استراحة الجمعة
" العيون عند العرب "
بقلم " محمد نور العلي "
العيون تتكلّم ولكن بلا صوت، فتوحي ما توحي من هُدى وضلال. تُلهبُ الحواس، وتغزو القلوب، من خلال نظرة، أو دمعة تذهل الناظرين، وتلجم السنتهم وتتركهم حيارى لا يدرون ما وراءها من خوالج ومآرب، وما تخفيه من شعور وعواطف.
هي معين الجمال، وينابيع الإلهام، يستقي منها الشعراء شعرهم، والأدباء والمفكرون أدبهم وفكرهم، هي وحيهم الذي يستهلمون، وطريقتهم التي يختارون. هي خلاصة انسانيتهم ومستودع أسرارهم.
العيون مُعجزة اللّه على أرضه.. وهي كتاب لا يقرؤه إلا المجربون من ذوي البصائر والضمائر الحية، والألباب الذكية.. فيها ما يُضعف العزائم، وفيها ما يشحذ المواهب.ولعل من أشغل الناس ببيانه وشعره أمير البيان أبو الطيب هو خير من تغنى بالعيون وعرج على أجزائها وبين فحواها ومغزاها ولا غرابة أن يسمى شاعر العيون حيث قال:
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي
وللحب ما لم يبق مني وما بقي
...
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه
ولكن من يبصر جفونك يعشــق
ولعل أجمل وأبدع بيت قاله شاعر في العيون قوله :
كل جريح ترجى سلامته
إلا فؤادا رمتـــه عيناها
وهذا لا ينافي ما قاله جرير :
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننـــا ثم لم يحيين قتلانــــــا
فلكل مذاقه وجماله ولسنا في باب المفاضلة حتى لا تفقد العيون بريقها بالقيل والقال
أجزاء العين وأسماؤها في اللغة العربية
تتكون العين من عدة أجزاء ، ولكل جزء اسم خاص به في لغتنا العربية، وهذه الأجزاء سنذكر بعضها مستشهدين على ذلك بما قالته العرب شعرا ونثرا
1- المُقْلة: شحمة العين التي تجمع السواد والبياض وقد قالوا " تبكي العيون وتغرق المقل وتبكي القلوب وتجرح الأرواح , ولقد أبدع البوصيري حين قال :
أمــــن تذكر جيران بذي سلـــم
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
وهذا يذكرني ببيتين من الشعر قالهما أبو الفتح البستي وذلك في حاشية الشرقاوي وذلك فيما يتعلق بقصاص العبد من الحرحيث قال :
خذوا بدمي هذا الغزال فإنــــه
رماني بسهمي مقلتيه على عمد
....
ولا تقتــــلوه إنني أنــا عبــده
ولم أر حــرا قط يقتل بالعبــد
وهذا من تضمين الشعر أحكاما فقهية , ثم أخيرا وجت من رد على البستي في هذه المسألة بما يتفق مع مذهبه وذلك بما قاله أحد الأحناف في حاشية ابن عابدين حيث قال :
خذوا بدمي من رام قتلي بلحظـــه
ولم يخش بطش الله في قاتل العمد
...
وقودوا به جبرا وإن كنت عبــــده
ليعلــــم أن الحــر يقتل بالعبـــــــد
2- الحَدَقَة: السواد الأعظم
قال أبو ذؤيب الهذلي:
فالعيـــــن بعدهم كأن حداقـها
سمـلت بشوك فهي عور تدمع
***
وهذا البت قاله ضمن قصيدة موجعة يرثي بها أبناءه الذين فقدهم :
أمن المنـون وريبـها تتـوجع
والدهر ليس بمعتب من يجزع
...
قالت أمامة ما لجسمك شاحباً
منذ ابتذلت ومثل مالك ينفـع
...
أم ما لجسمك لا يلائم مضجعاً
إلا أقض عليك ذاك المضـجع
...
فأجبتها أن مـا لجسمي أنـه
أودى بني من البلاد فودعــوا
...
أودى بني وأعقبوني حسـرة
بعد الـرقاد وعبرة مـا تقلــع
...
فالعين بعدهمُ كـأن حداقـها
سملت بشوك فهي عور تدمــع
...
سبقوا هَوَيَّ وأعنقوا لهواهـمُ
فتُخرموا ولـكل جنـب مصرع
...
ولقد حرصتُ بأن أدافع عنهمُ
فإذا المنيّـَة أقبـلـت لا تُدفـع
...
وإذا المنية أنشــبت أظفارها
ألفيـت كـل تميمـة لا تنفـع
...
وتجلدي للشــامتين أريهـمُ
أني لريب الدهـر لا أتضعضع
3- الهُدْب: الشعر النابت عليها
قال عبد الرحمن بن حسان:رضي الله عنهما
إن عينيهـــــا لعيني جـــؤذر
أهدب الأشفار من حور البقر
***
ولقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهدب الأشفار أي طويلها .
4- المًحْجَر: ما دار بالعين، وما يبدو من النقاب، وجمعه محاجر
ولقد ذكرت كتب الأدب أن جمال المحاجر اتسمت بها فتيات بني عذرة حيث قال سفيان بن زياد لامرأة من بني عذرة وقد رأى عليها هوى غالبا حتى خاف عليها من الهلاك " ما باب العشق يقتلكم معاشر عذرة من بين أحياء العرب ؟ قالت : إن فينا جمالا وتعففا . فالجمال يحملنا على العفاف والعفاف يورثنا رقة القلوب والعشق يفني آجالنا وإنا نرى محاجر لا ترونها . وقال أبو عبيدة قال رجل فزاري وهم أغلاظ الأكباد لرجل من بني عذرة : تعدون موتكم من الحب مزية وإنما ذلك من ضعف البنية وضيق الروية . فقال العذري : أما إنكم لو رأيتم المحاجر البلج ترشق الأعين الدلج من فوقها الحواجب الزج لجعلتموهن اللات والعزى ورفعتم الاسلام وراء ظهوركم .
العرب تضرب المثل بالعين للأمثل من الناس
فقد ذكر الأصفهاني في مفردات القرآن أن بعضهم قال يمدح آخر:
الناس جسم وإمام الهدى رأس وأنت العين في الراس
بنات العين عند العربا
تجعل العرب بنات العيون دموعها وكأنها تحضنها بين المقل .
ذكر الثعالبي في ثمار القلوب أن ابن الرومي قال وهو يرثي الشباب الذي ذهب ولم يعد :
تذكرته والشيب قد حال دونه
فظلت بنات العين منه تحــدر
إخوتي هذا بحث طويل سلمه وبعيد قاعه وكثيرة مفرداته وما ذاك إلا لأنه متعلق بالعيون وقد من الله علينا بهما فقال " ألم نجعل له عينين " وأذكر أنه نوقشت رسالة دكتوراه في جامعة الأزهر كلية الطب حول جعل العينين للأنسان , فلنحافظ على هذه النعمة مما حرم الله لأن العين تتأثر سلبا بذلك والعكس صحيح ..
المفضلات