جاء في القاموس المحيط ما يلي: " تناظرا: تقابلا، والتناظر: التراوض في الأمر، والنَّظير والمناظِرُ: المثلُ، والنَّظَّارة: القوم ينظرون إلى الشيء0 وحكى أبو عبيدة: النظر والنظير بمعنى الندُّ والنديد ".
أما الخليل بن أحمد الفراهيــدي ، الذي يقدم لنا دلالة عقلية لمفهوم المناظرة، فيقول عنها: " أن تناظر أخاكَ في أمر إذا نظرتما فيه معاً كيف تأتيانه ". وهذا الكلام يوحي بوجود شخصين يتناظران في موضوع من الموضوعات، وتدلُّ كلمة " تناظر " على أنَّ هناك عملية تفاعل بين متناظرَين، يجري ذلك من خلال حوار هادىء، يتوصَّلان من خلاله إلى حلِّ قضية من القضايا.
أمّا عن شروط المناظرة فإنَّ الرَّاغب الأصبهاني ، يحدثنا عن ذلك فيقول: " اجتمع متكلِّمان، فقال أحدهما: هل لك في المناظرة؟ فقال: على شرائط، ألا تغضب، ولا تعجب، ولا تشغب، ولا تحكم، ولا تُقبل على غيري وأنا أكلمك، ولا تجعل الدعوى دليلاً، ولا تجوِّز لنفسك تأويل آية على مذهبك إّلا جوَّزت إلى تأويل مثلها على مذهبي، وعلى أن تُؤثر التصادق وتنقاد للتعـارف، وعلى أنَّ كلاً منا يبني مناظرته على أنَّ الحقَّ ضالته والرُّشد غايته " .
ونلحظ من خلال هذا الكلام أنَّ المناظرة لها عدَّة شروط:
1-الالتزام بآداب الحديث.
2- الابتعاد عن الغضب.
3- تجنب المغالطات.
4- الاستماع إلى الطرف الآخر دون شغب.
5-الالتزام بالمنهج الذي تقوم عليه المناظرة.
6-الوصول إلى الحقيقة.
والحقُّ أنَّ المناظرة كان لها دور في الدفاع عن الإسلام، حتى أننا لنجد الخليفة العباسي يبعث القاضي الباقلاني لمناظرة الروم المسيحيين، و قد أظهر قدرة عظيمة في مواجهة خصومه، وكان له قصب السبق.
منها هذه المناظرة في إثبات انشقاق القمر عندما سئل فقال: " هو صحيح عندنا وانشق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتَّى رأى الناسُ ذلك. وإنَّما رآه الحضور ومن اتَّفق نظره إليه في تلك الحال. فقال الملك { الإمبراطور البيزنطي }: وكيف لم يره جميع الناس ؟ قلتُ: لأن َّ الناس لم يكونوا على أهبة ووعد لشقُوقه وحضوره. فقال: وهذا القمر بينكم وبينه نسبةٌ وقرابةٌ ؟ لأيِّ شيء لم تعرفه الرّوم وغيرها من سائر الناس، وإنَّما رأيتموه أنتم خاصَّة ؟ قلتُ: فهذه المائدة بينكم وبينها نسبةٌ؟ وأنتم رأيتموها دون اليهود، والمجوس والبراهمة، وأهل الإلحاد، وخاصة يونان جيرانكم، فإنَّهم كلهم منكرون لهذا الشأن، وأنتم رأيتموها دون غيركم. فتحيَّر الملكُ، وقال بكلامه: سُبحان الله ".
فما أحوجنا إلى هذا الفن في عصر كثر فيه الجدل والسفسطة والمغالطة والحوار الساخن الذي ينتهي غالبا بنتائج لاتفيد المتلقي أولا، ولا المتحاورين ثانيا .
المفضلات