لقاء لموقع أحباب الكلتاوية مع فضيلة الشيخ : عبد الهادي بدلة حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

جزاكم الله خيراًً

بسم الله الرّحمن الرّحيم



السؤال : نريد أن تحدثنا بداية عن فكرة عالم القرآن كيف بدأت عندك ؟ ومنذ متى ؟ ماهي الإستراتيجية التي تسيرون عليها في هذا المجال ؟

الجواب : إن البداية كفكرةٍ كانت قديمةً منذ عام 1975م ، حيث نشأت من خلال احتكاكي بالمكتبات ، فقد كان لي برنامجٌ خاصٌ في التطواف على المكتبات أسبوعياً ، لاسيما المتعلق منها بالقرآن الكريم ، وكنت أتساءل حينها عن مكتبةٍ متخصصةٍ في هذا الباب ، والحال أني وجدت بعض العناوين لبعض المكتبات غير أنني لم أجد ذلك في الواقع العملي .
المهم أن الفكرة أخذت تتبلور في ذهني وتتأصل حتى أصبح السؤال الملحّ في أعماقي أين أجد كل ما يتعلق بالقرآن الكريم ؟ ولماذا لم يوجد ذلك حتى الآن ؟ ورحت أتابع البحث مديداً ودخل عصر المعلوماتية ، وشاء الله العليم أن يكتب لي السبق بين أقراني في التعامل مع الشبكة العالمية ، تصفحتها طويلاً فلم أجد ضالتي واقعاً ولا موقعاً وحينها بدأ التخطيط للمشروع وذلك عام 2002م .
إن المشروع كمخططٍ كبيرٌ والطموح أكبر والتفاؤل أوسع ولكن كما يقول أستاذنا الشاعر ضياء الدين الصابوني : إن المال هو عصب الأعمال .
ففي المشروع قناةٌ فضائيةٌ متخصصةٌ وهي كفكرةٍ الأسبق في عالم الفضائيات المتخصصة ، وإذاعةٌ متخصصةٌ بالقرآن ، ومركزٌ للأبحاث والدراسات ، ومعهدٌ للقرآن وعلومه ، ومجلةٌ باسم عالم القرآن الكريم ، واستديو متخصص، وتخطيط المصحف الشريف ، ووو ...
وبالإمكان الرجوع إلى موقع عالم القرآن الكريم للإطلاع بشكلٍ أوسع على المشروع.
وكان البدء أولاً بالمكتبة بغية تأمين المال للقيام بباقي الأعمال ، وهي أول مكتبةٍ متخصصةٍ وشاملةٍ لكل ما يدور حول القرآن الكريم ( فيما نزعم ) على مستوى العالم الإسلامي كله ، وقد رافق ذلك إطلاق موقع عالم القرآن الكريم وفيه كل ما يلزم الباحث والمتخصص والمحب .
ثم كان ( الأوفى ) وهو أول محرك بحثٍ متخصصٍ بما أشرنا إليه في الشبكة العالمية حتى تبارت الصحف في نسبة ذلك إلى بلدها فجاء منسوباً كما في جريدة الرياض إلى السعودية .
وقد كان لانطلاق المكتبة أثرٌ ملموسٌ في عناية المكتبات بالقرآن الكريم وعلومه حيث أصبحت تخصص مكاناً بارزاً لذلك .
أما أهداف المشروع فباختصار ( وفي الموقع تفصيلٌ لمن يريد )
تأمين كل ما يسهل تجويد القرآن وحفظه على الشباب والشابات من الوسائل الحديثة والتقنيات العالية .
إيصال المصحف الشريف وهو في أسمى الأثواب ( مجاناً ) إلى المساجد والمعاهد والمدارس الشرعية .
تأمين البديل لهدايا المناسبات والعقود والوفود .
جمع كل ما يتعلق بالقرآن الكريم في مكانٍ واحدٍ تيسيراً على الباحثين والمتخصصين والدارسين .

كيف بدأت فكرة مشروع عالم القرآن الكريم ؟ وما هي العوامل التي حفزتكم لتنفيذها ؟ وهل أنت راضٍ عما حققه المشروع حتى الآن ؟

المشروع كفكرةٍ وبدايةٍ وعملٍ وعواملٍ سبقت الإشارة إليه أما موضوع الرضى عما حققه المشروع فأقول : إن منهجنا هو عدم النظر إلى ذلك إلا بمقدار ما نصحح الأسباب ونطور الوسائل ، وقاعدتنا أن الزمن جزءٌ من النجاح كما هو جزءٌ من العلاج .
وقد تعلمنا في القرآن الكريم ( إنما أنت مذكر ) ( إنما عليك البلاغ ) ، وكان شيخنا محمود الجوهري الأزهري المصري رحمه الله يقول لنا : إن الديك يصيح ولكنه لا يطلع الصباح ، مع الإشارة إلى أن مشروعنا حقق كثيراً مما يصبو إليه عشاق الكتاب العزيز والحمد لله رب العالمين .
أما أنا شخصياً فما قمت بعملٍ قطّ فرضيت عنه ليقيني بقصوري وتقصيري ، ولأن نفسي تواقةٌ إلى الأفضل وديدني هو أن ألحّ بالدعاء في أن يرضى الله تعالى وحده عني ولا أتوقف عند رضاي أو رضى الآخرين .

نود أن تحدثنا عن علاقتك بالسيد النبهان رضي الله عنه ، ماذا يعني لك السيد النبهان؟ هل لك أن تلخص لنا أهم ما استفدته منه أنت وأثر ذلك في منهاج حياتك ؟


كنت أتمنى بصدقٍ أن لا أقف عند هذا السؤال لشعوري بالحرج الكبير أولاً فأنّى لمثلي أن يسأل عن مثل هذا ولسعة السؤال ثانياً ، ومع ذلك أقول في استحياءٍ وانكسار: إن كان القصد بالعلاقة هو الرؤية والمجيء والاتصال فهي بحمد الله كانت منذ نعومة أظفاري ، يحملني والدي معه لصلته القديمة المزامنة لتعلق خاله صالح نجار رحمه الله بالسيد النبهان رضي الله عنه .
أما العلاقة بالمعنى الأعمّ والأشمل فهي علاقة الرضيع بالأم والزرع بالماء والإنسان بالهواء والعبد بالأسياد ، مرةً أخرى أجدني جريئاً ومتجاوزاً في الحديث ولإن تركت عاطفة الحب تتكلم فلن ينتهي الحديث إلا بانتهاء نَفْسي ونَفَسي صدقوني واعذروني .
أما ما استفدته فهو كثيرٌ وكبيرٌ وجميل ، أكتفي بأمرٍ واحدٍ هو أنني أصبحت أجزم بأن كل الناس خيرٌ مني وأن بضاعتي هي الذنوب والعيوب ، ورجائي في ربي سبحانه وتعالى علام الغيوب .
وأسأله سبحانه وتعالى أن ينعكس ذلك في حياتي كما انعكس حب الآخرين ، وعدم الرضى عن النفس ، وعشق العلم والمعرفة ، فكان ضمن منهاج حياتي بحمد الله وفضله ومنه .


هناك أناسٌ كانوا سبباً في نجاح وشهرة الشيخ عبد الهادي بدلة ، هل لك أن تحدثنا عنهم ؟

أقول بمنتهى الصراحة والشفافية: أنا شخصياً لا أعرف ما يذكر عن شهرتي أو نجاحي أو شيئٍ من هذا ، بل إن الذي أعرفه باليقين هو أنني أبذل جهدي وأعرف حدي ، ودعائي الدائم ( اللهم اجعلني في عيني صغيراً وفي أعين الناس كبيراً ) وإن كان البعض يرى مثل ما ذكرت من نجاحٍ أو شهرةٍ فهو فضل الله أولاً وأنظار أوليائه ورضى والديّ ودعاء أساتذتي .


كيف ترى منهج الدعوة والدعاة في حلب الشهباء ؟ هل ترى أنهم يأدون واجبهم تجاه الأمة في هذا الزمن العصيب ؟


الدعاة مدارسٌ ، وما وقفت يوماً مع نفسي أرصد دعوتهم وأراقب حركتهم ولا فكرت قط أن أقوّم ( أقيّم ) منهجهم ، نعم لقد استفدت كثيراً منهم ، ودعائي دائمٌ للبعيد والقريب منهم ، لكنني ( وأؤكد على ذلك ) وقفت طويلاً وقاسياً مع نفسي ومازلت ، وقارنت باستمرارٍ بين ماضيّ وحاضري ، وصححت كثيراً ومازلت ، وأدركت كثيراً من تقصيري وقصوري ، وسعيت نحو الأفضل .
لقد اعتقدت بيقينٍ لا يقبل الشكّ أنني بحاجةٍ إلى مزيدٍ من المعرفة والتغيير ، ومنهجي الاستفادة أولاً ، الاستفادة دائماً .


ماهي وصيتك لإخوانك طلاب العلم عامةً ، ولطلاب الكلتاوية خاصةً ؟


وصيتي لنفسي وإخوتي مواصلة العلم واحترام الآخرين ومعرفة الإمكانيات والبكاء في الخلوات واغتنام الأوقات ، وأخص طلاب الكلتاوية بصون اللسان عن الكلام في العلماء والموت على حب الصالحين والأولياء .


ماهي نظرتك إلى موقع أحباب الكلتاوية ؟ وكيف تريده أن يكون ؟


لقد أملت منذ أن تعرفت على المحساب ( الحاسوب ) أن يكون ثمّة موقعٌ يتناول تاريخ الكلتاوية ، وكنت أتوقع أن ينطلق ذلك من الكلتاوية ذاتها ، وشاء الله الحكيم أن يكون ذلك من أبنائها وهم في الغربة ، فكان سروري عظيماً حينما وقفت على موقعكم المبارك ، وكانت فرحتي كبيرة حينما شاهدت الموقع بعد تطويره ودهشت للجهد العظيم في متابعته ، كما كان دعائي طويلاً لكل القائمين عليه ، أخص الأخ الفاضل الشيخ أحمد عبوش حفظه الله تعالى ، نعم لقد رأيته نواة جمعٍ ونفعٍ ، وجسر تواصلٍ وتحابب ، وخزانة علمٍ وتاريخ .
ومن ثمّ استجبت مسروراً للمشاركة فيه تحقيقاً لتلك الغايات ، وتأكيداً على عمق الصلات ، أطمح أن يكون الموقع كعنوانه موقعاً لأحباب الكلتاوية جميعاً دون استثناءٍ ، لا موقعاً لأحباب المدرسة طلاباً أو مدرسين حفظهم الله جميعاً ، لأن ذلك سيكون هصراً لأجنحة الموقع عن التحليق والارتقاء .
والله العظيم أسأل أن يكتب له الاستمرار والنجاح ، وأن يكتب الأجر والتوفيق والسداد للقائمين عليه .


منهجك لاقى تجاوباً عجيباً ومميزاً من قبل طبقة معينة وهي طبقة الشباب هل لك أن تحدثنا عن سر علاقتك واهتمامك بهذه الطبقة ؟

أما كون منهجنا لاقى ما تسمونه تجاوباً فهو فضل الله ونعمته ونظر أحبابه ، وأما سرّ اهتمامنا بتلك الطبقة فيعود إلى أمرين :
قرب المسجد من المدينة الجامعية ، حيث أكثر الرواد من الطلبة والأستاذين ، مع وقوع الجامع في منطقةٍ أكثر من يقطنها من المثقفين والدارسين من قضاةٍ ومحامين وأطباء ومهندسين ومغتربين .
أن الخطاب ينبغي أن يأتي كما تعلمون مراعياً لحال المستمعين ، فوق ذلك كله وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم بالشباب ، وهم أمل الأمة وعماد المستقبل .

الخطب التي تقوم بها نادراً ما تعرف التكرار ، هل لك أن تحدثنا كيف تختار وتحضر خطبة الجمعة وتظهرها بأحسن شكل ؟

أرجو أن يسمح لي أن أجعل للإجابة عنواناً هو : ( الذي يختار يبتعد عن التكرار ) .
جاء في كلمتي القديمة ، التي قلتها أمام ملإٍ كبيرٍ من العلماء والخطباء والفضلاء:
( التحضير فضيلة والمقدرة على الارتجال كذلك ، أما ترك التحضير فهو استهتارٌ ورذيلة ) ، وأ نا شخصياً مدمن تحضيرٍ قديماً وحديثاً ، حينما كنت مدرّساً في المعهد وحينما تفرغت للخطابة ، كل موضوعٍ أريد طرحه ومعالجته أقوم بتحضيره من خلال مخططٍ واضحٍ وكأنني أحضر بحثاً أو رسالةً ، وأجهد نفسي في الوصول إلى ما أستطيع الوصول إليه مما هو مظنة البحث من كتابٍ وغيره .
وبإمكان من يزورني أن يشاهد دون مبالغةٍ ما يزيد على ألف ملفٍ صالحة لأن تطبع كرسالةٍ أو كتيّبٍ .
نعم منهجي في الخطابة الموضوعية والاختصار ، أسعى في أن يخرج المستمع بفائدةٍ يهضمها ويتمثلها .
هوايتي البحث ، ومتعتي في تحضيري ، وغايتي تقديم ما أظنه يفيد ، لا إرضاء الجمهور ( المعالجة لا الدغدغة ) ( الأثر لا التأثّر ) .

قرأت في الأضواء الأربعين: عدم التسليم المطلق إلا للكتاب أو السنة أو التحقيق السليم ، إذن شيخنا الحبيب أين التسليم للعارفين وأهل الله ؟ وكنا نسمع ما أفلح مريد قال لشيخه لمَ ؟ أرجو الإيضاح بارك الله فيكم .

لم يدر في خلدي وأرجو المعذرة أن يغيب مقصدي في عبارتي عن قارئٍ ، لاسيما وقد ذكرت بشكلٍ صريحٍ كلمة ( التحقيق السليم ) ، لأن اعتقادي أنه لا يمكن أن يجهل أحدٌ أن العارف المحقق هو المقصود بالتحقيق السليم ، وما حملني على إضافة هذه الكلمة إلا دفع مثل هذا الإشكال الذي أورده السائل .

شيخنا الفاضل هل أنت مع حصر طالب العلم بمهنة الإمامة والخطابة أم يسير كل مجتهدٍ في طريقه ؟

بفطرتي أكره الضيق بأنواعه في العين والصدر واليد ، وفي الثوب والبيت والرد ، مثلما أكره الحصر والمحاصرة والسد .
وما أحببت يوماً أن تكون الإمامة والخطابة مهنة ، وأولادي ومن أحب من طلبة العلم قد شجعتهم على العلم كما شجعتهم على العمل ، وهم في واقعهم وممارستهم للعمل خير شاهدٍ على منهجي القديم الحديث .
نعم أعتبر الخطابة والإمامة دعوةً ورسالةً أقدمها وأشجع عليها .


هل أنت مع دخول رجل الدين عالم السياسة أولا ؟ وماهو السبب بارك الله فيكم .

أود أن أؤكد على أن الذي يذهب بالطاقة ويضيع الجهد هو الأودية الكثيرة
( ترك الاختصاص ) ، وعالم الدين في نظري ينبغي أن يخدم اختصاصه ، واختصاصه ذاته يعلمه الكياسة والسياسة وأسلوب الحديث وحسن البيان .

مما قاله سيدي محمد النبهان قدس سره العزيز :
العالمِ تحته كسرة ( أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي ) العالمِ هو صاحب الانكسار على الدوام ، لأجل ذلك يرى الله على الدوام ، لكن إذا يرى حاله هو على شيء وعنده علم ويلزم الناس أن تمشي وراءه وتخدمه وإذا اشترى من عند البائع يجب أن يراعيه.. ( طم طم ) على هذا العالم!!!
نود من جنابك توجيه النصيحة - والنصيحة لي أولا - لطلبة العلم من هذا المنطلق حول الاغترار بالعلم . ولكم كل الشكر لسعة الصدر


لقد أعجبني كثيراً مضمون السؤال ، وأرجو ان يكون باعثه كمضمونه ، مضمونه أغلى نصيحة وأجمل هدية .
إن المشكلة في نظري قائمة فيمن يرى نفسه أنه عالمٌ لأنه جاهل ، فإنّ من رأى نفسه أنه عالمٌ فهو جاهل ، أما أنا شخصياً وبمنتهى الشفافية فلا أرى أكبر من جهلي ، ولا أشدّ من حاجتي إلى التعلم .
ولعل في إجابتي على السؤال الثاني والثالث والخامس زيادة توضيحٍ ، فاقرأها لتستريح .

قرأت في ترجمتكم ( ضمن موقع أحباب الكلتاوية ) بأنكم في صدد مناقشة رسالة الماجستير في التفسير في كلية الأوزاعي في بيروت ، وعنوان الرسالة " الخازن ومنهجه في التفسير " ، هل أكملتم البحث والدراسة فيها ؟ ومتى ستناقشون الرسالة ؟ ومن هو الأستاذ المشرف عليها ؟

نعم لقد أكملنا بحمد الله وتوفيقه البحث وهو في مجلدين ، أما المناقشة فتعيينها بيد المشرف تتمّ قريباً إن شاء الله ، والدكتور المشرف الأستاذ العلامة أنس طبارة حفظه الله ، وقد رأيناه بحراً من العلوم ، وهذا رقم هاتفه لمن أراد الاستفادة منه : ( 061364620 ) ، مع ملاحظة أمرٍ مهمٍ ( هو من منهجنا ) أن الشهادة عندنا حاصلةٌ غير مقصودة ، كما ينبغي أن يكون ذلك عندكم أيضاً.


كذلك ذكر في ترجمتكم قائمة مليئة بالأعمال العلمية والأدبية ، فهل لكم مؤلفاتٍ مطبوعة ؟ وأين نجدها ؟ وإن لم تطبع فإلى متى تبقى حبيسةً عندكم؟

أريد أن أقول بأن ما رأيتموه في الترجمة هو بعض الأعمال ، والبداية كتابان قدّما للطباعة ( الغرامة المالية وأثرها في ضبط النظام ) وكتاب ( موسى والعبد الصالح ) ويصلكم قريباً نسخٌ منهما إن شاء الله تعالى .
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني إلى إخراجها جميعها في أقرب وقتٍ ، وشكراً لكم على حرصكم على الاستفادة من جهود العلماء والباحثين ، والله يرعاكم .


بالنسبة لموقعكم على الشبكة العنكبوتية منذ تأسيسه وإلى اليوم ( بث تجريبي ) ؟!!
متى ينطلق هذا الموقع مع ركب الدعوة والدعاة ؟؟


الأمور كما يقال توزن بغاياتها ومقاصدها ، وإن غايتنا الأم من موقعنا
( الشخصي ) هو حفظ الأعمال والمدونات والمذكرات والوثائق و .... ، وليست الدعوة والإرشاد ، ربما يكون ذلك غايتنا في غير هذا الموقع ، كما أن التدقيق جزءٌ من منهجنا ، وهو يقتضي إعادة النظر وتقليب الأمور ، مع التأكيد على أن سلّم الأولويات يحتّم عليّ أن أقدم الأهم أمراً والأعلى أجراً ، وأويس القرني رحمه الله مثلي الأعلى في ذلك ، قدّم تمريضه لأمه كما سمعنا ذلك مراراً من السيد النبهان رضي الله عنه ، ووالدي ووالدتي ( كما يعرف ذلك كل من هو قريبٌ مني ) بحاجةٍ إلى وقتي وجهدي ، أو بالأحرى أنا بحاجةٍ إلى أن لا أضيّع تلك الفرصة الذهبية لي ، وهي حقاً فرصةٌ لا تعوّض ومن الخسارة والحماقة أن تفوّت .
أمّا كلمة ( البث التجريبي ) فهي مجرّد روتين جرت عليه المواقع منذ سنيين ، وهو عمل المهندسين .

التوراة والإنجيل المُحَرَّفَانِ يبذل اليهود والنصارى في سبيلهما الأموال الباهظة وآلافَ المراكز " الأكاديمية " ، ولم نبذل نحن عُشْرَ مِعْشَارِ ذلك في سبيلِ القرآن الكريمِ !
ألا تجدون أننا بحاجةٍ ماسةٍ إلى إنشاء مثل هذه المراكز العلمية المتخصصة في الدراسات القرآنية ، وهل يشمل مشروعكم ( عالم القرآن ) على مثل هذه المراكز ؟


نعم إن مشروعنا كما ألمعنا يشمل ذلك وهو من صميم اختصاصه وصلب عمله ، أرجو قراءة الإجابة على السؤال الأول .


خلال زيارة الدكتور زغلول النجار إلى سوريا إلتقيتم به ودار بينكم حوار علمي حول الإعجاز العلمي ، فهل تخبرنا ببعض النقاط التي تطرقتم إليها في حواركم مع فضيلة الدكتور النجار ؟

لقد كانت الزيارة خاطفةً والحوار مختصراً ، أعجبني كثيراً في اختصاصه ، ويا حبذا لو بقي دائماً في اختصاصه .
واستحسنت منه جعل الخطأ في التفسير العلمي خطأً في التفسير ، لا تأثير له على الكتاب العزيز ، مثله مثل بقية التفاسير ينسب الخطأ فيها إلى المفسّر إن هو أخطأ لا إلى النص الحكيم .


ما رأي فضيلتكم بتفسير القرآن وفق المعطيات العلمية ؟ هل ترى أنه يخدم القرآن الكريم ؟ أم أنه يؤدي إلى اهتزاز فهم النص القرآني في نفوس الناس ؟

لا أرى مانعاً من التفسير وفق المعطيات العلمية شريطة أن تكون قد تجاوزت حد النظرية إلى الحقيقة العلمية ، وأن يتم ذلك وفق الضوابط وقواعد التفسير ، وهي خدمةٌ لا شكّ للكتاب الكريم .
أما اهتزاز النصّ فيقع حينما يقوم بالتفسير أنصاف المتعلمين ، وأرباع المثقفين ، ممن تسوقه العجلة وتحركه الشهرة ، فيغفل عن التثبّت والتدقيق ويفسّر النص الحكيم بمعلوماتٍ لا تستقيم .


لاشك أنكم ممن تحبون السيد النبهان رضي الله عنه .
وسؤالي إن سمحتم هو : أين تعريفكم بهذا السيد وأين نشركم لطريقته وتحقيقاته ؟ وأين ما كتبتم عنه ؟ وهل نبقى ننتظر ما يكتبه إخوتنا العراقيون عن هذا السيد العظيم رضي الله عنه ؟ وهل يكفي أن نتستر بعباءته رضي الله عنه ثم لا نعرف به الناس ؟ وشكراً لسعة صدركم .


أما المحبة للسيد النبهان فشهادةٌ منكم وحسن ظنٍّ أعتبرها دعاءً ، وأسأله سبحانه وتعالى أن يمنّ عليّ بذلك .
أمّا التعريف والنشر فهذا ما لم أفكر فيه لأنني لم أجد منه رضي الله عنه أيّ إشارةٍ إلى مثل هذا ، وأما الكتابة فقد مكثت قرابة ثلاث سنواتٍ في غرفة المئذنة في جامع الكلتاوية ودونت عدة كراريس لنفسي ، استفدت منها ولا أزال ، وأما ما يكتبه إخواننا العراقيون جزاهم الله الخير فذلك منهجهم ووجهة نظرهم ، وإلزام الناس كلهم بوجهة نظرٍ معينةٍ ليس من العلم والرأي ، ويا ليتنا نتستر بعباءته رضي الله عنه لأن ذلك وحده يكفي لو حصل تعريفاً ونشراً ، وشكراً لسؤالكم وصراحتكم .



من باب المدارسة والفائدة العلمية لجميع الإخوة الكرام ، هذه بعض الأسئلة التي تتعلق بالقرآن الكريم ...
1ـ ما الفرق بين التفسير والتأويل ؟
2ـ ما شروط المفسّر للقرآن العظيم ؟
3 ـ ما رأيكم في التفسير العلمي للقرآن المجيد ؟
4ـ القرآن يفسره الزمان ، ما مدى صحة هذه العبارة ؟ وما معناها ؟
5ـ يقولون: القرآن حمال أوجه ، ما مدى صحة هذه العبارة ؟ وما المقصود منها ؟
6 ـ الكتاب والقرآن ... هل هناك مترادفات في القرآن الحكيم ؟
7ـ هل يوجد تورية في الكتاب العزيز ؟
8 ـ يقول بعض الناس ، إن للقرآن معنى ظاهر ومعنى باطن ، فما ردّكم على ذلك ؟
9 ـ هل يجوز القول بأن الإنسان خليفة الله في الأرض ؟
10 ـ هل هناك خلاف أو تناقض بين العلم والدين ؟
وشكراً لكم ، وجزاكم الله خيراً ... والسلام عليكم .


أولاً كنت أودّ أن يجعل وقتٌ خاصٌ للأسئلة العلمية المتعلقة بالقرآن الكريم وعلومه ، لتتسنّى الإجابة على ذلك وفق الضوابط العلمية ، ولكن باعتبار أن الأمر أصبح قائماً نكتفي بالإجابة بما يناسب الحال .
إن موضوع الفرق بين التفسير والتأويل هو في تصورنا مما قد احترق بحثاً ، هل هما بمعنىً واحد أم أن أحدهما أعم من الآخر أم أن التفسير للّفظ والتأويل للمعنى . وأذكر أن صاحب التسهيل في مقدمته ذهب إلى أن التفسير بمعنى الشرح ، والتأويل بمعنى حمل الكلام على غير ما يقتضيه الظاهر بموجبٍ ، وهو رأيٌ وجيهٌ جداً .
ولنا في هذا الموضوع رسالةٌ صغيرة ، رجحنا فيها اختصاص التفسير بالرواية والتأويل بالدراية .
ولعل دعاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لابن عباس ب ( وعلمه التأويل ) يشعر بنحو هذا ، وهو ما جعله يتميّز عن سائر المفسرين من الصحابة الكرام رضوان الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين .
وأما عن شروط المفسّر فقد ذكرت كثيرٌ من كتب علوم القرآن الكريم ما يجب أن يتمتع به مفسّر القرآن الكريم من صحة العقيدة والبعد عن الهوى والإلمام بعلوم الآلات والإطلاع على السنة والفقه والقراءات ومعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وما إلى ذلك ، ونرى أن الذي يجمع ذلك كله هو دراسةٌ صحيحةٌ للعلوم الشرعية مع تقوى الله .
وأما عن رأينا في التفسير العلمي للقرآن فهو بابٌ من التفسير بالمعقول وضربٌ من خطاب الناس بلغتهم وبما يفهمون ، في عصرٍ تنوعت فيه العلوم وكثرت فيه الاكتشافات ويخلق مالا تعلمون .
وأما عن صحة عبارة ( القرآن يفسره الزمان ) فأقول: إن التفسير يشمل الفهم الإنساني للكتاب العزيز ، والأفهام تتفاوت باتّساع المعارف والعلوم تكبر وتضمر ، والعلوم تتقدم فيتسع التفسير ، ولعل هذا هو بعض ما عناه حبر الأمة رضي الله عنه من القول بأن القرآن يفسره الزمن ، وهذا بالطبع للتفسير بالرأي والمعقول ، أما التفسير بالمأثور والمنقول فأمرٌ آخر .
ومن ذات البحر يخرج اللؤلؤ والمرجان ، وهو قول سيدنا عليٍّ كرم الله وجهه : ( إن هذا القرآن كتابٌ صامتٌ وإن الرجال ينطقون عنه ) ، وهو سبقٌ عظيمٌ في توضيح التفاعل ما بين النصّ والمتلقي ، فإن النصّ ثابتٌ والمتلقي متغيّرٌ ، وإنه ليتفجر لتالي القرآن العظيم ( كما يذكر المفسّر البيضاوي ) من المعاني ما لم يجده في التفاسير .
ولعل قول الإمام عليٍّ رضي الله عنه هو الذي جعلنا نقول في ضمن ما دوّنّاه من أضواء للمفسرين: ( القرآن يفسّره الإنسان في كلّ زمانٍ ، ولكل زمانٍ إنسان ) .
وأما عن سؤالك عن المترادفات في القرآن فمنذ سنين وأنا أدرّس التفسير اخترت قول من يقول بعدم وجود الزائد والمترادف في القرآن الكريم ، إذ لكل لفظةٍ معنىً لا يمكن أن تغني غيرها عنها ، ومن أسرار الإعجاز اختيار الألفاظ .
والمترادف في القرآن مبحثٌ مستفيضٌ كثر فيه الجدل أشرنا إليه إشارةً بما يلائم عصر الاختصار ( الحاسوب والحضارة ) .
وأما عن التورية في القرآن الكريم فالذي ظهر لنا بعد التوسّع في الموضوع بين القدامى والمتأخرين ، من قائلٍ بوجودها لأنها نوعٌ من البلاغة تؤكّد إعجاز القرآن وقوة البيان وهو ضربٌ من الإبهام قد يقتضيه الكلام ، ومن نافٍ لوجودها في الكتاب الحكيم لأنها تعتمد على الإيهام وهو من التضليل يجب أن ينزّه عنه أحسن الكلام .
وكنا قد رأينا أنه يمكن استبدال التورية بالاستعارة وهي واقعةٌ في الكتاب الكريم باتفاق الطرفين ، كما أن فيها المعنيين القريب والبعيد ، وبذلك نصون كلام الله العزيز عمّا تحمله التورية من قصد التخلّص من الكذب بلفظٍ يحتمل الوجهين .
وأما عن قول بعض الناس بأن للقرآن معنىً ظاهراً ومعنىً باطناً فأقول إن المعنى الظاهر هو الجسر إلى المعنى الباطن ، وأي باطنٍ لا يعتمد على لفظٍ ظاهرٍ لا يكون من باب العلم ، بل قد يكون ضرباً من التهويم في عالم الأوهام والشطحات ، وهو مخالفٌ لقواعد التفسير .
أما أن يراد بالمعنى الظاهر ما ظهر تأويله وعرف تفسيره من القصص والأخبار ، وبالمعنى الباطن ما بطن تفسيره مما ساعد عليه اللفظ وعلمه الأتقياء والأخيار فلا حرج في ذلك والله تعالى أعلم .
وأما عن خلافة الإنسان لله في الأرض ، فالإنسان خليفةٌ في الأرض بالنص الصريح ، ولكن خليفة لمن ؟ هذا أمرٌ آخر كثر فيه القول ، وأرى أن نكتفي بكلمة خليفة ، ولا نزيد كلمة الله بعدها ، أخذاً بالتوقيف فيما يتعلق بأمور
العقيدة .
وأما عن الخلاف والتناقض بين العلم والدين فهو سؤالٌ قديمٌ تعبت فيه أقلام المفكرين من فقهاء العصر والدين ، وأطبق الجميع على أنه لا يقع ذلك فيما إذا تأكد العلم وصحّ النص ، أما التناقض المزعوم والخلاف الموهوم فهو نتيجة الخطأ في العلوم والفهوم .
وأما سؤالك عن عبارة ( القرآن حمّال أوجه ) فإن كان ذلك يعني بأنه يحمل وجه وعقل من يقرؤه ويفسره ، ويعني عطاء النصّ المتجدد ، وصلاحيته لكل زمانٍ ومكانٍ ، أو يعني الاحتياط والتحذير لدفع التلاعب بآيات الذكر الحكيم ؛ مع حسم القضايا بالمعنى المحدد دفعاً للتأويل ( طريق التضليل ) كما يحدث عند بعض الفرق والجماعات من ردّ الآيات واتبا المتشابهات ، وجعل القرآن متصادماً متناقضاً يضرب بعضه بعضاً ، فهو بهذا المعنى مقبولٌ وصحيح ، ولعل هذا يشرح ما نسب لعليٍّ كرم الله وجهه في وصيته لابن عباسٍ رضي الله عنهما : ( لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمّال أوجه تقول ويقولون ، ولكن حاججهم بالسنة فإنهم لم يجدوا عنها محيصاً ) .
أما إذا كانت هذه العبارة ذريعةً إلى إلغاء النص ، والتفلت من قيود الدين ، وجعل القرآن عضين ، أو الاكتفاء بالقرآن في فهم الشريعة كالقرآنيين ، فإن هذا مرفوضٌ وغير مقبول .
والسبيل إلى أن لا يكون القرآن حمّال أوجهٍ بالمعنى المرفوض هو اقترانه بالسنة التي تبيّن الوجه المطلوب بأحسن أسلوب .

فضيلة الشيخ عبد الهادي بدلة حفظه الله