الإنسان والوجود
قال: (اعلم أنه ما تخلص باطنك من المكونات ملئ بالمكون ونشأت المحبة بينك وبين سائر المكونات، وما ملئ باطنك من المكونات خرج منه المكون ونشأ البغض بينك وبينه اثر المكونات، ومهما صفت معاملتك مع الخلق عطفت عليك الحكم والسلطان عليه، ولا حكم له عليك: هذا إن كنت له فإنه يكن لك كل شيء، وإذا كنت به كان بك كل شيء )، وقال: (اعلم أنه ما خلق الله جسد الإنسان إلا لأجل الروح، ومهام غابت الروح هلك الجسد وفنى وتلاشى، كذلك خلق الله الوجود لأجل الإنسان ولو غاب الإنسان لهلك هذا الوجود وفنى وتلاشى. خلق الله الجسد كرامة للروح، كما خلق هذا الوجود كرامة للإنسان، فضلًا ورحمة منه. بحانه من لا يحصر جوده وكرمه، الكريم المتعال )، وقال: (اعلم أن حدث السن وحدث العقل، لا تجد صفاته إلا غالبة على ذاته، وشامخ السن وشامخ العقل لا تجد ذاته إلا غالبة على صفاته. حدث السن مكسو بكسوة حضرة الربوبية، وهي كسوة العز والعلو، وهي تغرس صاحبها في الذل والدنو، أحب أم كره، وشامخ العقل مكسو بكسوة حضرة العبودية، وهي كسوة الذل والدنو، وهي تغرس صاحبها في العز والعلو، أحب أم كره. غرس الصفات عز، يثمر بأثمار الذات ذل. وغرس الذات ذل، يثمر بأثمار الصفات عز، هكذا في الإنسان، وهكذا في الوجود. كأن الأشياء كامنة في أضدادها في الوجود، كذلك الأشياء كامنة في أضدادها في الإنسان. الإنسان نسخة الوجود، والوجود نسخة الإنسان. الإنسان ملك على الوجود، والوجود مملوك للإنسان. ملك الإنسان قائم بمملكة الوجود، ومملكة الوجود قائمة بملك الإنسان. ما شاء الإنسان كان في الوجود، وما شاء الوجود لا يكون في الإنسان. تصرف الإنسان في الوجود، كتصرف القلب من الإنسان، والقلب بيت الله في الإنسان، وهو بين أصابع الرحمن، يتقلب في كل حال وفق إرادة الملك الديان )، وقال: (اعلم أن حقيقة الإنسان كحقيقة أحوال الوجود، وحقيقة أحوال الوجود كحقيقة أحوال الإنسان، حرفًا حرفًا، من غير زيادة ولا نقصان. فأحوال الوجود قامت بالأضداد، كالشتاء والمصيف نعني به الحرارة والبرودة، كل حالة لا تقوم إلا بالأخرى معها، ولو كانت حالة واحدة لاضمحل الوجود .

* من كتاب في أنوار الطريقة وأسرار الحقيقة لمولانا علي العمراي الملقب بالجمل