[align=justify]بداية : موقف السيد النبهان من السياسة والحكام
لم يشغل الشيخ نفسه في قضايا السياسة ولم يكن يحب الحديث في شؤون السياسة، فكان بعيداً كل البعد عن الحكام وعن مجالسهم، ولا أذكر أنه زار مجالس الحكام أو زار مسؤولاً سياسياً في مقره.
كان يكره أحاديث السياسة وما يدور فيها من جدل، ويكتفي بسماع الخبر ولا يعلق عليه، إلا إذا كان له صلة بما يسيء للدين وللعقيدة وللأخلاق الإسلامية فكان يتدخل بقوة دفاعاً عن العقيدة والأخلاق، ولا حدود لغضبه إذا غضب للحق، ولا يتراجع عن موقفه ولا يساوم ولا تنازل، فقضايا الدين مقدسة، ولا يجوز أن تمس بسوء.
وإذا غضب للحق كان الحكام يخشون غضبه، ويتراجعون عن مواقفهم، وكانت له مواقف مشهورة في تاريخ حلب، وكان الشعب يثق به ويؤيده، فإذا غضب للحق غضبت المدينة لغضبه، وأيدته في مواقفه.
لم يكن في مواقفه هذه دفاعاً عن القيم الإسلامية يبحث عن جاه أو مكانة اجتماعية، كان زاهداً في كل أنواع الجاه، يعمل لله وفي سبيل الله.
كان يحب في الله ويبغض في الله، يحب من الحكام ورموز السلطة من كان يحترم قيم الإسلام ويعتز بسلوكية المسلم ويكره منهم من كان يسيء للإسلام أو يتحدى مشاعر المسلمين، أو يعلن موقفاً معادياً للإسلام.
لم يكن منعزلاً عن قضايا الناس، كان مجلسه اليومي في داره أو في الكلتاوية حافلاً بالزوار والضيوف من علماء وتجار ووجهاء ورجال سلطة وأصحاب مهن علمية وحرفية وزعماء عشائر وطلاب.. كان يوجه الجميع بالحكمة والموعظة الحسنة، ويسمع منهم قضاياهم ويسمع لشكاويهم ويساعد المحتاج ويمسح الدمعة عن العيون الباكية.
وفي أيام الانتخابات كان السياسيون يتقربون منه ويلتمسون منه تأييدهم، كان مع الحق، لم يؤيد شخصاً لقرابة أو صداقة كان الأفضل عقيدة وسلوكاً وحكمة هو الأجدر بالتأييد.
والكل كان يحترم نزاهته ويقدر مواقفه في القضايا العامة، ولم تصدر منه كلمة نابية بحق أحد بسبب شخصي، فإذا وجد من أحد موقفاً يسيء للدين أو للأخلاق تصدى له بقوة.
الزهد في السياسة
ويحذر من ارتياد مجالس أهل السلطة والحكام، وبخاصة من أهل العلم، فلا يجوز لعالم أن يقف على أبواب الحكام، ويردد الكلمة المأثورة «نعم الأمراء على أبواب العلماء وبئس العلماء على أبواب الحكام» ومن يقف من العلماء على أبواب الحكام فلا يوثق بدينه ولا تقع الطمأنينة إلى ما يفتي به، ولا يتورع عن المال العام، وارتياد هذه المجالس تمنع العلماء من قول كلمة الحق، والعالم الذي يخاف من كلمة الحق في مجالس الحكام هو عالم خائن لأمانة العلم.
لم يزر مسؤولاً حكومياً في مقره، ولم يلب أي دعوة رسمية لحضور احتفالات أو مناسبات سياسية، ولم يهنىء حاكماً بمنصبه، كان يستقبل كل من يريد زيارته من الحكام والمسؤولين، وكانوا يزورونه باستمرار، فينصحهم بالكلمة الطيبة ويدعوهم إلى الدفاع عن الإسلام، ويقول لهم بأننا معكم ما دمتم على الحق نشجعكم ونؤيدكم ولا نريد منكم شيئاً إلا أن تكونوا من أهل الأمانة والنزاهة في أداء أعمالكم، فإن كنتم على الحق وأديتم حقوق الله فالله معكم وينصركم..
كان يتصدى لأقرب الناس إليه إذا خرج عن الحق وأساء للدين وتحدى مشاعر الأمة، ويحب ويثني على كل المخلصين والصادقين ممن يراعون حقوق الله.
عرفته مدينة حلب بشجاعته في الدفاع عن كلمة الحق فإذا غضب لله خرجت المدينة تناصره، وتغلق الأسواق تعبيراً عن تأييد المدينة له.
لم يكن يريد من الحكام والمسؤولين الإداريين إلا أن يؤدوا حقوق الله في أعمالهم، وأن يدافعوا عن الحق، وأن يلتزموا بالنزاهة والأمانة، هذه كانت النصيحة التي كان يقدمها لهم.
كان زاهداً فيما عندهم من جاه وسلطة ونفوذ، لم يفخر يوماً بصديق صاحب مركز سياسي، كانوا في الانتخابات يلتمسون تأييده، فيدعو أصحابه إلى اختيار الأصلح والأفضل ممن يطمئن المجتمع إلى استقامة سلوكه وسداد رأيه عندما كان يتحدث عن السياسة والسياسيين، كان يفرق بين السياسة التي تعنى خدمة المجتمع والنظر في شؤونهم وتحقيق العدل بينهم فهذه سياسة محمودة، ومن يقوم بحقها كما أمر الله به فله أجره عند الله بمقدار ما يخدم فيها المجتمع ويدافع عن الدين والعقيدة ويحمي القيم الأخلاقية، أما السياسة ألتي تعتمد على الخداع والنفاق وتملق مشاعر العامة بالوعود الكاذبة طمعاً في السلطة والجاه والمكانة الاجتماعية فهذه سياسة مذمومة، ولا تليق بالعلماء، فالعالم لا يليق به أن يكذب وأن ينافق وأن يخلف الوعود وأن يبحث عن الجاه المتولد عن السلطة.
وعندما كان يزوره أحد السياسين كان ينصحه بأن يخلص النية لله تعالى وأن يعمل لخدمة الناس بإخلاص وأن يسعى بكل جهده للإصلاح، فإن حصل ذلك تولى الله أمره بالتسديد والتوفيق.
وكان يحذر من يعمل بالسياسة من الطمع في الأموال العامة وأن يأخذ ما يكفيه وما يسد حاجته، وأن يكون عفيفاً نزيهاً عن أموال الناس، ولا يطمع في مال، يدافع عن الحق ويتعاطف مع المستضعفين.
وفي مجالسه كان يثني على السياسيين الذين اشتهروا بالشجاعة والأمانة والنزاهة، ويقول لابدَّ ممن يريد العمل بالسياسة أن يكون قوي الشخصية عالي الهمة يعطي ولا يأخذ يمد يده لأصحاب الحقوق مدافعاً عنهم، ولا يغلق بابه دونهم.
ولم يربط صلته برجال السياسة أو يحضر مجالسهم، وعندما تكون هناك قضية عامة كان يطلب منهم أن يدافعوا عن عقيدة الأمة وأن يرفعوا شعار الفضيلة في السلوك، وإذا وقف أحد السياسيين موقفاً معارضاً للدين، كان يغضب لله ولا حدود لغضبه، ويهاجم من يفعل ذلك في مجالسه العامة.
وكانت له مواقف شجاعة في الأيام العصيبة، وبخاصة عندما يحتدم الخلاف حول قضية عامة، مثل قضية دين الدولة في الدستور أو التعرض للعقيدة الإسلامية في وسائل الإعلام أو الإساءة لتاريخ الإسلام وثقافته في الكتب المنشورة فكان يرفع صوته بالاحتجاج القوي، وقد يقود تجمعاً شعبياً في الشوارع أو المساجد، معلناً عن احتجاج الأمة على كل ما يخالف عقيدتها أو ثقافتها أو قيمها الإسلامية.
ولم يكن يعجبه العلماء الذين يتزلفون لرموز السلطة ويتقربون منهم بالمديح والثناء، طمعاً في الجاه الذي يحصلون عليه بسبب تقربهم من الحكام، وكان يسميهم «علماء السوء» الذي يبيعون دينهم بدنياهم، ويبحثون عن مناصب إدارية طمعاً في مغريات السلطة، وإذا رأى عالماً وقف على أبواب الحكام طلب منه أن يقدم النصيحة في مجالس السلطة وأن يرعى حقوق الله وأن يساعد المظلومين وأصحاب الحقوق، فإن فعل ذلك وكانت هذه نيته فإن الله يجازيه خيراً ومثوبة.
وعندما بنى جامع الكلتاوية ومدرسة دار نهضة العلوم الشرعية رفض أي إسهام من الدولة في بناء الجامع والمدرسة، لأن المتبرع لا يملك حق التصرف في الأموال المودعة بين يديه، ويرى أن بعض هذه الأموال تدخلها الشبهة وكان علماء السلف يكرهون وقوف العلماء على أبواب الحكام، ولهم أقوال كثيرة تعبر عن هذه الكراهية، وذلك لأن العلماء أمناء على الحق يدافعون عنه حيث كان، وهم رموز للصدق والأمانة والنزاهة، فإذا دخلوا مجالس الحكام وأصبحوا من روادها فلابد لهم من السكوت على المظالم وتبريرها والتقرب للحكام بالأقوال والأفعال والنفاق والتملق، وهذا أمر ضروري، ولا يمكن لعالم أن يقدم النصيحة في هذه المجالس، وبخاصة إذا كان العالم يطمع في منصب أو مال أو جاه، وقال أبو ذر: لا تغش أبواب السلاطين فإنك لن تصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينك أفضل منه «وقال الفضيل: ما ازداد رجل من ذوي سلطان قرباً إلا ازداد عن الله بعداً» وقد يتساءل متسائل:
ألا يمكن للعالم أن يدخل إلى مجالس الحكام لتقديم النصح لهم وبيان أوجه الحق لهم؟
ألا يمثل الابتعاد عن مجالس الحكام خطأ لأنه يقصي العلماء عن مراكز السلطة؟
ويكمن الجواب أن الحاكم بطبيعته قوي بسلطته، ولا يحتاج للعالم إلا لكي يسخره لما يريد، أو لكي يدعم مركزه بالتفاف العلماء حوله.
والأمر يختلف بين حاكم وآخر وعالم وآخر، ولا يعرف تاريخ الإسلام إلا القليل من المواقف التي وقف العلماء فيها موقف الناصح من الحاكم، ومما يضعف موقف العالم هو طمعه بالسلطة والمال والجاه، فإن زهد في هذه المطامع كان قوياً في موقفه محترماً لدى الحاكم، موثوقاً من الأمة، وهذا قليل ونادر.
انتهى ذلك من كتاب الشيخ النبهان للدكتور محمد فاروق النبهان
الصوفي المجاهد
عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وحين تتلاطم أمواج الابتلاء تظهر معادن الناس، فمنهم من هو كالرمال المتحركة في مهب الريح، ومنهم من تلقمه الحوت أو يلقي به اليم إلى الساحل ميتاً، ومنهم كالعيس التي فقدت الهجّان في الصحراء، شغله وديدنه التشكيك والتضعيف وترويج الإشاعات والأكاذيب، ومنهم الجوهر النفيس الذي يمخر بسفينته عباب البحر، ليكون المنقذ والدليل لكل من أتعبه التيه أو أشرف على الغرق والهلاك.
وهذه صفة سيدنا النبهان رضي الله عنه كلما غصت سوريّا بمحنة أو نزل بها كرب أو مكر يلجأ إليه علماؤها وأبناؤها ليجدوا الحل الذي يثبت أوتاد خيمة الحق ويمسك بحبالها .
وان سوريا لتعرف رجل الحق، الذي ارهب الظلمة وقارع الباطل زهاء خمس وثلاثين سنة، فما وهن ولا استكان، القائد الفذّ الذي لا يعرف الخوف، ولا تأخذه في الله لومة لائم، بل هو أسد الأسود في كل ميدان، وكهف الخائفين كلما عصفت بالمسلمين محنة، وإذا كان بعض دعاة الإصلاح يهرب من الفتن، فإنه يتصدى لها ويخمدها، ولا يرضى لبعض العلماء تَرْكَ البلاد عند الشدائد، كما انه يتعشق الشهادة ويقول: ابن العشرة لا يموت في التسعة ، ومع هذه الشجاعة النادرة لم يؤلف حزباً أو تنظيماً سياسياً، ولم يتخذ من حزب واجهة له، ولم يفسح لمتحزب أن يتسلق على جبل دعوته وطريقته، كما أنه لم يشرع بثورة أو انقلاب، وما تسبب في موت أحد، لكنّ مواقفه كلها تندرج تحت عنوان السياسة الشرعية حتى قال عنه البعض بأن الشيخ محمداً النبهان رجل سياسة لا رجل تصوف! غفلوا عن معنى السياسة الشرعية وجهلوا تأريخ الصوفية العظام في الجهاد في سبيل الله تعالى، أمثال: العز بن عبد السلام، وصلاح الدين الأيوبي، وعبد القادر الجزائري، وعمر المختار، والإمام شامل النقشبندي، والسلطان العثماني محمد الفاتح (فاتح القسطنطينية) وغيرهم كثير، وجميع مواقف السيد النبهان رضي الله عنه هي إما ردع لظلم، أو إظهار لحق، أو إخماد لفتنة، أو كبح لفساد.. منها:
• أنه رضي الله عنه أغلق أسواق حلب خمس عشرة مرة، واحدة منها حِداداً على روح الشيخ محمد سعيد البكاء رحمه الله، وما بقي فاحتجاجاً منه على الحكّام في قضايا مختلفة .
• واسمه رضي الله عنه يتصدر كل برقية يرسلها العلماء إلى الحكام نصيحةً أو تنديداً أو مطالبةً.
• أخمد رضي الله عنه الفتنة بين حزبي (الشعب) و (الوطني) في سوريّا وأصلح بينهما آنذاك، بعد أن كادت تؤدي إلى مذابح للشباب من الطرفين، وأعلنت الصحف النبأ بخطوطها العريضة وقتئذٍ .
• في سنة 1952/1953م شاع خبر مفاده أن رشدي كيخيا رئيس الحكومة ورئيس حزب الشعب، ينوي إعلان العلمانية في البلاد، فتجوّل رضي الله عنه في أسواق حلب ونادى بالناس: إذا ما أحد يقتل رشدي كيخيا قتلته بنفسي . ولم يكتف بهذا بل ذهب إلى الحي الّذي يسكنه رئيس الوزراء نفسه وقال هناك: لأطبقنّ أضلاعه، ولأدوسنّ رأسه بالنعل . فسمع رشدي فجاءه إلى المسجد معتذراً وأنكر نيته وعزمه وقال: سيدي، نعلك على رأسي .
• وفي تظاهرة صاخبة نظّمها رضي الله عنه في حلب سنة 1956م خرجت المدينة عن بكرة أبيها، تطالب الحكومة برأس عسكري ــــ غير مسلم ــــ انتقص من قدر رسول الله رضي الله عنه في إحدى الصحف ويُدعى (أبو شلباية) لكنّ الحكومة رفضت تسليمه، ولو فعلت لقطّعه الشعب الهائج إرباً إرباً، وإن لم يتوصّل ممثلوا الشعب والحكومة إلى حل سريع فإن المذبحة وشيكة.
أرسلت الحكومة إذ ذاك وفداً لمفاوضة السيد النبهان ر فخرج رضي الله عنه حتى إذا وصل القلعة: حمل المتظاهرون السيارة التي تقلّه، وبعد أن ترجّل وارتقى شرفة بناية قصر الحكومة المعروفة بالسراي المطلة على الجماهير، اقتيد إليه المجرم وأقرّ بفعلته وأظهر ندمه وتوبته، فأشار رضي الله عنه للناس أن ( تفرّقوا ) وأطلق سراحه .
• وفي سنة 1957م نظّم تظاهرة كبيرة للعلماء تأييداً لثورة الجزائر، حدثنا خطيب المسجد الشيخ محمّد منير حداد ــــ أحد المشاركين فيها ــــ قال: خرجت مع سيدنا رضي الله عنه بجمع علماء حلب وأعيانها من جامع سيدنا زكريا الكبير بحلب تجاه المحافظة، وكان على المحافظ أن يلقي كلمة ترحيب فتثاقل، وساد صمت وامتعاض، فإذا بسيدنا رضي الله عنه يصرخ به: قم، جبان! . فانتفض من عقال كبره قائلاً: العفو يا سيدي، وألقــــى الكلمة .
• في فترة الوحدة بين مصر وسوريّا استُحدِثت وزارة (رعاية الشباب) وسوريّا آنذاك الإقليم الشمالي ومصر الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة، فاستضافت مصر صيفاً مائة وخمسين شاباً من سوريّاً، فغرق أحد الموفدين في شدنيء الإسكندرية، إلاّ أنّ السلطة لم تبادر بإرسال الجنازة، واكتفت بإعلام أسرة الفقيد عن طريق تلك الوزارة، لأن نقله لا يمكن إلاّ بطائرة، وما أن بلغ سيدنا رضي الله عنه رضي الله عنه الخبر حتى ثارت ثائرته وطلب من الشيخ محمد عبد الله الشامي أن يفتح له هاتفاً ليكلّم جمال عبد الناصر، وأثناء المكالمة قيل له: من يريده؟ قال الشيخ الشامي: قولوا له الشيخ محمد النبهاني من حلب.. فقالوا: إنه في اجتماع بمجلس الوزراء، هل تكلمون المشير عبد الحكيم عامر؟ قال الشيخ الشامي: سيدي، هذا المشير على الهاتف.. قال رضي الله عنه: كلّمه أنت، فأنا لا أكلم المشير، وليبلغ جمال عبد الناصر: نرسل لكم أبناءنا أحياءاً وتبخلون بإرسالهم أمواتاً؟ فأجابه: شيخي، بعد ساعتين سيكون عندكم.. فوصلت الجنازة بعد ساعتين، على طائرة خاصة!
• في سنة 1967م ظهرت مجلة الجندي ــــ القوات المسلحة التي يحررها إبراهيم خلاص ـــ في مقال: (الله، والأديان السماوية دمىً محنطة في متاحف التاريخ)!! فهاجت البلاد وماجت، وكانت للعلماء مواقف شرف في حلب وحماة ودمشق وحمص وبقية المدن، فأدركت الحكومة حجم المأزق، وأرسلت وفداً للمفاوضة مع سيدنا رضي الله عنه ، حدثني والدي ــــ رحمه الله ــــ الّذي رأى وسمع ما جرى للوفد معه قال: كانوا ثلاثةً وزيراً ورئيس المخابرات والمحافظ، فأمضى رضي الله عنه ساعةً يتهدد ويتوعّد، دون أن يستضيفهم بشربة ماء، وجاءه الحاج مصطفى سروجي رحمه الله تعالى بشاي ضيافة للوفد، لكن سيدنا رضي الله عنه سأله: ((ما هذا؟)) فقال الحاج مصطفى: ضيافة شاي يا سيدي، فقال رضي الله عنه:
((الضيافة للكريم، وهؤلاء لئام، لا تقدم لهم..!! والله لئن أمرني ربي لأقاتلنّكم بجنود الله بالبعوض والبرغش، أنا لا أقتل جنودنا؛ فهؤلاء أبناؤنا ولكن أقتل نساءكم المتبرجات العاريات، وأضرب كل سبعين منكم برصاصة))!! .. وانفضّ المجلس عن توقع كارثة، فخرج رضي الله عنه إلى قرية (البويدر) يدبّر أمراً، وأعلنت الحكومة نبأ قتله مكراً وخديعةً، ولم تمض إلاّ أيام حتى انحسم الأمر بالحرب بين العرب وإسرائيل سنة 1967م .
حدثنا الشيخ محمد بن الحاج علي النبهان (أخ السيد النبهان) قال: أذكر في عام 1967م عندما كتب أحد المجرمين الكفرة في سوريّا واسمه إبراهيم خلاّص ( إن الله والأديان والإقطاع ورأس المال..كدمى محنطة في متحف التأريخ! ) كان رضي الله عنه الأسد الهصور الّذي وقف ليقول إن في الإسلام رجالاً قادرين على حمل لوائه والذود عنه، فألهب مدينة حلب بل سوريّا كلها! وارتعدت أوصال الظالمين، فجاءه والدي رحمه الله تعالى فبكى عنده! وقال له: إني أخاف عليك منهم، وحبّذا لو كان موقفك أخف أو فيه بعض الليونة! فأجاب رضي الله عنه بكلمة لا أنساها: حاج علي، والله إني لأستحيي من الله أن يراني خفت من غيره، أنا لا أعرف الخوف إلاّ من الله تعالى، لأنه وحده الفعّال لما يريد جلّ جلاله .
• وأعلن رئيس آخر العلمانية، فأرسل رضي الله عنه برقية بجمع من العلماء، تضمنت تهديداً واحتجاجاً شديد اللهجة أقام محاضرات في المسجد تبين مساوئ العلمانية وتفضح أهدافها في إبعاد الإسلام عن دوره في تسيير نظم الحياة وإدارة شؤون الدولة، لكن المحنة خفّت بعد أن نصّ الدستور على أن يكون رئيس الجمهورية مسلماً .
• وذُكِرَ له أن الرئيس يريد زيارتكم فقال: هو يدخل من باب وأنا أخرج من الباب الثاني
• ذكر هذا النبأ الشيخ سعيد حوى رحمه الله تعالى في كتابه " هذه شهادتي وهذه تجربتي
" ص104 ـــ 109 لدى حديثه عن الدستور الدائم في سوريّا، وسنقتطع من النص ما يناسب المقام، قال رحمه الله: أنجز الدستور مجلس الشعب المؤقت، وطرح الدستور على المناقشة العامة، وأعلن أنه سيصوت عليه من قبل الشعب كله..!. قرأتُ الدستور وشعرت بالخطر، فالدستور كان علمانياً..!
عندما قرأت الدستور وجدت أنه لابدّ من عمل، وأن هذا العمل يجب أن يكون باسم علماء سوريّا.كان خوف الناس من النظام كبيراً، وكان علي أن أهتك عقدة الخوف، وعلماءُ سوريّا بطبيعتهم حذرون، فكيف نجمعهم على موقف سياسي موحد؟ ومن الّذي يجرؤ أن يكون هو البادئ؟ فالأمر في غاية الصعوبة. بعد أن قررت العمل كتبت بياناً عاماً في مناقشة الدستور، وكتبت صيغة فتوى قصيرة في شأنه، بين يدي محاولتي إقناع من أستطيع إقناعه من العلماء وبالتوقيع على هذا وهذا. المهم عندي أن يبدأ أحد العلماء بالتوقيع الأول، ولم يكن في سوريّا أجرأ من الشيخ محمد النبهان رحمه الله في حلب..
تأخّر جواب شيوخ حلب عدة أيام، ثم جاء أحدهم ومعه الفتوى والبيان، موقعين من حوالي ثلاثة عشر شيخاً هم أكابر شيوخ حلب، والّذي جرّأهم على التوقيع هو اسم الشيخ محمد النبهان عندما رأوه على البيان والفتوى. سعيد حوىهذه شهادتي وهذه تجربتي ) ص 104 وما بعدها
انتهى ذلك من كتاب السيد النبهان للشيخ هشام الأوسي [/align]
المفضلات