استقبال شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمد خير الطرشان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللّهم افتح علينا فتوح العارفين، ووفقنا توفيق الصالحين، واشرح صدورنا، ويسّر أمورنا، ونوّر قلوبنا بنور العلم والفهم والمعرفة واليقين، واجعل ما نقوله حجة لنا، ولا تجعله حجة علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.
^رمضان يقرع الأبواب .. فلنحسن استقباله:
بعد أيام قليلة يطلّ علينا شهر رمضان المبارك، رمضان... شهر الرحمة والبركة، شهر البر والإحسان، شهر المحبة والتسامح، شهر الغفران والمبرات، شهر الصدقات والقربات، وشهر المنافسة في الخيرات والطاعات، كما قال ربنا سبحانه وتعالى...وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)سورة المطففين (26). ليس في رمضان دنيا حتى يتنافس الناس من أجلها، إنما يتنافسون في العبادة، في إتقان الصيام، في البعد عن معصية الله سبحانه وتعالى، في الإكثار من الذكر، والصدقة، وقيام الليل، والصلاة بالأسحار...
رمضان كله شهر مبارك، أيامه ولياليه، فكيف ينبغي أن نستقبل هذا الضيف العظيم؟؟ الوافد الكريم؟؟ أليس من حقه علينا أن نفرح بقدومه، ونتهيّأ له ونحسن استقباله؟! لو جاءنا ضيف من ضيوفنا العاديين لاستقبلناه أحسن استقبال وأكرمناه، فما بالكم بهذا الضيف الذي يزورنا في السنة شهراً واحداً، ويزورنا ومعه الخيرات والمغفرات والإحسان والقرب والصلة بالله تبارك وتعالى؟! ليالي رمضان لا يخفى خيرها على أحد، لذلك من حق شهر رمضان علينا أن نستعد ونتزين داخلياً وظاهرياً لاستقباله.
^ رمضان .. شهر القرآن .. شهر الرحمة والغفران:
يقول الله سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلينشَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...) سورة البقرة (185). فهو شهر القرآن، جعله الله سبحانه وتعالى متميزاً على غيره من الشهور بأنه أنزل فيه القرآن العظيم؛ دستور هذه الأمة، يُتلى ويُتَعبّد اللهُ سبحانه وتعالى بتلاوته، ونكسب بذلك الأجر والثواب العظيم.
وأما سيد الخلق وحبيب الحق؛ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يقول: "إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين". متفق عليه. فالجنة تتزين لاستقبال الصائمين الطائعين، وكذلك النار تغلق أبوابها؛ فلا مكان للمعصية في شهر رمضان، وأما الشياطين فإنها تقيَّد، ولا حركة لها في رمضان، فإذا ما ظهرت نية سيئة أو بادرة سوء من إنسان، فإن ذلك علامة على أنه قد تغلب على شيطانه وكان أعظم منه، فبدر منه في شهر رمضان ما لم يبدر منه في غيره من الشهور. ثم يتابع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: "ونادى منادٍ: يا باغي الخير! أقْبِلْ، ويا باغي الشر! أقْصِرْ". صحيح ابن خزيمة.
يكفي هذا الشهر بركة وعِظماً أن القرآن تنزّل فيه، ويكفيه فخراً وشأناً كبيراً أن فيه ليلة واحدة هي خير من ألف شهر، هذه الليلة جعلها الله سبحانه وتعالى فرصة لعباده لكي يعوّضوا كل ما وجدوه من نقص في حياتهم العامة، وفي شهر رمضان بشكل خاص.
وفي هذا الشهر تلهج الألسنة بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى أن يسقي أمة المسلمين الغيث، ونتفاءل في شهر رمضان بدعاء الصائمين، فللصائم دعوة مستجابة عند فطره. نسأل الله أن ينزل الغيث على هذه الأمة، وأن يفجّر أنهارها وينابيعها وعيونها، وأن تعود أرضها خيرة معطاءة مثمرة كما كان عهدها فيما مضى.
^ مشروعية التهنئة بقدوم رمضـان:
في هذا الشهر الكريم يشرق على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها هلال شهر رمضان المعظَّم، الذي أكرم الله تعالى فيه أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من بين ســـائر الأمم، وجعله شهراً للعبادة ولتلاوة القرآن. لذلك كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرح بقدوم هذا الشهر، ويبشّر أصحابه ويهنئهم بقدومه فيقول: "أتاكم رمضان شهر بركة...". رواه الطبراني. وهو ما كان عليه أيضاً السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم.
ومن هنا مشروعية التهنئة في شهر رمضان، حيث يهنئ الناس بعضهم فرحاً بقدوم شهر رمضان، ويضعون الزينات في البيوت والأسواق والطرقات، وهذه ظاهرة إيجابية صحية تدل على أن الناس فقهوا معنى رمضان. فعلينا أن نظهر الفرح والبهجة والسرور بقدوم هذا الشهر العظيم المبارك، كما كان عليه الصلاة والسلام يفعل مع أصحابه.
^ رمضـان شهر عبادة وتدرّب على ترك للمعاصي:
رمضان شهر عبادة، ودور المعصية ينبغي أن تُغلق في هذا الشهر المبارك. المفترض ألا يكون هناك دور للمعصية أصلاً، لكن هذا من غفلة من يقوم على هذه الأمور، نسأل الله تعالى لهم الهداية، لكن رمضان إذا دخل تتوقف دور المعصية، حتى القوانين الوضعية لبلادنا تمنع تلك الأماكن من فتح أبوابها في شهر رمضان، حتى أماكن الخمور يفترض أن تغلق في رمضان؛ لأن هذا الشهر شهر عبادة، وشهر تنزل للبركات والخيرات والرحمات من السماء إلى الأرض.
المفضلات