لقد ضرب لنا نبينا محمد (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أعظم المثل في استخدام مهارات التواصل الدعوي للنفاذ إلى عقل المتلقي وقلبه، وإثارة اهتمامه وانتباهه، وإيقاظ مشاعره، ومن ذلك استخدامه (صلى الله عليه وسلم) لغة الأرقام لإثارة الذهن، أو التحديد والحصر، أو التقريب الذهني، ويرجح السياق هذا أو ذاك.. ومن ذلك استخدامه (صلى الله عليه وسلم) العدد ثلاثة، إذ يقول (صلى الله عليه وسلم): ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ الله وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ (رواه البخاري)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ (رواه البخاري).
ومنه استخدامه (صلى الله عليه وسلم) العدد أربعة إذ يقول: أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ (متفق عليه).
ومنه استخدامه (صلى الله عليه وسلم) العدد خمسة، إذ يقول (صلى الله عليه وسلم): بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ (متفق عليه).
ومنه استخدامه (صلى الله عليه وسلم) العدد ستة، إذ يقول (صلى الله عليه وسلم): حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ ، قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ الله فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ(متفق عليه).
ومنه استخدامه (صلى الله عليه وسلم) العدد سبعة، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِالله، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِى حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ.
على أن استخدام العدد في السنة النبوية قد لا يقصد به الحصر أو التحديد، إنما يقصد بهذا التمثيل والتقريب، ومن ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم): سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من عَلّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته ذلك أن العمل الصالح لا ينحصر في هذه الأمور، وإنما يتسع لكل ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، وإنما مثل نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) بما كان متاحًا ومطلوبًا فى عصره .
* الكاتب : د. محمد مختار جمعة
المفضلات