قال الشيخ الإمام العلامة شمس الأعلام، لسان المتكلمين،
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي رحمه الله:
عجبت من أقوام يدعون العلم و يميلون إلى التشبيه بحملهم الأحاديث على ظواهرها
فلو أنهم أمروها كما جاءت سلموا لأن من أمر ما جاء و مر من غير اعتراض [ و لا تعرض ] ؟
فما قال شيئا لا له و لا عليه
و لكن أقواما قصرت علومهم فرأت
أن حمل الكلام على غير ظاهرة نوع تعطيل و لو فهموا سعة اللغة لم يظنوا هذا
و ما هم إلا بمثابة قول الحجاج لكتابه و قد مدحته الخنساء فقالت :
( إذا هبط الحجاج أرضا مريضة000 تتبع أقصى دائها فشفاها )
( شفاها من الداء العضال الذي بها 000غلام إذا هز القناة شفاها )
فلما أتمت القصيدة قال لكاتبه : اقطع لسانها فجاء ذلك الكاتب المغفل بالموس
قالت له : و يلك إنما قال : أجزي لها العطاء
ثم ذهبت إلى الحجاج فقالت : كاد و الله يقطع مقولي
فكذلك الظاهرية الذين لم يسلموا بالتسليم فإنه من قرأ الآيات و الأحاديث
و لم يزد ألمه و هذه طريقة السلف
فأما من قال : الحديث يقتضي كذا و يحمل على كذا مثل أن يقول :
استوى على العرش بذاته ينزل إلى السماء الدنيا بذاته
فهذه زيادة فهمها قائلة من الحس لا من النقل
و لقد عجبت لرجل أندلس يقال له ابن عبد البر
صنف كتاب التمهيد فذكر فيه حديث النزول إلى السماء الدنيا
فقال : هذا يدل على أن الله تعالى على العرش لأنه لو لا ذلك لما كان لقوله ينزل معنى
و هذا كلام جاهل بمعرفة الله عز وجل
لأن هذا استسلف من حسه ما يعرفه من نزول الجسام فقاس صفة الحق عليه
فأين هؤلاء و اتباع الأثر ؟
و لقد تكلموا بأقبح ما يتكلم به المتأولون ثم عابوا المتكلمين
و اعلم أيها الطالب للرشاد أنه سبق إلينا من العقل و النقل أصلان راسخان عليهما مر الأحاديث كلها
أما النقل فقوله سبحانه و تعالى :
{ ليس كمثله شيء } و من فهم هذا لم يحمل وصفا له على ما يوجبه الحس
و أما العقل فإنه قد علم مباينه الصانع للمصنوعات
و استدل على حدوثها بتغيرها و دخول الإنفعال عليها فثبت له قدم الصانع
واعجبا كل العجب من راد لم يفهم طبيعة الكلام
أليس في الحديث الصحيح أن الموت يذبح بين الجنة و النار ؟
أو ليس العقل إذا استغنى في هذا صرف الأمر عن حقيقته ؟
لما ثبت عند من يفهم ما هية الموت
فقال : الموت عرض يوجب بطلان الحياة فكيف يمات الموت ؟
فإذا قيل له : فما تصنع بالحديث ؟
قال : هذا ضرب مثلا بإقامة صورة ليعلم بتلك الصورة الحسية فوات ذلك المعنى
قلنا له : فقد روى في الصحيح : [ تأتي البقرة و آل عمران كأنهما غمامتان ]
فقال : الكلام لايكون غمامة و لا يتشبه بها
قلنا له أفتعطل النقل ؟ قال : لا و لكن يأتي ثوابهما
قلنا فما الدليل الصارف لك عن هذه الحقائق ؟
فقال : علمي بأن الكلام لا يتشبه بالأجسام و الموت لا يذبح ذبح الأنعام
و لقد علمتم سعة لغة العرب
ما ضاقت أعطانكم من سماع مثل هذا
فقال العلماء : صدقت هكذا نقول في تفسير مجيء البقرة و في ذبح الموت
فقال واعجبا لكم صرفتم عن الموت و الكلام ما لا يليق بهما حفظا لما علمتم من حقائقهما
فكيف لم تصرفوا عن الإله القديم ما يوجب التشبيه له بخلقه بما قددل الدليل على تنزيهه عنه ؟
فما زال يجادل الخصوم بهذه الأدلة و يقول : لا أقطع حتى أقطع فما قطع حتى قطع
المفضلات