النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: حيرة عالم

  1. #1
    كلتاوي ذهبي

    الحاله : أبوعمار غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2007
    رقم العضوية: 46
    الدولة: الإمارات_أبو ظبي
    الهواية: الأبحاث والقراءة
    العمر: 45
    المشاركات: 929
    معدل تقييم المستوى : 122
    Array

    افتراضي حيرة عالم


    يقول الإمام ابن الجوزي في كتابه( صيد الخاطر )وهوكتاب نفيس عدادُه في ذخائر العرب

    حيرة عالم
    قلت يوماً في مجلسي: لو أن الجبال حملت ما حملت لعجزت.
    فلما عدت إلى منزلي، قالت لي النفس: كيف قلت هذا ؟ وربما أوهم الناس أن بك بلاء، وأنت في عافية في نفسك وأهلك !!.
    وهل الذي حمل إلا التكليف الذي يحمله الخلق كلهم ؟ فما وجه هذه الشكوى.
    فأجبتها: إني لما عجزت عما حملت، قلت هذه الكلمة لا على سبيل الشكوى ؟. ولكن للاسترواح.
    وقد قال كثير من الصحابة والتابعين قبلي: ليتنا لم نخلق !.
    وما ذاك إلا لأثقال عجزوا عنها.
    ثم من ظن أن التكاليف سهلة، فما عرفها.
    أترى يظن الظان أن التكاليف غسل الأعضاء برطل من الماء، أو الوقوف في محراب لأداء ركعتين ؟ هيهات! هذا أسهل التكليف.
    وإن التكليف هو الذي عجزت عنه الجبال، ومن جملته: أنني إذا رأيت القدر يجري بما لا يفهمه العقل، ألزمت العقل الإذعان للمقدر، فكان من أصعب التكليف.
    وخصوصاً فيما لا يعلم العقل معناه كإيلام الأطفال، وذبح الحيوان، مع الاعتقاد بأن المقدر لذلك والآمر به، أرحم الراحمين.
    فهذا مما يتحير العقل فيه، فيكون تكليفه التسليم، وترك الاعتراض... !!.
    فكم بين تكليف البدن وتكليف العقل .. ؟.
    ولو شرحت هذا لطال، غير أني أعتذر عما قلته، فأقول عن نفسي، وما يلزمني حال غيري.
    إني رجل حبب إلي العلم من زمن الطفولة فتشاغلت به، ثم لم يحبب إلي فن واحد منه، بل فنونه كلها.
    ثم لا تقتصر همتي في فن على بعضه، بل أروم استقصاءه.
    والزمان لا يسع، والعمر أضيق، والشوق يقوى، والعجز يظهر فيبقى وقوف بعض المطلوبات حسرات.
    ثم إن العلم دلني على معرفة المعبود، وحثني على خدمته.
    ثم صاحت بي الأدلة عليه إليه، فوقفت بين يديه، فرأيته في نعته وعرفته بصفاته.
    وعاينت بصيرتي من ألطافه ما دعاني إلى الهيمان في محبته، وحركني إلى التخلي لخدمته.
    وصار يملكني أمر كالوجد كلما ذكرته، فعادت خلوتي في خدمتي له، أحلى عندي من كل حلاوة.
    فكلما ملت إلى الانقطاع عن الشواغل إلى الخلوة، صاح بي العلم أين تمضي ؟.
    أتعرض عني وأنا سبب معرفتك به.
    فأقول له: إنما كنت دليلاً وبعد الوصول يستغنى عن الدليل ؟.
    قال: هيهات ! كلما زدت، زادت معرفتك بمحبوبك، وفهمت كيف القرب منه.
    ودليل هذا، أنك تعلم غداً، أنك اليوم في نقصان.
    أو ما تسمعه يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: " وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً " .
    ثم ألست تبغي القرب منه ؟ فاشتغل، بدلالة عباده عليه، فهي حالات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
    أما علمت أنهم آثروا تعليم الخلق، على خلوات التعبد، لعلمهم أن ذلك آثر عند حبيبهم ؟.
    أما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، لعلي رضي الله عنه: لأن يهدي الله بك رجلاً، خير لك من حمر النعم ؟.
    فلما فهمت صدق هذه المقالة، تهوست على تلك الحالة، وكلما تشاغلت بجمع الناس، تفرق همي.
    وإذا وجدت مرادي من نفعهم، ضعفت أنا، فأبقى في حيز التحير متردداً، لا أدري على أي القدمين أعتمد.
    فإذا وقفت متحيراً صاح العلم: قم لكسب العيال، وادأب في تحصيل ولد بذكر الله، فإذا شرعت في ذلك قلص ضرع الدنيا وقت الحلب، ورأيت باب المعاش مسدوداً في وجهي. لأن صناعة العلم شغلتني عن تعلم صناعة.
    فإذا التفت إلى أبناء الدنيا، رأيتهم لا يبيعون شيئاً من سلعها إلا بدين المشتري.
    وليت من نافقهم أو راءاهم نال من ديناهم، بل ربما ذهب دينه ولم يحصل مراده.
    فإن قال الضجر: اهرب. قال الشرع: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت.
    وإن قال العزم: انفرد، قال: فكيف بمن تعول ؟.
    فغاية الأمر أنني أشرع في التقلل من الدنيا، وقد ربيت في نعيمها، وغذيت بلبانها، ولطف مزاجي فوق لطف وضعه بالعادة.
    فإذا غيرت لباسي وخشنت مطعمي، لأن القوت لا يحتمل الانبساط، نفر الطبع لفراق العادة، فحل المرض فقطع عن واجبات، وأوقع في آنات.
    ومعلوم أن لين اللقمة بعد التحصيل من الوجوه المستطابة ثم تخشينها لمن لم يألف سعي في تلف النفس.
    فأقول: كيف أصنع وما الذي أفعل ؟.
    وأخلو بنفسي في خلواتي، وأتزيد من البكاء على نقص حالاتي.
    وأقول: أصف حال العلماء، وجسمي يضعف عن إعادة العلم ؟.
    وحال الزهاد، وبدني لا يقوى على الزهد ؟.
    وحال المحبين، ومخالطة الخلق تشتت همي، وتنقش صور المحبوبات من الهوى في نفسي ؟ فتصدأ مرآة قلبي ؟.
    وشجرة المحبة تحتاج إلى تربية في تربة طيبة، لتسقى ماء الخلوة من دولاب الفكرة.
    وإن آثرت التكسب لم أطق. وإن تعرضت لأبناء الدنيا - مع أن طبعي الأنفة من الذل وتديني يمنعني - فلا يبقى للميل مع هذين الجاذبين أثر.
    ومخالطة الخلق تؤذي النفس مع الأنفاس !!!.
    ولا تحقيق التوبة أقدر عليه، ولا نيل مرتبة من علم أو عمل أو محبة يصح لي. فإذاً رأيتني كما قال القائل:
    ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له 0000 إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء
    تحيرت في أمري، وبكيت على عمري، وأنادي في فلوات خلواتي بما سمعته من بعض العوام، وكأنه وصف حالي:
    واحسرتي كم أداري فيك تعثيري0000000مثل الأسير بلا حبل ولا سيري
    ما حيلتي في الهوى قد ضاع تدبيري 000 لما شكلت جناحي قلت لي طيري


    صيد الخاطر
    ابن الجوزي
    [justify]إذا فتحَ لكَ وِجْهةً من التَّعرُّفِ فلا تبالِ معها إن قلَّ عملُكَ فإنه ما فَتَحَها لك إلا وهو يريد أن يتعرَّفَ إليكَ . ألم تعلم أن التَّعَرُّفَ هو مُورِدُهُ عليك والأعمال أنت مهديها إليه وأين ما تُهديه إليه مما هو مُورِدُهُ عليكَ [/justify]

  2. #2
    كلتاوي الماسي
    الصورة الرمزية أم عبد العزيز

    الحاله : أم عبد العزيز غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Dec 2008
    رقم العضوية: 3540
    المشاركات: 1,662
    معدل تقييم المستوى : 114
    Array

    افتراضي رد: حيرة عالم

    جزاكم الله خيراً على هذه الكنوز الثمينة التي تتحفونا بها .
    [poem=font="Simplified Arabic,4,black,bold,italic" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/2.gif" border="groove,4,darkred" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
    وظن به خيراً وسامح نسيجه =بالاغضاء والحسنى وإن كان هلهلا
    وسلّم لإحدى الحسنيين : إصابة =والاخرى اجتهاد رام صوباً فأمحلا
    وإن كان خرق فادركه بفضلة =من العلم وليصلحه من جاد مقولا
    وقل صادقاً : لولا الوئامُ وروحه=لطاح الأنامُ الكل في الخُلفِ والقِلى
    وقل : رحم الرحمن،حياً وميتاً=فتى كان للإنصاف والحلم معقلا
    عسى الله يدني سعيه بجوازه=و إن كان زيفاً غير خاف مزللا
    فيا خير غفار ويا خير راحم = ويا خير مأمول جَداً وتفضلا
    أقل عثرتي وانفع بها وبقصدها =حنانيك يا الله يا رافع العلا [/poem]

  3. #3
    كلتاوي ذهبي
    الصورة الرمزية يوسف ( أبومحمد)

    الحاله : يوسف ( أبومحمد) غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Oct 2007
    رقم العضوية: 372
    الدولة: العين
    الهواية: باحث في الفكر والفلسفة الإسلامية
    السيرة الذاتيه: طالب علم
    العمل: مدرس
    المشاركات: 927
    معدل تقييم المستوى : 118
    Array

    افتراضي رد: حيرة عالم

    صيد ثمين يا أبا عمار فحافظ عليه

    قرأت في بعض الروايات أت ابن الجوزي كان يحضر مجلسه أكثر من 120 ألف
    [frame="7 80"]وبيقت وحدي مرة أخـــــــرى وقــد
    طافت على الحرم الشريف جراحي[/frame]

  4. #4
    كلتاوي مميز
    الصورة الرمزية أسامة

    الحاله : أسامة غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Oct 2007
    رقم العضوية: 336
    الدولة: سورية
    الهواية: الأدب والشعر
    السيرة الذاتيه: طالب علم
    العمر: 40
    المشاركات: 637
    معدل تقييم المستوى : 118
    Array

    افتراضي رد: حيرة عالم

    انتقاء جميل وهذا ما تعودنا عليه منك من مختارات جد مفيدة فيها الحكمة والموعظة الحسنة والفائدة
    شكرا ابا عمار
    راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعال
    راقب أفعالك لأنها ستصبح عادات
    راقب عاداتك لأنها ستصبح طباع
    راقب طباعك لأنها ستحدد مصيرك

  5. #5
    كلتاوي مميز
    الصورة الرمزية منتهى

    الحاله : منتهى غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Sep 2009
    رقم العضوية: 5426
    المشاركات: 689
    معدل تقييم المستوى : 104
    Array

    افتراضي رد: حيرة عالم

    بارك الله فيك أخي الفاضل أبو عمار على حسن الانتقاء ..


    ما ضاق قلب
    قد
    احتوى معاني الرحمة

  6. #6
    كلتاوي نشيط
    الصورة الرمزية نور76

    الحاله : نور76 غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2008
    رقم العضوية: 1373
    الدولة: سورية
    الهواية: المطالعة
    السيرة الذاتيه: العلم
    العمل: خادم العلم
    المشاركات: 390
    معدل تقييم المستوى : 111
    Array

    افتراضي رد: حيرة عالم

    بارك الله بك اخي ورعاك...انتقاء رائع

المواضيع المتشابهه

  1. كتاب الحب والمحبة الإلهي للشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي
    بواسطة أيمن السيد في المنتدى المكتبة العلمية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 29-Oct-2011, 07:20 AM
  2. عالم تونسي يخترع منظارا لتوحيد رؤية الهلال
    بواسطة الخنساء في المنتدى علوم العصر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 24-Jan-2009, 10:44 PM
  3. زفا ف عالم الشيخ أحمد القلاش
    بواسطة حمزة في المنتدى منتدى التراجم
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-Aug-2008, 09:53 PM
  4. الإسلام يتحدى
    بواسطة يوسف ( أبومحمد) في المنتدى المكتبة العلمية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-Nov-2007, 03:06 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •