دعا علماء دين واقتصاديون إلى دعم المنتج المحلى وإعطائه الأولوية فى الإقبال عليه، والعمل على تغيير الثقافة السائدة بتدنى النظرة للمنتج المحلى مقابل الثقة المطلقة فى المستورد، وقالوا إن الأمر بحاجة إلى مزيد من التوعية للجانبين: المصنع والمستهلك وأن دعم المنتج الوطنى واجب دينى ووطني، لأنه يصب فى مصلحة الفرد والمجتمع على السواء، بينما التفاخر بالمستورد ضد الانتماء.


فى البداية يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية، بجامعة الأزهر، إن دعم الاقتصاد الوطنى وتقديم المنتجات المحلية على غيرها فى استهلاكنا يوفر لنا العملات الصعبة التى نستورد بها ولا يضعنا تحت رحمة أحد ممن نستورد منه حاجاتنا. لذا فيجب أن نعتمد على أنفسنا ولاسيما فى ضرورياتنا كالخبز والصناعات الأساسية، كى يكون دائما قرارنا بأيدينا ولا يتحكم فينا أحد، وصدق من قال: من لا يملك قوته لا يملك قراره، أو لا يملك حريته، لذا فعلى أصحاب الصناعات أن يقدموا لبلادهم أفضل ما لديهم وأن يراعوا فى منتجاتهم المواصفات العالمية من حيث الجودة والحفاظ على الصحة، وأن يتحلى التجار والمصنعون بالأمانة والمصداقية والشفافية، بالإضافة إلى خدمة ما بعد البيع، لا كما يفعل البعض الذى يضع على المنتج ملصقا بمواصفات ومعايير وتاريخ صلاحية يخالف الواقع، أو يعمد إلى تقليد الماركات العالمية دون نسبة المنتج إلى أصله، ويضيف: نحن بحاجة أولا إلى شفافية ومصداقية وأمانة، حتى نتخلص من آفة العزوف والسخرية من المنتج المصرى التى تطارد بعض المنتجات، وأدت بها إلى الركود برغم تفوقها فى كثير من الأحيان على المستورد، وأقل منه كلفة بكثير. فليس من المعقول، أن يتعصب الناس لمنتج رديء أو مخالف للقياسات المطلوبة، ويتركوا الأجود، فهذا لن يكون، ويتابع هنا نذكر أهل الصناعات بقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، ويجب كذلك تقوية الأنشطة المحلية داخل الدولة، لأن هذا من باب الدعم للاقتصاد الوطني، ويأتى ذلك بتكاتف المواطنين بشراء وتفضيل، بل والدعاية للمنتجات الوطنية، ونذكر فى هذا المضمار ما قام به الاقتصادى الفذ طلعت حرب، الذى شجع تأسيس الصناعات المصرية، فى مواجهة الصناعات الأوروبية.


على الجانب الآخر، يجب على المستهلك عدم المسارعة إلى البحث عن المستورد فى كل شيء فليس كل مستورد هو الأفضل، بل يجتهد فى البحث عن منتج محلى أولا فإن وجده فذلك هو الأفضل وإلا فليبحث عن بديل له مصرى آخر يحقق له الغرض، وإلا كان البحث عن المستورد أمرا تحكمه الضرورة، وذلك أسوة بالمسلمين الأوائل الذين كانوا يحبون ويشجعون منتجات بلادهم، وكانوا يعيشون على إنتاجهم الزراعي، وتجارتهم (رحلتى الشتاء والصيف)، فى الشتاء إلى اليمن، والصيف إلى الشام.


وحذر الدكتور كريمة من اعتياد شراء المستورد للمباهاة والمفاخرة، فأحيانا يلجأ البعض إلى شراء المستورد لا لشيء سوى التفاخر والتمايز بأن هذا المنتج مستورد من بلد كذا أو أن سعره بكذا دولار مثلا. وهذا ضد الانتماء الذى يجب أن يتعمق فى نفوسنا ونراعيه دائما ونرفع شعار منتج بلادنا أولا ونفخر بصناعتنا، أو على أقل تقدير لا يأخذنا الفخار والعزة بصناعة غيرنا.. كما يجب علينا أيضا ـ ولاسيما نحن فى مرحلة البناء الاقتصادى الحد من السلع الترفيهية ـ خاصة المستوردة ـ لأن التساهل بهذا الأمر يرهق الاقتصاد، ويزيد الأعباء على الأسر.


وطالب الدولة، بحماية المنتج الوطني، فإذا أدى إغراق الأسواق المصرية بالمنافس مثلا، فيجب من باب المصلحة العامة الحد من ذلك، لقاعدة (دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح).


الوعى والانتماء الوطنى


فى السياق نفسه، تقول الدكتورة حنان النجار، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، إن نجاح دعم المنتج المحلي، يرتبط بزيادة وعى وانتماء الأفراد داخل المجتمع، فعلى سبيل المثال الشعب اليابانى لا يقبل على شراء أى منتجات مستوردة طالما تنتج محليا، فمن المستحيل أن يشترى (أرزا مستوردا، أو أى سلعة استهلاكية أو معمرة)، حتى يبحث أولا عن المنتج الوطنى لها، فلديهم (انتماء وطنى عال جدا وروح عالية للتكاتف المجتمعي)، ولذا أصبح اقتصادهم قويا جدا، ولذا يجب أن يكون لدينا (وعي) بأهمية الصناعة المحلية، وتضيف: الأمر الثانى أنه يجب أن يكون هناك (ثقة) فى المنتج المحلي، وتأتى هذه الثقة بالوعى الإعلامي، وإلقاء الضوء على المنتج المصرى إعلاميا، وعلى المنتج والمصنع أن يحترم المستهلك ويكون صادقا أمينا معه، والأمر نفسه ينسحب على الزراعة، فمصر دولة زراعية فى المقام الأول، وعلى المنتجات الزراعية يقوم كثير من الصناعات.


وتختتم حديثها قائلة إن الثقة فى المنتج المحلى تأتى حينما تكون طبقا للمواصفات العالمية، مما يساعد على زيادة التصدير، وهذا يمنح اسما كبيرا للمنتج المصري، ويعطى الثقة للمواطن بمنتج بلده.

* عن الاهرام الديني - تحقيق حسـنى كمـال