النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: عيد دمشق,,,ذكرى كل متيم

  1. #1
    كلتاوي فضي

    الحاله : Omarofarabia غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2007
    رقم العضوية: 448
    المشاركات: 706
    معدل تقييم المستوى : 123
    Array

    افتراضي عيد دمشق,,,ذكرى كل متيم

    عيد دمشق,,,ذكرى كل متيم





    بزغت خيوطُ الفجر الأولى , تملأ الأفقَ ضياءَ , و تنثر النور في الأرجاء , و مضت ليلة السابع و العشرين من رمضان تسحب ذيولها إلى بارئها , مضمخةً بآهات المنيبين وأنات التائبين.

    وغادر الدمشقيون المساجد التي عمروها بالذكر و الطاعة طيلةَ الليل , يحاكون سلف الأمة في طاعتهم يوما واحدا في السنة بعد أن عجزوا عن سلوك سبيلهم كل العام .

    و تشيع منذ هذه اللحظة في دمشقَ مشاعرُ متباينة , فيرمق الدمشقيون بعينٍ رمضانَ و هو يلملم سقط متاعه , و يُعِدُّ عدة سفره البعيد , يودعهم و يلوح بيدِ الفراق إليهم , فتكاد القلوب تنفطر لفراقه , و العيون تنساب لوداعه , و يستشرفون بعين أخرى طلعةَ الوافد البهية و فرحةَ العيد المقبلة , فتتهلل لها وجوهُهم , و تنفرج له أساريرُهم .

    و يقف بلبل دمشق ( توفيق المنجد ) – ذلك الصوت الذي شاب صاحبُه و ما فقد يوما بريقه و سحره , حاله كحال دمشق التي شاخ الزمان و ما ذهب عنها ألقها و بهاؤها – , يقف (توفيق المنجد) ليبثَّ رمضانَ أشواقَه و يفضي إليه بآهاته ,ويناجيه معاتبا تعجلت ميقات النوى رمضانُ .....مهلا – أُخَيَّ-فكلنا ولهان ) , و يؤوب ( المنجد ) إلى نفسه ليعلم أن رمضان راحل لا محالة , فيزفر عندها زفرته المتأوهة تبعث الحرقة في قلوب الشاميين , و تلهب لوعةً في صدورهم لا يطفئ حرَّها إلا الدمعُ تسكبه المآقي غزارا إذ يصافح قلوبَهم نداءُ البلبل الواله : ( فودعوه , ثم قولوا له : يا شهرنا هذا عليك السلام ) .

    و تمر أيام رمضان الأخيرة في عجلة و سرعة , فالكل يُعِدُّ العُدة لاستقبال الوافد الجديد , فحيث سِرْتَ في أزقة الشام سَرَت إليك روائحُ ( المعمول بفستق ) و ( الغريبة ) و (البرازق ) و( أقراص العجوة ) تفوح من بيوت الدمشقيين تعطر الجو بعطر العيد بعد أن زينت الحلوى جوانب الأسواق , فتشعر وكأنما دمشق في مهرجان الجمال يفيض من كل زاوية و مكان .

    ومع آخر أيام رمضان تنحني شمس الأصيل مستخفية وراء قاسيون,ذلك الجبل الشامخ كالطود الأشم يحمي دمشق من عوادي الزمن – و كم حماها - , فيؤوب الدمشقيون إلى بيوتهم يتسابقون إلى الإفطار الأخير في رمضان يودعون فيه لمة العائلة و بهجة اللقاء.

    و تمر الساعات الأخيرة في ليلة الثلاثين من رمضان , و تعيشها دمشق على أهبة الاستعداد , لا تدري أتفرح بقدوم العيد أم تجزع لوداع رمضان .

    وعند أذان العِشاء الأخير يؤم الدمشقيون المساجد ينهلون آخر رشفة من وصال الحبيب الذي آنس بقربه وحشتهم , و أزال بجوده فاقتهم , و تدخلُ المسجدَ فتتبدى لك الوجوه حزينة كاسفة , و تُلْذَعُ بحرقة الفراق تلوع الأفئدة.

    و ينتظر الدمشقيون مدفع العيد يعلن إثبات القاضي الشرعي لهلال أول أيام شوال , و هم بين راج عيد غد و متحسر على رمضان أمس .

    و بين زحمة الأسواق و ضجيج الباعة يتعالى صوت المدافع تضربها دمشق فرحا بقدوم الضيف العزيز , و تدوي في أرجائها صيحاتُ التكبير ألما على فراق الحبيب الذاهب .

    و يعلو صوتُ التهاني كلَّ صوت في دمشق , فلا تسمع الناسَ إلا مهنئا بعضُهم بعضا, و لا تراهم إلا معانقا كلٌ صاحبه .

    و تتسارع الخطا في كل مكان , و تغص الشوارع بالرائح و الغادي , وتمتزج صيحات الباعة-يزينون لك بضاعتهم-بأصوات ألعاب النار تخترق الفضاء , فأنَّى مشيت في دمشق سمعت جلبة و رأيت زحمة , و علمت أن الكل في شغل وحركة.

    فالحلاق يؤنس الجالسين بحديثه و مزاحه حتى لا يَمَلُّوا طولَ الانتظار , يريد كل منهم أن يزين ظاهره بعد أن طهر في رمضانَ باطنه.

    و صاحب ألعاب العيد يستنفر أبناء عمومته و أصدقاءه يعينونه على نصب(المراجيح) التي بدأ الصغار يتحلقون حولها , يرمقونها بعيون زينتها الفرحة و رسمتها البسمة .

    و يروح الخياط و يجيء بين زبائنه يكسوهم ما أعد لهم من أبهى الحُلَل , يتزين بها الدمشقيون و يظهرون فرحتهم , فترى الناس عنده بين قيام وقعود , كلٌ يرى ثوبه و يعاين حُلته .

    و لا يكاد يغلق ( البغجاتي ) علبةً حتى يفتح الأخرى , يملؤها بأطيب حلوى قد تفنن بعرضها, و صب فيها من إتقان صنعته و خير بلده ما ينسيه تعبه و عرقه الذي تتناثر حباته على جبهته التي احمرت من فرط نشاطه , فتراه يصُفُّ ( البقلاوة ) و(الكول شكور ) و ( المبرومة ) في علب الزبائن مزهوا بصنعته و طيب مطعمه .

    و يقف اللحام خلف منصته يقطع اللحم قطعا كبارا لتنال رضا (شاكرية خانم ) أكلة الدمشقيين المفضلة في العيد .

    و تدخل حمام السوق فلا تكاد تجد – لازدحام الناس – مكانا لك بين المغتسلين , و تتعالى في ردهة الاستقبال صيحات الترحيب بك و التأهيل بمن معك ,لتدخل بعدها في معمعة الحمام و تتنقل بين( البراني) و (الجواني) , و تتناوبك أيدي ( المكيس ) و (المدلك ), لتخرج بعد ذلك من الحمام و قد خلقت خلقا آخر , تقليد حرص عليه الدمشقيون عناية منهم بالنظافة و الطهارة .

    و يفزع طلاب المسجد-الذي خلا من كل زائر-لتنظيفه و تعطيره , فيقضون ليلهم يحنون ظهورهم لا للسجود و إنما لمسح السجاد , و يثنون الهامات لا للركوع و إنما لتنظيف الأروقة و الممرات ,و تفوح روائح الطيب من كل زاوية تنادي الرُّكَّعَ السجود أن أقبلوا و لا تدبروا.

    وتسهر ليلةُ العيد لا يغفو لها جفن , وتتثاءب عن بريق الفجر , وكأنما تأبى أن يَبينَ نورُه و يشع ضياؤه .

    و يطلع الفجر لتعلو معه أصوات التكبير ترتجُّ لها أرجاء دمشق كلها فرحا و طربا , و يٌّدْلِفُ المصلون إلى مساجد الأحياء الكبرى جماعات جماعات , و قد التف في كل جماعة رجال العائلة الواحدة تغشى المحبةُ وجوهَهم و تزينُ البسمةُ محياهم , و تمتن الفرحة أواصر القربى بينهم فتحس بالألفة تنساب في كل مكان .



    و يتوسط الأمويُ مساجدَ البلد , كالقلب يتوسط كلَّ الجسد , و يعلو بهتافه المقدس مرددا ( الله أكبرُ الله أكبر,لا إله إلا الله .الله أكبرُ الله أكبر,و لله الحمد ) , تكبيراتٌ تذوي لها قلوب الدمشقيين إذ يسمعونها من رابطة المنشدين بإيقاعها الفريد المحبب, و الذي تكاد تحس لفرط العاطفة فيه أنه نداء الواله لحبيبه أو استغاثة المضطر لسيده .

    و ما أن تنقضي خطبة العيد حتى يموجَ المسجد بمن فيه , كلٌ يسلم على صاحبه في مشهد ما ترى أعجبَ منه و لا أدلَّ على لطف الشاميين و محبتهم لبعضهم .

    و يخرج الدمشقيون من المسجد و قد أدوا حق الله , فيؤمون المقابر يذكرون فيها حق موتاهم , لتعلم وفاءَ الدمشقيين لأسلافهم و اعترافَهم بفضل أجدادهم .

    وتعلو المقابرَ خضرةٌ , ما زرعتها يد الفلاح و لا غرست نبتها , و إنما أنبتتها محبةُ الأبناء للآباء و غرسها احترامُ الأحفاد للأجداد , و كأنما أبى الدمشقيون لفرط فرحتهم بالعيد إلا أن يشركوا فيها من رحل عنهم من موتاهم .

    ويروح الرجال عائدين إلى بيوتهم , وتجتمع العائلة كلها-بقضها و قضيضها , بصغيرها و كبيرها , بنسائها و رجالها-في بيت العائلة الكبير , و تُعَدُّ مائدة الفطور لتتحلق العائلة من حولها يتصدرها الجد و الجدة و قد غصت أحضانهما بالأحفاد يتسابقون إلى جدهم يقبلون يده و تهفو قلوبهم إلى محفظته ليتحفهم بالمال يقضون فيه حق طفولتهم من اللعب و البهجة .

    و يتراكض الأولاد في فضاء الحارة الدمشقية يهرجون و يمرحون , وقد تسلح كل منهم بسلاحه فتتراءى لك القوة في أبناء دمشق منذ الصغر , قوةٌ يسر بها الآباء و تستاء من صخبها و ضوضائها الأمهات,و تتعالى بين هذا و ذاك ضحكات الأجداد و غمزات الأخوات .

    و يتوافد الجيران و أبناء العائلة يزور بعضهم بعضا , و تنساب كلمات التهنئة و التبريك بين المتزاورين , يزينون بها شفاههم بعد أن ازدانت بأجمل الأثواب أجسادُهم ,وتشيع البهجة في كل زاوية من حارات دمشق , و تهبط الرحمة على هذه البلدة الوادعة الآمنة فتزيدها في يوم العيد رحمة و أمانا , و تجذِّرُ في قلب كل دمشقي محبةٍ الشام و عشقها.

    وتبقى دمشق على مَرِّ الزمان في قلب كل عاشق حلما , و على لسان كل متيم ذكرى , فلا ينسى أي دمشقي مهما شاخ به الزمان و ناءت به الأيام ذكريات العيد في عاصمة الدهر و الزمان .



    *******************************

    بقلم: إياد عمار

  2. #2
    كلتاوي الماسي
    الصورة الرمزية أم عبد العزيز

    الحاله : أم عبد العزيز غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Dec 2008
    رقم العضوية: 3540
    المشاركات: 1,662
    معدل تقييم المستوى : 120
    Array

    افتراضي رد: عيد دمشق,,,ذكرى كل متيم

    مقال جميل يحرك الشجون ، شكراً جزيلاً على هذا النقل الموفق .
    [poem=font="Simplified Arabic,4,black,bold,italic" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/2.gif" border="groove,4,darkred" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
    وظن به خيراً وسامح نسيجه =بالاغضاء والحسنى وإن كان هلهلا
    وسلّم لإحدى الحسنيين : إصابة =والاخرى اجتهاد رام صوباً فأمحلا
    وإن كان خرق فادركه بفضلة =من العلم وليصلحه من جاد مقولا
    وقل صادقاً : لولا الوئامُ وروحه=لطاح الأنامُ الكل في الخُلفِ والقِلى
    وقل : رحم الرحمن،حياً وميتاً=فتى كان للإنصاف والحلم معقلا
    عسى الله يدني سعيه بجوازه=و إن كان زيفاً غير خاف مزللا
    فيا خير غفار ويا خير راحم = ويا خير مأمول جَداً وتفضلا
    أقل عثرتي وانفع بها وبقصدها =حنانيك يا الله يا رافع العلا [/poem]

  3. #3
    كلتاوي فضي

    الحاله : Omarofarabia غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2007
    رقم العضوية: 448
    المشاركات: 706
    معدل تقييم المستوى : 123
    Array

    افتراضي رد: عيد دمشق,,,ذكرى كل متيم

    الاخت الفاضله شكرا على مرورك العطر وبالفعل المقال جميل جدا ومؤثر وخصوصا لمن يعيش بعيدا عن وطنه وما جاء بالمقال يمكن ان يكون باية مدينة بسوريا او بلاد الشام حيث العادات تتشابه فيمكن ان تكون تلك الوقائع في حلب الشهباء او حماة ابو الفداء او حمص بن الوليد او عروس الساحل السوري اللاذقيه او في القدس الشريف او طرابلس الشام
    كل عام وانتم بخير اعاده الله على الجميع باليمن والخير والبركه
    التعديل الأخير تم بواسطة Omarofarabia ; 10-Sep-2010 الساعة 04:56 AM

  4. #4
    كلتاوي فضي

    الحاله : Omarofarabia غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Nov 2007
    رقم العضوية: 448
    المشاركات: 706
    معدل تقييم المستوى : 123
    Array

    افتراضي رد: عيد دمشق,,,ذكرى كل متيم




    الله أكبر... الله أكبر... الله أكبر ... لا إله إلا الله
    الله أكبر... الله أكبر .. ولله الحمد

    الله أكبر كبيرا... والحمد لله كثيرا... وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا
    لا إله إلا الله وحده ... صدق وعده .. ونصر عبده .. وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده
    لا إله إلا الله .. ولا نعبد إلا إياه .. مخلصين له الدين ولو كره الكافرون

    اللهم صلي على سيدنا محمد ..وعلى آل سيدنا محمد.. وعلى أصحاب سيدنا محمد...و على أزواج سيدنا محمد... وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليما كثيرا ..
    رب اغفر لي و لوالدي ...رب ارحمهما كما ربياني صغيرا




    كل عام وانتم ومن تحبون بخير اعاده الله علينا وعليكم وعلى الامة الاسلاميه بالخير واليمن والنصر والتوفيق والبركه




    ولحجاج بيت الله الحرام حجا مبرورا مقبولا وسعيا مشكورا جمعنا الله واياكم في الاعوام القادمة في هذه الديار المقدسة

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •