المسجد الأقصى في عهود بني إسرائيل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
فهذا تسلسل زمني لتاريخ اليهود وارتباطهم بالقدس والمسجد الأقصى نتعرف من خلاله على المسجد الأقصى ماهو ومن أين جاءت قدسيته ومن بناه وعهود بني إسرائيل المتوالية على بيت المقدس وافسادهم فيه ونقضهم للعهود ومعاقبة الله لهم ونتعرف من خلاله على سر تعلق اليهود اليوم فيه حيث أنهم يطلبون عزهم الزائل مجدهم فيما يزعمون .....
أولا :
ما هو المسجد الأقصى
والمسجد الأقصى عند العلماء والمؤرخين أشمل من مجرد البناء الموجود الآن بهذا الاسم إذ هو اسم لجميع المسجد الذي بناه سليمان عليه السلام فكل ما هو داخل السور الكبير ذي الأبواب يعتبر مسجداً بالمعنى الشرعي فيدخل فيه على ذلك مسجد الصخرة ذو القبة الذهبية المنصوبة على المبنى المثمّن والذي تنصرف اليه الأذهان كلما ذكر اسم المسجد الأقصى: وان كان بعض الناس يسمي الأقصى المصلى الذي بناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مقدمه، والصلاة في هذا المصلى الذي بناه عمر للمسلمين أفضل من الصلاة في سائر المسجد.. وأمّا "الصخرة" فلم يصل عندها عمر رضي الله عنه ولا الصحابة ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة بل كانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ومعاوية ويزيد ومروان، ولكن لما تولى ابنه عبد الملك الشام، ووقع بينه وبين ابن الزبير الفتنة، كان الناس يحجون فيجتمعون بابن الزبير، فأراد عبد الملك أن يصرف الناس عن ابن الزبيرفبنى القبة على الصخرة، وكساها في الشتاء والصيف ليرغب الناس في زيارة بيت المقدس ويشتغلوا بذلك عن اجتماعهم بابن الزبير
ثانيا:
قدسية المسجد الأقصى
تجلت قدسية بيت المقدس وما حوله - تاريخياً- بهجرة الخليل إبراهيم عليه السلام حوالي الألف الثاني ق.م انتقل إبراهيم عليه السلام من "أور" بالعراق إلى أرض الشام "أرض الكنعانيين" وفي صحبته ابن أخيه لوط وزوجه سارة بعد أن اعتزل أباه وقومه كما حكى القرآن (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين)35 (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين)
ثالثا :
فمن بنى المسجد الأقصى
اختلف العلماء من أهل التفسير والحديث والتاريخ في تعيين أول من وضع المسجد الأقصى
الأول: إن آدم عليه السلام هو الذي أسس كلا المسجدين, ذكر ذلك العلامة ابن الجوزي, ومال إلى ترجيح هذا الرأي الحافظ ابن حجر في الفتح, واستدلّ له بما ذكره ابن هشام في كتاب "التيجان" أنّ آدم لما بني الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه.
الثاني: أن الخليل إبراهيم عليه السلام هو الذي أٍسس المسجد, لأنّ بناءه للمسجد الحرام مشهور بنص القرآن: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) وقوله تعالى : (وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت) ، وإذا ثبت بالنص أنه بني الكعبة، فإنّ بناءه لمسجد الأقصى محتمل راجح لقرب العهد بين المسجدين. وممن نصر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: (والمسجد الأقصى, صلت فيه الانبياء من عهد الخليل), وفي موضع آخر قال: (فالمسجد الأقصى كان من عهد إبراهيم عليه السلام),
لقول الثالث: أن الذي بناه هو يعقوب عليه السلام
ورجّح هذا القول العلامة ابن القيم رحمه الله حيث قال: (والذي أسسه هو يعقوب بن اسحق صلى الله عليهما وآلهما وسلم بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا المقدار - أي أربعين سنة-..)
وأوجه الآراء الثلاثة, وأدناها إلى الرجحان قول من قال: إنّ الذي أسسه هو آدم عليه السلام أو أحد أبنائه، وأنّ الذي وقع من البناء بعد ذلك إنما هو تجديد لا تأسيس, والآثار المروية تسند هذا القول وتجعله أقرب إلى الصواب والله أعلم, وأمّا حديث أبي ذر: (أي مسجد وضع في الأرض أوّل؟.. ) فليس فيه تعيين الواضع الأول المؤسس، ولا يصلح أن يكون تفسيراً لقوله تعالى : (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت), ولذلك فان البخاري رحمه الله أورد الحديث في موضعين من كتاب الأنبياء، الأول في فضائل الخليل إبراهيم عليه السلام، والثاني في فضائل سليمان عليه السلام, فيفهم من صنيعِهِ هذا أنه أراد فضل بناء المسجدين, لا تعيين أول من أسسهما. ولهذا قال القرطبي: (إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما لهما
المسجد الأقصى وعهود بني إسرائيل فيه
وفي عهد سيدنا موسى بن عمران عليه السلام أعظم أنبياء بني إسرائيل لما أنجاه الله ومن معه من فرعون وملائه وجاوز بهم موسى البحر حثَّ بني إسرائيل على قتال من كان في أرض بيت المقدس من المشركين الجبارين
كما قال تعالى عن موسى (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) فأبو ونكلو عن الجهاد، فسلط الله عليهم الخوف وألقاهم في التية في مفازة سيناء أربعين سنة ولما شعر موسى عليه السلام بموته ولما يدخل الأرض المقدسة, سأل الله تعالى أن يكون مماته قريباً منها رمية بحجر فلبى الله طلبه
أول جهاد في التاريخ لفتح بيت المقدس:
كان في عهد نبي الله تعالى( يوشع بن نون) الذي خلف موسى وهارون في بني إسرائيل فخرج بالجيل الثاني وما بقي من جيل الجبن والهزيمة فأجرى الله تعالى على يده الفتح المبين
ولما دخل بهم باب المدينة بيت المقدس، أُمروا أن يدخلوها سجداً أي ركعاً متواضعين شاكرين لله عزَّ وجل على ما منَّ به عليهم من الفتح العظيم الذي كان الله وعدهم إيّاه، وان يقولوا حال دخوله حطة، أي حطَّ عنَّا خطايانا التي سلفت من نكولنا الذي تقدّم، ولكنهم خالفوا ما أُمروا به قولاً وفعلاً، دخلوا الباب يزحفون على استاههم يقولون حبّة في شعرة، وفي روايةٍ حنطة في شعرة،
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
عهد سيدنا داود وسليمان وتوسعة المسجد وبناءه العظيم:
بعد وفاة النبي يوشع عليه السلام بمآت السنين دهب الضعف في بني إسرائيل فسلب الله منهم الأرض المقدسة
فلجأ بنو إسرائيل إلى نبي لهم أن يبعث عليهم ملكاً يقاتلون معه الكافرين الذين أخرجوهم من ديارهم وأبنائهم فكان طالوت عليهم ملكاً كما هي القصة في سورة البقرة، وأراد طالوت أن يمحِّص جيشه كما محَّص النبي يوشع من قبل جيشه ولكن كان ذلك هنا بطريقة أخرى كما أخبر القرآن الكريم: (قال إنَّ الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفةً بيده) فما صفا منهم إلا قلة مؤمنة صابرة
وكان نبي الله داود من جنديا جنود طالوت (وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلّمه مما يشاء)53. ثم أصبح داود النبي ملكاً على بني إسرائيل وكان فتح المدينة المقدسة في نهاية القرن الألف ق. م. وعندها تجهز داود لتجديد بناء مسجد بيت المقدس ولكن الله تعالى كتب بناءه على يد ابنه سليمان عليه السلام
قال ابن تيميه: المسجد الأقصى كان من عهد إبراهيم عليه السلام لكن سليمان عليه السلام بناه بناءً عظيماً.
وراح الناس يدعونه "معبد سليمان"
السبي البابلي وتدمير معبد سليمان (حملة بختنصر) :
ضعفت المملكة بعد عهدها الزاهرعهد سيدنا سليمان عليه السلام, وعم الفساد في بني اسرائيل وطم فألقي الله بينهم العداوة والبغضاء
ثم زحف (بحتنصر) ملك البابلين على فلسطين فدمّر المسجد وبيت المقدس عام 587 ق.م وحقت كلمة العذاب على بني إسرائيل بما ظلموا
وهذا هو العلو الأول في الأرض قال تعالى: ( . فاذا جاء وعدُ أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً)
إعادة بناء المسجد وعهد أنبياء الله زكريا ويحي وعيسى عليهم السلام:
احتل الفرس الشام والقدس عام 538 ق.م وانتهى حكم الفرس عام 332 ق. م , وبدأ حكم اليونان باستيلاء الاسكندر المقدوني على بلاد الشام واستمرّ حكمهم لبلاد الشام حتى عام 63 ق. م حتى احتلها الرمان وبقيت بيد الرومان حتى حررها المسلمون عام 636 م
في حقبة الرومان سنة 20 ق.م حيث تمكن اليهود في عهد (هيردوس) الملك على بيت المقدس من قبل الرومان من إعادة بناء المعبد (الهيكل) عام 20ق. م.
وكان من أئمة مسجد الأقصى آنذاك زكريا نبي الله وابنه السيد الحصور يحي عليهما السلام
ولكنّ بني إسرائيل وانتهكوا حرمة المسجد الأقصى فاتخذوه سوقاً للصيارفة وملعباً للحمام بل همّوا بأنبيائهم
فذبحوا السيد الحصور يحي ونشروا بالمنشار زكريا
وأنذرهم نبي الله عيسى بن مريم
وأنذرهم سيدنا عيسى بن مريم بأمر الله الذي لا يُردّ عن القوم الظالمين وقال لهم فيما قال: (إن هذا المعبد سيهدم ولن يبقى فيه حجر على حجر) فما انتهوا عن غيهم ولا ارعوَوا عن بغيهم بل تماروا بالنذر حتى سدروا في طغيانهم ودبّروا مكيدة للمسيح ابن مريم ليقتلوه ويصلبوه ولكن الله تعالى أنجاه منهم فشبه لهم أنهم صلبوه وإنما صلبوا شبيهه
ثم حاولوا الثورة على الرومان عام 70م فقاد القائد الروماني (تيطس) حملة دخلت بيت المقدسوأعمل فيها القتل والحرق والنهب وشرد اليهود في أجزاء الأرض
حاول اليهود الانتفاضة مرة أخرى عام 135م زمن الإمبراطور (هادريان) فقاد حملة بنفسه حتى قتل من اليهود 580 ألفاً وقضي على وجودهم نهائياً في فلسطين, ومنعهم من دخول بيت المقدس
نهاية الوجود اليهودي في بيت المقدس
وهكذا كان عام 135م نهاية للوجود اليهودي في أرض بيت المقدس وانتهت علاقة اليهود بفلسطين سياسياً وسكانياً أي أنه كان الخروج الأخير وبقيت محرمة على اليهود حتى الفتح الإسلامي أي خمسة قرون إلاّ ما مُنحته أجيال اليهود من القدوم إلى آثارهم كي يقوموا بالبكاء والنواح على مجدهم الزائل عند حائط البراق (المبكى).
هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
يوسف الصالح الحجي
بتصرف من كتاب المسج الأقصى وقفات وعبرات
المفضلات