النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: خطب للهيئة العامة والشؤون الإسلامية والأوقاف بمناسبة المولد النبوي الشريف

  1. #1
    كلتاوي جديد

    الحاله : ابوالنور غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Feb 2008
    رقم العضوية: 836
    العمر: 27
    المشاركات: 59
    معدل تقييم المستوى : 116
    Array

    افتراضي خطب للهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بمناسبة المولد النبوي الشريف

    خطب للهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بمناسبة المولد النبوي الشريف

    [justify]الخطبة الأولى

    الْحَمْدُ لِلَّهِ الذِي مَنَّ علَى المؤمنينَ بسيدِ الأولينَ والآخرينَ، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، الملِكُ الحقُّ المبينُ القائلُ سبحانَهُ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)([1]) وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ القائلُ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ »([2]). اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وَبَارِكْ علَى سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحْبهِ أجمعينَ.

    أمَّا بعدُ: فأُوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفْسِي بتقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قالَ تعالَى:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)([3])

    أيهَا المسلمونَ: فِي هذهِ الأيامِ المباركةِ تُطِلُّ علينَا وعلَى العالَمِ ذِكْرَى ميلادِ النَّبِيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذِي كانَ ميلادُهُ ميلادَ رسالةٍ وأُمَّةٍ وحضارةٍ نَضَّرَتْ وجْهَ التاريخِ، وبدَّلَتِ الأرضَ غيرَ الأرضِ، فعَمَّ الإيمانُ وانتشرَ السلامُ، وكانَ ذلكَ -علَى الراجِحِ- فِي يومِ الاثنينِ ليلةَ الثانِي عشرَ مِنْ ربيعٍ الأولِ عامَ الفِيلِ، فكانَ أَسْعَدَ يومٍ طَلَعَتْ فيهِ الشَّمْسُ، فلقَدْ وُلِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الذِي كانَ العالَمُ فِي انتظارِهِ ليأخُذَ الناسَ إلَى الطريقِ القويمِ، وهذَا مَا بيَّنَهُ سيدُنَا جَعْفَرُ بنُ أبِي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ حينمَا سُئِلَ عمَّا كانَ يدعُو إليهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: أَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحاَرِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ([4]).

    أيُّهَا المؤمنونَ: إنَّ ميلادَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإرسالَهُ كانَ عنايةً إلهيةً ورحمةً ربانيةً لإنقاذِ البشريةِ، وصَدَقَ اللهُ العظيمُ حيثُ يقول وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)([5]) وهناكَ بشاراتٌ بِقُدومِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ تعالَى وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)([6]) وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ مَا كَانَ أَوَّلُ بَدْءِ أَمْرِكَ؟ قَالَ :« دَعْوَةُ أَبِى إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى وَرَأَتْ أُمِّى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهَا قُصُورُ الشَّامِ»([7]).

    وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِى خَيْرِهِمْ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِى فِى خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِى فِى خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتاً فَجَعَلَنِى فِى خَيْرِهِمْ بَيْتاً وَخَيْرِهِمْ نَفْساً»([8]).

    لقَدْ كانَ ميلادُ خاتمِ النبيينَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ميلاداً لحياةٍ جديدةٍ أَشْرَقَ فيهَا النُّورُ علَى مشارقِ الأرضِ ومغاربِهَا، أَشْرَقَ النُّورُ علَى البَرِّ والبَحْرِ والسَّهْلِ والجَبَلِ والإنسانِ والحيوانِ والنَّباتِ والجَماداتِ.

    عبادَ الله: إنَّ ذِكْرَى ميلادِ خاتمِ النبيينَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم فُرْصَةٌ عظيمةٌ للتَّأَسِّي والاقتداءِ، وتجديدِ المحبةِ وحُسْنِ الاتِّباعِ، ففِي هذهِ المناسبةِ العظيمةِ نَتَذَكَّرُ جَانبيْنِ مُهِمَّيْنِ مِنْ جوانبِ حياتِهِ الشريفةِ صلى الله عليه وسلم نحنُ فِي أَمَسِّ الحاجةِ إليهِمَا، نَتَذَكَّرُ الكمالاتِ الإنسانيةَ والفضائلَ الأخلاقيةَ التِي أكرمَ اللهُ تعالَى بِهَا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقَدْ كانَ صلى الله عليه وسلم إنساناً معَ الناسِ، يتعاونُ فِي أُمورِ العيشِ وتكاليفِ الحياةِ معَ أهلِهِ وجيرانِهِ وسائرِ قومِهِ، يُوَاسِي قرابتَهُ، ويُحْسِنُ إلَى خَدَمِه، ويُكْرِمُ ضَيْفَهُ، ويبَرُّ إخوانَهُ وأصدقاءَهُ، ويعامِلُ غيرَ المسلمينَ بالحسنَى وينهَى عَنْ ظُلمِهِمْ أَوِ الإساءةِ إليهِمْ فيقولُ صلى الله عليه وسلم :« أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »([9]). وكانَ صلى الله عليه وسلم يَبِيعُ ويَشْتَرِي، ويُعْطِي ويَأْخُذُ، ويُهْدِي ويَقْبَلُ الإهداءَ مِنَ المسلمينَ وغيرِهِمْ، وهوَ صلى الله عليه وسلم فِي أحوالِهِ كُلِّهَا وَدُودٌ كريمٌ، حَيِيٌّ حَلِيمٌ، رَؤُوفٌ رَحيمٌ، يَصْدُقُ الحَدِيثَ، ويُؤَدِّي الأمانةَ، وَفِيٌّ بالعهد، سليمُ الصَّدْر، يُعِينُ الضُّعفاءَ، ويُضَمِّدُ جِراحَ المَساكِينِ، يَأْلَفُ ويُؤْلَفُ، يَلْجأُ إليه قَوْمُهُ ويَرْضَوْنَهُ حَكَماً لِحَلِّ مُشْكِلاتِهِمْ ومُعْضِلاتِهِمْ، ويُشاركُهُمْ فِي أعمالِ الشَّرَفِ والْمُروءةِ .

    وفِي ذِكْرَى ميلادِ خاتَمِ النبيينَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم لاَبدَّ أَنْ نتذكَّرَ جانبَ الهِدايةِ، لقَدْ كانَ صلى الله عليه وسلم يدعُو الناسَ إلَى اللهِ وإلَى معرفتِهِ وتوحيدِهِ وعبادتِهِ، يُرَغِّبُهُمْ فِي الخيرِ ويُحَبِّبُهُمْ فيهِ ويَعِدُهُم عليهِ ثوابَ اللهِ فِي الدُّنيا وحُسْنَ ثوابِهِ فِي الآخرةِ، ويُرَهِّبُهُمْ مِنَ الشَّرِّ ويُنَفِّرُهُم مِنْ مُقارفتِهِ ويُحَذِّرُهُم عذابَ اللهِ وسَخَطَهُ، ويُحَبِّبُ الخَلْقَ فِي الخالِقِ، ويُعَظِّمُ فِي أَنْفُسِهِم نِعَمَ اللهِ عليهِمْ، لاَ يُقَنِّطُهُم مِنْ رحمةِ اللهِ وفضْلِهِ وإحسانِهِ، يَستغفرُ للمُذْنِبِينَ ويَفتحُ لَهُمْ أبوابَ الرَّجاءِ، ويَدعُوهُمْ إلَى الإنابةِ والتَّوبةِ، وكانَ صلى الله عليه وسلم فِي دعوتِهِ يَحُضُّ علَى العملِ للدُّنيَا كَحَضِّهِ علَى العملِ للآخرةِ، يُبَغِّضُ الكَسَلَ، ويُحَبِّبُ فِي الكسبِ الحلالِ، يُكْرِمُ العُلماءَ، ويُعَلِّمُ الجُهلاءَ، ويُعْلِي مكانةَ العلمِ والمعرفةِ، ويقولُ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ» ([10]).

    فلنتأسَّ بهِ صلى الله عليه وسلم قالَ تعالَى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)([11])


    الخطبة الثانية:


    الحمدُ للهِ الَّذِي بعثَ سيدَنَا محمَّداً رحمةً للعالمينَ، وأخرجَ بهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلماتِ إلَى نورِ الحقِّ المبينِ، وأشهدُ أنْ لاَ إِلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ القائِلُ : ] هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [([1]) وأشهدُ أنَّ سيِّدَنَا محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ, القائلُ صلى الله عليه وسلم :« كَانَ النَّبِىُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً »([2]) اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ علَى سيِّدِنَا محمَّدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ ومَنْ تبعَهُمْ بِإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ.

    أمَّا بعدُ: فأوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفسِي بتقوَى اللهِ تعالَى وطاعتِهِ، يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ :] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [([3]).

    أيُّها المسلمونَ : فِي كلِّ عامٍ هجريٍّ تُشرقُ علينَا ذكرَى ميلادِ الرَّحمةِ المهداةِ والنِّعمةِ المسداةِ؛ ففِي عامِ الفيلِ وفِي شهرِ ربيعٍ الأوَّلِ وفِي يومِ الاثنينِ وُلِدَ النبيُّ المصطفَى صلى الله عليه وسلم مبشِّراً بِميلادِ عهدٍ جديدِ، يعمُّ الخيرُ فيهِ أرجاءَ الكونِ، وتنشرُ الرَّحمةُ ظلالَهَا الوارفةَ علَى المعمورَةِ كلِّهَا، قالَ تعالَى :] قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [([4]).

    فهذَا النُّورُ الْمُحمديُّ كانتِ البشريةُ تنتظرُهُ منذُ دعوةِ أبِي الأنبياءِ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ، وبشارةِ سيِّدِنَا عيسَى عليهِ وعلَى نبيِّنَا أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :« أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي آمِنَةَ الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ» وَأَنَّ أُمَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهَا قُصُورُ الشَّامِ ، ثُمَّ تَلاَ ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا[ ([5]).

    عبادَ اللهِ: إنَّ النَّبيَّ محمَّدًا وبعثتَهُ مِنَ النِّعَمِ العظيمةِ الجليلةِ الَّتِي أكرَمَ اللهُ بِهَا الإنسانيةَ كلَّهَا؛ فكانَتْ ولادتُهُ بركَةً عامَّةً وخاصةً، فقدْ حفظَ اللهُ البيتَ العتيقَ مِمَّنْ أرادَ هدْمَهُ، وَلَمَّا نزلَ صلى الله عليه وسلم ديارَ حليمةَ السَّعديةِ مرضعتِهِ كَثُرَ الخيرُ والبركةُ فيهَا ، وأَلَحَّتْ حليمةُ السعديةُ علَى أمِّ الرسولِ السيدةِ آمنةَ بنتِ وهبٍ أَنْ تُبْقِيَهُ عندَهَا فترةً أطولَ، فَلَـبَّتْ أمُّهُ طلبَ مرضعتِهِ ، وهكذَا أشرقَتْ شمسُ النُّبوةِ وأنارَتْ للبشريَّةِ دربَهَا وبَثَّتْ الرُّوحَ فيهَا, فأنبتَتْ فِي رياضِ القلوبِ غراسَ الإيمانِ والمحبَّةِ والمودةِ, وأثمرَتْ فِي طريقِ الإنسانيَّةِ العزَّةَ والوحدةَ والكرامةَ والمعرفةَ، قالَ اللهُ سبحانَهُ :] لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [([6]).

    أيُّها المسلمونَ : إنَّ الفرحَ بِمولدِهِ صلى الله عليه وسلم فرحٌ بالنِّعمةِ العظمَى، وقدْ قالَ تعالَى :] قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ[([7]) وذِكْرَى ميلادِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فُرْصَةٌ عظيمةٌ تُجَدِّدُ صِلتَنَا وارتبَاطَنَا بالسِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ العَطِرَةِ الَّتِي تُمَثِّلُ سبيلَ النَّجاةِ للإنسانيةِ، فبِالنظَرِ فِي هذِهِ السيرةِ يرَى الإنسانُ صورةَ التَّوَاضُعِ المقترنِ بالمهابةِ، والحياءِ المقترنِ بالشجاعةِ، والكرمِ الصادقِ البعيدِ عَنْ حُبِّ الظُّهورِ، والأمانةِ المشهورةِ بيْنَ الناسِ، والصِّدْقِ فِي القولِ والعملِ، والزُّهْدِ فِي الدُّنيا عندَ إقبالِهَا، وعدمِ التَّطَلُّعِ إليهَا عندَ إدبارِهَا، والإخلاصِ للهِ فِي السِّرِّ والعلانيةِ، معَ فصاحةِ اللسانِ وثباتِ الجَنانِ، وقوَّةِ العقلِ وحُسْنِ الفَهْمِ، والرَّحْمَةِ للكبيرِ والصَّغِير، ولِينِ الجانِبِ، وخَفْضِ الجَناحِ، ورِِقَّةِ المشاعِرِ، وحُبِّ الصَّفْحِ، والعفْوِ عَنِ المسيءِ، والبُعْدِ عَنِ الغِلْظَةِ والجفاءِ والقَسْوَةِ، والصَّبْرِ فِي موَاطِنِ الشِّدَّةِ، والجُرْأَةِ فِي قَوْلِ الحقِّ، والتَّبَتُّلِ إلَى اللهِ تبْتيلاً، وهذِهِ معانِي الإسلامِ السمحةِ، يقولُ سبحانَهُ :] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [([8]).

    عبادَ اللهِ : إنَّ ذِكْرَى ميلادِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم تبعَثُ فينَا إحياءَ سنتِهِ العطرَةِ، ودعوتَهُ إلَى الرَّحمةِ بأبْهَى صورِهَا وشتَّى أنواعِهَا، وتذكِّرُنَا بأخلاقِ الإسلامِ السَّاميةِ الرفيعةِ الَّتِي بُعِثَ بِهَا خاتَمُ النَّبِيينِ، قالَ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ »([9]). وقالَ صلى الله عليه وسلم :« يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ »([10]) .

    وقدْ نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنِ العصبيَّةِ العُنْصُرِيَّةِ الذَّمِيمةِ، وحثَّ علَى المساواةِ فقالَ صلى الله عليه وسلم :« النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ »([11]).

    وقدَّمَ صلى الله عليه وسلم للعالَمِ نظامَهُ المتوَازِنَ وقَانُونَهُ العَادِلَ فَقَالَ :« إِنَّهُ لاَ قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لاَ يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ »([12]).

    اللهمَّ اجعلْنَا علَى منهجِهِ وطريقتِهِ وأكرمْنَا بشفاعتِهِ صلى الله عليه وسلم إنَّك أنتَ السَّميعُ العليمُ .

    أقولُ قولِي هذَا وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُمْ فاستغفرُوهُ .

    الخطبة الثالثة :

    مَوْلِدُ الرحمةِ المهداةِ صلى الله عليه وسلم


    الحمدُ للَِّهِ القائلِ :] لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ[([1]) وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَه لاَ شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنَا ونبينَا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ القائلُ :« إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ »([2]) أرسلَهُ بالهدَى والنُّورِ، والخيرِ والرَّحمةِ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ علَى سيِّدِنا محمَّدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ ومنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ .

    أمَّا بعدُ : فأُوصيكُمْ وإيايَ بتقوَى اللهِ العظيمِ وأحثُّكُمْ علَى طاعتِهِ, يقولُ اللهُ تعالَى :] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [([3])

    أيُّهَا المسلمونَ: لقدْ أطلَّ علينَا شهرُ ربيعٍ الأولِ الذِي ولِدَ فيهِ خيرُ البريَّةِ وسيِّدُ البشريةِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم ففِي يومِ الاثنينِ الموافقِ الثانِي عشرَ مِنْ هذَا الشهرِ في عامِ الفيلِ - علَى الراجحِ - وُلدَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِىِّ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الاِثْنَيْنِ فَقَالَ :« فِيهِ وُلِدْتُ ، وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَىَّ »([4]). فِي ذلكَ اليومِ الأغرِّ المباركِ ازدانَتِ الدُّنيا وأشرقَ الكونُ بميلادِ خيرِ مولودٍ، إنَّهُ السَّيِّدُ القُرَشيُّ الهاشميُّ محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المُطَّلبِ ، نخبةُ بنِي هاشمٍ، المختارُ المنتَخَبُ منْ خيرِ بطونِِِِ العربِ، وأعرقِهَا فِي النسبِ، وأشرفِهَا فِي الحسبِ، وأفصحِهَا لسانًا، وأوضحِهَا بيانًا، وأرجحِهَا ميزانًا، وأصحِّها إيماناً، وأعزِّهَا نفراً، وأكرمِهَا معشراً، مِنْ قِبَلِ أبيهِ وأمهِ، ومنْ أكرمِِ بلادِ اللهِ علَى اللهِ وعلَى عبادِهِ، صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ ، لقدِ اختارَهُ اللهُ تعالَى منْ مشكاةِ الأنبياءِ، ومنْ سُلالةِ الأصفياءِ، ومِنْ صفوةِ النُّجباءِ، ومنْ أطيبِ الأجدادِ وأشرفِ الآباءِ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ :« إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ، وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِى هَاشِمٍ ، وَاصْطَفَانِى مِنْ بَنِى هَاشِمٍ »([5]) .

    أيُّها المسلمونَ: إنَّنا نفخرُ بأنَّنا مِنْ أمَّةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ونفرحُ بميلادِ سيدِ الكائناتِ, ونسعدُ بسماعِ سيرتِهِ صلى الله عليه وسلم ونحمدُ اللهَ تعالَى علَى أنْ بعثَهُ اللهُ فينَا, وجعلنَا مِنْ أتباعِهِ وأمَّتِهِ, يقولُ تعالَى :] قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [([6])

    إنَّ الاحتفاءَ الحقَّ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يتجلَّى فِي محبتِهِ واتباعِهِ؛ فمِنْ حقِّ المصطفَى صلى الله عليه وسلم علينَا محبتُهُ , قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم :« لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ »([7]). ولنَا فِي محبَّةِ الصَّحابَةِ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قدوةٌ حسنةٌ ؛ فهذَا زيدُ بنُ الدَّثِنَةِ لَمَّا هَمَّ بهِ أهلُ مكةَ ليقتلُوهُ قَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ قَدِمَ لِيُقْتَلَ : أَنْشُدُكَ اللّهَ يَا زَيْدُ أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمّدًا عِنْدَنَا الآنَ فِي مَكَانِكَ نَضْرِبُ عُنُقَهُ وَأَنّكَ فِي أَهْلِكَ ؟ قَالَ : وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا الآنَ فِي مَكَانِهِ الّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ وَأَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا([8]) .

    عبادَ اللهِ: إنَّ محبةَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم تقتضِي اتِّباعَهُ فِي أقوالِهِ وأفعالِهِصلى الله عليه وسلم وتقتضِي توقيرَهُ ولزومَ منهجِهِ ، فمَنْ أحبَّ الرَّسولَ الأعظمَ والنَّبيَّ الأكرمَ فعليهِ أنْ يقيمَ علَى حبِّهِ دليلاً مِنَ العملِ والموافقةِ لشرعِ اللهِ عزَّ وجلَّ ، يقولُ تعالَى :] قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[([9]) ويقولُ رسولُ اللهِصلى الله عليه وسلم :« لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»([10]). فمَنْ أحبَّهُ واتَّبعَهُ حُشِرَ معَهُ صلى الله عليه وسلم فِي أعلَى عليينَ, قالَ اللهُ تباركَ وتعالَى :] وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً [([11])

    أقولُ قولِي هذَا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكمْ فاستغفرُوهُ.[/justify]
    التعديل الأخير تم بواسطة ابوالنور ; 23-Feb-2010 الساعة 09:44 AM

المواضيع المتشابهه

  1. علماء أهل السنة والجماعة ومصنفاتهم في المولد النبوي الشريف
    بواسطة أبوأيمن في المنتدى المولد النبوي الشريف
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 31-Dec-2015, 10:47 AM
  2. يوتيوب المولد النبوي الشريف
    بواسطة أبوأيمن في المنتدى المرئيات
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 23-Feb-2010, 12:05 AM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-Feb-2010, 02:46 AM
  4. مجموعة الكتب والأبحاث المؤلفة في المولد الشريف
    بواسطة ابوالفتح في المنتدى المكتبة العلمية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-Feb-2010, 11:51 PM
  5. أبو الحسن الندوي
    بواسطة طارق حماد في المنتدى منتدى التراجم
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-Jan-2010, 11:51 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •