الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل دخول العام الهجري علينا وعلى أمة الإسلام بكل الخير والبركة والتفاؤل والأمل الذي يصلح الله سبحانه وتعالى به هذه الأمة ويجدد لها معاني مناسباتها ودينها وشرعتها،
ومن فضل الله سبحانه وتعالى ونحن مع مطلع هذا العام وفي شهر محرم ندرك ونفهم أن هذا الشهر هو أول العام الهجري الذي يربطنا مباشرة بهجرة النبي عليه الصلاة والسلام ولا شك أن الهجرة ذكريات عظيمة ومفصل هام في تاريخ الأمة الإسلامية، ويكاد أن يكون أمر الهجرة بالنسبة لنا كأمة ذات مبادئ وأهداف شرعية ومرعية من عند الله فمناسبة الهجرة التي هي تأتي مع مطلع العام هي مدرسة من مدارس السلوك والأدب والمواقف التي نتعلم منها جميعاً انعكاسات الأخلاق المحمدية على مرحلة من المراحل الصعبة في بداية حياة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم وبالطبع ما تذكر هذه الذكريات بمجرد السرد التاريخي للسيرة وإن كانت المعلومات التاريخية لها أهميتها وهي مادة الكلام والحوار والإفادة والاستفادة ولكن كما هو معلوم أن السرد التاريخي لا يتعدى القصة والخبر، وفي السرد التاريخي العبرة والإذكار والنفع المستفاد، وهذا الذي نحن بصدده والذي نرفعه إلى القراء والشباب والعقلاء والعلماء وكل من له رغبة في أن يجدد حياته في هذا العالم المضطرب على نماذج السلامة والإتباع بما جاء به سيد الملة صلى الله عليه وآله وسلم وبما أجرى الله في تلك الذكريات من دروس وعبر وإفادة تجعل الإنسان المسلم يستشعر أهمية وعظمة المرحلة التي مرت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة والمرحلة التي كانت في المدينة وما كان بينهما من مرحلة الانتقال وما فيها من آلام وآمال وكذلك من الصعوبات والتبعات والعقبات التي تعرض لها السيد المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم.
الحقيقة أن الهجرة بمعناها تحمل مفهوم الهجر والترك، أو الانتقال من شيء إلى شيء ومن مكان إلى مكان وبالنسبة لقصة الهجرة قد عرفنا يقينا أن الرسالة لم تأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمجرد تحقيق الرغبة في استقرار أو في بناء دولة، ولكن جاءت لأجل الاختبار أولاً، وتعرض الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في الهجرة إلى الكثير من الضغوط النفسية والاجتماعية التي جعلت منه رجل موجه ورجل متبع ومصطفى بمعنى الكلمة صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا هو شأن مفهوم الهجرة، حيث أن المولى سبحانه وتعالى كان قادر على أن يجعل مكة وهي منبع الوحي مستقراً للحبيب صلى الله عليه وآله وسلم دون الحاجة إلى السفر أو الانتقال، ولكن كان للانتقال حكمة ومدرسة تعود على كل مسلم بعائدة الإفادة والتجدد الذي يأتي من الهجرة والانتقال، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن من مدلولات الهجرة هو هجر المعاصي، ولهذا جاء عن أم أنس رضي الله تعالى عنه أنها قالت: يا رسول الله أوصنى قال: «اهجري المعاصي فإنها أفضل الهجرة، وحافظي على الفرائض فإنها أفضل الجهاد، وأكثري من ذكر الله فإنك لا تأتين الله بشيء أحب إليه من كثرة ذكره» فالهجرة بمعناها السامي الترك للشيء السلبي والحرص على الشيء الإيجابي، ومنها ترك الموطن الذي لا يتمتع فيه المسلم بحرية العبادة والخدمة للأمة إلى المجتمع الذي يستطيع أن يسهم ويؤدي فيه دور البناء ولو بشكل نسبي، فالهجرة مدرسة ومقتضيات الهجرة وما جرى فيها سواء كان مما يدل على خدمة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في الإعداد والاستعداد، أو فيما جعله للحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في كثير من المسائل التي تشير إلى معنى الاتكال على الله «وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ» في ساعة من ساعات الحرج فتبرز الآيات والمعجزات والتدخل الإلهي في هذا الشأن لتنحل بذلك عقدة أو يطمس الله أبصار أعداء أو غير ذلك مع أن هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلها مبنية على قراءة العقل في أغلبها سواء كان من حيث الانتقال أو من حيث المكث في غار ثور أو في مرافقة الصديق رضي الله عنه له إلى المدينة كل هذه تدل عل حسن الاستفادة بما يتعلق بشأن الترتيب، ولكن مع هذا وذاك فإن المعجزة للحبيب صلى الله عليه وآله وسلم ظلت ترافق هذه الرحلة وهي نوع من أنواع الأمان والاطمئنان برغم المضايقات التي وجدها صلى الله عليه وآله وسلم.
إذن على هذا المعنى إذا أردنا أن ندخل في العام الجديد بهذه الذكريات فنحن بحاجة إلى أن نعكس هذه العلوم والمعارف على واقعنا المعاصر وعلى ما نشعر به في حياتنا من الهموم والغموم التي وردت على العقل الإسلامي والشباب المسلم مما هم فيه من الحيرة والتهتك والجهل والاستتباع لكل من هب ودب من نواعق الزمان.
فلابد أن نضع موقف في الهجرة لنهجر كثير من الشئون التي ألفناها ورغبناها وهي لا تعود علينا بعائد البناء ولا بعائد الترتيب الصحيح لأنفسنا، وهذه رسالة نرفعها لأنفسنا وللشباب أن يستفيدوا من هذا الدرس وأن يكبوا على النظر في مدرسة الهجرة ليستفيدوا منها الدروس الكبرى والعظمى.
وفي الأخير نسأل الله التوفيق والعون وأن يعرفنا ما يجب علينا في ليلنا ونهارنا ومناسباتنا، وأن يكتب لنا ولمن كان سبباً في هذه الخدمة الطيبة التي تبلغ إلى العقول والقلوب إن شاء الله الثواب الجزيل والعطاء الجميل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين
المفضلات