[justify]بســـــــــم اللـــــــه الرحمـــــــن الرحيــــــــــم
"شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" صـــدق ا للــــه العظيـــم
كيف نستقبل شهر رمضان المبارك ؟
بـقـلــم : سـمـاحـة الـدكـتـور نـوح عـلـي سـلـمـان الـقـضـاة
يقبل رمضان كل عام ويستقبله الناس بمشاعر مختلفة، وكل من يعزم فيه على طاعة أو ينوي فيه عمل خير فقد أحسن الاستقبال، وعرف كيف يستقبل أوقات رمضان لما يناسبها، واستوعب معنى النداء الرباني عند إقبال الشهر المعظم ((يا باغي الخير أقبل)) لأنه شهر تضاعف فيه الحسنات والأجور، وإذا كانت أعمال الخير متفاوتة وبعضها أولى من بعض، وبعضها أيضاً أفضل من بعض فإن الواجب يقتضي أن ترتب حسب أولوياتها، وأفضليتها، وحسب ظروف الإنسان أيضاً، لأن من حكمة تعدد أنواع الطاعات أن ينال كل مسلم منها ما يناسبه، بعد أداء الفرائض، وأن لا يمل من المداومة على الطاعة لو كانت لوناً واحداً.
ونحن معشر المجاهدين في سبيل الله يتردد واجبنا ما بيت قتال ورباط، وإذا كنا لا نحتاج إلى تعرف القتال، فإن الرباط هو الاستعداد للقتال بالتدريب، وانتظار ساعته المناسبة، ولهذا فإن أوجه الطاعات التي ينبغي أن نعزم عليها في رمضان هي:
1. في حالة الرباط: لابد من الصيام ، وأداء الفريضة الربانية، وهي تقريباً من الله أولاً، وتقوي فينا عنصر الصبر ثانياً، والصبر مفتاح الفرج والنصر، قال الله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)) ومن كان الله معه فهو من الفائزين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ((لا تحزن إن الله معنا)) ولا يحزن المجاهد شيء كما يحزنه أن لا يصل إلى غايته، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((واعلم أن النصر مع الصبر)).
ولقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم المرابطين على الصيام فقال: ((من صام يوماً في سبيل الله بعّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً))، واستجاب السلف الصالح لهذا التوجيه فصاموا الفرض والتطوع وفي حالي الرباط والقتال.
بل استجاب لهذا أبناء القوات المسلحة الأردنية، ففي حرب رمضان وجدتهم صائمين وهم في المعركة، فبينت لهم الرخصة بالإفطار أثناء القتال، فأجابوني: الطعام معنا: والماء معنا، فإن جعنا أو عطشنا أكلنا، أو شربنا، فقلت لهم إن الله رخص لكم أن تفطروا ثم تقضوا إذا رجعتم فقالوا: أتضمن لنا الرجوع؟ قلت لا، قالوا: إذن دعنا صائمين، فقلت في نفسي: رحم الله من سمّاكم ((بقية الجيش المصطفوي)).
2. وأما في حالة القتال، فإن الإفطار أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم فتح مكة وكان في رمضان ((إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فافطروا)).
رواه مسلم، واعتبر الصحابة ذلك عزيمة فاستجابوا، ومثل هذا كل واجب لا يحتمل التأجيل ولا يمكن معه الصيام، لكل حال حكم ولابد من القضاء على كل حال.
3. قراءة القرآن: فإن رمضان هو الموسم السنوي للقرآن ففيه أُنزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في غار حراء، في ليلة القدر، وظل النبي صلى الله عليه وسلم يتدارس القرآن كل عام في شهر رمضان مع جبريل عليه السلام ليتأكد من أن كل آية في موضعها الصحيح، وكل سورة في موضعها الصحيح، حسب ماهو مكتوب في اللوح المحفوظ، وفي العام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض القرآن مرتين على جبريل عليه السلام. وهذا شأن المسلمين إلى اليوم ينشطون لقراءة القرآن في الشهر المبارك ولم لا؟ وقراءة حرف من كتاب الله تعالى فيه عشر حسنات، فألف، لام، ميم، فيها ثلاثون حسنة لأنها ثلاثة حروف (آلم) هكذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا في غير رمضان، أما في رمضان فالحسنات تضاعف أكثر، ثم إن قراءة القرآن يزداد أجرها وثوابها، وتعظم فائدتها إذا كانت مع التدبُّر وتفهم المعاني: قال الله تعالى: ((أفلا يتدبرون القرآن)).
وكتب التفسير تعين على التدبر، والذي يتدبر القرآن يجده يرشد إلى سواء السبيل في كل ناحية من نواحي الحياة، وفي كل جانب من جوانب النفس، ويسدد نظر الإنسان إلى الكون من حوله، ويجد أيضاً أن للجهاد والمجاهدين حظاً وافراً فيه، لأن الحياة جهاد، ولا حياة إلا للمجاهدين، وهو يرشدهم إلى ما يعينهم على أداء واجبهم، وما يُنجح مقاصدَهم بإذن الله. من ذلك قول الله تعالى ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم)) وقوله عز وجل ((واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)) وقوله تعالى: ((ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)) وقوله تعالى: ((وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)) وغير ذلك كثير مما يشحذ الهمم ويؤكد على عوامل النصر، ويعد بخير آت لا محالة بإذن الله عز وجل، فإنه لا يخلف الميعاد، ولذا لا يحزن المجاهد ولا ييأس مهما تغيرت الأحوال فإن العاقبة للمتقين. وهذه قمة المعنوية العالية والتي بدونها لا يستطيع الإنسان أن يفعل شيئاً.
4. دراسة ما تيسر من الحديث النبوي الشريف لأن الحديث الشريف يوضح بعض مقاصد القرآن الكريم، ويتمم ما جاء فيه ويشرحه، ويفصله، ويبينه، وقد حرصت الأمة الإسلامية على السنة المطهرة حرصاً عظيماً فجمعت ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول وفعل وتقرير وصفه خلقية وخلقية، ونقح العلماء هذه الروايات وشرحوها ورتبوها حسب مواضيعها، ثم جاءت الطباعة الحديثة لتمد المسلمين بعدد لا يحصى من كتب الحديث النبوي الشريف، وهكذا تيسرت للمسلمين سبل الهدى، التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وستني)) وإذا كانت كتب السنة كثيرة ومؤلفاتها ضخمة فعلى المسلم أن لا يحرم نفسه من بعض مختاراتها ككتاب رياض الصالحين، وأمثاله، والذي يقرأ كتب الحديث يشعر بالطمأنينة والسكينة، ويرى الإيمان يربو في صدره ويزداد، وكأنه يشارك الصحابة الكرام مجالسهم التي كانوا يستمعون فيها الحديث الشريف من المصطفى صلى الله عليه وسلم. ومواضيع الحديث كمواضيع القرآن الكريم، وفيها أيضاً للجهاد حظ وافر، فالرسول صلى الله عليه وسلم سيد المجاهدين، ولولا جهاده ما استطاع إحقاق الحق وإزهاق الباطل، ولقد ظل يجاهد إلى نهاية حياته الشريفة التي نيفت على الستين، ويتلاشى التعب عن المجاهد وهو يقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله).
5. قراءة السيرة النبوية الشريفة: من فضل الله علينا أن نشأنا في بيئة إسلامية قد رسخ فيها الإسلام واطمأن به أهله، واطمأن بهم. ولذا يرى البعض أنه في وضع طبيعي لا يحتاج إلى جهد، ولا يقتضي منه تضحيةً ولا عملاً، ويتثاقل إذا كلف بأي عمل لخدمة الإسلام، من ألج الإبقاء عليه في نفسه، أو في مجتمعه بل إن البعض، يتهاون في الواجبات الإسلامية، وما أشبه هذا بمن ورث عن أبيه ثروة طائلة، فما عرف قدرها ولا رعاها حق رعايتها، وكما أن السبيل إلى تعريفه بالقيمة المعنوية لتلك الثروة ليحرص عليها، ويحافظ على استمرارها أن يذكر بالجهد الذي بذله والده في جمعها، والمعاناة التي قاساها في سبيلها، فإن المسلم يعرف قدر الإسلام وما بذل في سبيله إذ قرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، واطلع على الجهد العظيم الذي بذله عليه السلام حتى أظهر الله دينه، وأعلى كلمته ونصر جنده، لقد أوذي فصبر، ودعى وصبر، وجاهد وصبر، وفقد على الطريق الكثير من الأحباب والأعزاء فصبر واحتسب، ومضى إلى غايته واثقاً بوعد الله وأنجز الله له وعده.
لقد كانت حياته عليه السلام سلسة متصلة من الجهاد بكل أنواعه، وجدير بالمجاهدين أن يطلعوا على سيرته الشريفة ليتأسوا بها فهو صلى الله عليه وسلم أمام المجاهدين ومثلهم الأعلى، ونحن نعلم أن الله يختار لنبيه الأفضل من كل شيء ومنه نعلم أن أفضل أنماط الحياة حياة المجاهدين في سبيل الله، وهكذا يغتبط المجاهد بما يسره الله له عندما يقرأ السيرة النبوية الشريفة، ويعرف قدر الدين الذي تلقاه صفواً عفواً فلا يبخل في سبيله بأية تضحية، ويعرف قدر بلاده التي هي أمانة الله في عنقه، وأمانة سلفه الصالح من المجاهدين، فلا يتوانى في حمايتها والذود عن حياضها، لتظل كريمة آمنة الحدود والربوع.
6. أما صلاة التراويح وهي النافلة الخاصة برمضان فإن ظروف المجاهدين لا تساعد بعضهم على أدائها جماعة ي المسجد، وقد تساعد بعضهم في حين آخر، ولذا نذكر بأن صلاة التراويح تصلى مع الجماعة وبغير جماعة، وإن وقتها يمتد من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فبامكان المجاهد أن يصلي منها ما استطاع في الوقت الذي يناسبه، ومقام المجاهد في واجبه مما يثاب عليه، وما أعذب الساعات التي يقوم فيها المجاهد يناجي ربه ويؤدي واجبه، يسأله من خيري الدنيا والآخرة ويستعيذ به من شرهما، ويتفكر في خلق السموات والأرض قائلاً (ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) والله كريم جواد لن يراه عبده خائباً. هذا بعض ما أذكر به نفسي وإخواني المجاهدين في رمضان وأبواب الخير كثيرة لمن طلبها، نعم: إن رمضان موسم خير وبركة ولنا نحن المجاهدين منه الحظ الأوفر إن شاء الله، وهل أعظم من الجمع بين الصيام والجهاد والرباط وتلاوة القرآن، ومدارسة الحديث والسيرة العطرة والوقوف بين يدي الله وقد أرخى الليل سدوله واستغل كل إنسان بخاصة نفسه والمجاهد مشغول بالأمة كلها، فله من الله الأجر ومن صالحي أمتنا المحبة والتقدير.
والحمد لله رب العالمين.
[/justify]
المفضلات