النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: حديث الآحاد بين العلم القاطع والظن الراجح

  1. #1
    المشرف العام
    الصورة الرمزية أبوأيمن

    الحاله : أبوأيمن غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2007
    رقم العضوية: 3
    الدولة: أبوظبي
    الهواية: القراءة والتصفح
    العمر: 44
    المشاركات: 5,392
    معدل تقييم المستوى : 10
    Array

    حديث الآحاد بين العلم القاطع والظن الراجح

    حديث الآحاد الصحيح
    بين العلم القاطع والظن الراجح

    د. محمود أحمد الزين *

    التعريف بالبحث:


    حديث الآحاد هل ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم راجح أو قاطع ، مسألة اختلف فيها العلماء وثار حولها جدل كثير في عصرنا فكانت بحاجة إلى بحث يكشف حقيقة الخلاف ويوضح وجهات النظر .
    وكانت نتيجته حسب ما رأى الباحث أن القائلين بكونه قاطعاً يقصدون ما تلقته الأمة بالقبول ولا يقصدون غيره ، وقد أيد ذلك بالنقول عنهم وإيضاح موضع الدلالة في عباراتهم على مقصودهم ذاك ، بالإضافة إلى توضيح الحقيقة الأساسية في المسألة ، وهي أن الآحاد - في نفسها وبغض النظر عن القرائن - لا يمكن أن تكون قاطعة في منطق البحث العلمي ، فكان لا بد من التوفيق توفيقاً علمياً بين هذه الحقيقة وبين حقيقة أخرى - استند إليها القائلون بقطعية الآحاد - وهي عصمة الشريعة الإسلامية ، ببيان أن العصمة للمجموع لا للأفراد ، فكل راوٍ يمكن أن يخطىء ولا يمكن أن يجمعوا على الخطأ فلا يكون قاطع الثبوت إلا ما أجمعوا على قبوله . والله أعلم .

    المقدِّمة

    الحمد لله رب العالمين على نعمه كلها لا سيما كتابه الحكيم ورسوله الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ، فقد جمع لنا في كتابه كل خير وهداية ، وبينه سبحانه بسنة نبيه بياناً جعل الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، وهيأ سبحانه لهذه السنة من أهل العلم والتمحيص خداماً مخلصين ، أسسوا لها من القواعد والضوابط حصناً حصيناً يدفع عنها الكذب والخطأ ، ويجمع الصدق والصواب ، ورتبوها حسب مراتب الصيانة قوة وضعفاً ، فمنها المتواتر الذي لا يحتمل الكذب سهواً ولا عمداً ، ومنها الآحاد الذي اتفقت الأمة على قبوله ومنها ما هو دونه ومنها الضعيف .
    وكان لا بد أن يقع الاختلاف في تلك المسائل بينهم - كما هو شأن الإنسان - ، وكما اختلف الصحابة رضوان الله عليهم في تثبيت بعض الأحاديث رغم أن رواتها عندهم ثقات كالخلاف المشهور بين عمر وعمّار رضي الله عنهما في حديث التيمم ، والخلاف بين ابن عمر وعائشة رضي الله عنها في حديث القليب ، وليس هذا الخلاف من التفرق الذي نهى الله تعالى عنه بقوله : ولا تّكٍونٍوا كّالَّذٌينّ تّفّرَّقٍوا واخًتّلّفٍوا مٌنً بّعًدٌ مّا جّاءّهٍمٍ البينات وأٍوًلّئٌكّ لّهٍمً عّذّابِ عّظٌيمِ (1) ، ولو كان كذلك لكان الصحابة أبعد النّاس عنه ، وهم أول من خاطبه الله تعالى بقوله : كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ (2) ، ولكنه من الاختلاف الناشيء عن الاجتهاد ، وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر « متفق عليه (3) .
    وإعطاؤهما الأجر - وإن تفاوت - دليل على أن عملهما جميعاً من الحق المأذون به : الصواب منهما عزيمة الله ، والخطأ منهما رخصة الله التي رحم بها ضعف عباده ، وليسا من الضلال إنما الضلال ما كان بعدهما مما لم يقم على اجتهاد أذن به الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وبهذا يندفع الإشكال عن معنى قول الله تعالى : فّمّاذّا بّعًدّ الحّقٌ إلاَّ الضَّلالٍ (4) حين ينظر من خلاله إلى اختلاف الصحابة والأئمة الأعلام من بعدهم .
    هذا ، وقد اختلف المحدثون وكذلك الأصوليون في حديث الآحاد الصحيح هل ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم قاطع أو راجح ؟ أي هل انتفى عنه احتمال الخطأ عادة نفياً تاماً حتى يحكم أهل العلم بأن وقوع الخطأ فيه مستحيل عادة كاستحالة طيران الإنسان ، أو انتفى نفياً قوياً مع احتمال وقوعه ولو على ندرة حسب الموازين العلمية وإن لم يخطر ذلك على بال راويه ؟ بعض أهل الحديث كالنووي قالوا : إن الآحاد الصحيح راجح الثبوت غير قاطع ، سواء ما تلقته الأمة بالقبول وما لم يكن كذلك ، وبعضهم - وهم الذين اختار مذهبهم محققون كثيرون من المحدثين - قالوا : إن الآحاد يكون قاطعاً ثبوته إذا حفت به القرائن القاطعة - وذلك أشمل مما تلقته الأمة بالقبول ، الذي قال فيه النووي : إنه غير قاطع - ويكون راجحاً إذا خلا عن تلك القرائن .
    وذهبت طائفة أخرى إلى أن الخالي عن القرائن قاطع الثبوت أيضاً ، واشتهر ذلك عن الإمام أحمد - مع أنه أحد قولين ذكرهما عنه أصحابه - وانتصر لهذا المذهب ابن تيمية - على قول بعضهم - ومن قبله ابن حزم ، وكان في دفاع ابن حزم عن رأيه حماس وشدة على المخالفين ، وقد نقل ابن تيمية كثيراً من كلامه وتأثر بذلك جل من تبنى هذا القول من المعاصرين ، حتى صار هذا الجانب من المسألة مما يثير الاختلاف بين المسلمين ويستتبع الخصومات ، فهي لذلك جديرة بأن تبحث على وجه يكشف حقيقتها ليكون ذلك وسيلة لإزالة الخلاف أو تخفيفه إن شاء الله تعالى .
    وأعتقد أن بحث مسائل الاختلاف ضمن نطاق القواعد العلمية مما يزيل الخلاف أو يخففه ، لا سيما إن كان ذلك يكشف عن وفاق ضمني يجعل الخلاف أقرب إلى الأمور الاصطلاحية منه إلى الأمور العلمية الموضوعية - كما ظهر لي من بحث هذا الجانب من المسألة عند هؤلاء العلماء الثلاثة - وهذا يغني عن مناقشة الأدلة والترجيح (5) بينها ، ويكفي حينئذ أن يقارن الباحث بين العبارات التي بينوا بها رأيهم ويجمع بينها على قواعد الجمع أو يرجح بينها على قواعد الترجيح إن لم يمكن الجمع بينها . وهذا ما جعلته أكبر همي في بحث المسألة . ولم أذكر من أدلة القائلين بقطعية الآحاد إلا ما جاء ضمن كلام أولئك العلماء الثلاثة .
    وقد قصرت البحث على أقوال هؤلاء لأنها أكثر أثراً من غيرها على النّاس اليوم ، كما كان لها من قبل أثر كبير ، لا سيما أن المكانة التي حلّها الإمام أحمد بين المحدثين والفقهاء وسائر المسلمين تعطي قوله أهمية علمية كبيرة واستجابة قلبية بعيدة المدى .
    وقد بدأت البحث بذكر قول الجمهور وهو أن الآحاد المجرد عن القرائن راجح الثبوت غير قاطع ، وهو الفصل الأول من البحث ، وأتبعته بذكر كلام الإمام أحمد وخلاف أصحابه في ما هو مذهبه ، وهو الفصل الثاني ، وجعلت كلام ابن تيمية فصلاً مستقلاً لأهميته الخاصة عند أهل مذهبه لا سيما المعاصرين ، وهو الفصل الثالث ، وأخرت قول ابن حزم وكلامه في المسألة وإن كان أقدم من ابن تيمية حتى لا أفصل بين الإمام أحمد وأحد من أهل مذهبه ، فكان الفصل الرابع لابن حزم رحم الله الجميع ، وأما الخاتمة فهي إيجاز لمضمون الأقوال وتذكير بما في المقدمة من أن الخلاف القائم على الاجتهاد لا ينبغي أن يثير الاختلاف بين المسلمين إلى درجة التخاصم والشقاق .
    ومن الجدير بالبيان أنّي لم أبحث هنا مسألة بناء العقيدة على حديث الآحاد ؛ لأنها تحتاج إلى بحث خاص أرجو أن يوفقني الله عز وجل إلى كتابته ، وقد اكتفيت هنا ببعض البيان عنها ، فذكرت أن غير القاطع لا يصح بناء العقائد عليه ، بل يستحيل عقلاً ؛ لأن الاعتقاد جزم لا يقبل التردد فإذا بني على ما يحتمل الخطأ مهما قلّ الاحتمال لم يكن اعتقاداً أصلاً ، فبين الأمرين تناقض تام ، قال تعالى : إنَّمّا الًمٍؤًمٌنٍونّ الذٌينّ آمّنٍوا بٌاللَّهٌ و رّسٍولٌهٌ ثٍمَّ لّمً يّرًتّابٍوا (6) ، وهذا المعنى في القرآن والسنة كثير ، ومعهما دلالة العقل عليه ، والله تعالى هو الموفق للصواب ، أسأله سبحانه أن يجمع أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على الحق ويؤلف قلوبهم عليه وهو حسبي ونعم الوكيل .

    الفصل الأول : مذهب الجمهور

    قبل ذكر رأي الجمهور في هذه المسألة لا بد من التذكير بأن البحث لا يقصد به وجوب العمل بالآحاد ، فهذا مما اتفق عليه أهل الحديث والفقه من أهل السنة ولم يخالف في ذلك إلا الأقل ، بل قال الأكثرون : إنه يجب اعتقاد وجوب العمل به ، وهذا غير الاستدلال به في العقائد ، فهذه الجوانب غير مقصودة بالبحث ، إنما المقصود هو ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم هل هو قاطع أو ظني ؟
    ولا بد من التذكير بأن معنى القطع في الروايات هو عدم احتمال الخطأ عادة (7) أي هو مستحيل الحصول في الواقع المعتاد من طبيعة الحياة الإنسانية كاستحالة طيران الإنسان ، وليس معناه أنه يستحيل في العقل أن يتصور خلافه وهو المحال العقلي ، وليس معناه أيضاً أنه ثابت ثبوتاً قوياً حتى لا يخطر في بال صاحبه خلافه ، بل لا بد أن يكون احتمال الخطأ محالاً عادة فقط ، سواء كان عمداً وهو الكذب أو سهواً وهو الغلط ، ومعرفة هذه الفوارق ضرورية في إدراك مذاهب العلماء في المسألة .
    ومستند الجمهور في نفي القطع عن حديث الآحاد هو واقع الإنسان فالكذب محتمل والخطأ محتمل ، وواقع علم الحديث في التوثق من صحة الأخبار يؤكد ذلك والأدلة الشرعية تؤكده أيضاً .
    أمّا قواعد علم الحديث في التوثق من ثبوت الأخبار - وبناؤها على الواقع الإنساني - فيظهر أثرها في العناية ببيان أحوال الرواة من العدالة ، فتقبل أحاديث العدول وترفض أحاديث الكذابين ومن يشك في عدالته شكاً قوياً لينتفي عن الأحاديث الوضع ، وتعنى ببيان أحوالهم من الضبط ، فتقبل حديث الضابطين وترفض حديث من يغلب عليه الخطأ ، وتفتش أحاديث الثقات وتقارنها برواية مشاركيهم فيها لتكشف عما يقع من الخطأ عند كبار الحفاظ وأئمتهم فما من عالم منهم إلا وعرفت له أخطاء ، وتعنى أيضاً ببيان توافق معاني الروايات واختلافها - حتى بعد التأكد من العدالة والضبط - فترفض رواية الثقة إذا خالف الأوثق ، ورواية الضعيف إذا خالف الثقة ، وكل هذه أمور لا يمكن للإنسان - في أغلب الأحوال - أن يعلمها علماً قاطعاً لا سيما وقوع الخطأ أو عدم وقوعه ، والخطأ لا يخلو منه إنسان - إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - ، فإذا كان الحكم بصحة الحديث قائماً على هذه الأمور غير القاطعة فلا يمكن أن يكون قاطعاً إلا في حال وجود القرائن الدالة على القطع ، وقد تقدم أن البحث هنا عن حديث الآحاد عند عدم وجود القرائن .
    والذي يؤكد هذه الحقيقة كل التأكيد أن علماء الجرح والتعديل وسائر علماء الحديث يختلفون في الأمور التي تشترط في الحديث ، فقد كذب بعضهم رجالاً عدلهم غيرهم ، وحكموا بضعف الحفظ على رجال وثقهم غيرهم ، وربما حكموا عليهم بالتخليط الفاحش ، وكذلك يختلف علماء الحديث في الحكم باتصال السند ، وفي الحكم بالشذوذ أو النكارة على بعض نصوص الحديث ، بل يختلف حكم العالم الواحد فيجرح من سبق منه تعديله أو يعكس ذلك حسب ما يجدّ له من المعلومات ، أو يحكم بشذوذ متن كان قد صححه أو يعكس ، وكل هذه أمور معلومة بداهة مرئية واقعاً وهي تؤكد أن مستندات التصحيح والتضعيف ظنية ، والنتيجة البديهية لذلك أن يكون الحكم المبني عليها بثبوت حديث الآحاد حكماً ظنياً أي راجحاً رجحاناً يقرب من القطع أحياناً كالحديث المفرد المسلسل بالأئمة الحفاظ ، أو رجحاناً يقرب من الضعف كالحديث الحسن لا سيما إن كان حسناً لغيره ، هذا دليل بديهي لا يقاومه أي دليل من أدلة مدعي القطع ولم أعلم لهم دليلاً يناقضه سوى قولهم إن الله عصم دينه من وقوع الخطأ ، وسيأتي عند كلام ابن حزم أن التفسير الصحيح للعصمة لا يقتضي ذلك كما بينه ابن حزم نفسه ، وقد أوجز ذلك الحافظ ابن حجر في نزهة النظر (8) فقال : ( وفيها - أي الآحاد - المقبول : وهو ما يجب العمل به عند الجمهور ، وفيها المردود وهو الذي لم يرجح صدق المخبر به لتوقف الاستدلال بها عن البحث عن أحوال رواتها دون الأول وهو المتواتر فكله مقبول لإفادته القطع بصدق مخبره بخلاف غيره من أخبار الآحاد ) إلى أن قال (9) : (وقد يقع فيها أي في أخبار الآحاد ... ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار خلافاً لمن أبى ذلك ) .
    وأصل التفريق موجود في رسالة الإمام الشافعي - وهي من أوثق وأقدم الكتب التي رسخت قواعد علم الحديث - حيث قال : ( فإن قال لنا قائل : هل يفترق معنى قولك حجة ؟ قيل : نعم إن شاء الله ، فإن قال : فأين ذلك ؟ قلنا : أما ما كان نص كتاب بيِّنٍ أو سنة مجتمع عليها ، فالعذر فيها مقطوع ولا يسع الشك في واحد منهما ، ومن امتنع من قبوله استتيب ، أما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي قد يختلف الخبر فيه فيكون محتملاً للتأويل ، وجاء الخبر فيه من طريق الانفراد ، فالحجة فيه عندي أن يلزم العالمين حتى لا يكون لهم رد ما كان منصوصاً منه ، كما يلزمهم أن يقبلوا شهادة العدول ، لا أن ذلك إحاطة كما يكون نص الكتاب وخبر العامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولو شك في هذا شاك لم نقل له تب ، وقلنا : ليس لك إن كنت عالماً أن تشك كما ليس لك إلا أن تقضي بشهادة العدول وإن أمكن فيهم الغلط ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم والله ولي ما غاب عنك منهم ) (10).
    وكلام الشافعي رضي الله عنه واضح في التفريق بين خبر العامة المجتمع عليه وهو المتواتر - ويمكن أن يدخل فيه المتلقى بالقبول من الآحاد لأنه مجتمع عليه من حيث التلقي - وبين خبر الخاصة الذي جاء من طريق الانفراد ، ففي عباراته دلالات واضحة على أن الأول يفيد القطع :
    أولها : أن العذر فيه مقطوع .
    ثانيها : أنه لا يسع الشك فيه .
    ثالثها : أن من امتنع من قبوله استتيب ، والقاضي لا يستتيب إلا من وقع في الكفر أو في المحرم الكبير الذي اتفق عليه .
    وفي عباراته أيضاً دلالات واضحة على أن الثاني لا يفيد القطع :
    أولها : أن العلم فيه ليس إحاطة .
    ثانيها : أن لزوم العمل به كلزوم العمل بشهادة الشهود مع تصريحه بأن الشهادة تحتمل الخطأ ، وهذا يترتب عليه لزوماً الفرق بين العمل كالشهادة وبين الاعتقاد الذي لا يجوز أن يكون فيه أي احتمال للخطأ .
    ثالثها : أن من شك فيه لا يقال له : تب ، فليس مرتكباً للكفر ولا للمحرم المتفق عليه .
    وينتج بداهة عن تلك الفروق أن يفرق بينهما من حيث الاحتجاج في العقائد لأن الاعتقاد لا يصح الشك فيه مهما كان قليلاً ، ويجب على مخالفه التوبة ولا يصح أن يبنى على ما يحتمل الخطأ بل بناؤه على ما يحتمل الخطأ تناقض عقلي إذ يستحيل أن يجزم العقل بما يراه محتملاً للخطأ .
    وهذا الذي قاله الإمام الشافعي من أن حديث الآحاد الوارد من طريق الانفراد غير قاطع ووافقه عليه جمهور المحدثين موثق بالاستناد إلى الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة ، فوق كونه معتمداً على الواقع المشهود .
    ومن أظهر الأحاديث دلالة على ذلك حديث زيد بن أرقم وحديث ذي اليدين رضي الله عنهما .
    أما زيد بن أرقم رضي الله عنه فروى عنه البخاري أنه قال : ( كنت مع عمي فسمعت عبد الله بن أُبيّ بن سلول يقول : » لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا « ، وقال أيضاً : » لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل « ، فذكرت ذلك لعمي ، فذكر عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أُبيّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا ، فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني ، فأصابني همّ لم يصبني مثله ، فجلست في بيتي فأنزل الله عز وجل : إذّا جّاءّكّ المٍنّافٌقٍونّ إلى قوله : هٍمٍ الذٌينّ يّقٍولٍونّ لا تٍنفٌقٍوا عّلّى" مّنً عٌندّ رّسٍولٌ حّتَّى" يّنفّضَوا إلى قوله : لّيٍخًرٌجّنَّ الأّعّزَ مٌنًهّا الأّذّلَّ فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله قد صدقك ) . وفي الرواية التي قبلها عند البخاري رحمه الله : ( فذكروه للنبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فحدثته ) (11) .
    وفي هذا الحديث يظهر كيف يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع خبر الواحد الثقة وزيد عنده صلى الله عليه وسلم ثقة وإلا لما قبل قوله أصلاً في اتهامهم ، فدعاهم فقررهم - على طريقة الحكم بين المدعي (12) والمدعى عليه - فحلفوا فلم يقبل قول زيد ، لأنه واحد لا يكفي في الشهادة على المنكرين ، بل كذبه لأنه واحد في مقابلة جماعة لم يظهر كذبهم ، ثم لمّا نزل القرآن عاد صلى الله عليه وسلم إلى تصديقه لوجود القرينة القاطعة عليه، وإن كان التكذيب هنا بمعنى التوهيم .
    وأما حديث ذي اليدين فرواه البخاري (13) عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( صلى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي ... ركعتين ، ثم سلم ، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد ... ورجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم ذا اليدين فقال : أنسيت أم قُصرت ؟ فقال : لم أنس ولم تقصر ، قال : بلى قد نسيت ، فصلى ركعتين ثم سلم ) ، وفي الرواية التي قبلها : ( فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : » أحق ما يقول ؟ قالوا : نعم ، فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتين « ) .
    ووجه الدلالة هنا - على أن خبر الواحد الثقة ظني راجح غير يقيني - هو أنه لو كان يفيد القطع أي عدم احتمال الخطأ لما نفى النبي صلى الله عليه وسلم كلامه بقوله : » لم أنس ولم تقصر « ، ولما استثبت من الصحابة حين أصر ذو اليدين على قوله ، وأخبروه بمثل خبره قبله وعمل به ، إذ هو قرينة قاطعة بسبب الكثرة فقدمها النبي صلى الله عليه وسلم على ما ظنه من نفسه مع أنه كان في أول الأمر رافضاً للخبر - تعليماً للأمة - ولم يكن واهماً إطلاقاً .
    وكذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يتعاملون مع أخبار الآحاد على أنها ظنية غير قاطعة ، بدليل أنهم كانوا في بعض الأحيان يتشككون في رواية بعض منهم ويقولون إنها خطأ كما روى البخاري عن هشام عن أبيه [ أبوه عروة بن الزبير رضي الله عنهما ] قال : ذكر عند عائشة رضي الله عنها أن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم : » إن الميت ليعذب في قبره ببكاء أهله « ، فقالت : وَهَلَ ابن عمر (14) ، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إنه ليعذب بخطيئته وذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن « ، قالت : وذلك مثل قوله : » إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب وفيه قتلى المشركين فقال لهم : » إنهم ليسمعون « إنما قال : » إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق « الحديث (15) .
    ولو كانت رواية الواحد العدل قاطعة ما أقدمت عائشة رضي الله عنها على توهيم ابن عمر رضي الله عنهما وكلاهما خبر آحاد ، إن فضل أحدهما الآخر في القوة فإنه لا يفضله إلى درجة القطع ، لأن القطع معناه عدم احتمال الخطأ عادة كما سبق بيانه .
    ولا يقال إن عائشة وهمته لأنها قاطعة بما عندها من العلم المعارض لروايته وذلك لأمرين :
    أولهما : أنه يحق له أن يوهمها لما عنده من العلم المعارض لروايتها ، وأحدهما مخطىء حتماً - والمعلومات القاطعة لا تتعارض في الواقع ، بل بحسب علم صاحبها - وهذه هي حقيقة الظن بمعنى الرجحان .
    ثانيهما : أن القاطع يستحيل خطؤه عادة كاستحالة الطيران من الإنسان ، فهو لا يحتمل الخطأ فضلاً عن أن يترجح خطؤه في ميزان البحث العلمي كحال رواية عائشة ، فإن العلماء قدموا فيما بعد رواية ابن عمر على روايتها . إذ إن روايته جاءت عمن هو أثبت : أبي طلحة وعمر وابن مسعود لأنهم حضروا الحادثة وكانوا أكثر عدداً (16) ، وليست عائشة رضي الله عنها من الذين لا يفرقون بين القطع والرجحان حتى تقطع في أمر غير قاطع .
    والظن لم يأت من ثبوت المعارض بل من احتمال وجوده عند عدم العلم به ، وهذا الاحتمال قائم بدليل أن بعض العلماء يصحح الحديث ويعمل به ، ومعنى ذلك أنه ثابت عنده ، ثم يبلغه معارض أقوى فيترك الأول . ولا يكون المعارض قاطعاً أيضاً ؛ لأن القطعيات لا تتعارض وإلا لما كانت قطعيات ، فلم يبق إلا أنه كان ظنياً عنده حتى عند تصحيحه والعمل به .
    أما ثبوت المعارض الأقوى واقعاً فهو دليل على أن الآخر مرجوح لا راجح ، وهذا معنى الوهم لا معنى الظن .
    فإن قال مدعو القطع : إنا لا نزعم القطع في حديث الآحاد حتى يكون صحيحاً ومن جملة شروط الصحة ألا يكون له معارض أقوى منه ، وعائشة إنما ردّت حديث ابن عمر لمخالفته ما عندها وهو في نظرها أقوى .
    قيل لهم : أتقصدون انتفاء المعارض بحسب علمكم أم بحسب علم جميع المحدثين ؟ فإن قالوا : بحسب علم جميعهم قيل لهم : هذا الإجماع هو دليل القطع ، وإن قالوا : بحسب علمنا كما عملت عائشة رضي الله عنها ، قيل : أأمنتم أن يطلع غيركم على معارض أقوى كما اطلع العلماء على معارض أقوى من رواية عائشة ؟ ولا بد أن يقولوا : لا ، فيقال لهم : بقاء احتمال المعارض هو معنى الرجحان وعدم القطع كما أن احتمال خطأ الحافظ العدل كذلك .
    فإن قالوا : إن الله كلفنا أن نعمل بعلمنا ، ولم يكلفنا أن نعمل بما لم نعلم ، قيل لهم : نعم إن تكليفكم على حسب علمكم ، لكن علمكم قد يخالف الواقع بدليل أنكم حين تطلعون على خطأ الرواية التي اعتمدتم عليها أولاً وعملتم بها لا يحل لكم البقاء عليها ، بل يجب عليكم الانتقال إلى الأقوى ، وكانت الأولى قبل ذلك واجبة عليكم ، ولا يمكن أن تكونوا قاطعين بصحة الحديث المروي في الحالتين لأنه تناقض معناه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله ولم يقله في الواقع ، أي ثابتاً عنه وغير ثابت في آن واحد ! مع أن العمل واجب على حسب العلم في الحالتين ، وبهذا يظهر تماماً أن القطع بوجوب العمل بالرواية لا يدل لزوماً على القطع بثبوتها .
    هذه الأدلة من أهم أدلة الجمهور ، وهي أدلة قوية لا تخفى على ذي علم مكين ، وهذا يدعو إلى النظر والبحث في أقوال المخالفين لهم فإنهم في مكان من العلم كبير بلا ريب ، فلعل فيه ما يفسر تركهم تلك الأدلة إن كانوا تاركين لها حقّاً ، أو يكشف عن حقيقة رأيهم إن كان خلافهم ظاهرياً غير حقيقي ، والله تعالى أعلم .

    الفصل الثاني : مذهب الإمام أحمد بن حنبل

    معلوم أن الإمام أحمد بن حنبل لم يؤلف في أصول الفقه ولا في أصول الحديث - أي علم المصطلح - وإنما كان تلاميذه يسألونه ويدونون إجاباته ، ثم جمعت هذه الإجابات ودرسها أتباعه وتكونت منها أصول مذهبه رضي الله عنه .
    وقد اختلف أصحابه في تقرير (17) مذهبه في مسألتنا هذه ، واختلفوا في الترجيح أيضاً . فقد جاءت عنه نقول يفهم منها أن الآحاد ظني ، وأخرى يفهم منها أنه قطعي ، وبالمقارنة بينهما تظهر حقيقة قوله إن شاء الله .
    أمّا النقول التي تعني أن الآحاد ظني فأصرحها وأوضحها ما نقله أبو يعلى الفراء (18) عن الإمام أحمد من كتاب » معاني الحديث « جمع أبي بكر الأثرم : ( إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح فيه حكم أو فرض عملت بالحكم والفرض ، ولا أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ) ، وعلق عليه أبو يعلى بقوله : » فقد صرح بالقول بأنه لا يقطع به « . وإذا لاحظنا هذه الصراحة في عبارة الإمام أحمد كان لهذا القول قوة خاصة عند المقارنة بالأقوال الأخرى التي تعارضه .
    وهذا التصريح مؤيد بما يقرب منه في القوة ، وهو ما نقله القاضي (19) أيضاً عن كتاب الرسالة من كلام أحمد ، قال : » ولا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النّار لذنب عمله ولا لكبيرة أتاها ، إلا أن يكون ذلك في حديث كما جاء على ما روي نصدقه ونعلم أنه كما جاء ولا ننص الشهادة ، ولا نشهد على أحد أنه في الجنّة بصالح عمل ولا بخير أتاه ، إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء على ما روي ولا ننص الشهادة « ثم قال أبو يعلى : ( وقوله : » ولا ننص الشهادة « معناه عندي - والله أعلم - لا يقطع على ذلك ) ووجه هذا التفسير أن النص معناه التعيين أو الإظهار أو استخراج غاية الشيء (20) ، فيكون المعنى هنا : لا نعين الشهادة أو لا نظهرها أو لا نبلغ غايتها وكل ذلك يدور في نطاق معنى واحد هو عدم الجزم والقطع لمن نشهد له .
    وقد قال ابن تيمية حسب ما نقل عنه ابن القيم (21) : ( لفظ ننص هو المشهود عليه معناه لا نشهد على المعين ) ، فإما أن يكون المقصود لا نشهد على هذا الإنسان المعين أنه من أهل الجنة ، وإما لا نشهد على هذا الأمر المعين وهو دخول هذا المذكور الجنة وذلك لا يخرج عما قاله أبو يعلى ؛ لأن العبارة تدور حول الشهادة له بالجنة ، والشهادة معناها (22) بيان الشاهد ما يعلمه ، والإمام أحمد رضي الله عنه أثبت العلم ونفى النص على الشهادة ، فإن كان أراد أنه يقطع بالعلم بدخول هذا المذكور في الحديث الجنة ولا يبين ما يعلم فهذا خارج عن موضع الخلاف ، وهو أن الآحاد يفيد القطع والأمر لا يتعلق بالبيان ، ثم كيف يعلم ذلك ولا يبينه وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم! وكيف لا يعين ما عينه الحديث ، والحديث يفيد العلم القاطع حسب ما يقول الذين يستشهدون بكلام الإمام على مقصودهم ؟ .
    وانتفاء الشهادة على معين أنه من أهل الجنة مع وروده في الحديث لا يصح إلا إذا كان هذا الحديث لا يفيد القطع ، وإلا فكيف لا يشهد الإنسان بما يعلمه قطعاً ؟! وهذا النفي دليل على أن الإمام أراد بلفظ العلم الذي في أول كلامه الرجحان ، ولولا ذلك لتناقض مع نفي الشهادة ، ولفظ العلم يستعمل لغة في الرجحان (23) ، وسيأتي في كلام ابن تيمية أن العمل بالرجحان عمل بالعلم وهو غير المعنى الاصطلاحي الذي يدور حوله العلماء في إفادة حديث الآحاد القطع ، ومع ذلك إذا كان القائلون بأن حديث الآحاد يفيد العلم قاصدين به الرجحان فلا مشاحة في الاصطلاح ، أما إذا قصدوا به العلم القاطع وفسروا به كلام الإمام هنا فقد جعلوا آخر كلامه ينقض أوله ، ولو لم يكن للإمام أحمد في المسألة سوى هذه العبارة لكانت كافية للدلالة على أنه يرى حديث الآحاد المجرد عن القرائن غير قاطع ، فكيف وقد جاءت عنه عبارة أخرى صريحة هي رواية الأثرم السابقة : » إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح فيه حكم أو فرض عملت بالحكم أو الفرض ولا أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك « ؟! .
    وقد شكك ابن القيم في هذه الرواية فقال : ( فهذه رواية انفرد بها الأثرم وليست في مسائله ولا في كتاب السنة ) (24) . وهذا تشكيك لا يقبل ؛ لأن انفراد الثقة لا يضر ، ولا سيما أن ابن القيم يزعم أن رواية الآحاد قاطعة ، وكذلك عدم وجود العبارة في مسائله وفي كتاب السنة ؛ فإنه ما قال أحد : إن العالم إذا وردت عنه عبارة لم تقبل حتى توجد في كل كتبه أو في عدد منها ، فوجودها في كتاب معاني الحديث وحده يكفي ، ولا قالوا إن الرواية عن الإمام لا تقبل حتى يرويها كل تلاميذه ، إنما يضر هذه الرواية أن يرويَ الآخرون نقيضها وهم أكثر أو أوثق .
    ثم قال : ( والأثرم لم يذكر أنه سمع ذلك منه بل لعله بلغه عنه من وهم واهم عليه في لفظه ) .
    وهذا نقد غير مقبول لأن الراوي إذا لم يكن مدلساً لا يشترط أن يصرح بالسماع ، ولفظ » قال « يحمل منه على الاتصال ، فهل ابن القيم يرى الأثرم مدلساً ؟ لم يصرح هو بذلك ، ولا ذكره غيره بهذه الصفة .
    ثم قال : ( فلم يرو عنه أحد من أصحابه ذلك ) وهذا عود إلى تضعيف رواية الأثرم بانفراده ، وقد سبق أن ذلك لا يضرها حتى يرويَ الآخرون نقيضها ؛ ولذا أراد ابن القيم أن يثبت رواية النقيض فقال بعد ذلك : ( بل المروي عنه أنه جزم على الشهادة للعشرة بالجنة ، والخبر في ذلك خبر واحد ) .
    وهذا نقض غير مسلم أيضاً ؛ لأن كون العشرة في الجنة ، وإن كان خبر واحد فهو محفوف بالقرائن تشهد له آيات منها قوله تعالى : والسَّابٌقٍونّ الأّوَّلٍونّ مٌنّ المٍهّاجٌرٌينّ والأّنصّارٌ الَّذٌينّ َاتّبّعٍوهٍم بٌإحًسّانُ رَّضٌيّ عّنًهٍمً ورّضٍوا عّنًهٍ (25) ، والعشرة من أسبق السابقين ، وتشهد له أحاديث مشهورة مما تلقته الأمة بالقبول في كل واحد منهم أو في عدة منهم أو في جمع يشملهم ، وكثير منها روي بعد ذلك في الصحيحين ، وذلك يؤكد ثبوت تلقي الأمة لها بالقبول ، وقد خصهم المحب الطبري بكتاب » الرياض النضرة في مناقب العشرة « ، وبهذا تكون شهادة الإمام للعشرة مما يؤيد أبا يعلى في قوله : إن الإمام يفرق بين الآحاد المحفوف بالقرائن وبين غيره فلا تنقض رواية الأثرم التي تخص الآحاد الخالي عن القرائن كما فسروها جمعاً بين عبارات الإمام ، ولو افترضنا صحة استخراج ابن القيم لكان ذلك قولاً للإمام مخرّجاً ورواية الأثرم قول صريح فهو مقدم عند التعارض .
    ثم قال : ( ولعل توقفه عن الشهادة على سبيل الورع ، فكان يجزم بتحريم أشياء ، ويتوقف عن إطلاق لفظ التحريم عليها ، ويجزم بوجوب أشياء ويتوقف عن إطلاق لفظ الوجوب عليها تورعاً ) .
    وهذا تعليل غير مسلّم إذ يقال لصاحبه : إذا كان حديث الآحاد المجرد عن القرائن يفيد العلم القاطع ، فهل من الورع ألا نقطع بما ثبت قطعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟! أو نقول إن الورع يكون حين يقوم احتمال الخطأ فيحتاط الإنسان لنفسه فلا يجزم ولا يشهد ؟ أما الأول فتناقض واضح ، وأما الثاني فهو دليل على نقيض ما قصد صاحبه ، أي يدل على أن الآحاد المجرد عن القرائن يفيد الرجحان عند أحمد ولا يفيد القطع .
    وبهذا يتضح للمنصف - إن شاء الله - ثبوت تصريح الإمام بأن الآحاد المجرد عن القرائن يفيد الرجحان ولا يفيد العلم القاطع ، وإذا كان لا يشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، فأحرى من ذلك ألا يبني عليه الاعتقاد ، لأن الاعتقاد أحرى بالقطع من الشهادة ، وهو لا يكون اعتقاداً إذا كان معه أدنى تردد ؛ إذ إن الاعتقاد جزم ، فهذه العبارة تفريق صريح بين العمل والاعتقاد ؛ لأنه قال : عملت به ولا أشهد أنه قاله ، وإذا كان كلام الإمام أحمد صريحاً في عبارته الأولى : » ولا أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك « ، وقريباً من الصريح في عبارته الثانية : » ولا ننص الشهادة « ، فلننظر في عباراته الأخرى التي اعتمد عليها القائلون بأن الآحاد المجرد عن القرائن قطعي عنده .
    قال أبو يعلى : ( وقد نقل أبو بكر المروزي ، قال : قلت لأبي عبد الله ههنا إنسان يقول : إن الخبر يوجب عملاً ولا يوجب علماً ، فعابه وقال : ما أدري ما هذا ؟ ، وظاهر هذا أنه سوى فيه بين العلم والعمل ، وقال في رواية حنبل في أحاديث الرؤية : » نؤمن بها ونعلم أنها حق ، فقطع على العلم بها « ، وذهب إلى ظاهر هذا الكلام جماعة من أصحابنا ، وقالوا : خبر الواحد إن كان شرعاً أوجب العلم ، وهذا عندي محمول على وجه صحيح من كلام أحمد رحمه الله وأنه يوجب العلم من طريق الاستدلال لا من جهة الضرورة ، والاستدلال يوجب العلم من أربعة أوجه أحدها أن تتلقاه الأمة بالقبول ...) (26) إلى آخره .
    ونقل ابن تيمية في مسودة أصول الفقه أن أبا يعلى قال في » المجرد « : ( وخبر الواحد يوجب العلم إذا صح ولم تختلف الرواية به وتلقته الأمة بالقبول ، وأصحابنا يطلقون القول به ، وأنه يوجب العلم وإن لم تتلقه الأمة بالقبول والمذهب على ما حكيت لا غير ) (27) .
    وبهذا التفسير يلتقي قول أحمد رضي الله عنه مع الجمهور القائلين : إن الآحاد لا يفيد العلم إلا إذا كان محفوفاً بالقرائن كالذي تلقته الأمة بالقبول .
    وبيان وجه الاختلاف بين أصحاب الإمام في حقيقة قوله يظهر قوة القوي من أقوالهم وضعف الضعيف ؛ لأن ظاهر كلامه متعارض ، فينبغي أن يجمع بينه بوجه من وجوه الجمع إن أمكن وإلا نظر في تاريخ الكلامين ، فإن عرف السابق قيل : رجع الإمام عنه ، وإلا صار الأمر إلى الترجيح بينهما حسب الأدلة ، أي حسب أقواله الأخرى في الموضوع نفسه .
    وكلام الإمام ثلاثة أنواع :
    أولها : أن الحديث إذا صح عمل به ولا يشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، وهو تصريح بأنه غير قاطع ، ومثله قوله : » لا ننص الشهادة « .
    ثانيها : إنكاره على القائل : » الخبر يوجب عملاً ولا يوجب علماً « ، وهو يدل - حسب تفسيرهم - على أنه قاطع .
    ثالثها : قوله : » في أحاديث الرؤية نؤمن بها ونعلم أنها حق « ، وشهادته للعشرة بالجنة ، والحديث فيهما آحاد .
    والعبارة الأولى فيها عموم ؛ لأن لفظ الحديث معرف بالألف واللام ، وهو مع ذلك واقع بعد » إذا « الشرطية وهي من ألفاظ العموم فيشمل الصحيح المحفوف بالقرائن وغيره ، ويشمل المتواتر أيضاً لأنه من أنواع الصحيح في أعلى درجاته لكنه غير مراد هنا باتفاق أصحاب الإمام ، وكذلك الآحاد المحفوف بالقرائن حسب ما نقل أبو يعلى عنهم وما ذكر عن نفسه ، أما هو - ومن وافقه - فيصرح بأنه يفيد القطع ، وأما مخالفوه فيقطعون بما حفته القرائن وبما خلا عنها ، والمحفوف أحق ، فبقي الخلاف بينهم في غير المحفوف بها .
    والعبارة الثانية فيها عموم أوسع لأن لفظ » الخبر « معرف بالألف واللام وغير موصوف بالصحة كما وصف لفظ الحديث في العبارة الأولى فيشمل الضعيف والصحيح بنوعيه والمتواتر ، والضعيف غير مراد باتفاق أصحابه ، والمتواتر مراد باتفاقهم أيضاً ، وكذا الآحاد المحفوف بالقرائن لأنه قاطع عند الفريقين كما سبق ، فبقي الخلاف بينهما في غير المحفوف بها .
    وقد استدل القائلون بأن الخالي عن القرائن يوجب العلم عنده بأن الإمام قال في أحاديث رؤية العباد ربهم يوم القيامة نؤمن بها ونعلم أنها حق ، وهي آحاد ، وشهد للعشرة المبشرين بالجنة أنهم من أهلها ، وحديث ذلك آحاد ، فرجحوا العمل بدلالة إنكاره على القائل » الخبر يوجب عملاً ولا يوجب علماً « ، فإنه يدل على أن الخبر يوجب علماً وعملاً حسب الشرح السابق .
    وهذا الترجيح ضعيف من أربع جهات :
    أولاها : أن قوله : » ولا أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك « ، منطوق صريح في عدم إفادة الآحاد العلم ، أما قولهم » الخبر يوجب علماً وعملاً « فليس بمنطوق صريح بل أخذوه من إنكاره على من قال : » الخبر يوجب عملاً ولا يوجب علماً « ، والمنطوق الصريح مقدم عند التعارض .
    الثانية : أن تقديم العبارة التي فهموها من كلام الإمام وهي : » الخبر يوجب علماً وعملاً « على عبارته التي صرح بها وهي : » إذا جاء الحديث بإسناد صحيح فيه حكم عملت بالحكم ، ولا أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك « ، يؤدي إلى ترك أحد المتعارضين في ظاهرهما ، أما تخصيص الأولى بما حفته القرائن ، والثانية بما خلا عنها فهو من الجمع بين الدليلين فيؤدي إلى العمل بهما ، والجمع مقدم على الترجيح . قال ابن قدامة : ( فإن لم يمكن الجمع ولا معرفة النسخ ، رجحنا ) (28) . فيكون إنكار الإمام موجهاً إلى العموم في قولهم : » الخبر يوجب العمل ولا يوجب العلم « ، لا إلى القول كله .
    الثالثة : أن اعتمادهم في الترجيح - لو افترضنا تساوي القولين في القوة - على قول الإمام أحمد في مسألة الرؤية ومسألة الشهادة للعشرة بالجنة ، هو ترجيح غير مسلم لأن حديث رؤية العباد ربهم يوم القيامة نصت عليه كتب المتواتر (29) ، وأقل ما يقال هو أنه مما حفته القرائن ، وتلقته الأمة بالقبول فيكون الاستدلال به خارجاً عن محل النزاع ، ولأن حديث الشهادة للعشرة بالجنة - وإن كان لفظه آحاداً باعتبار ذكرهم معاً - فهو معضد بأحاديث كثيرة صحيحة متعددة الإسناد في حق كل واحد منهم وحده أو ضمن جماعة ، وهو يستند إلى آيات قرآنية أظهرها قوله تعالى : والسَّابٌقٍونّ الأّوَّلٍونّ مٌنّ المٍهّاجٌرٌينّ والأّنصّارٌ الَّذٌينّ َاتّبّعٍوهٍم بٌإحًسّانُ رَّضٌيّ الله عّنًهٍمً ورّضٍوا عّنًهٍ (30) ، وكونهم من أسبق السابقين متفق عليه .
    الرابعة : أن في أقوال الإمام الأخرى ما يقوي كون الآحاد الخالي عن القرائن ظنياً غير قاطع ، وهو الترجيح بين الأحاديث عند التعارض ، ومعنى الترجيح هو الحكم على المرجوح بالخطأ ، وما كان قاطعاً لا يصح أن يكون خطأ ، لأن معنى القطع عدم احتمال الخطأ كما سبق بيانه أول البحث .
    وهذا كله يظهر بجلاء أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه موافق للجمهور في أن الآحاد لا يوجب العلم القاطع إلا إذا كان محفوفاً بالقرائن الدالة على ذلك ، وإذا كان لا يشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، فأحرى من ذلك أنه لا يبني عليه الاعتقاد ، لأن الاعتقاد جزم لا يقبل أي تردد .
    والقول بأن الآحاد لا يفيد العلم القاطع إلا بالقرائن هو ما استقر ترجيحه عند الحنابلة ، قال الموفق ابن قدامة : ( اختلفت الرواية عن إمامنا رحمه الله في حصول العلم بخبر الواحد ، فروي أنه لا يحصل به وهو قول الأكثرين والمتأخرين من أصحابنا ... ولو كان مفيداً للعلم لما صح ورود خبرين متعارضين لاستحالة اجتماع الضدين ... وروي عن أحمد أنه قال في أخبار الرؤية : يقطع على العلم بها ، وهذا يحتمل أن يكون في أخبار الرؤية وما أشبهها مما كثرت رواته وتلقته الأمة بالقبول ودلت القرائن على صدق ناقله ، فيكون من المتواتر ، إذ ليس للمتواتر عدد محصور ، ويحتمل أن يكون خبر الواحد عنده مفيداً للعلم وهو قول جماعة من أهل الحديث وأهل الظاهر ) (31) .
    وقال الفتوحي : ( وغير المستفيض من الأحاديث يفيد الظن فقط عند الأكثر ، وقال الموفق وابن حمدان والطوفي وجمع إنه يفيد العلم بالقرائن ، قال في شرح التحرير : وهذا أظهر وأصح ... إلا إذا نقله أي : نقل غير المستفيض آحاد الأئمة المتفق عليهم أي على إمامتهم من طرق متساوية وتلقي المنقول بالقبول فالعلم ، أي فإنه يفيد العلم في قول ، قال القاضي أبو يعلى : هذا المذهب ، قال أبو الخطاب هذا ظاهر كلام أصحابنا ، واختاره الزاغوني والشيخ تقي الدين ) (32) . قلت : تقي الدين هو لقب ابن تيمية .

    الفصل الثالث : مذهب ابن تيمية

    موقف ابن تيمية من حديث الآحاد الخالي عن القرائن القاطعة ينبغي أن يهتم بدراسته وبيانه ، لأن المناصرين للقول بقطعيته يعتمدون على كلامه كثيراً ، وينقلونه حتى يكاد لا يعرف أنّ له كلاماً في المسألة غير ذلك ، مع أن له عبارات صريحة بكونه ظنياً تقابل تلك العبارات التي يفهم منها أنه قاطع الثبوت
    وهو لذلك ينبغي أن يجمع كلامه في هذه المسألة وينظر فيما يختلف منه وما يتفق ، ويوضح بعضه ببعض تفسيراً أو ترجيحاً بالاعتماد على قواعد الجمع والترجيح عند العلماء .
    وهو حسب ما ظهر لي - ويظهر في هذا البحث إن شاء الله تعالى - أقرب إلى رأي أبي يعلى إن لم نجزم بأنه على رأيه .
    وذلك لأنه صرح أحياناً بأن الآحاد ظني إذا خلا عن القرائن ، وقال في مواضع : إنه يفيد العلم لكنه فسر العلم بأنه عمل بحسب الدليل المتوفر وإن كان راجحاً ، وصرح بأن العمل بالدليل الراجح يقال له : عمل بالعلم ، وإذا كان الأمر كذلك فليس بين كلاميه اختلاف حقيقي بل يقال : إنّه حين يطلق أن الآحاد يفيد العلم فإن ظهر من كلامه أنه الآحاد المحفوف بالقرائن فهو يعني العلم القاطع الذي لا يحتمل النسيان أو الغلط أو الكذب ، وإن ظهر من كلامه أنه الآحاد الخالي عن القرائن فهو يعني العلم بمعنى الرجحان ؛ لأنه صرح بإفادة الآحاد الرجحان ، وصرح بأنه مع ذلك يسمى علماً - وقد سبق في بيان قول الحنابلة أن الفتوحي عد الشيخ تقي الدين بن تيمية فيمن يقول بقطعية الآحاد المتلقى بالقبول - وبدون هذا يضطر الإنسان إلى القول بأن له في المسألة قولين ، أو كلامه متناقض . أما القولان فلا يمكن حمل كلامه عليهما لأنه في مكان واحد وسياق واحد ، وأما التناقض فلا يحمل عليه كلام العلماء ما دام الجمع ممكناً .
    وأقوى عباراته في الدلالة على أن خبر الآحاد عنده يفيد العلم ، هو ما عقب به على كلام ابن عبد البر حين ذكر الخلاف في المسألة ورأيه فيها حيث قال : ( الذي نقول به أنه يوجب العمل دون العلم كشهادة الشاهدين والأربعة سواء ، وعلى ذلك أكثر أهل الفقه والأثر ، وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ، ويعادي ويوالي عليها ويجعلها شرعاً وديناً في معتقده ، على ذلك جماعة أهل السنة ، ولهم في الأحكام ما ذكرنا ، وبالله توفيقنا ) (33) .
    علق ابن تيمية على هذا الكلام بعد ما حكاه فقال : ( هذا الإجماع الذي ذكره في خبر الواحد العدل في الاعتقادات يؤيد قول من يقول : إنه يوجب العلم ، وإلا فما لا يفيد علماً ولا عملاً كيف يجعل شرعاً وديناً يوالى عليه ويعادى ) (34) .
    وإنما قلت : إنه أقوى كلامه في الدلالة على أنه يوجب العلم لأنه يذكره في الاعتماد عليه في الاعتقاد ، والاعتقاد معناه الجزم والقطع وعدم التردد وانتفاء احتمال الخطأ عادة ، وإلا لم يكن اعتقاداً ، أما قوله : » إنه يوجب العلم « فليس قوي الدلالة على رأيه ، لأن لفظ العلم عنده يكون بمعنى القطع ويكون بمعنى الرجحان كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
    وتعليقاته التي جاءت وراء هذا إذا نظر فيها تدل دلالة واضحة على أنه عنده يوجب العلم بواسطة القرائن فقد قال : ( ومما يحقق أن خبر الواحد العدل الواجب قبوله يوجب العلم ، قيام الحجة على جواز نسخ المقطوع به ، كما في رجوع أهل قباء عن القبلة - التي كانوا يعلمونها ضرورة من دين الرسول صلى الله عليه وسلم - بخبر واحد ، وكذلك في إراقة الخمر وغير ذلك ، وإذا قيل : إن خبر الواحد هناك أفادهم العلم بقرائن احتفت به ، قيل : فقد سلمتم المسألة ، فإن النزاع ليس في مجرد خبر واحد بل في أنه قد يفيد العلم ، والباجي مع تغليظه على من ادعى حصول العلم به جوز النسخ به في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم . قال القاضي في مقدمة المجرد : خبر الواحد يوجب العلم إذا صح سنده ولم تختلف الرواية به وتلقته الأمة بالقبول ، وأصحابنا يطلقون القول فيه وأنه يوجب العلم ، وإن لم تتلقه الأمة بالقبول والمذهب على ما حكيت لا غير ) (35) . وفي هذا الكلام دلالات عدة على أنه يريد بالخبر الواجب قبوله ، والذي يوجب العلم خبر الآحاد المحفوف بالقرائن دون المجرد منها :
    أولها : قوله : » ليس النزاع في مجرد خبر واحد « وهو واضح في نفي النزاع عن خبر لا قرائن معه .
    ثانيها : قوله : » بل في أنه قد يفيد العلم « ، ومعناه أنه يفيده حيناً ولا يفيده حيناً ، وهو تعيين لمحل النزاع .
    ثالثها : قوله لمن ينازعه في هذه المسألة عندما زعموا أن الخبر أفاد الصحابة العلم في الأخبار التي مثل بها بواسطة القرائن : » فقد سلمتم المسألة « ولا يكونون قد سلموا له إلا إذا كانت دعواهم توافق دعواه ، وهم يدعون أنه يفيد العلم بالقرائن .
    رابعها: أنه استشهد بكلام القاضي ، وكلام القاضي غاية في الصراحة حيث يشترط في الخبر ثلاثة شروط حتى يكون موجباً للعلم ويذكر منها تلقي الأمة له بالقبول ، وهذا الاستشهاد لا تكون له مناسبة إلا إذا كان يوافق ما يقصده من الاستشهاد به تمام الاتفاق بلا زيادة ولا نقص لأنه لم يعقبه بنقض ولا استثناء .
    فإذا أضيف إلى كلامه هنا كلامه الصريح في مواضع أخرى بأن خبر الآحاد ظني كان رأيه في هذه المسألة كالشمس في رابعة النهار وضوحاً ولم يعد يحتمل التأويل .
    فمن ذلك أنه ناقش التعبير عن الدليل الذي لا يحتمل الخطأ بلفظ : » القاطع « فلم يرض بهذا التعبير لأنه - حسب فهمه - صفة للمستدل لا للدليل وإن وصف به الدليل ، وبرهن على ذلك بأن الأمر قد يكون قاطعاً عند إنسان غير قاطع عند غيره ، واختار التعبير باللزوم ، وقسم الدليل إلى قسمين : مستلزمٍ لما يدل عليه بحيث لا يجوز أن يتخلف عنه بحال أو بسببب دليل معارض ، وإلى مرجح لما يدل عليه بحيث يجوز أن يتخلف المدلول عن الدليل بسبب المعارض ، واعتبر حديث الآحاد من القسم الثاني ، وهذا يوضح أيضاً مراده بكلمة دليل قاطع حين يستعملها وأنها لا تعني عدم إمكان الخطأ حقيقة وواقعاً إنما تعني ذلك بحسب نظر قائلها فقط ، ويظهر كل هذا من عبارته (36) حيث قال : ( الدليل ينقسم إلى ما يستلزم مدلوله وإلى ما يجوز تخلف مدلوله عنه لمعارض كما أن العلة تنقسم إلى موجبة ومقتضية ، فأما تقسيم الأدلة إلى قطعي وظني فليس هو تقسيماً باعتبار صفتها في أنفسها بل باعتبار اعتقاد المعتقدين بها مما يختلف باختلاف المستدلين ، فقد يكون قطعياً عند هذا ما ليس قطعياً عند هذا وبالعكس . وأما كون الدليل مستلزماً لمدلوله أو مرجحاً لمدلوله فهو صفة له في نفسه ، مثل كون العلة قد تكون تامة موجبة للمعلول ، وقد تكون مقتضية يتخلف عنها المعلول لفوات شرط أو وجود مانع فخبر الواحد العدل [ مرجح لمخبره ] (37) ليس هو مستلزماً لمخبره ) .
    ولا أظن الباحث المنصف يجد عبارة أصرح من هذه في بيان رأي ابن تيمية في هذه المسألة ، لأن الرجحان نفسه هو الظن في اصطلاح الجمهور كما سبق بيانه مراراً ، وإذا اتفق معهم في حقيقة المسألة فلا ضرر في الاختلاف اللفظي حين يسمي هذا الرجحان علماً ، فإنه صرح بإطلاق لفظ العلم على الدليل القاطع - بمعناه عند الجمهور - وعلى الدليل الظني فقال : ( العالم عليه أن يتبع ما ظهر من أدلة الشرع ويتبع أقوى الأدلة وهذا كله يمكن أن يعلم فيكون عاملاً بعلمه ، ويمكن أن يعجز عن العلم فيتبع ما يظنه ، وحينئذ فعمله بما يمكن أن يعلمه عمل بعلم ) (38) .
    وقال قبل ذلك : ( والمجتهد عليه أن يعمل بأقوى الدليلين ، وهذا عمل بالعلم فإن رجحان الدليل مما يمكن العمل به ، ولا يجوز أن يتكافأ دليل الحق والباطل ، فأما إذا اعتقد ما ليس براجح راجحاً فهذا خطأ منه ، وبهذا يتبين أن الفقه الذي أمر الله به من باب العلم لا من باب الظن ) (39) .
    ويتأكد أن ابن تيمية يرى حديث الآحاد راجح الثبوت غير قاطع بكلامه عن هذه المسألة في كتابه » علم الحديث « (40) . فقد كتب تحت هذا العنوان » الحديث الصحيح هل يكون صدقاً « كلاماً صريحاً في أن الآحاد إذا لم تتلقه الأمة بالقبول ولم يتفق على صحته فهو راجح الثبوت فقال : ( إن الحديث الصحيح أنواع ، وكونه صدقاً يُعنى به شيئان فمن الصحيح ما تواتر لفظه ، كقوله : » من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النّار « ومنه ما تواتر معناه كأحاديث الشفاعة وأحاديث الرؤية ... فهذا يفيد العلم ويجزم بأنه صدق ... ومن الحديث ما تلقاه المسلمون بالقبول ، فعملوا به ... فهذا يفيد العلم ويجزم بأنه صدق ، لأن الأمة تلقته بالقبول تصديقاً وعملاً بموجبه ، والأمة لا تجتمع على ضلالة ... ومن الصحيح ما تلقاه بالقبول والتصديق أهل العلم بالحديث كجمهور أحاديث البخاري ومسلم ... وإذا أجمع أهل العلم على شيء فسائر الأمة تبع لهم ، فإجماعهم معصوم لا يجوز أن يجمعوا على خطأ ... ومما قد يسمى صحيحاً ما يصححه بعض علماء الحديث ، وآخرون يخالفونهم في تصحيحه ، فيقولون : هو ضعيف ليس بصحيح مثل ألفاظ رواها مسلم في صحيحه ونازعه في صحتها غيره من أهل العلم إما مثله أو فوقه أو دونه فهذا لا يجزم بصدقه إلا بدليل ) .
    ثم قال : ( وفي البخاري نفسه ثلاثة أحاديث نازعه في صحتها بعض النّاس مثل حديث أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الحسن : » إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين « ، فقد نازعه طائفة ، منهم : أبو الوليد الباجي ، وزعموا أن الحسن لم يسمعه من أبي بكرة لكن الصواب مع البخاري ) (41) .
    وأطال ابن تيمية في الأمثلة والتعليق عليها ، ثم قال : ( والمقصود هنا التمثيل بالحديث الذي يروى في الصحيح وينازع فيه بعض العلماء وأنه قد يكون الراجح تارة ، وتارة المرجوح ) (42) .
    وهذا صريح أيضاً في أن الحديث الآحاد الصحيح إذا لم تتلقه الأمة أو أهل الحديث بالقبول ، يكون في أحسن حالتيه راجحاً غير قاطع ، ثم قال عقبه : ( ومثل هذا من موارد الاجتهاد في تصحيح الحديث كموارد الاجتهاد في الأحكام )
    بل إن ابن تيمية صرح في بعض كتبه بأن حديث الآحاد في نفسه دون تلقي الأمة بالقبول » لا يفيد إلا الظن « ، هكذا بطريق الحصر مع تأكيده بنفي القطع » بدون الإجماع ليس بقطعي « قال : ( وخبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء ... فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن ، لكن لما اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق ، كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم ، مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد ، فإن ذلك الحكم يصير قطعياً عند الجمهور وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي لأن الإجماع معصوم ) (43) .
    هذا هو رأي ابن تيمية في حديث الآحاد الخالي من القرائن ، لكن ابن تيمية في بعض المواضع يحاول أن يأخذ هذه المسألة من جميع جوانبها ، فيتناول جانباً منها ثم ينتقل إلى آخر ثم يعود إلى الأول فيلتبس مراده أحياناً وبالتأمل تظهر حقيقة مراده - فمن ذلك فيما رواه عنه ابن القيم - أنه تكلم في المتواتر والآحاد ، فذكر الآحاد المحفوف بالقرائن وأيَّد القائلين بكونه قاطعاً ، ثم انتقل إلى خبر الواحد الذي أوجبت الشريعة تصديق مثله - والظاهر أنه يريد به الخالي عن القرائن - فذكر أن فيه قولين ، ثم عاد يقرر كيف يحصل العلم بالقسم الأول ، فظن بعض الناظرين في كلامه أنه يعني القسم الثاني ، وكلامه عند التأمل لا ينطبق إلا على القسم الأول الذي تلقته الأمة بالقبول كما يظهر من عباراته ، قال ابن القيم نقلاً عن ابن تيمية : ( وأما القسم الثاني من الأخبار فهو ما لا يرويه إلا الواحد العدل ونحوه ولم يتواتر لفظه ولا معناه ، ولكن تلقته الأمة بالقبول ... فهذا يفيد العلم عند جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ... واعلم أن جمهور أحاديث البخاري ومسلم من هذا الباب . وأما خبر الواحد الذي أوجبت الشريعة تصديق مثله والعمل به ، بأن يكون خبر عدل معروف بالصدق والضبط والحفظ ، فهذا في إفادته للعلم قولان هما روايتان منصوصتان عن أحمد :
    إحداهما : أنه يفيد العلم أيضاً ... والقول الثاني : أنه لا يوجب العلم ... وأهل العلم بالحديث لا يجعلون حصول العلم بمخبر هذه الأخبار الثابتة من جهة العادة المطردة في حق سائر المخبرين بل يقولون : » ذلك لأمر يرجع إلى المخْبِر ، وأمر يرجع إلى المخْبَر عنه ، وأمر يرجع إلى المخْبَر به ، وأمر يرجع إلى المخْبَرِ المبلَّغ .
    فأما ما يرجع إلى المخبِر فإن الصحابة الذين بلَّغوا الأمة سنة نبيها كانوا أصدق الخلق لهجة وأعظمهم أمانة وأحفظهم لما يسمعونه ... وكذلك الثقات العدول الذين رووا عنهم ، هم أصدق الناس لهجة وأشدهم تحرياً للصدق والضبط ...
    وأما ما يرجع إلى المخبَر عنه فإن الله سبحانه تكفل لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يظهر دينه على الدين كله وأن يحفظه حتى يبلغه الأول لمن بعده ...
    وأما ما يرجع إلى المخبر به فإنه الحق المحض وهو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كلامه وحي فهو أصدق الصدق وأحق الحق بعد كلام الله فلا يشتبه بالكذب والباطل على ذي عقل صحيح ، فبين الخبر الصادق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الخبر الكاذب عنه من الفرق كما بين الليل والنهار والضوء والظلام ، وكلام النبوة مميز بنفسه عن غيره من الكلام الصدق فكيف نسبته بالكذب ؟! ولكن هذا إنما يعرفه من له عناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخباره ، ومن سواهم في عمى عن ذلك ...
    وأما ما يرجع إلى المخبَر فنوعان : نوع له علم ومعرفة بأحوال الصحابة وعدالتهم وتحريهم للصدق والضبط وكونهم أبعد خلق الله عن الكذب وعن الغلط والخطأ فيما نقلوه إلى الأمة ، وتلقاه بعضهم عن بعض بالقبول ، وتلقته الأمة بالقبول عنهم كذلك وقامت شواهد صدقهم فيه ، فهذا المخبَر يقطع بصدق المخبِر ويفيده العلم لمعرفته بحاله وسيرته ، ونوع لا علم لهم بذلك ... فهؤلاء لا يفيدهم خبرهم اليقين ) (44) .
    وواضح كل الوضوح أن هذا الحكم بأن خبر الآحاد يوجب العلم اليقيني ، مقصور على ما تلقته الأمة بالقبول ، فلا يصح أن يقال : إن ابن تيمية يحكم بذلك على الآحاد الذي لم تتلقه الأمة بالقبول ، وإن كانت بداية كلامه تشعر بأن هذا للنوع الذي ذكره آخراً .
    وبيان ذلك أنه كان يتحدث عما تلقته الأمة بالقبول ثم انتقل عنه فقال : » وأما خبر الواحد الذي أوجبت الشريعة تصديق مثله بأن يكون خبر عدل معروف بالصدق والضبط ، فهذا في إفادته للعلم قولان « ، فذكر القولين ثم قال بعد ذلك : » وأهل العلم بالحديث لا يجعلون حصول العلم بمخبر هذه الأخبار من جهة العادة المطردة في حق سائر المخبرين ، بل يقولون ذلك لأمر يرجع إلى المخبر ، وأمر يرجع إلى المخبر عنه ، وأمر يرجع إلى المخبر به ، وأمر يرجع إلى المخبر المبلَّغ « . وهذا يراد به بيان سبب حكمهم بأن هذه الأخبار تفيد العلم اليقيني ، فشرحها واحداً واحداً ، حتى إذا انتهى منها جميعاً وجاء إلى ذكر الحكم الناتج عنها ، إذا هو يذكره مقصوراً على الذي تلقته الأمة بالقبول كما سبق نقله عنه ، فلا يمكن أن يقال : إنه يريد معه الذي ما تلقته الأمة بالقبول .
    والدليل الذي يؤكد ذلك أن هذه الأمور التي يرجع إليها الحكم بأن هذه الأحاديث توجب العلم ليس فيها واحد يوجب العلم ولا هي بمجموعها توجبه كما هو واقعها عند المحدثين وعند كل من يتدبرها إلا أن يكون معها التلقي بالقبول .
    فكون الصحابة في أعلى الدرجات من تحري الصدق والضبط يسلم له لكنه لم يمنع من اختلافهم في الرواية ورد بعضهم على بعض كما هو واضح في حديث القليب بين عبد الله ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما ، وما دام الخطأ ممكناً فالقطع غير موجود ، لأن معناه عدم إمكان الخطأ . فإذا أجمعت الأمة على تلقي أحد الخبرين بالقبول دلّ ذلك على نفي احتمال الخطأ .
    وأما حفظ الله تعالى لدينه فلو كان حفظاً لكل حديث صحيح السند لما اختلف علماء الحديث في تصحيح الأحاديث إنما هو حفظ بمعنى أن الأمة لا تجتمع على تصحيح ما لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم أو ترك حديث قاله ، أما ما لم تتفق الأمة على قبوله أو رده فلا يدخل في ذلك ، ويأتي شرح ذلك في كلام ابن حزم . وابن تيمية أيضاً بين هذا عند ذكر بعض أحاديث الصحيحين التي اختلف فيها كما سبق .
    وأما كون الحديث وحياً وحقّاً ونوراً لا يلتبس بالباطل كما لا يلتبس النور والظلام ، فهذا إنما يعرف بعد ثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، أما قبل ذلك - وهو المهم وهو موضع البحث - فليس كل حديث تعرف صحته بهذا ، وإلا لما اختلف كبار الأئمة في إثبات بعض الأحاديث ونفيها كما هو مشهور عن البخاري ومسلم والإمام أحمد والإمام مالك ، بل وقع الخلاف بين الصحابة أيضاً ، وحسبنا من ذلك » كتاب الإصابة فيما استدركته عائشة على الصحابة « ، عدا عن اختلاف الآخرين فكيف التبس عليهم إذا كان الفرق بين صحيح الحديث وغيره كالفرق بين النور والظلام ؟! إلا إذا كان ذلك بعد ثبوته أو كان في القرآن الكريم ما يدل عليه .
    وأما علم المخْبَرين وهم علماء الحديث الذين يحكمون بصحة الحديث أو ضعفه فالخلاف بينهم أيضاً موجود لم يمنعهم تبحرهم في الحديث من الوقوع في بعض الأخطاء كالبخاري ومسلم ومالك وأحمد ، وقد ساق ابن تيمية (45) - كما مرّ من قبل - أمثلة من صحيح مسلم خالفه فيها غيره ، كتضعيف الإمام أحمد حديث : » أيما إهاب دبغ فقد طهر « ، وكتضعيف الشافعي أحاديث صلاة الكسوف بأكثر من ركوعين وهو عند مسلم ، وكتضعيف البخاري ويحيى بن معين حديث مسلم : » خلق الله التربة يوم السبت « ، فكيف اختلفوا نفياً وإثباتاً مع أنهم أعلم الناس بالحديث وشروطه ونوره ولا بد أن يكون أحدهما مخطئاً ؟! .
    فهذه الأدلة كلها تنفي الخطأ عن الأمة كلها لا عن أفرادها ، فلا تقبل كلها حديثاً ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ترد حديثاً قاله ، وهذا هو معنى أن اتفاقها على صحة الحديث يوجب العلم اليقيني القاطع وكذا اتفاقها على عدم صحته .
    أما القولان اللذان حكاهما في أن حديث الآحاد يوجب العلم فيحتاجان إلى شيء من البحث يكشف حقيقتهما ، قال ابن تيمية فيما نقل ابن قيم الجوزية في كتابه الصواعق المرسلة : ( وأما خبر الواحد الذي أوجبت الشريعة تصديق مثله والعمل به بأن يكون خبر عدل معروف بالصدق والضبط والحفظ ، فهذا في إفادته للعلم قولان هما روايتان منصوصتان عن أحمد :
    أحدهما : أنه يفيد العلم أيضاً ، وهو إحدى الروايتين عن مالك اختاره جماعة من أصحابه ، منهم : محمد بن خواز منداد ، واختاره جماعة من أصحاب أحمد ، منهم : ابن أبي موسى وغيره ، واختاره الحارث المحاسبي ، وهو قول جمهور أهل الظاهر وجمهور أهل الحديث ، وعلى هذا فيحلف على مضمونه ويشهد به .
    والثاني : أنه لا يوجب العلم ، وهو قول جمهور أهل الكلام وأكثر المتأخرين من الفقهاء وجماعة من أهل الحديث ، وعلى هذا فلا يحلف على مضمونه ولا يشهد به .
    وقد حلف الإمام على مضمون كثير من الأخبار الآحاد حلف على البت ) (46).
    وهذا الكلام يناقش من وجوه :
    أولها : أنه قال : » يفيد العلم « ، وقد صرح هو بأن الرجحان يسمى علماً كما سبق نقله عنه ، فإذا كان لفظه يحتمل إرادة القطع ويحتمل إرادة الرجحان فالتوفيق بين هذا المحتمل وبين كلامه السابق الصريح » أنّ الآحاد يفيد الرجحان « ، أن يقال : إنه هنا يريد الرجحان .
    ثانيها : أن مذهب أحمد ما دام قولين منصوصين - حسب ما ذكره ابن تيمية - فلا يرجح القول بأنه يرى الآحاد مفيداً للعلم ، هذا حسب ما ذكره ابن تيمية هنا أما على ما سبق ذكره من النقل عن أحمد فالقول بأنه يراه للرجحان أقوى كثيراً .
    وأمّا أصحاب الأمام أحمد فقال الموفق بن قدامة في روضة الناظر: ( اختلفت الرواية عن إمامنا رحمه الله في حصول العلم بخبر الواحد ، فروي أنه لا يحصل به وهو قول الأكثرين والمتأخرين من أصحابنا ) (47) ، ثم رجح هذا القول وساق أدلته ووافق أبا يعلى على تفسيره لكلام الإمام أحمد رضي الله عنه .
    ثالثها : أن أصحاب مالك أعرف بمذهبه ، والاعتماد على نقلهم أولى ، وقد قال ابن عبد البر رحمه الله :_( اختلف أصحابنا وغيرهم في خبر الواحد العدل هل يوجب العلم والعمل جميعاً أم يوجب العمل دون العلم ؟ والذي عليه أكثر أهل العلم منهم أنه يوجب العمل دون العلم ، وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر ... ، وقال قوم كثير من أهل الأثر وبعض أهل النظر : إنه يوجب العلم الظاهر والعمل جميعاً ، منهم الحسين الكرابيسي وغيره ، وذكر ابن خواز منداد أن هذا القول يخرج على مذهب مالك . قال أبو عمر : الذي نقوله إنه يوجب العمل دون العلم كشهادة الشاهدين والأربعة سواء ، وعلى ذلك أكثر أهل الفقه والأثر ، وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ويعادي ويوالي عليها ، ويجعلها شرعاً وديناً في معتقده ، على ذلك جماعة أهل السنة ولهم في الأحكام ما ذكرنا ، وبالله توفيقنا ) (48).
    فمالك لم يقل : إن الآحاد يفيد العلم لكن ابن خواز منداد خرج هذا القول على مذهبه تخريجاً لا نقلاً صريحاً أو غير صريح ، وابن عبد البر ينقل عن الأكثرين منهم ومن غيرهم أنه لا يفيد العلم ثم يرجحه ، وينقل عن الذين قالوا يفيد العلم أنه العلم الظاهر ، وهو بمعنى الرجحان الذي قاله ابن تيمية سابقاً .
    وأما قوله : » وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ... إلى آخره « فلو فسر بأنه يفيد العلم لكان كلامه متناقضاً ، وليس له - إذا أريد دفع تناقضه - إلا واحد من معنيين : إما أن يفسر بما فسره ابن تيمية نفسه كما سبق عنه ، أي بأنه مراد به الآحاد المحفوف بالقرائن ، وإما أن يفسر بأنهم يعتقدون وجوب العمل به ، وهذا أقرب إلى عبارته وأبعد لكلاميه عن التناقض ، وليس بينهما فاصل .
    رابعها : أنه لم يذكر الشافعي ولا أبا حنيفة في القول الأول ولا الثاني .
    أما الشافعي فقد صرح ابن عبد البر أنه يقول بأن الآحاد غير قطعي ، ولم يذكر من أصحابه أحداً قال بإفادة العلم إلا الحسين الكرابيسي ، وقد صرح الشافعي نفسه في رسالته كما سبق نقله عنه بأن العلم به ليس علم إحاطة ، وسواه بشهادة الشهود في إمكان الغلط والأخذ بظاهر الصدق ، وقال : إن من شك فيه لا يقال له تب ، ولو كان يوجب العلم القاطع لكان يقال له تب ؛ لأنه شك في خبر عن الشرع معلوم قطعاً .
    وكذلك نقل ابن عبد البر إفادته العلم عن أكثر أهل الفقه والأثر ، ولم يفرق بين متقدمين ومتأخرين ، وليس عن أكثر متأخري الفقهاء ، وليس عن جماعة من المحدثين فقط ، وذلك واضح كل الوضوح فيما ذكره ابن الصلاح والنووي وابن حجر وغيرهم من علماء الحديث (49) ، وقد سبق ذكر بعضه أول هذا البحث .
    وأما الحنفية فمذهبهم في الفقه كله قائم على أساس التفريق بين الدليل الظني والقطعي ، ومذهبهم في أن الآحاد ظني أشهر من أن يحتاج إلى نقل معين (50)
    وأما حلف الإمام أحمد على بعض الأحاديث التي يقال إنها آحاد فقول غير مسلم ، سبقت مناقشته ومناقشة الأحاديث التي زعموها آحاداً ، فحديث رؤية العباد ربهم تبارك وتعالى متواتر ، وحديث العشرة المبشرين بالجنّة قرائنه كثيرة جداً ، فلا يصح أن يقال : إنهما آحاد ثم يقاس بهما غيرهما في إفادتهما العلم القاطع .
    الفصل الرابع : مذهب ابن حزم
    رأي ابن حزم في إفادة حديث الآحاد القطع قد وضحه في كتابه : الإحكام في أصول الأحكام ، وله في ذلك كلام طويل أقتصر هنا إن شاء الله على نقله ، ثم التعليق عليه ، واختصره لكي لا يطول الفصل بين المواضع التي يظهر للقاريء منها - قبل الجمع والتوضيح - أنها مختلفة .
    لكن ينبغي قبل ذلك أن نذكر أن ابن حزم لا يسوي بين الأخبار العادية غير الشرعية ، وبين الأخبار الشرعية ، أي هو لا يزعم أن كل عدل ضابط خبره قاطع الثبوت أيّاً كان الخبر ، بل الذي يكون قاطع الثبوت هو الخبر الشرعي عن الله تعالى ورسوله . أما غيره فيحتمل الصدق والكذب والخطأ والصواب ، لأن الخبر الشرعي إنما صار قطعياً بعصمة الله تعالى وحفظه لدينه ، والدليل على ذلك عنده أنا لو قلنا بأن أحاديث الآحاد ظنية - وأكثر الشرع معتمد عليها ، والظن يخطىء ويصيب - كان معنى ذلك التسليم بأنه يمكن أن يدخل في دين الله ما ليس منه أو يضيع ما هو منه وهذا نقيض العصمة .
    وذلك التفريق بين النوعين من الأخبار واضح في استدلاله ، فإن الأدلة التي أوردها كلها تدور في هذا النطاق ، وقد صرح بإمكان الخطأ في الأخبار غير الشرعية (51) لكن لا ننقل ذلك هنا لعدم أهميته في القضية موضع البحث ونقتصر على كلامه في الأخبار الشرعية .
    وهذا الذي قاله حق لا ريب فيه ولا يمكن إنكاره ، لكن لا يمكن أيضاً أن تنكر أخطاء العدول في رواية الحديث النبوي فهي من الواقع المشهود ، كما لا يمكن أن ينكر اختلاف العلماء في تعديل بعض الرواة فيتبعه اختلاف في تصحيح بعض الأحاديث ، وهذا ما دعا ابن حزم إلى أن يوضح رأيه فيقول في كتابه الإحكام في أصول الأحكام : ( إنا قد أَمِنّا - ولله الحمد - أن تكون شريعة أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ندب إليها فتضيع ... وأمنا أيضاً قطعاً أن يكون الله تعالى يفرد بنقلها من لا تقوم الحجة بنقله من العدول ، وأمنا أيضاً قطعاً أن تكون شريعة يخطيء فيها راويها الثقة ولا يأتي بيان جلي واضح بصحة خطئه فيه ، وأمنا أيضاً قطعاً أن يطلق الله عز وجل من قد وجبت الحجة علينا بنقله على وضع حديث فيه شرع ... وكذلك نقطع ونبت بأن كل خبر لم يأت قط إلا مرسلاً أو لم يروه قط إلا مجهول أو مجرح ثابت الجرحة فإنه خبر باطل ... قال علي : وهذا الحكم الذي قدمنا إنما هو فيمن اتفق على عدالته ... وفي كل من ثبتت جرحته ... وأما من اختلف فيه فعدله قوم وجرحه آخرون ، فإن ثبتت عندنا عدالته قطعنا على صحة خبره ، وإن ثبتت عندنا جرحته قطعنا على بطلان خبره ، وإن لم يثبت عندنا شيء من ذلك وقفنا وقطعنا ، ولا بد حتماً على أن غيرنا لا بد أن يثبت عنده أحد الأمرين وليس خطؤنا إن أخطأنا وجهلنا إن جهلنا حجة على ضياع دين الله تعالى بل الحق ثابت معروف عند طائفة وإن جهلته أخرى ، والباطل كذلك ، كما يجهل قوم ما نعلمه نحن أيضاً ) (52) .
    ودون دخول في مناقشة ابن حزم فيما لا يتعلق بصلب هذه المسألة (53) ، نجد أن ابن حزم عند توضيح رأيه رجع إلى قول الجمهور سواء تنبه إلى ذلك أو لم يتنبه ، ويظهر ذلك من ثلاثة أمور :
    أولها : أنه فسر العصمة بأنها لكل الأمة ، أي لا يمكن أن تجمع الأمة على قبول رواية باطلة أو ترك رواية صحيحة ، وهذا عين ما يقوله الجمهور من أن الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول ، ثبوته يقيني وإن كان يقيناً نظرياً غير ضروري ، وهو لم يقل إن حديث الآحاد يفيد اليقين الضروري ولو ادعاه لم يقبل منه ؛ لأن الضروريات لا تحتمل الخلاف أصلاً .
    ثانيها : أنه حصر عصمة الرواة في أنها عصمة عن خطأ يخفى على الأمة كلها حتى تقبل حديثاً باطلاً أو تترك حديثاً صحيحاً ، وهذا هو المعنى السابق نفسه .
    ثالثها : أنه سلم بإمكان وقوع الخطأ - عند الاختلاف في الراوي - من طائفة دون طائفة أخرى ، حيث قال : » الحق معروف عند طائفة وإن جهلته أخرى ، والباطل كذلك ، كما يجهل قوم ما نعلمه نحن « ، وهذا الاحتمال في الحكم بالعدالة أو الجرح ، والحكم بالصحة أو البطلان ، هو نفسه معنى الحكم بالثبوت الظني عند الجمهور سواء رضي ابن حزم أن يسميه ظناً أم أبى ذلك ، فتغيير الأسماء لا يضر . إذا عرفت حقيقة الأمر وهي أنه يمكن أن يصحح بعض العلماء حديثاً ويخطئوا في ذلك ويبنوا عليه حكم الشرع ، كما يمكن أن يضعف بعضهم حديثاً ويخطئوا في ذلك ويبنوا حكم الشرع على خلافه ، وهذا كثير ظاهر في كتب ابن حزم وغيره ، يضعف قول مخالفيه ويبين في كثير من الأحيان أنهم أخطؤوا لاعتمادهم على حديث ضعيف صححوه ، أو على حديث صحيح ضعفوه ، وقوله : إنهم أخطؤوا في الحكم ، معناه أنهم دخل عليهم في دينهم أمر لا دليل له من الشرع ، أي هو ليس من الشرع وهم أئمة مجتهدون ، وهذه هي حقيقة ظنية الآحاد ونتائجها .
    ثم إن تقسيم الجمهور أنسب لحقيقة البحث في ثبوت الأحاديث الشريفة من تقسيم ابن حزم ، فقد جعلوه ثلاثة أقسام : متفق على قبوله ، ومتفق على تركه ، ومختلف فيه . وإنما كان أنسب لأمرين اثنين :
    أولهما : أن تقسيم الجمهور أشمل لأن ابن حزم لم يتعرض للخلاف والوفاق حول الحديث الشاذ مما يكون راويه عدلاً لكنه خالف في رواية معينة وإن أشار إليه ، ولا للحديث المنقطع الذي يرويه الثقة أيضاً بينما هما مشمولان في تقسيم الجمهور ، ومع ذلك فقد أشار إلى أخطاء الثقات .
    ثانيهما : أن ابن حزم كلامه لا يشمل من عدله إمام واحد وسكت عنه غيره ولم يجمع على عدالته أو جرحه ، بينما يشمله كلام الجمهور في القسم الظني .
    وإذا كان رأي ابن حزم على ما سبق فهو ليس ببعيد من الجمهور في أن حديث الآحاد العدول ظني ، وخلافه لهم - عند التحقق - لفظي لا يتجاوز الاصطلاح حيث استعمل لفظ العلم في بعض معانيه اللغوية ، وهو أن يكون قائله متحققاً مما يقول حسب ما يمكنه من الاستدلال ، ولفظ القطع قصد به أن لا يكون متردداً في حكمه حسب ما يمكنه من الاستدلال أيضاً ، ولو لم نفسر كلامه بهذا - قصداً للجمع بين أقواله - لكان متناقضاً في القول بالقطع مع تسليمه بإمكان الخطأ ، والله تعالى أعلم .

    خاتمة البحث

    تشتمل هذه الخاتمة على أمرين : أحدهما : خلاصة البحث ، وثانيهما : الوصية بالتروي في المسائل الخلافية وتعميق النظر في بحثها للتوصل إلى حقيقتها مع التأكيد على أن المسائل الاجتهادية ينبغي ألا تؤدي إلى خصومات ولا يبدع قائلها .
    أمّا خلاصة البحث فهذه بنودها :
    1 - أن الجمهور من المحدثين والفقهاء يرون حديث الآحاد الصحيح يفيد الظن الراجح بثبوت مضمونه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا تجرد عن القرائن القاطعة ، ويفيد العلم القاطع إذا احتف بها .
    2 - مرادهم بالظن هو الدليل الراجح الذي يحتمل الخطأ احتمالاً ضعيفاً .
    3 - هذه المسألة غير مسألة وجوب العمل به فإنها لم يخالف فيها من أهل السنة إلا الأقل النادر ، وهي أيضاً غير مسألة لزوم اعتقاد وجوب العمل به .
    4 - إذا لم يكن الآحاد قاطع الثبوت فلا تبنى عليه العقائد ، لأن الاعتقاد مع احتمال الخطأ محال مهما قل الاحتمال ، وقد اكتفيت بتعليقات يسيرة في هذا الموضوع لأني خصصت له بحثاً مستقلاً أسأل الله التوفيق فيه .
    5 - أن الإمام أحمد مع الجمهور في ذلك حسب قول الأكثرين من أهل مذهبه ، وأن قولهم ذاك مبني أيضاً على مقارنة عباراته بعضها ببعض حسب قواعد الجمع والترجيح .
    6 - أن ابن تيمية صرح بكونه ظنياً في بعض المواضع ، وقال في مواضع أخرى إنه قاطع لكن المقارنة بين أقواله ترجح الأول .
    7 - أن ابن حزم يصرح كثيراً بأنه قاطع لكنه حين بلغ موضع الفصل في المسألة ظهر من كلامه أنه يقر بكونه ظنياً وأنه يعني بالآحاد القاطع ما اتفق المحدثون على عدالة ناقليه وهذا عود إلى رأي الجمهور .
    وأما الأمر الثاني :
    1 - فهو أن المسألة - بغض النظر عن نتيجتها في البحث - ينبغي ألا تثير الخصومات بين المسلمين ، فالخلاف فيها من الأمور الاجتهادية إذ المختلفون من الفريقين أئمة لهم في الدين مكانة عالية لا يمكن الحكم عليهم بالبدعة ، وحل الخلاف عن طريق العلم هو الطريق الأمثل .
    2 - وهي إذا كانت من الاجتهاديات فالخلاف فيها مما رخص الله تعالى فيه فلا بدعة فيها . وكيف يبَدَّعُ صاحبها وقد أثابه الله حتى في حالة الخطأ ، فهل يثيب الله تعالى على البدعة ؟!! .
    أخيراً .. أسأل الله تعالى أن يوفقني وجميع المسلمين إلى ما يحبه ويرضاه ، وأن يجمعنا على الحق والخير وما توفيقي إلا بالله .
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وورثته إلى يوم الدين .

    ________________________

    فِهْرِست المراجع

    إتحاف ذوي الفضائل المشتهرة لعبد العزيز بن الصديق الغماري ، ط دار التأليف بالقاهرة .
    2 - الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ، ط دار الكتب العلمية ببيروت .
    3 - تدريب الراوي شرح تقريب النواوي لجلال الدين السيوطي ، تحقيق الدكتور أحمد عمر هاشم ، ط دار الكتاب العربي بالقاهرة 1993م .
    4 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر ، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي ، ط وزارة الأوقاف بالمغرب 1967 م .
    5 - تيسير التحرير لمحمد أمين أمير بادشاه ، دار الفكر بدمشق .
    6 - الرسالة للإمام الشافعي ، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر ، ط دار التراث العربي بالقاهرة 1979 م .
    7 - روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد لموفق الدين بن أحمد ابن قدامة ، المطبعة السلفية بالهند 1379 هـ .
    8 - شرح الكوكب المنير لابن النجار ، تحقيق الدكتور محمد الزحيلي والدكتور نزيه حماد ، مكتبة العبيكان بالرياض 1993 م .
    9 - صحيح البخاري ( الجامع الصحيح ) للإمام البخاري ، تحقيق الدكتور مصطفى البغا ، دار ابن كثير بدمشق 1993 م .
    10 - صحيح مسلم للإمام مسلم ، تحقيق محمد سالم هاشم ، دار الكتب العلمية ببيروت 1994 م .
    11 - العدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى الفراء ، تحقيق أحمد بن علي سيد المباركي ، مؤسسة الرسالة ببيروت 1980 م .
    12 - علم الحديث ، لتقي الدين أحمد بن تيمية ، ، تحقيق موسى محمد علي ، دار التوفيق بالقاهرة 1984 م .
    13 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ، تحقيق سيد بن عباس الجليمي وأيمن الدمشقي ، دار أبي حيان بالقاهرة 1996 م .
    14 - القاموس المحيط للفيروزآبادي ، تحقيق محمد بن عبد الرحمن المرعشلي ، دار إحياء التراث العربي 1997 م .
    15 - لسان العرب لجمال الدين بن منظور ، دار صادر ببيروت 1994 م .
    16 - مجموع الفتاوى لتقي الدين أحمد بن تيمية ، جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم .
    17 - مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم ، اختصره محمد بن الموصلي ، دار الكتب العلمية ببيروت .
    18 - المسودة في أصول الفقه لآل تيمية ، جمع أبي العباس الحراني ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ، دار الكتاب العربي ببيروت .
    19 - مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث ، مكتبة المتنبي بالقاهرة .
    20 - نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر العسقلاني ، تحقيق عبد السميع الأنيس وعصام الحرستاني ، دار عمار بعَمَّان 1997 م


    الهوامش:


    * باحث أول في دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث بدبي ، ومدرس اللغة العربية وأصول الفقه في دار نهضة العلوم الشرعية بحلب سابقاً . ولد في مدينة حلب سنة (1374هـ/ 1953م) . ونال درجة الدكتوراه في البلاغة والنقد من كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر بالقاهرة بمرتبة الشرف الأولى سنة (4141هـ/ 1993م). وله عدة بحوث ومؤلفات .
    (1) سورة آل عمران : الآية 105 .
    (2) السورة السابقة : الآية 110 .
    (3) صحيح البخاري 2676/6 برقم ( 6919 ) ، صحيح مسلم 239/11 .
    (4) سورة يونس : الآية 32 .
    (5) ولذلك لم أستقص أدلة المخالفين بل ذكرت أقواها وأعرضت عن غيره لا سيما الأدلة الخطابية .
    (6) سورة الحجرات : الآية 14 .
    (7) هذا هو معنى القطع كما بينه العلماء عند تعريف الحديث المتواتر ، ولم يفرقوا بين الآحاد المحفوف بالقرائن وبين المتواتر إلا من حيث إن الآحاد يفيد العلم النظري - أي بالاستدلال ، وأن المتواتر يفيد العلم الضروري .
    (8) ص 47 .
    (9) ص 48 .
    (10) ص 460 .
    (11) صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، تفسير سورة المنافقون ، حديث (4617) و (4618) .
    (12) هو يدعي حقاً لله على الغير فهو شاهد فلا يطالب باليمين لكن يطالب بها المدعى عليه أي المشهود عليه هنا .
    (13) صحيح البخاري ، أبواب سجود السهو ، برقم (1172) .
    (14) وهَلَ : وهَلَ إلى الشيء يَوْهَلُ بفتحهما ويَهِلُ وَهْلاً ذهب وهمه إليه . انظر القاموس المحيط .
    (15) صحيح البخارى ، غزوة بدر ، برقم ( 3759 ) .
    (16) ينظر فتح الباري لابن حجر 222/9 .
    (17) ليس المراد بيان ما استقر عليه رأي الحنابلة بعد الإمام ، إنما المراد بيان اختلافهم وبيان نصوص الإمام لمناقشة دلالتها وقربها من أحد القولين أو بعدها .
    (18) في كتابه العدة في أصول الفقه 898/3 .
    (19) المرجع السابق .
    (20) انظر لسان العرب 98/7 .
    (21) مختصر الصواعق المرسلة للموصلي ص 463 .
    (22) انظر لسان العرب 239/3 .
    (23) في لسان العرب 417/12 : ( العلم نقيض الجهل ... علمت الشيء علماً عرفته ... علم الأمر وتعلمه أتقنه ) .
    (24) مختصر الصواعق المرسلة ص 462 .
    (25) سورة التوبة : الآية 100 .
    (26) العدة في أصول الفقه 899/3 .
    (27) ص 248 .
    (28) روضة الناظر 288/1 .
    (29) انظر إتحاف ذوي الفضائل المشتهرة للشيخ عبد العزيز الصديق الغماري ص 150 ، وانظر كلام ابن تيمية فيه ص 156 من هذا العدد .
    (30) سورة التوبة : الآية 100 .
    (31) روضة الناظر وجنة المناظر 173/1 .
    (32) شرح الكوكب المنير 348/2 .
    (33) التمهيد 8/1 .
    (34) المسودة لآل تيمية 245 .
    (35) المسودة ص 247 .
    (36) المسودة في أصول الفقه لآل تيمية ص 245 .
    (37) القوسان موجودان في المطبوعة - بتحقيق محيي الدين عبد الحميد - ، ولا يتغير المعنى بحذفهما إنما وجود هذه العبارة يزيد الكلام وضوحاً .
    (38) المسودة ص 246 .
    (39) المسودة ص 245 .
    (40) ص 68 وما بعدها .
    (41) علم الحديث ص 72 .
    (42) علم الحديث ص 75 .
    (43) الفتاوى لابن تيمية 41/18 .

    (44) مختصر الصواعق المرسلة للموصلي ص 464 - 468 .
    (45) ينظر كتاب علم الحديث لابن تيمية ص 70 وما بعدها .
    (46) مختصر الصواعق المرسلة ص 466 .
    (47) 173/1 .
    (48) التمهيد 7/1 .
    (49) تنظر مقدمة ابن الصلاح ص 152 إلى 170 ، وتدريب الراوي 105/1 وما بعدها ، ونزهة النظر ص 48 وبعدها .
    (50) ينظر تيسير التحرير 37/3 وما بعدها .
    (51) ينظر إحكام الأحكام لابن حزم 107/1 - 123 .
    (52) 122/1 وما بعدها .
    (53) من ذلك حكمه على كل حديث مرسل ليس له إسناد آخر بأنه باطل ؛ إذ كيف يمكن القطع ببطلانه وليس فيه دليل قاطع بل احتج به كثير من الأئمة والقائل منهم بضعفه يعتبره ضعفاً يسيراً

  2. #2
    كلتاوي ذهبي
    الصورة الرمزية يوسف ( أبومحمد)

    الحاله : يوسف ( أبومحمد) غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Oct 2007
    رقم العضوية: 372
    الدولة: العين
    الهواية: باحث في الفكر والفلسفة الإسلامية
    السيرة الذاتيه: طالب علم
    العمل: مدرس
    المشاركات: 927
    معدل تقييم المستوى : 121
    Array

    افتراضي رد: حديث الآحاد بين العلم القاطع والظن الراجح

    [align=center]أستاذنا الفاضل العلامة الدكتور محمود الزين حفظه الله تعالى
    دائماً يتحفنا بالجديد الرائع ويمحص في المسائل التي طال الخلاف
    فيها بفكره النير ويحرر محل الخلاف في المسائل فامده الله بالعافية
    وأطال في عمره واذكر أنه أعطانا مقالاًرائعاً عن مفهوم الثقافة
    فمن عندة فلتفضل علينا به .
    شكرا لك الأخ الفاضل أبو أيمن على هذا الانتقاء الرائع
    [/align]
    [frame="7 80"]وبيقت وحدي مرة أخـــــــرى وقــد
    طافت على الحرم الشريف جراحي[/frame]

  3. #3
    المشرف العام
    الصورة الرمزية أبوأيمن

    الحاله : أبوأيمن غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2007
    رقم العضوية: 3
    الدولة: أبوظبي
    الهواية: القراءة والتصفح
    العمر: 44
    المشاركات: 5,392
    معدل تقييم المستوى : 10
    Array

    افتراضي رد: حديث الآحاد بين العلم القاطع والظن الراجح

    أخي محمد أبشر فلدي مقالات لم تنشر بعد أبداً للشيخ الدكتور محمود الزين سوف ننشرها ولكن تباعاً بين الفينة والأخرى . ومنها مقالان عن مفهوم الثقافة. شكراً لمرورك أخي الكريم

  4. #4
    كلتاوي ذهبي

    الحاله : أبوعمار غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2007
    رقم العضوية: 46
    الدولة: الإمارات_أبو ظبي
    الهواية: الأبحاث والقراءة
    العمر: 46
    المشاركات: 929
    معدل تقييم المستوى : 124
    Array

    افتراضي رد: حديث الآحاد بين العلم القاطع والظن الراجح

    [frame="7 90"]جزى الله عنا أستاذنا الفاضل الدكتور محمود الزين خير الجزاء
    نسأل الله تعالى له دوام الصحة والعافية

    ونشكرالأخ الفاضل أبو أيمن على الجهد الذي يبذله في تحرير ونشر هذه الدرر الثمينة لإستاذنا الفاضل حفظه الله
    [/frame]
    [justify]إذا فتحَ لكَ وِجْهةً من التَّعرُّفِ فلا تبالِ معها إن قلَّ عملُكَ فإنه ما فَتَحَها لك إلا وهو يريد أن يتعرَّفَ إليكَ . ألم تعلم أن التَّعَرُّفَ هو مُورِدُهُ عليك والأعمال أنت مهديها إليه وأين ما تُهديه إليه مما هو مُورِدُهُ عليكَ [/justify]

  5. #5
    كلتاوي الماسي
    الصورة الرمزية ابراهيم ابومحمد

    الحاله : ابراهيم ابومحمد غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2007
    رقم العضوية: 425
    المشاركات: 1,011
    معدل تقييم المستوى : 122
    Array

    افتراضي رد: حديث الآحاد بين العلم القاطع والظن الراجح

    [align=center][align=center]أطال الله عمر أستاذنا
    وأمده في صحته
    [/align]
    [/align]

  6. #6
    مشرف
    الصورة الرمزية الخنساء

    الحاله : الخنساء غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2007
    رقم العضوية: 127
    المشاركات: 3,593
    معدل تقييم المستوى : 137
    Array

    افتراضي رد: حديث الآحاد بين العلم القاطع والظن الراجح

    بارك الله فيكم أخي الفاضل أبو أيمن فدائما تثري المنتدى وتغنيه وتتحفنا بمقالات الدكتور الزين أطال الله بعمره ونفعنا بعلمه الواسع ومقالاته الغنية بالفائدة

المواضيع المتشابهه

  1. الدكتور وهبة الزحيلي حفظه الله
    بواسطة الخنساء في المنتدى منتدى التراجم
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 14-Sep-2009, 04:49 PM
  2. المرحلة الأولى من المسابقة في كنوز اللغة
    بواسطة أبوأيمن في المنتدى كنوز اللغة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 27-Nov-2007, 03:08 PM
  3. فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء للسيوطي
    بواسطة أبوأيمن في المنتدى السنة النبوية وعلومها
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 25-Nov-2007, 02:01 PM
  4. الإسلام يتحدى
    بواسطة يوسف ( أبومحمد) في المنتدى المكتبة العلمية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-Nov-2007, 03:06 PM
  5. كتاب البرهان المؤيد للامام الرفاعي
    بواسطة الحنفي1900 في المنتدى المكتبة العلمية
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 30-Aug-2007, 07:51 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •