجرا قولته المشهورة” اللهم اخرجتني من احب البقاع الي فأسكني في احب البقاع اليك “

    نثر التراب على الرؤوس فكل علينه مثل قلبه عمياء
    ومضى نحو طيبة أطيب الخلق فطابت بطيبه الأرجاء
    كان صديقه الكبير أبو بكر رفيق إذ عزت الرفقاء
    واستكن البدر المنير بثور لم يضره من العدا عواء
    شرف الله غار ثور فنار الكهف منه واستشرقت سيناء


    .ولا شك ان الحبيب صلى الله عليه واله وسلم قد اكرمه الله بالهجرة من حرم الى حرم وكلا المدينتين ذات فضل وبركة وهما احب المدن الى الله تعالى، ثم الى رسوله، ففي الاولى كانت نشأته ، والثانية كانت اليها الهجرة وفيها مضجعه الاخير. وقد اختار الله الاولى مكانا لبيته والثانية لمسجد رسوله فحددهما وعينهما وامر الناس بالحج الى الاولى وبالهجرة الى الثانية فكانت في حياته صلى الله عليه واله وسلم قبل الفتح واجبة وصارت بعده مندوبة ، دعا للاولى ابراهيم عليه السلام، وللثانية اكرم ولده صلى الله عليه واله وسلم وجعل القلوب تهوي اليهما .ومكة المكرمة والمدينة المنورة مدينتان ضوعف اجر الصلاة فيهما، وشد الرحيل اليهما، وفي ماء الاولى وتراب الثانية وتمرها الشفاء وبعض اجزائها من الجنة، ويئس الشيطان ان يعبد فيهما ، وجعل رزقهما من ثمرات الارض، وحرم دخول الكفار اليهما، ومنع الدجال منهما، وجعلهما الله تعالى حرما آمنا، فحرم الصيد وتنفيره فيهما وحرم قطع الشجر والكلأ والتقاط لقطتهما وحمل السلاح للقتال وسفك الدماء فيهما، لا يختلى خلالهما ، ولا ينفر صيدهما ، ولا تلتقط لقطتهما .
    للملحد فيهما اشد العقوبة ولمن اذى اهلهما النكال، وهما اخر البلاد حرم على غير المسلمين غزوهما ومنعهما من الجبابرة
    ومع قدوم العام الهجري الجديد يعيش العالم الاسلامي في مناخ روحي متميز مع الذكرى التي تمثلها الهجرة النبوية الشريفة وما تضمنته من دروس وعبر متجددة تمثل املا في الخروج من هذا الواقع الاليم الى اوضاع اخرى افضل تمتد اثارها لتشمل كل نواحي حياة المسلمين، وهذه المناسبة هي بمثابة موسم يتكرر كل عام وهي مناسبة للتأمل والتدبر والوقوف مع النفس حيث تمر على الخاطر هذه التأملات في النفس الانسانية، وهي في حالة الصحة النفسية او الاضطراب النفسي.. فالاسلام دين حياة يضمن التوازن بين الدنيا والاخرة ويهتم المنظور الاسلامي بالجوانب الروحية والمادية في حياة الانسان . ويضمن تحقيق التوازن بينهما .وتركز تعاليم الدين الاسلامي على التنشئة السوية للانسان وغرس القيم والاخلاق القويمة التي تحقق السلوك السوي والاتزان النفسي، فالمسلم يجب ان يؤمن بالله وبالقدر خيره وشره ويجب ان يعبد الله ويذكره في كل المواقف .ان رسول الله يعلمنا الدروس في هجرته ولذلك فقد حرص عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ان يؤكد على قضية هامة” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي “ لانه القدرة ولانه الاسوة ولان هؤلاء الرجال اخذوا عنه، وهذا رب العالمين يأمرنا بطاعته” من يطع الرسول فقد اطاع الله “ ويقول عز وجل” اطيعوا الله واطيعوا الرسول “ ثم يجعله القدوة والاسوة” لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر “.ومن الواجب هنا ان نحرص كل الحرص على ان نستفيد من هذه المناسبة ونعود الى الله ونتوب توبة نصوحة ، فهذا رسول الله في غمار المعارك يثوب الى الله ويستغفر الله ويلجأ الى الله بالدعاء ويعلمنا ان نعود الى الله عز وجل وان العودة الى الله والتوكل عليه والايمان الكامل والصادق بان الامور كلها بيد الله، وان نتعلم ونحن نتابع هذه الدروس والاحداث ان الحب لرسول الله يبدأ من الاتباع والالتزام بكل ما جاء به الرسول وهذا التوجيه الرباني الواضح في ان حب الله عز وجل يبدأ ويتحقق باتباع الرسول

  2. #2
    كلتاوي الماسي
    الصورة الرمزية ابراهيم ابومحمد

    الحاله : ابراهيم ابومحمد غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2007
    رقم العضوية: 425
    المشاركات: 1,011
    معدل تقييم المستوى : 119
    Array

    افتراضي رد: وقفات في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة

    ششاخي ابوايمن
    موضوع قيم
    وقلم سيال
    ولمحات وقادة
    ومعان جديدة
    اشكرك من كل قلبي ونرجو المزيد

  3. #3
    كلتاوي الماسي
    الصورة الرمزية د.أبوأسامة

    الحاله : د.أبوأسامة غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jun 2007
    رقم العضوية: 165
    المشاركات: 2,033
    معدل تقييم المستوى : 127
    Array

    افتراضي رد: وقفات في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة

    [align=center]الأخ أبو أيمن
    موضوع رائع وماتع
    بارك الله فيك [/align]
    ومن دروس الهجرة النبوية الشريفة :
    1ـ درس في الهجرة :
    إن الهجرة بالمعنى الشرعي ليست مجرد الانتقال من بلد إلى آخر فحسب ، بل هي هجرة عامة عن كل ما نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، حتى يكون الدين كله لله .
    هجرة من الذنوب والسيئات ... هجرة من الشهوات والشبهات ... هجرة من مجالس المنكرات .
    2 ـ الصبر واليقين طريق النصر والتمكين :
    فبعد سنوات من الاضطهاد والابتلاء قضاها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة يهيأ الله تعالى لهم طيبة الطيبة ، ويقذف الإيمان في قلوب الأنصار ، ليبدأ مسلسل النصر والتمكين لأهل الصبر واليقين { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا} .
    3 ـ درس في التوكل على الله :
    لقد كانت رحلة الهجرةمليئة بالمخاطر فالسيوف تحاصره عليه الصلاة والسلام في بيته وليس بينه وبينها إلا الباب .. والمطاردون يقفون أمامه على مدخل الغار .. وسراقة الفارس المدجج بالسلاح يدنو منه حتى يسمع قراءته .. والرسول صلى الله عليه وسلم في ظل هذه الظروف العصيبة متوكل على ربه واثق من نصره .
    4 ـ درس في المعجزات الإلهية :
    هل رأيتم رجلاً أعزلاً محاصراً يخرج إلى المجرمين ويخترق صفوفهم فلا يرونه ويذر التراب على رؤوسهم ويمضي .. هل رأيتم عنكبوتاً تنسج خيوطها على باب الغار في ساعات معدودة .. هل رأيتم فريقاً من المجرمين يصعدون الجبل ويقفون على الباب فلا يطأطيء أحدهم رأسه لينظر في الغار .. هل رأيتم فرس سراقة تمشي في أرض صلبه فتسيخ قدماها في الأرض وكأنما هي تسير في الطين .. هل رأيتم شاة أم معبد الهزيلة يتفجر ضرعها باللبن .
    5 ـ درس في الحب :
    إن هذا الحب هو الذي جعل أبا بكر يقاوم السم وهو يسري في جسده يوم أن لدغ في الغار لأن الحبيب ينام على رجله .
    إن هذا الحب هو الذي أخرج الأنصار من المدينة كل يوم في أيام حارة ينتظرون قدومه صلى الله عليه وسلم على أحر من الجمر .
    6 ـ درس في التضحية والفداء :
    لقد سطر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صفحات مشرقة من التضحية بالأنفس والأموال لنصرة هذا الدين .. لقد هاجروا لله ولم يتعللوا بالعيال ولا بقلة المال فلم يكن للدنيا بأسرها أدنى قيمة عندهم في مقابل أمر الله وأمر ورسوله صلى الله عليه وسلم .
    فيوم أن بات علي في فراشه صلى الله عليه وسلم وغطى رأسه كان يعلم أن سيوف الحاقدين تتبادر إلى ضرب صاحب الفراش ، ويوم أن قام آل أبي بكر عبدالله وأسماء وعائشة ومولاه عامر بهذه الأدوار البطولية كانوا يعلمون أن مجرد اكتشافهم قد يودي بحياتهم .
    7 ـ درس في التخطيط واتخاذ الأسباب :
    لقد كان صلى الله عليه وسلم متوكلاً على ربه واثقاً بنصره يعلم أن الله كافيه وحسبه ، ومع هذا كله فإنه أعد خطة محكمة ثم قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان .
    فالقائد : سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والمساعد : سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، والفدائي : علي كرم الل وجهه ، والتموين : أسماء رضي الله عنها ، والاستخبارات : عبدالله رضي الله عنه، والتغطية وتعمية العدو : عامر ، ودليل الرحلة : عبدالله بن أريقط ، والمكان المؤقت : غار ثور ، وموعد الانطلاق : بعد ثلاثة أيام ، وخط السير : الطريق الساحلي .
    وهذا كله شاهد على حكمته صلى الله عليه وسلم ، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب .
    8 ـ درس في الإخلاص :
    ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنه ليس أحدٌ أمنُّ علي في نفسه وماله من أبي بكر "
    لكن السؤال هنا هو لماذا رفض صلى الله عليه وسلم أخذ الراحلة من أبي بكر إلا بالثمن ؟
    قال بعض العلماء : إن الهجرة عمل تعبدي فأراد عليه الصلاة والسلام أن يحقق الإخلاص بأن تكون نفقة هجرته خالصة من ماله دون غيره ( كنفقة الحج ، وزكاة الفطر ، وغيرها من الأعمال ) فإن الأولى أن تكون نفقتها من مال المسلم خاصة .
    9 ـ درس في التاريخ الهجري :
    التاريخ بالهجرة النبوية مظهر من مظاهر تميز الأمة المسلمة وعزتها . ويعود أصل هذا التأريخ إلى عهد عمر رضي الله عنه . فلما ألهم الله الفاروق الملهم أن يجعل للأمة تأريخاً يميزها عن الأمم الكافرة استشار الصحابة فيما يبدأ به التأريخ ، أيؤرّخون من مولده عليه الصلاة والسلام ؟ أم مبعثه ؟ أم هجرته ؟ أم وفاته ؟ .
    وكانت الهجرة أنسب الخيارات . أما مولده وبعثته فمختلف فيهما ، وأما وفاته فمدعاة للأسف والحزن عليه . فهدى الله تعالى الصحابة إلى اختيار الهجرة منطلقاً للتاريخ الإسلامي .

    كن كشجر الصنوبر يعطر الفأس الذي يكسره

  4. #4
    كلتاوي الماسي
    الصورة الرمزية ابراهيم ابومحمد

    الحاله : ابراهيم ابومحمد غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2007
    رقم العضوية: 425
    المشاركات: 1,011
    معدل تقييم المستوى : 119
    Array

    افتراضي رد: وقفات في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة

    مشكور اخي ابو اسامة على هذه الوقفات الرائعة

  5. #5
    مشرف
    الصورة الرمزية الخنساء

    الحاله : الخنساء غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2007
    رقم العضوية: 127
    المشاركات: 3,593
    معدل تقييم المستوى : 135
    Array

    افتراضي رد: وقفات في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة

    الأخ الفاضل أبو أيمن

    بارك الله فيك موضوع رائع

    ما اروع ان نقف لحظات ننظر في دروس الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة وننظر بعمق في فصول الهجرة ودروسها، ونتعلم منها جوانب مضيئة من حياة رسول الله والذي لم يخرج من مكة مهاجرا الى المدينة الا بعد ان اذن له الله عز وجل بذلك، وبعد ان صبر وتحمل واحتسب وعانى ماعاناه من البلايا والرزايا والاذى من اهله وذويه، ثم ممن حوله من الذين كرهوا ان تظهر كلمة الله عز وجل وان تكون كلمته سبحانه وتعالى هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
    ومن ينظر في قضية الهجرة النبوية الشريفة يلاحظ ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان متعلقا بمكة المكرمة .هذه المدينة الطيبة الطاهرة، وقد احبها وولد فيها، وعاش ونشأ وترعرع فيها ونزل عليه الوحي من الله في غار حراء بهذه المدينة ، والتي قال فيها رسول الله وهو يخرج منها مهاجرا قولته المشهورة” اللهم اخرجتني من احب البقاع الي فأسكني في احب البقاع اليك “.ولا شك ان الحبيب صلى الله عليه واله وسلم قد اكرمه الله بالهجرة من حرم الى حرم وكلا المدينتين ذات فضل وبركة وهما احب المدن الى الله تعالى، ثم الى رسوله، ففي الاولى كانت نشأته ، والثانية كانت اليها الهجرة وفيها مضجعه الاخير. وقد اختار الله الاولى مكانا لبيته والثانية لمسجد رسوله فحددهما وعينهما وامر الناس بالحج الى الاولى وبالهجرة الى الثانية فكانت في حياته صلى الله عليه واله وسلم قبل الفتح واجبة وصارت بعده مندوبة ، دعا للاولى ابراهيم عليه السلام، وللثانية اكرم ولده صلى الله عليه واله وسلم وجعل القلوب تهوي اليهما .ومكة المكرمة والمدينة المنورة مدينتان ضوعف اجر الصلاة فيهما، وشد الرحيل اليهما، وفي ماء الاولى وتراب الثانية وتمرها الشفاء وبعض اجزائها من الجنة، ويئس الشيطان ان يعبد فيهما ، وجعل رزقهما من ثمرات الارض، وحرم دخول الكفار اليهما، ومنع الدجال منهما، وجعلهما الله تعالى حرما آمنا، فحرم الصيد وتنفيره فيهما وحرم قطع الشجر والكلأ والتقاط لقطتهما وحمل السلاح للقتال وسفك الدماء فيهما، لا يختلى خلالهما ، ولا ينفر صيدهما ، ولا تلتقط لقطتهما .
    للملحد فيهما اشد العقوبة ولمن اذى اهلهما النكال، وهما اخر البلاد حرم على غير المسلمين غزوهما ومنعهما من الجبابرة .
    ومن القضايا المهمة التي لابد ان نتدبرها في قضية الهجرة ان الرجال الذين هاجروا معه والنساء الذين تبعوهم على الرغم من انهم كانوا قلة وضعفاء الا انهم كانوا اقوياء بايمانهم وصبرهم واحتسابهم . وقد اعانهم الله واكرمهم وكرمهم ورفع شأنهم .ومع قدوم العام الهجري الجديد يعيش العالم الاسلامي في مناخ روحي متميز مع الذكرى التي تمثلها الهجرة النبوية الشريفة وما تضمنته من دروس وعبر متجددة تمثل املا في الخروج من هذا الواقع الاليم الى اوضاع اخرى افضل تمتد اثارها لتشمل كل نواحي حياة المسلمين، وهذه المناسبة هي بمثابة موسم يتكرر كل عام وهي مناسبة للتأمل والتدبر والوقوف مع النفس حيث تمر على الخاطر هذه التأملات في النفس الانسانية، وهي في حالة الصحة النفسية او الاضطراب النفسي.. فالاسلام دين حياة يضمن التوازن بين الدنيا والاخرة ويهتم المنظور الاسلامي بالجوانب الروحية والمادية في حياة الانسان . ويضمن تحقيق التوازن بينهما .وتركز تعاليم الدين الاسلامي على التنشئة السوية للانسان وغرس القيم والاخلاق القويمة التي تحقق السلوك السوي والاتزان النفسي، فالمسلم يجب ان يؤمن بالله وبالقدر خيره وشره ويجب ان يعبد الله ويذكره في كل المواقف .ان رسول الله يعلمنا الدروس في هجرته ولذلك فقد حرص عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ان يؤكد على قضية هامة” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي “ لانه القدرة ولانه الاسوة ولان هؤلاء الرجال اخذوا عنه، وهذا رب العالمين يأمرنا بطاعته” من يطع الرسول فقد اطاع الله “ ويقول عز وجل” اطيعوا الله واطيعوا الرسول “ ثم يجعله القدوة والاسوة” لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر “.ومن الواجب هنا ان نحرص كل الحرص على ان نستفيد من هذه المناسبة ونعود الى الله ونتوب توبة نصوحة ، فهذا رسول الله في غمار المعارك يثوب الى الله ويستغفر الله ويلجأ الى الله بالدعاء ويعلمنا ان نعود الى الله عز وجل وان العودة الى الله والتوكل عليه والايمان الكامل والصادق بان الامور كلها بيد الله، وان نتعلم ونحن نتابع هذه الدروس والاحداث ان الحب لرسول الله يبدأ من الاتباع والالتزام بكل ما جاء به الرسول وهذا التوجيه الرباني الواضح في ان حب الله عز وجل يبدأ ويتحقق باتباع الرسول الكريم والنبي العظيم صلى الله عليه واله وسلم .

  6. #6
    المشرف العام
    الصورة الرمزية أبوأيمن

    الحاله : أبوأيمن غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2007
    رقم العضوية: 3
    الدولة: أبوظبي
    الهواية: القراءة والتصفح
    العمر: 43
    المشاركات: 5,392
    معدل تقييم المستوى : 10
    Array

    افتراضي رد: وقفات في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة

    الأخ أبو أسامة
    أخي طالب العلم
    الأخت الخنساء
    بارك الله فيكم وفي مروركم الطيب المفيد وجزاكم الله خيراً

  7. #7
    كلتاوي الماسي
    الصورة الرمزية د.أبوأسامة

    الحاله : د.أبوأسامة غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jun 2007
    رقم العضوية: 165
    المشاركات: 2,033
    معدل تقييم المستوى : 127
    Array

    افتراضي رد: وقفات في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة

    الهجرة همة في أعلى مراتبها، حيث نجد في كل عنصر من عناصر الهجرة وأشخاصها أكبر همة.

    ناهيك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنجده وهو مطارد مخرج يَعد "سراقة" بسواري كسرى.

    يقول محمد إقبال : (المؤمن الضعيف يتعلل بالقضاء والقدر، والمؤمن القوي هو قضاء الله وقدره في الأرض) .

    كيف نعلي همة أولادنا؟

    بذكر الرموز بذكر الصالحين أمثال: السيدة أسماء رضي الله عنها كيف كانت وهي صغيرة، وهي شابة السيدة عائشة رضي الله عنها وغيرهن.
    وهذا عبد الله بن الزبير رضي الله عنه لم يوسّع لُعمر بن الخطاب رضي الله عنه في الشارع وغيره وسّع فقال ليست الطريق ضيقة حتى أوسع لك ولست مذنباً حتى أخاف منك. ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين

    وأخيراً :يذكر أن إيزابيل بنت خوان ملك قنستالة نذرت ألا تخلع قميصها الداخلي حتى تتحرر قنستالة وتعود (غرناطة) من أيدي المسلمين فظلت كذلك 30 عاماً ويسمى (قميص إيزابيل العتيق ).
    همة عالية ولكن في العداء للمسلمين، وكانت ترهن مجوهراتها لتمويل الجنود ، وهي التي مولت رحلة كريستوف كولومبوس لاستكشاف أمريكا.

    كن كشجر الصنوبر يعطر الفأس الذي يكسره

  8. #8
    كلتاوي الماسي
    الصورة الرمزية د.أبوأسامة

    الحاله : د.أبوأسامة غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jun 2007
    رقم العضوية: 165
    المشاركات: 2,033
    معدل تقييم المستوى : 127
    Array

    افتراضي رد: وقفات في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة

    يقول الدكتور البوطي حفظه الله تعالى :
    إن الله عز وجل جعل قداسة الدين و العقيدة فوق كل شىء ’ فلا قيمة للأرض و الوطن و المال و الجاه إذا كانت العقيدة وشعائر الدين مهددة بالحرب و الزوال ’ ولذا فرض الله على عباده أن يضحوا بكل ذلك - إذا إقتضى الأمر - فى سبيل العقيدة و الإسلام .




    ولنعد الآن الى التأمل فيما سردناه من قصة هجرته صلى الله عليه وسلم لنستنبط منها الدلالات والأحكام الهامة لكل مسلم :

    1- من أبرز ما يظهر لنا من قصة هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ’ إستبقاؤه لأبى بكر رضى الله عنه دون غيره من الصحابة كى يكون رفيقه فى هذه الرحلة .
    وقد إستنبط العلماء من ذلك مدى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأبى بكر وأنه أقرب الصحابة إليه وأولاهم بالخلافة من بعده ’ ولقد عززت هذه الدلالات أموراً كيثرة أخرى مثل إستخلافه له فى الصلاة بالناس عند مرضه وإصراره على أن لا يصلى عنه غيره ’ ومثل قوله فى الحديث الصحيح : ( لو كنت متخذاً خليلاً لإتخذت أبا بكر خليلا ) .
    ولقد كان ابو بكر رضى الله عنه - كما رأينا - على مستوى هذه المزية التى أكرمه اله بها ’ فقد كان مثال الصاحب الصادق بل و المضحى بروحه وبكل ما يملك من أجل رسول الله صلى الله عليسه وسلم ’ ولقد رأينا كيف أبى إلا أن يسبق رسول الله فى دخول الغار كى يجعل من نفسه فداءاً له عليه الصلاة و السلام فيما إذا كان فيه سبع أو حية أو أى مكروه ينال الإنسان منه الأذى ’ ورأينا كيف جند أمواله وأولاده ومولاه وراعى أغنامه فى سبيل خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه الرحلة الشاقة الطويلة . ولعمرى إن هذا ما ينبغى أن يكون عليه شأن كل مسلم آمن بالله ورسوله ’ ولذا يقول رسول الله صلى اله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده و الناس أجمعين ) .

    2- قد يخطر فى بال المسلم أن يقارن بين هجرة عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وهجرة النبى صلى الله عليه وسلم ويتساءل : لماذا هاجر عمر علانية متحدياً المشركين دون أى خوف ووجل ’ على حين هاجر رسول الله مستخفياً محتاطاً لنفسه ؟ أيكون عمر ابن الخطاب أشد جرأة من النبى صلى الله عليه وسلم ؟
    والجواب ان عمر ابن الخطاب أو أى مسلم آخر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر تصرفه تصرفاً شخصياً لا حجة تشريعية فيه ’ فله أن يتخير من الطرق و الوسائل و الأساليب ما يحلو له وما يتفق مع قوة جرأته وإيمانه بالله تعالى ’ أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مشرّع ’ أى أن جميع تصرفاته المتعلقة بالدين تعتبر تشريعاً لنا ’ ولذلك كانت سنته هى المصدر الثانى من مصادر التشريع الإسلامى مجموع أقواله و أفعاله وصفاته وتقريره ’ فلو أنه فعل كما فعل عمر ’ لحسب الناس أن هذا هو الواجب ! ... وأنه لايجوز أخذ الحيطة و الحذر ’والتخفى عند الخوف ’ مع أن الله عز وجل أقام شريعته فى هذه الدنيا على مقتضى الأسباب و المسببات ’وإن كان الواقع الذى لا شك فيه أن ذلك بتسبيب الله تعالى و إرادته ’ لأجل ذلك استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الأسباب المادية التى يهتدى إليها العقل البشرى فى مثل هذا العمل ’ حتى لم يترك وسيلة من هذه الوسائل إلا إعتد بها واستعملها ’ فترك على ابن أبى طالب ينام فى فراشه ويتغطى ببرده ’ واستعان بأحد المشركين - بعد أن أمنه- ليدله على الطرق الفرعية التى قد لا تخطر فى بال الأعداء ’ وأقام فى الغار ثلاثة أيام متخفياً ’ إلى آخر ما عبأه من الإحتياطات المادية التى قد يفكر بها العقل ’ ليوضح بذلك أن الإيمان بالله عز وجل لا ينافى إستعمال الأسباب المادية التى أرادت حكمة الله تعالى أن تكون أسباباً .

    وليس قيامه بذلك بسبب خوف في نفسه ’ أو شك فى إمكان وقوعه فى قبضة المشركين قبل وصوله المدينة ’ والدليل على ذلك أنه عليه الصلاة و السلام بعد أن إستنفد الأسباب المادية كلها ’ وتحلق المشركون حول الغار الذى يختبىء فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه - بحيث لو نظر احدهم عند قدمه لأبصر الرسول صلى الله عليه وسلم - إستبد الخوف بابى بكر رضى الله عنه على حين كان يطمئنه عليه الصلاة و السلام قائلاً : ( يا أبا بكر : ما ظنك بإثنين الله ثالثهما ) ولقد كان من مقتضى إعتماده على كل تلك الإحتياطات أن يشعر بشىء من الخوف و الجزع فى تلك الحال .

    لقد كان كل ما فعله من تلك الإحتياطات إذاً وظيفة تشريعية قام بها ’ فلما إنتهى من أدائها ’ عاد قلبه مرتبطاً بالله تعالى معتمداً على حمايته وتوفيقه ’ ليعلم المسلمون أن الإعتماد فى كل أمر لا ينبغى أن يكون إلا على الله عز وجل ’ ولكن لا ينافى ذلك إحترام الأسباب التى جعلها الله فى هذا الكون أسباباً . ومن أبرز الأدلة على هذا الذى نقوله أيضاً ’ حالته صلى الله عليه وسلم عندما لحق به سراقة يريد قتله وأصبح على مقربة منه ’ لقد كان من مقتضى تلك الإحتياطات الهائلة التى قام بها أن يشعر بشىء من الخوف من هذا الذى يجد فى اللحاق به بل كان مستغرقاً فى قراءته ومناجاته ربه لأنه يعلم أن الله الذى أمره بالهجرة سيمنعه من الناس ويعصمه من شرهم كما بين فى كتابه المبين .

    3- وفى تخلف علىّ رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم فى أداء الودائع التى كانت عنده الى أصحابها دلالة باهرة على التناقض العجيب الذى كان المشركون واقعين فيه ’ ففى الوقت الذى كانوا يكذبونه ويرونه ساحراً أو مخادعاً لم يكونوا يجدون من حولهم من هو خير منه أمانة وصدقاً ’ فكانوا لا يضعون حوائجهم وأموالهم التى يخافون عليها إلا عنده ...! وهذا يدل على أن كفرانهم لم يكن بسبب الشك لديهم فى صدقه ’ وإنما هو بسبب تكبرهم واستعلائهم على الحق الذى جاء به وخوفاً على زعامتهم وطغيانهم .

    4- ثم إننا نلمح فى النشاط الذى كان يبذله عبد الله ابن أبى بكر رضى الله عنه ’ ذاهباً آيباً بين الغار ومكة ’ يتحسس الأخبار و ينقلها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيه ’ وفيما عمدت إليه أخته أسماء رضى الله عنها من الجد فى تهيىء الزاد و الراحلة واشتراكها فى إعداد العدة لتلك الرحلة - نلمح فى ذلك صورة مما يجب أن يكون عليه الشباب المسلم ذكوراً وإناثاً فى سبيل الله عز وجل ومن أجل تحقيق مبادىء الإسلام وإقامة المجتمع المسلم ’ فلا يكفى أن يكون الإنسان منطوياً على نفسه مقتصراً على عباداته ’ بل عليه ان يستنفد طاقاته وأوجه نشاطه كلها سعياً فى سبيل الإسلام ’ وتلك هى مزية الشباب فى حياة الإسلام و المسلمين فى كل زمن وعصر .
    وإذا تأملت فيمن كان حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إبان دعوته وجهاده ’ وجدت أن أغلبيتهم العظمى كانوا شباباً لم يتجاوزوا المرحلة الأولى فى عمر شبابهم ’ ولم يألوا جهداً فى تجنيد طاقاتهم وقوتهم من أجل نصرة الإسلام وإقامة مجتمعه .

    5- أمّا ما حدث لسراقة وفرسه وهو يلحق لبرسول الله صلى الله عليه وسلم فينبغى أن لا يفوتنا أنها معجزة خارقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إتفق أئمة الحديث على صحتها ونقلها وفى مقدمتهم البخارى ومسلم ’ فأضفها الى معجزاته الأخرى التى سبق الحديث عنها فيما مضى .

    6- ومن أبرز المعجزات الخارقة فى قصة هجرته عليه الصلاة و السلام خروجه صلى الله عليه وسلم من بيئته وقد أحاط به المشركون يتربصون به ليقتلوه ’ فقد علق النوم بأعينهم جميعاً حتى لم يحس به أحد منهم ’ وكان من تتمة السخرية بتآمرهم على حياته ما إمتلأت به رؤسهم من التراب الذى ألقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤوسهم إذ خرج من بينهم وهو يتلو قوله تعالى : ( وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) .
    لقد كانت هذ المعجزة بمثابة الإعلان لهؤلاء المشركين وغيرهم فى كل عصر ووقت ’ بأن ما قد يلاقيه الرسول وصحبه من ألوان الإضطهاد و العذاب على أيديهم مدة من الزمن فى سبيل دينه ’ لا يعنى أنه قد تخلى عنهم وأن النصر قد إبتعد عن متناولهم ’ فلا ينبغى للمشركين وعامة أعداء الدين أن يفرحوا ويستبشروا بذلك ’ فإن نصر الله قريب وإن وسائل هذا النصر توشك أن تتحقق بين كل لحظة وأخرى .

    7- وتكشف الصورة التى إستقبلت بها المدينة المنورة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مدى المحبة الشديدة التى كانت تفيض بها أفئدة الأنصار من أهل المدينة رجالاً و نساءاً وأطفالاً ’ لقد كانوا يخرجون كل يوم الى ظاهر المدينة ينتظرون تحت لفح الشمس وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ’ حتى إذا هبّ النهار ليدبر ’ عادوا أدراجهم ليعودوا إلى الإنتظار صباح اليوم التالى ’ فلما طلع الرسول عليهم جاشت العواطف فى صدورهم وانطلقت ألسنتهم تهتف بالقصائد و الأهازيج فرحاً لمرآه عليه الصلاة و السلام ومقدمه عليهم ’ ولقد بادلهم رسول الله صلى اله عليه وسلم نفس المحبة ’ حتى إنه جعل ينظر إلى ولائد بنى النجار من حوله ’ وهنّ ينشدنّ ويتغنين بمقدمه ’ قائلاً : أتحببننى ؟ والله إن قلبى ليحبكنّ .

    يدلنا كل ذلك أن محبة رسول اله صلى الله عليه وسلم ليست فى مجرد الإتباع له ’ بل المحبة له هى أساس الإتباع وباعثه ’ فلولا المحبة العاطفية فى القلب لما وجد وازع يحمل على الإتباع فى العمل .
    ولقد ضل قوم حسبوا أن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لها معنى إلا الإتباع و الإقتداء وفاتهم أن الإقتداء لا يأتى إلا بوازع ودافع ’ ولن تجد من وازع يحمل على الإتباع إلا المحبة القلبية التى تهز المشاعر وتستبد بالعواطف ’ ولذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مقياس الإيمان بالله إمتلاء القلب بمحبته صلى الله عليه وسلم ’ بحيث تغدو متغلبة على محبة الولد والوالد و الناس أجمعين ’ وهذا يدل على أن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنس محبة الولد و الوالد أى مصدر كل منهما العاطفة و القلب وإلا لم تصح المقارنة و التفضيل بينهما .

    8- أما الصورة التى رأيناها فى مقامه صلى الله عليه وسلم عند أبى أيوب الأنصارى فى منزله ’ فتكشف لنا مظهر آخر من مظاهر محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه والسلام له .
    والذى يهمنا من ذلك هنا ’ هو التأمل فى تبرك أبو أيوب وأم أيوب ’ بآثار أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قطعة الطعام ’ حينما كان يرد عليهما فضل طعامه ’ إذاً فالتبرك بآثار النبى صلى الله عليه وسلم مشروع قد أقره صلى الله عليه وسلم .

    وقد روى البخارى ومسلم صوراً كثيرة من تبرك الصحابة بآثار النبى صلى الله عليه وسلم و التوسل بها للإستشفاء أو العناية و التوفيق وما شابه ذلك .
    من ذلك ما رواه البخارى فى كتاب اللباس ’ فى باب ما يذكر فى الشيب ’ من أن أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم كانت تحتفظ بشعرات من شعر النبى صلى الله عليه وسلم فى جلجل لها ( ما يشبه القارورة يحفظ فيه ما يراد صيانته ) فكان إذا أصاب أحد من الصحابة عين أو أذى أرسل إليها إناء فيه ماء ’ فجعلت الشعرات فى الماء ’ ثم أخذوا الماء يشربونه توسلا للإستشفاء و التبرك به.

    ومن ذلك ما رواه مسلم فى كتاب الفضائل باب ( طيب عرقه صلى الله عليه وسلم ) أنه عليه الصلاة و السلام كان يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست هى فى البيت ’ فجاء ذات يوم فنام على فراشها ’ فجاءت أم سليم وقد عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش ففتحت عتيدها فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره فى قواريرها ’ فأفاق النبى صلى الله عليه وسلم فقال: ما تصنعين يا أم سليم ؟ فقالت يارسول الله : نرجو بركته لصبياننا ’ قال : أصبت )
    ومن ذلك ما جاء فى الصحيحين من إستباق الصحابة إلى فضل وضوئه صلى الله عليه وسلم و التبرك بالكثير من آثاره كألبسته و القدح الذى كان يشرب به .

    فإذا كان هذا شأن التوسل بآثاره المادية فكيف بالتوسل بمنزلته عند اللع عز وجل وكيف بالتوسل بكونه رحمة للعالمين ؟
    ولا يذهبن بك الوهم إلى أننا نقيس التوسل على التبرك ’وأن المسألة لا تعدو أن تكون إستدلالا بالقياس ’ فإن التوسل و التبرك كلمتان تدلان على معنى واحد وهو إلتماس الخير و البركة عن طريق المتوسل به . وكل من التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم عند الله و التوسل بآثاره أو فضلاته أو ثيابه ’ أفراد وجزئيات داخلة تحت نوع شامل هو مطلق التوسل الذى ثبت حكمه بالأحاديث الصحيحة ’ وكل الصور الجزئية له يدخل تحت عموم النص بواسطة ما يسمى ب ( تنقيح المناط ) عند علماء الأصول . اهـ
    فقه السيرة النبوية للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ـ حفظه الله تعالى ـ.


    التعديل الأخير تم بواسطة د.أبوأسامة ; 17-Jan-2008 الساعة 07:49 PM

    كن كشجر الصنوبر يعطر الفأس الذي يكسره

  9. #9
    كلتاوي الماسي
    الصورة الرمزية فياض العبسو

    الحاله : فياض العبسو غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2007
    رقم العضوية: 119
    الدولة: حلب
    الهواية: دينية أدبية تاريخية
    السيرة الذاتيه: طالب علم
    العمل: مدرس
    المشاركات: 2,900
    معدل تقييم المستوى : 132
    Array

    افتراضي رد: وقفات في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة

    دروس من الهجرة
    فياض العبسو

    الحمد لله ، حفظ موسى في التابوت ، وحفظ يونس في بطن الحوت ، وحفظ محمداً بخيوط العنكبوت ، سبحانه هو الحي الذي لا يموت ، والإنس والجن يموتون ، وأما بعد:
    فقد قال الله تعالىإلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم) 0
    في تاريخنا الإسلامي المجيد ... أحداث جسام ومناسبات عظيمة ... كانت نقطة تحول وانطلاق لهذه الأمة نحو بناء الدولة المسلمة وتأسيس المجتمع المسلم ... ولعل أهمها على الإطلاق هو حدث الهجرة الشريفة ...
    التي غيرت مجرى التاريخ ونظام الحياة ، وأسست أمة وأقامت دولة وصنعت التاريخ وحقوق الإنسان ...
    بل هي العمود الفقري لهذه الأمة ... وذلك لأنها كانت قوة بعد ضعف ، وكثرة بعد قلة وكانت نصراً ولم تكن هزيمة ، نصراً للحق العتيد ، وقبراً للباطل العنيد ... فقد كانت الهجرة مقدمة لمعركة بدر الحاسمة وفتح مكة الأعظم ... ولم تكن الهجرة بقصد الراحة والدعة ، بل كانت لتأسيس مجتمع مثالي فاضل ، قوي ومتماسك ، وتكوين جيل فريد وأنموذج يحتذى ، ويكون قدوة لغيره من الأمم والشعوب ، وإقامة دولة عادلة نشرت العدل والأمن والسلام في جنبات الكون ...
    في مكة بنى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، الفرد المؤمن والإنسان السوي ، وفي المدينة بنى المسجد والمجتمع وأسس الدولة الفاضلة وكون جيلاً فريداً ...
    الهجرة انتقال من بلد لم يتقبل أهله النور ، الى بلد عشق أهله هذا النور، وتقبلوه بقبول حسن ،
    ويا لفرحتهم ويا لسعادتهم وهم يستقبلون القادم الكريم ، وينشدون:
    طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
    وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
    أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
    جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع
    ولذلك اتخذها المسلمون مبتدأ لتاريخهم الإسلامي المجيد ، في خلافة فاروق الإسلام العبقري الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وبرأي سديد من سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
    دروس من الهجرة الشريفة:
    1 ــ الصبر والثبات: فمن صبر ظفر ، ومن ثبت نبت ، وأفضل العدة الصبر على الشدة ، ثبات حتى الممات... وكيف صبر النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمون معه ، على أذى المشركين ، وثبتوا على دينهم ... ولم يتخلوا عنه على الرغم من شدة الأذى والبلاء ...
    2 ــ الإعداد والتنظيم : وكيف أعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الرحلة المباركة ونظمها أحسن تنظيم ، فاشترى راحلتين ، له ولرفيق الرحلة: أبي بكر، واختار دليل الرحلة عبد الله بن أريقط ، وكان مشركاً، واختار المكان المناسب ( غار ثور ) للاختفاء عن أعين قريش ريثما يخف عنه الطلب .
    في بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه:
    لقد كان للشباب دور عظيم في الهجرة ، فأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها كانت تأتيهما بالطعام ، وعبد الله بن أبي بكر يأتيهما بأخبار قريش ، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر يأتي بالأغنام لتمحو أثر الأقدام.
    3 ــ السر والكتمان : في قضاء الحوائج، وفي الحديث الشريف:"استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان".
    4ــ التضحية والفداء: فقد ضحى المسلمون بأموالهم وديارهم في سبيل الحفاظ على دينهم ..
    فهذا صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه ، ضحى بماله ، في سبيل الهجرة الى الله ورسوله
    وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، الفدائي الذي نام في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرض نفسه للخطر فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم... وحتى يضلل المشركين ، ويرد الأمانات إلى أهلها ... رغم أن المشركين استولوا على أموال المسلمين ... ولكنها الأمانة ، التي نزلت في جذر قلوب الرجال
    5ــ الثقة بالله والاعتماد عليه: ويتجلى هذا المعنى ، في موقف النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر الصديق رضي الله عنه ، في غار ثور ، حينما قال له أبو بكر : لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا ، فيطمئنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما ... ( لا تحزن إن الله معنا ).
    ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خيـر البريـة لـم تنسج ولـم تحـم
    عنايــة اللـه أغـنـت عـن مـضاعـفـة من الدروع وعن عال من الأكـم
    وإذا العـنــاية لا حظـتـك عـيـونهــــا نـم فالمخــاوف كلـهـن أمــــــان
    ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ).
    6ــ الشجاعة والعزة : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ).
    وتتمثل في موقف سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، القائل: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ، فمهما ابتغينا العز بغير ما أعزنا ، أذلنا الله ... فإنه حينما أراد الهجرة ، وقف أمام قريش يتحداهم ، قائلاً :
    من أراد أن تثكله أمه ، أو ترمل امرأته ، أو ييتم ولده ، فليلقني خلف هذا الوادي ، فما تبعه منهم أحد... وبعضهم يضعف هذه القصة ... وليس معنى هذا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل معنى ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام مشرع ومستهدف ...
    وفي هجرته صلى الله عليه وسلم سراً تخفيف وتيسير على المسلمين الضعفاء .
    دور المرأة المسلمة في الهجرة:
    وكان للمرأة دور مشرف في الهجرة ، فهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها ، التي لقبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بذات النطاقين ، كانت تحمل الطعام للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولأبيها أبي بكر رضي الله عنه ، وتصعد الجبل ، وكانت حاملاً ، وقد لطمها أبو جهل لعنه الله ، على وجهها لأنها لم تخبره بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    كما كان لأم سلمة رضي الله عنها ، في الهجرة ، دور مشرف أيضاً... وهي أول من هاجرت الى الحبشة...
    وبعد:
    فلتكن لنا في ذكرى الهجرة ، هجرة ، نهجر السوء ، نهجر ما نهى الله تعالى عنه ، نهجر وساوس الشيطان ، ونهاجر إلى رضا الرحمن ... نحمل هم هذا الدين وأتباعه المسلمين المؤمنين ، " ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " ... ونفعل الخير والمعروف والطاعات .
    من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
    الهجـــرة رحــلــة هــادينـــا حمــل الإسلام لنــا دينــا
    فسلام اللــه عـلى الهــــادي والكــون يردد آمينــــــا
    وكل عام وأمتنا العربية والإسلامية بخير وعزة وانتصار، وصلاة وسلاماً على المهاجر العظيم ، الإنسان الكامل والمثل الأعلى والقدوة الحسنة والنبي المرسل ومعلم الناس الخير سيدنا ونبينا محمد .

  10. #10
    المشرف العام
    الصورة الرمزية أبوأيمن

    الحاله : أبوأيمن غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2007
    رقم العضوية: 3
    الدولة: أبوظبي
    الهواية: القراءة والتصفح
    العمر: 43
    المشاركات: 5,392
    معدل تقييم المستوى : 10
    Array

    افتراضي رد: وقفات في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة

    ماشاء الله عليك أخي الدكتور أبو أسامة نفحات طيبة وصفحة منورة بهجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم أظهرتها بأجمل وأنفع الكلمات

    وأنت أخي فياض في كل مناسبة لابد أن تتحفنا بمقال رائع جزيت خير الجزاء

المواضيع المتشابهه

  1. الهجرة حدث غير مجرى التاريخ
    بواسطة د.أبوأسامة في المنتدى المكتبة العلمية
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 24-Dec-2008, 01:09 PM
  2. الإمام البوصيري.. رائد المدائح النبوية
    بواسطة Omarofarabia في المنتدى منتدى التراجم
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-Nov-2007, 01:19 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •