[align=center][/align]
![]()
![]()
منذ القدم، والإنسان يبحث عن القوانين التي تضبط تفكيره وتكشف له عن الحقائق التي يتوخاها ، فتعددت المناهج والقواعد في البحث عن جوهر الأشياء.
وكان للسفسطائيين مهاترة تبدو لهم أنها السبيل الأقوم في التفكير، وذلك حين قرروا أن الخطأ مستحيل ما دام الإنسان مقياساً لكل شيء.
ثم جاء سقراط، فهدم منهجهم ليبني منهجاً جديداً يقوم على فن (توليد المعاني) لتعريف حقائق الأشياء.
ويأتي أفلاطون بطريقة كان لها الأثر في المنطق الأرسطي وهي الطريقة المعروفة (بالقسمة المنطقية) واعتباراً لما تقدم، يكون المنطق قد وجد وظهرت معالمه في التفكير الإنساني قبل أن يوجد المنطق الصوري على يدي أرسطو.
دخل منطق أرسطو العالم الإسلامي، ووقف مفكرو الإسلام منه مواقف مختلفة:
أ ـ منهم من رفضه رفضاً تاماً لاعتقاد أن روحه مخالفة للروح الإسلامية، فحاولوا هدمه ليبنوا على أنقاضه منطقاً جديداً يتلاءم ومعتقدهم.
ب- ومن العلماء من عاداه العداوة التامة وحرم النظر فيه، كابن الصلاح والنووي.
ج- ومنهم من قبله على أنه وحدة فكرية قائمة بذاتها، واعتبروه قانون العقل. وهؤلاء هم الشراح الإسلاميون المشاؤون.
أما المتكلمون أو علماء أصول الدين فقد رفضوا مبحث القياس الأرسطي.
لكن الإمام الغزالي، مزج المنطق الصوري بعلوم الإسلام : ويظهر هذا المزج في مقدمة كتابه (المستصفى ) واعتبر الغزالي أن المنطق الأرسطي شرط من شروط الاجتهاد وإلا فإن من لا يأخذ به لا يوثق بعلمه، وقد اعترض الفقهاء المسلمون عليه في ذلك ونقدوه.
مناهج البحث في علم الكلام :
لابد لكل علم من منهج خاص للدراسة والبحث يتلاءم مع موضوع العلم وأدوات المعرفة الخاصة به.
وهناك اختلاف كبير بين المناهج العلمية: فبعض العلوم تجريبية، وبعضها عقلية، وبعضها نقلية وهكذا...، وبعضها تدرس في المكتبات والكتب والوثائق والإسناد، وبعضها تدرس في ساحة الطبيعة، وبعضها من خلال مشاهدة سلوك الأفراد والمجتمعات، وبعضها لا يتحصل إلاّ من طريق الوجدان والذوق الباطني، وما إلى ذلك.
فما هو المنهج المتبع في الدراسات الكلامية ؟
المناهج المتبعة في تاريخ هذا العلم، هي :
1 ـ المنهج النقلي المحض.
2 ـ المنهج العقلي المحض.
3 ـ المنهج الذوقي والإشراقي.
4 ـ المنهج الحسي والتجريبي (والعلمي بالمعنى الحديث)
5 ـ المنهج الفطري.
1 ـ المنهج النقلي المحض :
هذا المنهج يمثله الحنابلة والسلفيون في التاريخ، فهم الذين حرموا الرأي والنظر في المسائل الدينية، فاقتصروا في تفسير المتون الإسلاميّة في الكتاب والسنة على المعنى اللغوي والحرفي، وحظروا التأويل، وعدوا السؤال بدعة، والكلام والاحتجاج العقلي ابتداعاً وانحيازاً لأهل الأهواء والكلام، كما أنهم حرموا علم الكلام أيضاً.
إنّ قصارى جهد هؤلاء هو: أنْ يدونوا الأحاديث الخاصة بالمسائل الاعتقادية، وأن يبوبوها ويشرحوا لغاتها المُشْكِلة ويذكروا أسانيدها .
وبلغ بهم الأمر في تحريم علم الكلام والنظر في المسائل الاعتقادية أنْ أفردابن قدامة الحنبلي رسالة سماها بـ (رسالة في تحريم النظر في علم الكلام).
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى : (لا يفلح صاحب الكلام أبداً، ولا تكاد ترى أحداً نظر في الكلام إلاّ وفي قلبه دغل) ( انظر : ابن قدامة الحنبلي ، تحريم النظر في كتب أهل الكلام: 17).
وبالغ في ذم هذا العلم حتى هجر الحارث المحاسبي مع زهده وورعه، بسبب تصنيفه كتاباً في الرد على المبتدعة، وقال له: (ويحك، ألست تحكي عنهم أولاً ثم ترد عليهم ؟ ألست تحمل الناس بتصنيفك على مطالعة البدعة والتفكر في تلك الشبهات فيدعوهم ذلك إلى الرأي والبحث ؟ ) وقال أحمد بن حنبل أيضاً: (علماء الكلام زنادقة) ( انظر :الدكتور عبد الحليم محمود، التوحيد الخالص، أو الإسلام والعقل: 4 ـ 20 ).
قال: وقال الزعفراني: قال الشافعي: (حكمي في أصحاب الكلام: أنّ يضربوا بالجريد، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام) ( انظر : ابن قدامة، تحريم النظر في كتب أهل الكلام: 17، تصحيح جورج المقدسي).
ولا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات بهذا المقدار، بل قالوا: ما سكت عنه الصحابة ـ مع أنهم أعرف بالحقائق وأفصح بترتيب الألفاظ من غيرهم ـ إلاّ لعلمهم بما يتولد منه من الشر؛ ولذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ:"هلك المتنطعون، هلك المتنطّعون، هلك المتنطعون أي المتعمقون في البحث والاستقصاء" (الحديث رواه مسلم).
وهؤلاء جوزوا التقليد في المسائل الاعتقادية، وحرموا النظر.
قال إمام الحرمين في الشامل: (لم يقل بالتقليد في الأصول إلاّ الحنابلة، ولكن الإمام الشوكاني يعتبر التكليف بوجوب النظر في العقائد تكليفاً بما لا يطاق).
ويقول بعد سرده لأقوال الأئمة: ( في الله العجب من هذه المقالة...! فإنها جناية على جمهور هذه الأمة المرحومة، وتكليف لهم بما ليس في وسعهم، ولا يطيقونه، وقد كفى الصحابة الذين لم يبلغوا درجة الاجتهاد ولا قاربوها الإيمان الجملي...، بل حرم على كثير منهم النظر في ذلك، وجعله من الضلالة والجهالة...) (انظر : الجويني، الإرشاد إلى قواطع الأدلة: 25، والدكتور أحمد صبحي في علم الكلام 1: المقدمة، والغزالي في إلجام العوام عن علم الكلام: 66 ـ 67 ).
وقد حرم هؤلاء علم المنطق أيضاً، ولم يعتبروه أداة للمعرفة، وقالوا : بأن استيعاب علم المنطق وحده لا يكفي للصون عن الخطأ .
ولكن هذا المنهج شهد تحولاً واعتدالاً في العصور المتأخرة على يد أمثال: ابن تيمية الذي وقف موقفاً مضطرباً حيال علم الكلام، فهو لا يحرمه تحريماً باتاً، بل يجوزه إذا دعت إليه الضرورة، واستند إلى الأدلة العقلية والشرعية، وصار سبباً لوضع حد لشبه الملاحدة والزنادقة(انظر : ابن تيمية، مجموع الفتاوى 3: 306 ـ 307).
وقد ذهب ابن تيمية أبعد من هذا حين قال بعدم التخالف بين العقل الصريح والنقل الصحيح في كتابه: (موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول) موافقاً في ذلك ابن رشد في كتابه: (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال). ولكن لابن تيمية مواقف وآراء يوافق فيها جمهور الحنابلة والسلفية.
يقول الشيخ عباس علي البراتي : في الأعوام الأخيرة شاهدنا تطوّراً هامّاً في هذا المجال في أوساط السلفية (الحنابلة) فقد حكى لي أستاذ في الجامعة الإسلاميّة في المدينة المنورة أنه تغير رأي علمائهم حول تعليم المنطق، وأخيراً أباحوا تعليمه في جامعاتهم، وذلك إثر مناقشات جرت مع الأساتذة المصريين المدرسين بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنورة ( انظر بحثه : دراسة في المنهج لعلم الكلام المقارن ).
هذا التيار الفكري يسمى بـ(أهل الحديث) أو (السلفيين) وهؤلاء يأخذون بظواهر النصوص الشرعية من الآيات والروايات، ويتجنبون الرأي والقياس، إلاّ في حالة الضرورة، ويسمون منهجهم اتباعاً، وما خالفه ابتداعاً، ويسمون مخالفيهم بـ (أهل البدع) أو(أهل الأهواء) ( انظر : علي سامي النشار، مناهج البحث عند مفكري الإسلام: 194 ـ 195).
2 ـ المنهج العقلي المحض :
يتميز هذا المنهج باعتماده على العقل البشري كأداة للمعرفة،ويطلق على أتباعه: (أصحاب الرأي) أو (المعتزلة) أيضاً وقد بدأ هذا المنهج في عصرٍ مبكر من تاريخ الإسلام، ويعتبر المؤسس الأول له ( واصل بن عطاء)، وابن أبي داود المعاصر للمأمون العباسي، والقاضي عبد الجبار أحمد الهمداني، ومن أكابرهم أيضاً: النظام والجاحظ والزمخشري .
وهذا الاتجاه يعطي للعقل البشري دوراً رئيسياً في فهم الدين الإسلامي، خصوصاً في العقائد ويقدمونه على النقل، ويرى: أنّ معرفة الله سبحانه ومعرفة صفاته وشرائعه لا تتم إلاّ بالعقل الإنساني، ولكن لا يوجد له أتباع وأنصار معروفون في العصر الحاضر، يسمون أنفسهم بهذا الاسم وإن كان الاتجاه العقلي هو الغالب على جمهور العلماء والمفكرين، وإنما دخلت عناصر من فكرهم في المذهب الإباضي والزيدي والإسماعيلي.
ونستطيع أنّ نقول: إنّ هؤلاء مشتركون مع المعتزلة في عدة مواقف فكرية، والحال كذلك بالنسبة إلى الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، ولكن لا يعني ذلك: أنّ الجميع أتباع منهج واحد، أو أنّ واحدة من هذه الفرق اتبعت الفرقة الأخرى ( انظر : هاشم معروف الحسني: الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة، والمفيد في أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: 55، 56).
كانت المعتزلة أتباع مدرسة الرأي في العقائد، وإذا عارضتهم آية أو رواية يؤولونها، وكانوا يقولون بحجية العقل قبل كل شيء حتى قبل النقل، بحجة أنّ الشرع أيضاً يثبت بالعقل، وبه يؤمن الإنسان بربه، ويصدق نبيه، ويلتزم بوعده ووعيده.
كان للمعتزلة دور كبير في الوقوف بوجه الهجوم الفكري العنيف المضاد للإسلام في العهد العباسي الأول، وقد مال إليهم الخلفاء من أمثال: المأمون والمعتصم، ولكن سرعان ما انقلب الأمر عليهم في عهد المتوكل.
3 ـ المذهب الأشعري المعتدل بين المعتزلة وأهل الحديث:
المذهب الأشعري الذي عليه غالبية أهل السنة ـ عدا الحنابلة ـ مذهب معتدل بين المعتزلة وبين أهل الحديث.
إنّ الشيخ أبا الحسن الأشعري كان في بداية أمره معتزلياً، ثم أعلن براءته منهم ورجوعه إلى مذهب الجمهور، وأدلى بذلك في تصريح له على منبر المسجد الجامع بالبصرة. فهو أراد أنّ ينتصر لأهل الحديث، لكن بأسلوب المعتزلة، أي: بالاحتجاج والحوار والاستدلال والبحث والنقاش على المنهج العقلي. ولذلك لا يعتبره المعتزلة تابعاً لمنهجهم، ولا يعده أهل الحديث منهم، بل يكفره الاتجاه الأخير لاشتغاله بالكلام.
فالشيخ الأشعري ومعاصره ـ أبو منصور الماتريدي ـ أرادا أنّ يسلكا منهجاً معتدلاً بين الفريقين المتطرفين (المعتزلة وأهل الحديث) في المسائل الخلافية .اهـ (انظر : جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل 1: المقدمة ).
4 ـ المنهج الذوقيّ (الإشراقيّ ، الصوفي):
هذا المنهج يسلك المسلك الرمزي الذوقي الخاص بالصوفية، الذي يختلف تماماً عن مسلك المتكلمين القائم على العقليات، ثم على السمعيات.
والإمام الغزالي من أكبر رواد هذه الطريقة، فهو يقول في كتابه : ( إلجام العوام عن علم الكلام): بأن هذا طريق الخاصة، وما دونه طريق العامة، ومن لا يفترق عنهم (أي: العامة) سوى أنه يعرف الأدلة، وليس الاستدلال ( انظر : الغزالي: إلجام العوام عن علم الكلام: 66 ـ 67).
فهناك فرق بين { دقيق الكلام } الذي لا يتقنه إلا الخاصة ، و{ جليل الكلام } حيث يستطيعه كل البشر .
وقد نبه على طريقته الدكتور أحمد محمود صبحي قائلاً :
( وإذا كان الغزالي قد حرم النظر في حقيقة الذات الإلهية على العامة ـ وذلك مالا ينكره أحد عليه ـ فإنه أدرج في ضمن العوام: الأدباء والنحاة والمحدثين والفقهاء والمتكلمين، وجعل التأويل مقصوراً على الراسخين في العلم، وهم في نظره: الأولياء الغارقون في بحار المعرفة، المتجردون من دنيا الشهوات، وهي عبارة تعد قرينة لصحة دعوى من رأى من الباحثين للغزالي معتقداً خاصاً في (الحكمة الإشراقية) وفي نظرية الفيض، وفي "المطاع" مغايراً لمعتقده العام الذي أصبح به في نظر جمهور المسلمين (حجة الإسلام).
ويتساءل الدكتور صبحي:
( هل الراسخون في العلم هم الصوفية دون الفقهاء والمفسرين والمتكلمين؟ ) (الدكتور أحمد محمود صبحي، في علم الكلام 2: 604 ـ 606).
ثم توالى من بعد الغزالي التأليف من العلماء المتصوفة في العقائد على المنهج الخاص بهم. ( انظر : الشعراني أبو المواهب عبد الوهاب بن احمد في: اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر 1: 2 ـ 3، و24ـ 26).
5 ـ المنهج العلميّ (التجريبيّ):
هذا منهج حديث، وقد تبع فيه قسم من المفكرين الإسلاميين رواد الفكر الأوربي الحديث، فتسرب إلى مصر الحديثة والهند والعراق وإيران، ومنها إلى جميع البلدان الإسلاميّة، ويعرف اليوم بـ(الحداثة)، وله أنصاره ورواده، ويعتبر واحداً من التيارات الفكرية المعاصرة الوافدة من الغرب إلى العالم الإسلامي ، ولهؤلاء رأي خاص في أدوات المعرفة البشرية، ومن ميزاتهم: الاعتماد التام على الحس والتجربة، وقد رفضوا المنهج العقلي والمنطق الأرسطاطاليسي رفضاً باتاً، وحاولوا البحث عن المعارف العليا والمتافيزيقيا والدين بمناهج مستخدمة في مجال الطبيعة والعلوم التجريبية (الدكتور عبد الحليم محمود، التوحيد الخالص أو الإسلام والعقل، المقدمة).
ومن آثار هذا المذهب الكلامي: تفسير المعجزات تفسيراً مادياً، وتفسير النبوة بالنبوغ والعبقرية البشرية، وتوجد أمثال هذه الآراء بكثرة في آثار محمد عبده ( انظر : محمود شلتوت، تفسير القرآن الكريم: الأجزاء العشرة الأولى: 11 ـ 14 ومحمد إقبال، إحياء الفكر الديني في الإسلام (الترجمة الفارسية بقلم أحمد آرام): 147 ـ 151).
وقد أفاد الدكتور عبد الرزاق نوفل منه في كتابه: (المسلمون والعلم الحديث)، وأشار إليه فريد وجدي في كتابه: (الإسلام في عصر العلم)، حيث يقول: (بما أنّ خصومنا يعتمدون على الفلسفة الحسية والعلم الطبيعي في الدعوة إلى مذهبهم فنجعلها عمدتنا في هذه المباحث، بل لا مناص لنا من الاعتماد عليها؛ لأنهما اللذان أوصلا الإنسان إلى هذه المنصة من العهد الروحاني (قريد وجدي ، على أطلال المذهب المادي 1: 16).
6 ـ المنهج الفطري :
وهذا منهج الشيعة ونسبوه إلى الأئمة من أهل البيت رضي الله عنهم، وادعوا أنه المنهج الوحيد الذي لا يضل من اتبعه، ويكون أقرب إلى الصواب، وأبعد من أنّ يؤدي إلى النزاع والتخاصم.
وتوجد العناصر الأصلية والإطار العام لهذا المنهج في الفطرة الإنسانية التي لا تتبدل بالتربية والبيئة، وقد نص عليه الكتاب بقوله: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها..( (الروم: 30).
وقد جاء ذكره في كلام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (كل مولود يولد على لفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) (صحيح البخاري، كتاب الجنائز: 80، 93 مسند أحمد بن حنبل 2: 223).
ويمتاز هذا المنهج بتخلصه من المجادلات الكلامية والمتاهات النظرية، وقالوا : بأن معالم الفطرة لا تندرس لوجود "الذكر" "والوحي".
ويجمع هذا المنهج الحجة العقلية، والنص الشرعي (النقل)، والفطرة السليمة.
وأصحاب هذا المنهج لا يقفون عند أداة واحدة من أدوات المعرفة، ويتجنبون الوقوع في المناظرات الكلامية المعقدة، ويحتجون بأحاديث أهل البيت ـ رضي الله عنهم ـ في النهي عن التورط في الكلام والخصومات حسب الإمكان، إلاّ إذا دعت إليه الضرورة، ولقمع شبه المعاندين، وحجتهم: أنّ المتكلمين من فرقةٍ واحدةٍ ومذهبٍ واحدٍ.اهـ (كشف المحجّة لثمرة المهجة، علي بن طاووس: 11 ـ 20).
7 ـ المنهج الصالح المطلوب :
إن الأسلوب النقلي الذي استعمله القدامى لم يعد صالحاً اليوم إلا أن يكون لإقناع مسلم وقع في شبهه أو ساورته بعض الشكوك .
وكذلك الأسلوب المعتمد على المنطق الصوري ، فإن عقلية اليوم لم تعد تحتمل هذا المنطق ولا تراه مؤدياً إلى الحقيقة ، وبالتالي لم يعد صالحاً لإقناعها.
هناك أسلوبان صالحان لاستعمالهما اليوم وهما :
1 ـ الأسلوب الفلسفي : ويكون لمجابهة الاستدلالات الفلسفية التي استعملها بعض منكري الدين، ومثال ذلك أن يستدل على ثبوت حقيقة البعث وعلى تهافت الرأي الذي يفسرها بأنها من اختراع عقلية الإنسان الباحثة عن عالم حر والمصورة له أنه سيظفر به بعد الموت ، أن سيتدل على ذلك « بأن هذا المطلب الإنساني في حد ذاته دليل نفسي قوي على وجود عالم آخر ، كالظمأ فهو يدل على الماء وعلى علاقة خاصة باطنة بين الماء وبين الإنسان ، وهكذا فإن تطلع الإنسان نفسياً إلى عالم آخر دليل في ذاته على أن شيئاً مثل ذلك موجود في الحقيقة أو أنه على الأقل خليق أن يوجد » ( انظر : وحيد الدين خان – الإسلام يتحدى 91) .
2 ـ الأسلوب العلمي : ولعل هذا الأسلوب هو أكثر ما يحتاج إليه علم الكلام اليوم من الأساليب لتأدية رسالته ، وذلك لأنه أنجع الأساليب لاقناع العقلية الحديثة ، لما عليه هذه العقلية من الاعتداد بالعلم التجريبي ونتائجه .
ومثال ذلك استعمال ما توصل إليه علم الفلك من القوانين الدقيقة الغربية لسير الأجرام السماوية للدلالة على أن ذلك من تدبير صانع ، واستعمال القوانين الرياضية لإبعاد احتمالات الصدفة في خلق الحياة ، واستعمال قوانين الفيزياء في الطاقة والحرارة للاستدلال على أن الكون ليس بأزلي وإنما هو مخلوق حادث .
إن هذين الأسلوبين يستلزم استعمالهما إطلاعاً كافياً على النتائج المتجددة في الفكر الفلسفي والفكر العلمي ، وعلى ما يحدث من أساليب البحث و طرق التفكير في مختلف نواحي الفكر الإنساني .
ولهذا فإن مهمة إنشاء علم كلام حديث لا يمكن أن يقوم بها متكلمون بالمفهوم القديم ولكن تحتاج إلى تظافر جهود مختلفة.
ولعل بعض ما كتبه محمد إقبال في « تجديد التفكير الديني » ومالك بن نبي في ٍ« الظاهرة القرآنية » ووحيد الدين خان في " الإسلام يتحدى " والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في « كبرى اليقينيات الكونية » ، لعله يشكل البذرة الصالحة لمنهج علم كلام حديث.
المفضلات