مفاهيم الإرشاد الأسري بين الدين والعلم
مقدمة
لعل من أهم معاني الأسرة في اللغة العربية " الدرع الحصينة وأقارب الرجل الأدنون وأهل بيته الذين يتقوى بهم حيث أن المرء ذكرا كان أو أنثى يحتمي بأقاربه كما يحتمي المحارب بالدرع . المعجم الوسيط " مادة أسر "
وبناء على هذا المعنى فإن الأسرة عماد المجتمع، وقاعدة الحياة الإنسانية، وأنها إذا أسست على دعائم راسخة من الدين والخلق والترابط الحميم، فإنها تكون لبنة قوية في بنيان الأمة، أوخلية حية في جسم المجتمع، ومن ثم كان صلاح الأسرة هو السبيل لصلاح الأمة، وكان فسادها أو انحلالها مناط فساد المجتمع أو انهياره.ولأهمية الأسرة البالغة كان الاهتمام الكبير الذي أولته التشريعات الإلهية والقوانين الوضعية لها، خاصة الشريعة الإسلامية التي بعث بها خاتم النبيين سيدنا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام للناس كافة . . فقد قرر الإسلام المبادئ والقواعد التي تؤسس عليها الأسرة، والتي تكفل لها حياة فاضلة تقوم على معاني المودة والرحمة والسكن والوئام والسلام، قال الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوآ إليها وجعل بينكم مودة ورحمةً إن في ذلك لأيتٍ لقوم يتفكرون ) (الروم:21).وظلت الأسرة المسلمة عبر مراحل التاريخ الإسلامي تتمتع بقسط وافر من القيم الإسلامية، قيم الترابط والتراحم والتعاطف والتآلف والتكافل، وقيم الإحسان والتعاون على البر والتقوى، قيم احترام الكبيروالعطف على الصغير، قيم الإيثار والمحبة والكلمة الطيبة، وصلة الرحم، ومن ثم كان لها دورها الفاعل في حياة الأمة والمجتمع وقوتها ونهضتها . . وكان لها القيادة والريادة والسبق الحضاري الذي أنار للغرب طريق العلم والتقدم
ونعني " بكلمة الأسرة " بوجه عام :
الجماعة الصغيرة ذات الأدوار والمراكز الإجتماعية مثل " الزوج والأب والابن والابنة . يربطها رباط الدم أو الزواج وتشترك في سكن واحد وتتعاون اقتصاديا .
إن النمط التقليدي للأسرة في العادة يضم الزوجين وأطفالهما إلا أن ذلك لا يمنع من وجود أنماط أخرى , مثل ( المرأة المطلقة وأطفالها ) تعتبر أسرة .وكذلك ( الزوج المطلق وأطفاله )
و( الأرمل والأرملة وأطفالهما )
وهناك نماذج لكنها لا تتناسب مع ديننا وشريعتنا وتقاليدنا وأكثرها في الدول الغربية مثل " التبني " و" الذين لم يتزوجوا إطلاقا وأصبحوا آباء غير شرعيين "
وبناء عليه عرف كل من برجس ولوك : بأن الأسرة تتكون من أشخاص مرتبطين برباط الزوجية أو برباط الدم أو التبني .
وتحريم التبني جاء حين طلق زيد بن حارثة رضي الله عنه - وكان قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم - زينب وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم , وهي قصة ذات دلالة في تحريم التبني
ضوابط تكوين الأسرة
بما أن تكوين الأسرة مهم جدا حيث هي المهد الأول الذي يتربى فيه الإنسان وأن الأخلاق والآداب والأحكام الشرعية في غالبيتها تصب في بناء الأسرة وترابط أفرادها ترابطا وثيقا لا مثيل له في أي نظام إنساني في العالم فهي مضبوطة بضوابط شرعية تخص الدولة أولا والعصبة ثانيا والأسرة ثالثا
أما الدولة : فإن الإسلام حرم الزواج عند اختلاف الدين باستثناء أهل الكتاب فهو جائز عند المذاهب الأربعة لكنه مكروه عند جميعهم لأسباب عديدة منها " الخوف على الرجل أن تفتنه وخوفا على الأولاد أن يتغذوا بما لا يتناسب مع دينه . وفيه تفريط بالفتيات المسلمات .
فقد ذكر القرافي " وهو مالكي المذهب " في الذخيرة 4/ 322 كراهة نكاح الكتابيات وعلل هذه الكراهية بسوء تربية الولد ولأمر عمر رضي الله عنه بمفارقة الكتابيات .
وذكر ابن عابدين " وهو حنفي المذهب " في حاشيته 2/ 289 أن الأولى عدم نكاحهن وشدد في كراهة نكاح الكتابيات الحربيات وعلل ذلك بقوله " لا فتتاح باب الفتنة وتعرض الولد على التخلق بأخلاق أهل الكفر
وذكر النووي " وهو شافعي المذهب " في المجموع 15/ 122 كراهة ذلك لأنا لا نأمن أن يميل إليها فتفتنه عن الدين أو يتولى أهل دينها فإن كانت حربية فالكراهة أشد .
وذكر ابن قدامة " وهو حنبلي المذهب " في المغني 6/ 590 : أن الأولى عدم ذلك لأنه ربما مال إليها قلبه ففتنته وربما مال ولدهما إليها .
وبناء عليه أمر عمر رضي الله عنه من تزوج من الكتابيات زمن الفتح مع سعد بن أبي وقاص أن يطلقوهن . وفيه قصة رفض حذيفة الطلاق أولا ثم الاستجابة لأمر عمر رضي الله عنه . مصنف ابن أبي شيبة كتاب النكاح 4/ 158
فلو علمت الدولة بزواج مسلم بوثنية مشركة فرقت بينهما ولا يحتاج الأمر إلى طلاق لأنه باطل من أصله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " البقرة 221
وأما العصبة : فإن لهم حق التدخل شرعا إذا فقدت الكفاءة بين الزوجين .
قال أبو حنيفة : فقد الكفاءة يوجب للأولياء حق الإعتراض والقاضي يفرق بينهما بطلب من الولي , وعند أحمد روايتان أظهرها أن الزواج يبطل بفقدها . أما مالك والشافعي فلا يبطل النكاح بفقدها , الافصاح على المذاهب الأربعة لابن هبيرة 2/ 122 المجموع 15/ 72 المغني 6/ 481
وأما الأسرة :
فكذلك لها حق التدخل شرعا في الزواج ولذلك لا بد من وجود الولي بالنسبة للفتاة على رأي الجمهور . ولا بد أن يكون الخاطب صاحب دين وخلق ولذلك جاء الخطاب للأولياء " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه " الترمذي وحسنه برقم 1091
المقاصد الإسلامية من تكوين الأسرة
1- التناسل : لحب البقاء حيث إن حياة المرء ببقاء نسله . قال تعالى على لسان زكريا " فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب " مريم رقم الآية 5
والولد ذخر في الدنيا والآخرة " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ..." متفق عليه
تعليق
هناك حياة معنوية خالدة تكون بالعلم والمعرفة . وأن ليس المقصود من التناسل تكثير النسل وتركه هملا , وإنما المقصود الذرية الصالحة .
2- حفظ الأنساب : وهذا من الكليات الخمس التي حافظت عليها الأديان وهي " الدين والعقل والنفس والنسب والمال " الموافقات للشاطبي 2/10
الحكمة من حماية الأنساب
1- رعاية الأطفال
2- رعاية النساء
3- الحفاظ على الترابط الأسري
3- تهذيب الميول والغرائز الفطرية التي أودعها الله للإنسان .
الأسرة المتكاملة
يرى علماء النفس أن الأسرة المتكاملة ليست تلك التي تكفل لأبنائها الرعاية الاقتصادية والاجتماعية والصحية فحسب , بل هي الأسرة التي تهيئ لهم الجو النفسي الملائم أيضا ,
ومن هنا فإن مجرد وجود طفل في بيت واحد مع والديه لا يعني دائما أنه يحيا في أسرة متكاملة أو يلقى العناية الأبوية الكافية .
وليست هناك أية بدائل يمكنها أن تحل محل عطف الأم وحيوية الأب بالإضافة إلى الدور الذي يقوم به الأخوة والأخوات في حياة كل فرد من أفراد الأسرة , وكم من أخ كان بمثابة الأب في حال فقد أبيه وكذلك بعض الأخوات .
الأسرة الصحية وغير الصحية
من خصائص الأسرة الصحية ما يلي :
1- الإتصال الواضح والمفتوح بحيث لا أسرار بينهم
2- التحدث مع بعضهم بشكل مستمر
3- النصح لبعضهم البعض
4- الوصول إلى اتفاق وتفاهم
5- القيادة فيها مشتركة وواضحة وإن كان يفضل أن تكون للكبير حتى يحترمهم الجميع ولا يستخف بالكبير أحد
أما الأسرة غير الصحية :
هي على عكس الأسرة الصحية حيث لكل فرد أجندته الخاصة وأسراره الخاصة والشعور بالغربة عن بعضهم البعض ودرجة التعاطف منخفضة وكذلك الثقة .
يتبع .......................
بحث قام بإعداده :
د0 محمد نور العلي لصندوق الزواج .
المفضلات