[justify]
الذكر بالاسم المفرد بين المجيزين والمانعين (دراسة فقهية مقارنة)
كتبه
فضيلة الشيخ: عبد الفتاح بن صالح قُدَيش اليافعي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد :
فإن رمت أن تحظى بقلب منوَّرٍ نقيٍّ من الأكدار فاعكف على الذكرِ
وثابر عليه في الظلام وفي الضيا وفي كل حال باللسان وبالســـرِّ
فإنك إن لازمته بتوجــــهٍ بدا لك نورٌ ليس كالشمس والبـدرِ
ولكنه نورٌ مـــن الله واردٌ أتى ذكره في سورة النورِ فاستقــرِ
الدر المنظوم لذوي العقول والفهوم ص 233
ذكر الله تعالى هو مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح .. ذكر الله تعالى هو العمدة في الطريق وعليه معول أهل التحقيق .. ذكر الله تعالى هو منشور ولاية المحبوب وطريق صفاء القلوب .. من ذكر الله ذكره ( اذكروني أذكركم ) .. الذكر جليس الرحمن ( أنا جليس من ذكرني ) .. فضائل ذكر الله تعالى لا تحصى ولا تعد .. وحسبك أن المذكور هو : الله الله الله .. وكفى بذلك شرفا وفخرا وتيها .
وهذا مقال في حكم الذكر باسم الله المفرد كأن يقول الذاكر ( الله الله الله ... ) ونحو ذلك وقد جعلته على مباحث :
المبحث الأول : ذكر الخلاف في ذلك على سبيل الإجمال
المبحث الثاني : ذكر أقوال بعض من قال بالمشروعية
المبحث الثالث : ذكر بعض من قال بعدم المشروعية
المبحث الرابع : ذكر من قال إن ذلك ليس بذكر , ومن قال يثاب فاعله ولو لم يكن ذكرا
المبحث الخامس : أدلة من قال بعدم المشروعية
المبحث السادس : أدلة من قال بالمشروعية
المبحث الأول
ذكر الخلاف في ذلك على سبيل الإجمال
اختلف في مشروعية الذكر بالاسم المفرد على قولين:
القول الأول : أن ذلك مشروع وبذلك قال الكثير من الأئمة ومنهم :
الجنيد والشبلي وأبو يزيد البسطامي والنوري والجيلاني والزبيدي والسجزي والغزالي والرازي والغرناطي والمرسي وابن عجيبة وابن أمير الحاج والخادمي وزكريا الأنصاري وابن حجر الهيتمي والرملي والمناوي والدمياطي وابن عابدين وغيرهم كما سيأتي إن شاء الله , وعليه عمل الأئمة من أهل السلوك على مر الزمان بل بالغ بعضهم فقال إنه أفضل الذكر
القول الثاني : أن ذلك غير مشروع وعليه بعض أهل العلم :
كالعز بن عبد السلام حيث حكم عليه بأنه بدعة وله قول آخر بأن لذلك وجها , وابن تيمية حيث حكم عليه بأنه بدعة مكروهة وتابعه تلميذه ابن القيم , وهو قول الخطيب الشربيني وابن الأمير الصنعاني
وسيأتي ذكر أقوال الجميع على التفصيل في المبحثين التاليين إن شاء الله
المبحث الثاني
ذكر أقوال بعض من قال بالمشروعية
-الإمام أبو الحسين النوري :
في تفسير السلمي 1/29 : ( وحكى أن أبا الحسين النوري بقي في منزله سبعة أيام لم يأكل ولم ينم ولم يشرب ويقول في ولهه ودهشه: ( الله الله ) وهو قائم يدور
فأُخبر الجنيد بذلك فقال : انظروا أمحفوظ عليه أوقاته أم لا فقيل إنه يصلي الفرائض فقال الحمد لله الذي لم يجعل للشيطان عليه سبيلاً ثم قال قوموا حتى نزوره إما نستفيد منه أو نفيده فدخل عليه وهو في ولهه قال : يا أبا الحسين ما الذي دهاك قال أقول : (الله الله) زيدوا علي ... ) اهـ
وفي التعرف للكلاباذي 131 : ( والفاني يكون محفوظا في وظائف الحق كما قال الجنيد وقيل له إن أبا الحسين النوري قائم في مسجد الشونيزي منذ أيام لا يأكل ولا يشرب ولا ينام وهو يقول : ( الله الله ) ويصلي الصلوات لأوقاتها
فقال بعض من حضره : إنه صاحٍ فقال الجنيد : لا ولكن أرباب المواجيد محفوظون بين يدي الله في مواجيدهم فإن رد الفاني إلى الأوصاف لم يرد إلى أوصاف نفسه ولكن يقام مقام البقاء بأوصاف الحق ) اهـ
وفي شعب البيهقي 5/452 : ( أخبرنا أبو محمد بن يوسف ، سمعت أبا العباس عبد العزيز بن عمر المسعودي ، بدينور ، يقول : حكي لنا عن أبي الحسين النوري ، أنه بقي في مسجد سبعة أيام ولياليها ، لا يأكل ، ولا يشرب ، ولا ينام ، يجيء من أول المسجد إلى آخره ، فأبلغ ذلك الجنيد ، وابن عطاء ، والشبلي ، فجاءوا فوقفوا عليه ، فقيل له : هذا الجنيد وابن عطاء والشبلي ، ففتح عينيه فنظر إليهم ، فقال له الجنيد : ما أدري دهاك ما أنت فيه ، أخبرنا ، فقال النوري : أنا أقول : الله ، تزيدوا على قول الله ؟ ، فقال الشبلي : إن كنت تقول : ( الله بالله ) فالمنة لله فيما تقول ، وإن كنت تقول : الله بك ، فليس لك من الله شيء ، قال : فسجد ، فقال : أنا تائب ، أنا تائب ، أنا تائب ، فقال الجنيد : إن سيوف الشبلي تقطر دما ) اهـ
- الإمام الشبلي :
في طبقات المناوي 1/560 في ترجمة الشبلي ونحوه في مفتاح الفلاح لابن عطاء الله ص 37 : ( قال له رجل : لم تقول : الله , ولا تقول : لا إله إلا الله ؟ فقال : أستحي من ذكر كلمة النفي في حضرته
قال له : أريد أعلى قال : لا أبغي به ضدا
قال : أريد أعلى قال : أخشى أن أوجد في وحشة الجحد , وفي رواية : أخاف أن أموت عند الإنكار فلا أصل إلى القرار
قال : أريد أعلى قال : قال الله تعالى : ( قل الله ثم ذرهم ... )
فصعق الرجل ففارقته روحه فتعلقت أولياؤه بالشبلي وادعوا عليه بثأره فخرجت الرسل من الخليفة فسأله عن الجواب ؟ فقال : روح حنت فرنت فدُعيت فأجابت فما ذنب الشبلي فصاح الخليفة : خلوه فلا ذنب له ) اهـ
ومعنى قوله : ولا تقول : لا إله إلا الله أي لمَ تذكر الله بقولك : ( الله الله ) ولا تذكره بقولك : ( لا إله إلا الله ) ؟ وذلك في نهايته , فكان جوابه تلك الأوجه المذكورة , وهذه الأمر واضح وإنما نبهنا عليه كي لا يتوهم متوهم أن الشبلي لا يقول : لا إله إلا الله
-الإمام الجنيد :
قال الجنيد : ( ذاكر هذا الاسم ( الله) ذاهب عن نفسه، متصل بربه، قائم بأداء حقه، ناظرٌ إليه بقلبه، قد أحرقت أنوار الشهود صفات بشريته ) اه نور التحقيق لحامد صقر ص174
-الإمام أبو الوقت السجزي :
في سير النبلاء 20/309 وتاريخ الإسلام للذهبي 8/365 في ترجمة أبى الوقت السجزي : ( فرفع طرفه إليه وتلا ( يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) فدهش إليه هو ومن حضر من الأصحاب ولم يزل يقرأ حتى ختم السورة وقال ( الله الله الله ) وتوفي وهو جالس على السجادة ) اهـ
-الإمام الزبيدي صاحب الجمع بين الصحيحين :
في سير النبلاء 20/318 وفي تاريخ الإسلام للذهبي 8/377 : في ترجمة الزبيدي : ( قال ابن عساكر : قال ولده إسماعيل كان أبي في كل يوم وليلة من أيام مرضه يقول : ( الله الله ) نحوا من خمسة عشر ألف مرة فما زال يقولها حتى طفئ ) اهـ
-الإمام ابن المظفر :
في تاريخ الإسلام للذهبي 9/43 : ( محمّد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفّر ابن رئيس الرؤساء أبي القاسم ... وخرج من بيته حاجّاً في رابع ذي القعدة، فضربه واحد من الباطنيّة أربع ضربات على باب قطُفتا، فحمل إلى دار هناك، فلم يتكلّم، إلاّ أنّه كان يقول : ( الله الله ) وقال: ادفنوني عند أبي , ثم مات بعد الظّهر، رحمه الله تعالى.) اهـ
-الإمام الجريري :
في رسالة القشيري ص 217: ( سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن يقول سمعت الحسين بن يحي يقول سمعت جعفر بن نصير يقول سمعت الجريري يقول : كان بين أصحابنا رجل يكثر من أن يقول : ( الله الله ) فوقع يوما على رأسه جذع فانشج رأسه ووقع الدم فكتب على الأرض : الله الله ) اهـ
-الإمام صدر الدين القونوي :
وفي تفسير إسماعيل حقي روح البيان 4/334 : ( قال الشيخ الكبير صدر الدين القونوي قدس سره : أكده بالتكرار ولا شك أن لا يذكر الله ذكرا حقيقيا وخصوصا بهذا الاسم الأعظم الجامع المنعوت بجميع الأسماء إلا الذي يعرف الحق بالمعرفة التامة وأتم الخلق معرفة بالله في كل عصر ) اهـ
-حجة الإسلام الغزالي :
في الإحياء 3/77 : ( وعند ذلك يلقنه ذكرا من الأذكار حتى يشغل به لسانه وقلبه فيجلس ويقول مثلا ( الله الله ) أو سبحان الله سبحان الله أو ما يراه الشيخ من الكلمات
فلا يزال يواظب عليه حتى تسقط حركة اللسان وتكون الكلمة كأنها جارية على اللسان من غير تحريك ثم لا يزال يواظب عليه حتى يسقط الأثر عن اللسان وتبقي صورة اللفظ في القلب ثم لا يزال كذلك حتى يمحى عن القلب حروف اللفظ وصورته وتبقى حقيقة معناه لازمة للقلب حاضرة معه غالبة عليه قد فرغ عن كل ما سواه ) اهـ
-الإمام عبد القادر الجيلاني والدمياطي :
في حاشية إعانة الطالبين للدمياطي 1/10 : ( قال سيدي عبد القادر الجيلاني : الله هو الاسم الأعظم وإنما يستجاب لك إذا قلت : ( الله ) وليس في قلبك غيره.
ولهذا الاسم خواص وعجائب منها أن من داوم عليه في خلوة مجردا بأن يقول ( الله الله ) حتى يغلب عليه منه حال شاهد عجائب الملكوت ... ) اهـ
-الإمام الرازي :
قال الرازي في تفسيره 1/155 : ( أما قوله : ( الله ) فاعلموا أيها الناس أني أقول طول حياتي ( الله ) , فإذا مت أقول ( الله ) ، وإذا سئلت في القبر أقول ( الله ) ، وإذا جئت يوم القيامة أقول ( الله ) ، وأذا أخذت الكتاب أقول ( الله ) , وإذا وزنت أعمالي أقول الله ، وإذا جزت الصراط أقول ( الله ) ، وإذا دخلت الجنة أقول ( الله ) ، وإذا رأيت الله قلت ( الله ) اهـ
وقال الرازي في كتابه عجائب القرآن ص 137 في مسألة الذكر بالاسم المفرد ما ملخصه : ( اختلف المحققون في ذلك :
- فقال الأكثر : يكون الابتداء ب ( لا إله إلا الله ) والانتهاء ب ( الله الله )
- ومنهم من واظب في الابتداء والانتهاء على ( لا إله إلا الله ) وحجتهم أن القلب مشحون بغير الله فلا بد من النفي لغير الله
- وأما الآخرون فلهم وجوه :
1- أن نفي الغير عدم لأن النفي عدم
2- أن الذاكر حين ينطق بالنفي لعله لا يمهل ليصل إلى الإثبات فيبقى في النفي والجحود والنفي هنا إنما أريد لأجل الإثبات
3- أن في المواظبة على ذلك تعظيم لله لأن الاشتغال بنفي الأغيار دليل على شغل القلب بالأغيار أما من اشتغل بالاسم المفرد فهو مشتغل بالله وحده فأين أحدهما من الآخر
4- أن نفي الشيء إنما يحتاج إليه عند خطور ذلك الشيء بالبال وذلك يكون عند نقص الحال أما الكاملون فلا يخطر ببالهم الشريك فلم يكلفوا بنفيه ولا يخطر ببالهم إلا الله فلا جرم يكفيهم أن يقولوا : ( الله الله )
5- قوله تعالى ( قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ) فأمره بذكر الله ومنعه من الخوض معهم باللعب ) اهـ كلام الرازي بتصرف
-الإمام أحمد الرفاعي :
في البرهان المؤيد ص 64 : (... ترى أن أحدهم كالغائب على حال الحاضر كالحاضر على حال الغائب يهتزون اهتزاز الأغصان التي تحركت بالوارد لا بنفسها يقولون : ( لا إله إلا الله ) ولا تشتغل قلوبهم بسواه يقولون : ( الله ) ولا يعبدون إلا إياه يقولون : ( هو ) وبه لا بغيره يتباهون إذا غناهم الحادي يسمعون منه التذكار فتعلوا همتهم في الأذكار ) اهـ
-الإمام أبو العباس المرسي:
قال أبو العباس المرسي : ( ليكن ذكرك ( الله، الله ) فإن هذا الاسم سلطان الأسماء، وله بساط وثمرة، فبساطه العلم، وثمرته النور، فينبغي الإكثار من ذكره ، لتضمنه جميع ما في لا اله إلا الله من العقائد والعلوم والآداب والحقائق... إلخ) اه نور التحقيق لحامد صقر ص 174
-الإمام بن عطاء الله الاسكندري :
قال في مفتاح الفلاح ص 35: ( منهم من اختار لا إله إلا الله محمد رسول الله في الابتداء والانتهاء
ومنهم من اختار لا إله إلا الله في الابتداء , وفي الانتهاء الاقتصار على الله وهم الأكثرون , ومنهم من اختار ( الله الله ) ...) اهـ
ثم قال ص 38 في ذكر حجج من قال بالاسم المفرد : ( ووجه القول بهذا الذكر المفرد :
- أنه المقصود فهو بالذكر أولى
- ولأن ذاكر لا إله إلا الله قد يموت بين النفي والإثبات
- ولأنه أسهل على اللسان وأقرب لإحاطة القلب به
- ولأن نفي العيب عمن يستحيل عليه العيب عيب
- ولأن الاشتغال بهذه الكلمة مشعر بتعظيم الحق بنفي الأغيار إلا أن نفي الأغيار يرجع في الحقيقة إلى شغل القلب بالأغيار ...
- وأيضا نفي الشيء إنما يحتاج إليه عند خطور ذلك الشيء بالبال وخطور ذلك الشيء لا يكون إلا عند نقصان الحالة ...
- وأيضا قال الله ( قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ) اهـ
وقال في معرض تدرج السالك بالأذكار ص 40 : ( فإذا ظهر لك ثماره وتبين لك أسراره فعند ذلك تصير أهلا للذكر الفرد فتقول : ( الله الله ) مستديما لذلك ) اهـ
-الإمام ابن رجب الحنبلي :
في جامع العلوم والحكم 1/446 : ( المحب اسم محبوبه لا يغيب عن قلبه فلو كلف أن ينسي ذكره لما قدر ولو كلف أن يكف عن ذكره بلسانه لما صبر
كيف ينسي المحب ذكر حبيب اسمـه في فؤاده مكتـوب
كان بلال كلما عذبه المشركون في الرمضاء على التوحيد يقول أحد أحد , فإذا قالوا له قل واللات والعزى قال لا أحسنه
يرادمن القلب نسيانكم وتأبي الطبـاع على الناقل
وكلما قويت المعرفة صار الذكر يجري على لسان الذاكر من غير كلفة حتى كان بعضهم يجري على لسانه في منامه : ( الله الله ) , ولهذا يلهم أهل الجنة التسبيح كما يلهمون النفس وتصير لا إله إلا الله لهم كالماء البارد لأهل الدنيا ) اهـ
-الإمام أحمد زروق المالكي :
في كتاب ( مضار الابتداع للشيخ على محفوظ ) ص 294 عن الشيخ زروق : ( ولهذا اختاره المشايخ [ أي الذكر بالاسم المفرد ] ورجحوه على سائر الأذكار وجعلوا له خلوات ووصلوا به إلى أعلى المقامات والولايات وإن كان فيهم من اختار في الابتداء ( لا إله إلا الله ) وفي الانتهاء ( الله الله ) اهـ
فائدة : يقول الشيخ علي محفوظ في كتابه هذا ص 295 : ( الذكر بالاسم المفرد لا مانع منه شرعا إذا لم يرد نهي عنه من الشارع يفيد كراهته أو تحريمه ) اهـ
-الإمام الغرناطي الكلبي :
قال في تفسيره المسمى التسهيل 1/64 : ( وأما الأسماء التي معناها الاطلاع والإدراك كالعليم والسميع والبصير والقريب وشبه ذلك فثمرتها المراقبة
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فثمرتها شدة المحبة فيه والمحافظة على اتباع سنته
وأما الاستغفار فثمرته الاستقامة على التقوى والمحافظة على شروط التوبة مع إنكار القلب بسبب الذنوب المتقدمة ) اهـ
-الإمام ابن أمير الحاج وابن عابدين :
قال في التقرير والتحبير 1/7 : ( روى هشام عن محمد بن الحسن قال سمعت أبا حنيفة رحمه الله يقول : اسم الله الأعظم هو الله وبه قال الطحاوي وكثير من العلماء وأكثر العارفين , حتى أنه لا ذكر عندهم لصاحب مقام فوق الذكر به وقد علم من هذا وجه تخصيص الحمد به دون غيره من أسمائه تعالى ) اه ونقله ابن عابدين في حاشيته على شرح الحصكفي مستدلا مستحسنا 1/5
فائدة في الاسم الأعظم :
اختلف في اسم الله الأعظم على أقوال كثيرة لكن الذي عليه الأكثر هو أنه لفظ الجلالة ( الله ) قال ابن النجار الفتوحي في شرح الكوكب ص 4 : ( اسم " الله " علم للذات ومختص به فيعم جميع أسمائه الحسنى , وهو اسم الله الأعظم عند أكثر أهل العلم الذي هو متصف بجميع المحامد ) اهـ
وقال الرملي في نهاية المحتاج 1/20 : ( والله علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد , وأكثر أهل العلم على أنه اسم الله الأعظم وقد ذكر في القرآن العزيز في ألفين وثلاثمئة وستين موضعا ) اهـ
وفي شرح الشربيني على متن الغاية 1/24 : ( وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم وقد ذكر في القرآن ... ) اهـ
-الإمام الخادمي الحنفي :
فال الخادمي : ( اعلم أن اسم الجلالة ( الله ) هو الاسم الأعظم عند أبي حنيفة والكسائي والشعبي وإسماعيل بن إسحاق وأبي حفص وسائر جمهور العلماء وهو اعتقاد جماهير مشايخ الصوفية ومحققي العارفين فإنه لا ذكر عندهم لصاحب مقام فوق مقام الذكر باسم الله مجردا قال الله لنبيه : قل الله ثم ذرهم ) اه انظر نور التحقيق لحامد صقر 174
-شيخ الإسلام زكريا الأنصاري :
في طبقات الشعراني الكبرى 1/350 : ( ومنهم شيخ الإسلام الشيخ زكريا الأنصاري الخزرجي أحد أركان الطريقين الفقه، والتصوف، وقد خدمته عشرين سنة فما رأيته قط في غفلة ولا اشتغال بما لا يعني لا ليلا، ولا نهاراً، وكان رضي الله عنه مع كبر سنه يصلي سنن الفرائض قائماً، ويقول لا أعود نفسي الكسل، وكان إذا جاءه شخص، وطول في الكلام يقول: بالعجل ضيعت علينا الزمن، وكنت إذا أصلحت كلمة في الكتاب الذي أقرؤه عليه أسمعه يقول: بخفض صوته ( الله الله ) لا يفتر حتى أفرغ ) اهـ
-الإمام عبد الرؤوف المناوي :
قال في فيض القدير 2/309 : (قالوا وليس للمسافر إلى الله في سلوكه أنفع من الذكر المفرد القاطع من الأفئدة الأغيار وهو الله) اهـ
وقال في الفيض أيضا 3/116 : ( ويقعد فارغ القلب مجموع الهم ولا يفرق فكره بقراءة ولا غيرها بل يجتهد أن لا يخطر بباله شيء سوى ذكر الله فلا يزال قائلا بلسانه : ( الله الله ) على الدوام مع حضور قلبه إلى أن ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية عليه ثم يصير إلى أن ينمحي أثره من اللسان فيصادف قلبه مواظبا على الذكر ثم تنمحي صورة اللفظ ويبقى معنى الكلمة مجردا في قلبه لا يفارقه وعند ذلك انتظار الفتح ) اهـ
وفي شرح حديث أسماء ابنة عميس - قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن عند الكرب ( الله الله ربي لا أشرك به شيئا ) الذي رواه ابن ماجه 2/1277وأبو داود 2/87 - قال المناوي في شرح الحديث في فيض القدير 1/286: ( الله الله ) وكرره استلذاذا بذكره واستحضارا لعظمته وتأكيدا للتوحيد فإنه الاسم الجامع لجميع الصفات الجلالية والجمالية والكمالية ) اهـ
-الإمام ابن عجيبة شارح الحكم :
قال في شرح الحكم ص 201 : ( والنار التيتحرقالبشريةهيمخالفةالهوىوتحملالنفسمايثقلعليهاك الذلوالفقرونحوهما معدوامذكرالاسمالمفردفكلمافنىفيهذابتبشريتهوقويتروحا نيتهحتىتستوليعلى بشريتهفحينئذيكونالحكملهافتغيبفينورمذكورهاوتغرقفيشه ودعظمةمحبوبهافحينئذ يحصلالوصالويتحققالفناءفيذيالعظمةوالجلال ) ا هـ
وفي تفسيره البحر المديد 6/476 : ( واذكر اسم ربك ، أي : استغرق أنفاسك في ذكر اسمه الأعظم ، وهو الاسم المفرد؛ الله الله ، فتكثر منه بكرة وأصيلاً ، وآناء الليل والنهار ) اهـ
وفي تجريد ابن عجيبة على شرح متن الآجرومية ص15 : ( فالاسم المفرد ( الله ) هو سلطان الأسماء، وهو اسم الله الأعظم، ولا يزال المريد يذكره بلسانه ويهتز به حتى يمتزج بلحمه ودمه، وتسري أنواره في كلياته وجزئياته... فينتقل الذكر إلى القلب ثم إلى الروح ثم إلى السر، فحينئذ يخرس اللسان ويصل إلى الشهود ) اهـ
-الإمام الرملي :
في فتاوى الرملي 4/392سئل ) : عن قول الشيخ العيدروس السيد العارف بالله تعالى عبد الله قدس الله روحه وسره في كتابه الكبريت الأحمر : أجمع العارفون على أن أفضل العبادات مع الله الأنفاس أعني أن يكون خروجها ودخولها بذكر الجلالة ولو قولك : ( الله الله ) أو ذكر لا إله إلا الله وهو الذكر الخفي الذي لم تتحرك به الشفتان أعني أفضل العبادات حفظ الأنفاس كونها الأنفاس الهوائية الجسمانية يكون دخولها وخروجها على أفضل الرضا والذكر ; لأنها جواهر الأعمار المثمرات للأسرار والأنوار وهذا معدود من المقامات . ا هـ كلامه .
فهل هذا النقل عن إجماع العارفين صحيح أو لا ؟ فإن قلتم نعم فقد صرح النووي في أذكاره بأن الأفضل الذكر باللسان والقلب جميعا ثم ما كان بالقلب وقد ذكر ما بالقلب غيره أيضا ؟
وما الفرق بين الكلامين وهل المراد بحفظ الأنفس إعمال النفس في الذكر عند خروج النفس ودخوله أو مجرد ذكر القلب من غير تحريك النفس بذلك خروجا ودخولا بينوا لنا بيانا شافيا آجركم الله أجر المحسنين ؟
( فأجاب ) : بأن النقل عن إجماع العارفين صحيح ومعناه ظاهر ولكن هذا مقام الكمل , وما ذكره النووي هو مقام دون هذا المقام ) اهـ
-الإمام ابن حجر الهيتمي :
في الفتاوى الحديثية ص 72 : ( ذكر لا إله إلا الله أفضل من ذكر الجلالة مطلقا هذا بلسان أهل الظاهر وأما عند أهل الباطن فالحال يختلف باختلاف أحوال السالك فمن هو في ابتداء أمره ومقاساته لشهود الأغيار وعدم انفكاكه عن التعلق بها وعن إرادته وشهواته وبقائه مع نفسه يحتاج إلى إدمان الإثبات بعد النفي حتى يستولي عليه سلطان الذكر وجواذب الحق المرتبة على ذلك
فإذا استولت عليه تلك الجواذب حتى أخرجته عن شهواته وإرادته وحظوظه وجميع أغراض نفسه صار بعيدا عن شهود الأغيار واستولى عليه مراقبة الحق أو شهوده فحينئذ يكون مستغرقا في حقائق الجمع الأحدي والشهود السرمدي فالأنسب بحاله الإعراض عما يذكره الأغيار والاستغراق فيما يناسب حاله من ذكر الجلاله فقط لأن ذلك فيه تمام لذته ودوام مسرته ونعمته ومنتهى إربه ومحبته
بل إذا وصل السالك إلى هذا المقام وأراد قهر نفسه إلى الرجوع إلى شهود غيره حتى ينفيه أو يتعلق به خاطر لا تطاوعه نفسه المطمئنة لما شاهدت من الحقائق الوهبية والمعارف الذوقية والعوارف اللدنية . ) اهـ
-الإمام مرتضى الزبيدي :
قال في إتحاف السادة المتقين 8/453 : ( ... قائلا بلسانه مراقبا بقلبه ( الله الله الله ) على الدوام مع حضور القلب وهو ذكر من غلب عليه الجذب قبل السلوك وهو اختيار طائفة منهم
أو يقول ( لا إله إلا الله ) وهو ذكر من غلب عليه السلوك قبل الجذب واختاره طائفة منهم وكلاهما موصلان لكن حضور القلب شرط في الكل ) اهـ
وقال في الإتحاف أيضا 8/702 : ( فيجلس ويقول ( الله الله الله ) أو ما يراه الشيخ من الكلمات المناسبة لحاله في سلوكه فمن غلب عليه الجذب فهذه ذكره ومن غلب عليه السلوك فالمناسب له النفي والإثبات كما تقدمت الإشارة إليه ) اهـ
-الإمام البناني :
قال الشيخ علي محفوظ في كتابه ( مضار الابتداع ) ص 294 عن البناني : ( اعلم أن ذكر الاسم المفرد المعظم مجردا عن التركيب بجمله , وهو قول : ( الله الله ) مما تداولته السادات الصوفية واستمعلوه بينهم ... ) اهـ
-الإمام الشهاب الخفاجي وحكايته ذلك عن العلماء والصلحاء والقسطلاني والمرصفي والخلوتي والبكري وغيرهم :
قال في شرحه لشفاء القاضي عياض معترضا على كلام العز بن عبد السلام الآتي في بدعية الذكر بالاسم المفرد : ( ذكر الله ورد الأمر به ووعد ذاكره بالثواب في آيات وأحاديث ... ولم يقيد بقيد مع أن الذاكر قصده التعظيم والتوحيد فهو إذا قال ( الله ) ملاحظا لمعناه فكأنه قال : معبودي واجب الوجود مستحق لجميع المحامد .
ولم يزل أهل الله من الصلحاء والعلماء يفعلونه من غير نكير , وإن الأستاذ البكري يفعله ويقول : أستغفر الله مما سوى الله وفي مجلسة أجلة العلماء والمشايخ وهذا هو الحق وقد صُنف في مقالة ابن عبد السلام عدة رسائل رأيناها وممن صنف فيها القطب القسطلاني والعارف المرصفي والشيخ عبد الكريم الخلوتي وبه أفتى من عاصرناه ) اهـ
-الشيخ ابن البيطار :
قال في كتابه حلية البشر بتاريخ القرن الثالث عشر 1/387 : ( لا بد للمريد السالك إن كان مراده الوصول، إلى مراتب أهل الحصول، من الاشتغال بالذكر دائماً بأي نوع كان من الأذكار، وأعلاها الاسم الأعظم وهو قولك ( الله الله ) لا يزيد عليه شيئاً، لأن الله ما وصف بالكثرة شيئاً إلى الذكر، وما أمر بالكثرة من شيء إلا من الذكر، فقال " والذاكرين الله كثيراً والذاكرات " ) اهـ
-الشيخ إسماعيل حقي :
قال في تفسيره روح البيان 2 15/240 : ( وأما ما قال بعض الكبار من أن الذكر بلا اله إلا الله أفضل من الذكر بكلمة (الله الله) و ( هو هو ) من حيث إنها جامعة بين النفي والإثبات ومحتوية على زيادة العلم والمعرفة فبالنسبة إلى حال المبتدى , فكلمة التوحيد تظهر مرآة النفس بنارها فتوصل السالك إلى دائرة القلب وكلمة ( الله ) تنور القلب بنورها فتوصل إلى دائرة الروح وكلمة ( هو ) تجلى الروح فتوصل من شاء الله إلى دائرة السر ) اهـ
وفي تفسيره أيضا 15/240 : ( فذكر دائرة النفس ( لا اله إلا الله )
فإما أن يهب الله له الإنصاف والندامة على تقصيراتها والميل إلى التدارك لما فات من المهمات فهي اللوامة للومها صاحبها بل نفسها على سوء عملها فذكر هذه الدائرة ( الله الله ) ويقال لها دائرة القلب لانقلابها إلى جانب الحق
وإما أن تطمئن إلى الحق وتستقر في الطاعة وتتلذذ بالعبادة فهي المطمئنة لاطمئنانها تحت أمر الله بحب الله ويقال لهذه الدائرة دائرة الروح لاستراحتها بعبادة الله وذكره وتلذذها بشكره وذكر هذه الدائرة ( هو هو ) اهـ
-الشيخ أنور شاه الكشميري :
في شرحه على الترمذي المسمى بالعرف الشذي 3/112 : ( قوله : ( الله الله إلخ ) قال العلماء : إن روح الدنيا : لا إله إلا الله ، فإذا خرج الروح تفسد الدنيا ، وأقول : هذا يدل على أن الله الله مفرد أيضاً ذكر ، وكذلك في القرآن العزيز { قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } [ الأنعام : 91 ] الآية ، وقال الحافظ ابن تيمية : إن الله مفرداً ليس بذكر ، وتأول في مثل هذا بالحذف أو التقدير . ) اهـ
-وسيأتي كلام الشيخ العلاوي والشيخ سعيد حوى وغيرهم إن شاء الله
المبحث الثالث :
ذكر بعض من قال بعدم المشروعية
-الإمام العز بن عبد السلام :
في مواهب الجليل 6/290 وفتاوى عليش 1/14: ( وسئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام : عن الرجل يذكر فيقول ( الله الله ) ويقتصر على ذلك هل هو مثل قوله سبحان الله والحمد الله والله أكبر وما أشبه ذلك أم لا وإذا لم يكن بمثابته فهل هو بدعة لم تنقل عن السلف أم لا ؟
فأجاب : هذه بدعة لم تنقل عن الرسول ولاعن أحد من السلف وإنما يفعله الجهلة والذكر المشروع كله لا بد أن يكون جملة فعلية أو اسمية وهو مأخوذ من الكتاب والسنة وأذكار الأنبياء والخير كله في أتباع الرسول وأتباع السلف الصالحين دون الأغبياء من الجاهلين ) اهـ
لكن هناك قول آخر للإمام العز بن عبد السلام وهو ما ذكره الشعراني في الأنوار القدسية ص 72 حيث قال : ( كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول : اختلف العلماء في أيما أفضل قول العبد : ( الله الله الله ) أو ( لا إله إلا الله ) فذهب قوم من الصوفية إلى أن ذكر الجلالة أفضل للمبتدئ وذهب جمهور الصوفية والمحدثين والفقهاء إلى أن لا إله إلا الله أفضل للمبتدئ والمنتهي وذهب قوم إلى أن لا إله إلا الله ذكر المبتدئ وقول الله الله فقط ذكر المنتهي ولكل من الأقوال الثلاثة وجه انتهى ) إنتهى كلام الشعراني
ولعل القول الأول من الإمام العز كان في أول الأمر قبل أن يصحب الصوفية ثم لما صحبهم صار يثني عليهم ويمدحهم كما ذكر ذلك عنه الإمام السبكي في طبقاته الكبرى والإمام المناوي في طبقاته الكبرى أيضا ويشهد لذلك كلام العز المبثوث في قواعده وغيرها من كتبه
-الإمام تقي الدين ابن تيمية :
قال ابن تيمية كما في الفتاوى 10/556 وما بعدها : (... فأما الاسم المفرد مظهرا مثل : الله الله أو مضمرا مثل : هو هو فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنة ولا هو مأثور أيضا عن أحد من سلف الأمة ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم ... وربما غلا بعضهم في ذلك حتى يجعلوا ذكر الاسم المفرد للخاصة وذكر الكلمة التامة للعامة وربما قال بعضهم لا إله إلا الله للمؤمنين و الله للعارفين وهو للمحققين ...
فإن قيل : فالذاكر أو السامع للاسم المجرد قد يحصل له وجد محبة وتعظيم لله ونحو ذلك قلت : نعم ويثاب على ذلك الوجد المشروع والحال الإيماني لا لأن مجرد الاسم مستحب وإذا سمع ذلك حرك ساكن القلب وقد يتحرك الساكن بسماع ذكر محرم أو مكروه ...
وأبعد من ذلك ذكر الاسم المضمر وهو : هو فإن هذا بنفسه لا يدل على معين وإنما هو بحسب ما يفسر من مذكور أو معلوم فيبقى معناه بحسب قصد المتكلم ونيته ...
فإن قيل : إذا لم يكن هذا الذكر مشروعا فهل هو مكروه ؟ قلت : أما في حق المغلوب فلا يوصف بكراهة فإنه قد يعرض للقلب أحوال يتعسر عليه فيها نطق اللسان مع امتلاء القلب بأحوال الإيمان وربما تيسر عليه ذكر الاسم المجرد دون الكلمة التامة وهؤلاء يأتون على ما في قلوبهم من أحوال الإيمان وما قدروا عليه من نطق اللسان ...
وأما مع تيسر الكلمة التامة فالاقتصار على مجرد الاسم مكررا بدعة والأصل في البدع الكراهة , وما نقل عن أبى يزيد والنوري والشبلي وغيرهم من ذكر الاسم المجرد فمحمول على أنهم مغلوبون فإن أحوالهم تشهد بذلك مع أن المشايخ الذين هم أصح من هؤلاء وأكمل لم يذكروا إلا الكلمة التامة ) اهـ
وقوله : محمول على أنهم مغلوبون يخالفه ما تقدم ذكره من الروايات عن الشبلي , وقوله : أن المشايخ الأكمل لم يذكروا إلا الكلمة التامة يخالفه أيضا ما تقدم عن الجنيد سيد الطائفة وغيره
وقال أيضا في درء تعارض العقل والنقل 8/535 : ( فأما مجرد ذكر الاسم المفرد وهو قول القائل ( ( الله الله ) فلم تأت به الشريعة وليس هو كلاما مفيدا إذ الكلام المفيد أن يخبر عنه بإثبات شيء أو نفيه ) اهـ
-الإمام ابن قيم الجوزية :
وقال ابن القيم في طريق الهجرتين 498 : ( فإن الذكر بالاسم المفرد غير مشروع أصلا ... وبالغ بعضهم في ذلك حتى قال الذكر بالاسم المضمر أفضل من الذكر بالاسم الظاهر فالذكر بقوله هو هو بالاسم المضمر أفضل من الذكر بقولهم الله الله ) اهـ
-الإمام الخطيب الشربيني :
في طبقات المناوي الكبرى 4/129 : في ترجمة كريم الدين الخلوتي : ( أنكر عليه في حياته فقيه الشافعية الشيخ شمس الدين الخطيب الشربيني في الابتداء بالذكر بالجلالة وقال : هو مبتدأ ولا بد لكل مبتدأ من خبر
فعمل الشيخ في الرد عليه رسالة حاصلها : أن القوم ما زالوا على هذا المنوال ووجدوا بركته وتأثيره وأن الخبر محذوف تقديره المعبود أو المطلوب أو الموجود ونحو ذلك مما يلائم حال العامي أو مقام السالك
وفي الحقيقة هو اعتراض لا ينبغي جوابه إلا بالسكوت لكونه أوهى من بيت العنكبوت ولو أحب من هو دون الشيخ أن يجمع في رده مجلدا ضخما لأمكنه ذلك ) اهـ
-الإمام الصنعاني :
قال في تطهير الاعتقاد ص 48 : ( أما المتسمون بالمجاذيب الذين يلوكون لفظ الجلالة بأفواههم ويقولونها بألسنتهم ويخرجونها عن لفظها العربي فهم من أجناد إبليس اللعين !!!، ومن أعظم حمر الكون !!! الذين ألبستهم الشياطين حلل التلبيس والتزيين ... ) اه
أقول : ما كان ينبغي للشيخ أن يكتب تلك الألفاظ , لكن سبحان من له الكمال !!
المبحث الرابع
ذكر من قال إن ذلك ليس بذكر , ومن قال يثاب فاعله ولو لم يكن ذكرا
من أهل العلم من قال إن الاسم المفرد ليس بذكر ولكنه جائز ومنهم من قال مع كونه ليس بذكر إلا أن من قاله يؤجر على ذلك لحسن قصده
في فتاوى الرملي 4/357 : ( سئل : عن قول القائل في مجلس الذكر ( الله الله ) في حال صَحْوِهِ هل يسمى ذكرا أو لا ؟ فأجاب : بأنه لا يسمى ذكرا عرفا لعدم إفادته لكنه يثاب لقصد الذكر ) اهـ
وفي حاشية الرشيدي على نهاية المحتاج 1/ 132 : ( قوله : ذكر الله ) أي ما يثاب عليه المشتغل به ثواب الذاكر كما هو صريح عبارته التي تبع في صدرها الجلال المحلي , فشمل ذلك القرآن وبعضه , والجمل التي فيها ثناء على الله تعالى
وخرج به اسم الله تعالى مفردا بناء على أنه ليس بذكر , وكذلك ما عطف عليه , ولهذا قال ويلحق بذلك فتأمل ) اهـ
وقد تقدم معنا قول ابن تيمية : ( فإن قيل : فالذاكر أو السامع للاسم المجرد قد يحصل له وجد محبة وتعظيم لله ونحو ذلك
قلت : نعم ويثاب على ذلك الوجد المشروع والحال الإيماني لا لأن مجرد الاسم مستحب وإذا سمع ذلك حرك ساكن القلب ) اهـ
المبحث الخامس
أدلة من قال بعدم المشروعية
أولا : أن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والسلف قال ابن تيمية كما في الفتاوى 10/556: (فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنة ولا هو مأثور أيضا عن أحد من سلف الأمة ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم ) اهـ
وقال الصنعاني في تطهير الاعتقاد ص 48 : ( ثم انظر هل أتى في لفظة من الكتاب والسنة ذكر الجلالة بانفرادها وتكريرها ؟ أو الذي في الكتاب والسنة هو طلب الذكر والتوحيد والتسبيح والتهليل، وهذه أذكار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعيته وأدعية آله وأصحابه خالية عن هذا الشهيق والنهيق والنعيق !!! الذي اعتاده الذي من هو عن الله وعن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمته ودله في مكان سحيق ) اهـ
وقد تقدم أن قلنا : ما كان ينبغي للشيخ أن يكتب تلك الألفاظ , لكن سبحان من له الكمال !!
وأجيب :
بأن ذلك وارد في الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة والسلف كما سيأتي وعلى فرض عدم الورود فإن مجرد الترك لا يدل على المنع ما دام الأمر داخلا في أصول الشريعة العامة والذكر بالاسم المفرد داخل في عموم الذكر والأمر راجع إلى ما يسمى بالبدعة الإضافية وللفقير بحث عن البدعة الإضافية بين المجيزين والمانعين
ثانيا : أن الذكر بالاسم المفرد ليس مفيدا لمعنى من المعاني بخلاف سبحان الله ونحوها من الأذكار والشرع لم يشرع من الذكر إلا ما كان يؤدي معنى من المعاني قال ابن تيمية كما في الفتاوى 10/556: ( الشرع لم يستحب من الذكر إلا ما كان كلاما تاما مفيدا مثل لا إله إلا الله ومثل الله أكبر ومثل سبحان الله والحمد لله ومثل لا حول ولا قوة إلا بالله ) اهـ
وقال كما في مجموع الفتاوى 10/226 : ( وأما الاسم المفرد مظهرا أو مضمرا فليس بكلام تام ولا جملة مفيدة ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهى ولم يذكر ذلك أحد من سلف الأمة ولا شرع ذلك رسول الله ولا يعطى القلب بنفسه معرفة مفيدة ولا حالا نافعا
وإنما يعطيه تصورا مطلقا لا يحكم عليه بنفي ولا إثبات فان لم يقترن به من معرفة القلب وحالة ما يفيد بنفسه وإلا لم يكن فيه فائدة والشريعة إنما تشرع من الأذكار ما يفيد بنفسه لا ما تكون الفائدة حاصلة بغيره ) اهـ
وقال الصنعاني في تطهير الاعتقاد ص 48 : ( فإن إطلاق الجلالة منفردا عن إخبار عنها بقولهم ( الله الله ) ليس بكلام ولا توحيد، وإنما هو تلاعب بهذا اللفظ الشريف بإخراجه عن لفظه العربي ثم إخلاؤه عن معنى من المعاني ولو أن رجلا عظيما صالحا يسمى بزيد وصار جماعة يقولون ( زيد زيد ) لعد ذلك استهزاء وإهانة وسخرية، ولا سيما إذا زادوا إلى ذلك تحريف اللفظ ) اهـ
وأجيب :
- باندفاع ذلك بالتقدير كما تقدم في كلام الإمام المناوي , قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 2/63 : ( لأن هذا الذكر المبتدع الذي هو لا يفيد بنفسه إلا أنه مطلقا ليس فيه بنفسه ذكر لله إلا بقصد المتكلم ) اهـ
- وبمنع كون الشرع لم يشرع من الذكر إلا ما كان تام المعنى بما سيأتي من الآيات والأحاديث والآثار إن شاء الله
- وأما قول الصنعاني بأن تكرار الاسم المفرد فيه استهزاء فهو قياس مع الفارق فإن الشخص لو كررت له قولك : ( أنت قوي ) مرات لعد ذلك استهزاء , يقول الشيخ سعيد حوى في كتابه تربيتنا الروحية ص 246 : ( من ذكر أي اسم لله عز وجل فقد ذكر الله .إن بعضهم يغالط في هذا المقام فيقول : لو أنك بدأت تذكر اسم إنسان ( فلان فلان فلان ) و ( يافلان يا فلان يا فلان ) فإنه يتضايق من ذلك ، ولا يكون لفعلك معنى، وهذا قياس خاطئ ، فإن ذكر الله مطلوب، ونفع ذلك لنا كبير وكثير، إذ إن ذكر الله هو الذي يوقظ قلوبنا ويحييها ، فأن تقول: ( الله الله الله ) فذلك ذكر لله ، وذكر نافع لقلوبنا، لتبقى متذكرة ربها ، إن ذكر الله يتحقق بذكر أسمائه كلها ... ) اهـ
ثالثا : أن الذكر بالاسم المفرد لا يدخل به الكافر في الإسلام قال ابن تيمية كما في الفتاوى 10/ 561 –562 : ( وكذلك بالأدلة العقلية الذوقية فإن الاسم وحده لا يعطى إيمانا ولا كفرا ولا هدى ولا ضلالا ولا علما ولا جهلا ... ولو كرر الإنسان اسم الله ألف ألف مرة لم يصر بذلك مؤمنا ولم يستحق ثواب الله ولا جنته فإن الكفار من جميع الأمم يذكرون الاسم مفردا سواء أقروا به وبوحدانيته أم لا ) اهـ
وقال ابن القيم في طريق الهجرتين 498 : ( ... ولا مفيد شيئا ولا هو كلام أصلا ولا يدل على مدح ولا تعظيم ولا يتعلق به إيمان ولا ثواب ولا يدخل به الذاكر في عقد الإسلام جملة فلو قال الكافر الله الله من أول عمره إلى آخره لم يصر بذلك مسلما فضلا عن أن يكون من جملة الذكر أو يكون أفضل الأذكار ) اهـ
وأجيب :
بأن : سبحان الله والحمد لله لا يدخل بها الكافر في الإسلام ولا تحل بها الذبيحة وهي متفق على مشروعية الذكر بها بل لو قال الكافر لا إله إلا العزيز لم يدخل في الإسلام كما قرره الفقهاء فلا تلازم بين كون اللفظ ذكرا وكونه يصلح به الدخول للإسلام وتحل به الذبيحة
المبحث السادس
أدلة من قال بالمشروعية
لمن قال بالمشروعية أدلة من الكتاب والسنة والنظر :
أما الكتاب فآيات ومنها :
- قول الله تعالى : ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ... )
- وقوله سبحانه : ( ... والذاكرين الله كثيرا والذاكرات ... )
- وقوله عز وجل : ( ...واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار )
- وقوله تعالى : ( ... اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا )
- وما شابهها من الآيات
ووجه الاستدلال بهذه الآيات :
أن الذكر بالاسم المفرد داخل في ذكر الله دخولا أوليا لأن من قال لك : اذكر فلان فيصح أن تذكره بالاسم المجرد فتقول فلان ويصح أن تذكره بلفظ مركب فتقال فلان كذا وتذكر له صفة أو نحوها فما هو الذي أخرج الذكر بالاسم المفرد عن هذه الآيات ؟ مع أنه داخل فيها دخولا أوليا
أما إذا قيل لك اذكر اسم فلان فلا يتبادر إلى الذهن سوى ذكر الاسم المجرد والأمر بذكر الاسم وارد في القرآن ومن ذلك :
- قوله تعالى : ( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا )
- وقوله تعالى : (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا )
- وقوله تعالى : ( ومن أظلم ممن متع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه )
- وقوله تعالى : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه )
- وقوله تعالى : ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات )
قال الشيخ ابن البيطار في كتابه حلية البشر بتاريخ القرن الثالث عشر 1/387 : ( وما أتى الذكر قط إلا بالاسم " الله " خاصة معرى عن التقييد فقال: " اذكروا الله ذكراً كثيراً " وما قال بكذا وقال : " ولذكر الله أكبر " ولم يقل بكذا وقال : " حتى لا يبقى على وجه الأرض من يقول : الله الله " فما قيده بأمر زائد على هذا اللفظ ) اهـ
وقال الشيخ سعيد حوى في كتابه تربيتنا الروحية ص246 : ( من قال : ( الله ) فقد ذكر الله عز وجل ، وحقق الأمر القرآني: [وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ] {المزمل:8} ، فاسم ربنا هو الله ، فمن ذكره فقد ذكر الله بلا شك ولا ريب، ومن نازع في ذلك فإنه مخطئ .) اهـ
وقد يدخل في ذكر اسم الله الاسمُ المضاف إليه صفة أو نحوها , لكن دخول ذلك فيه دخول ثانوي أو قل مجازي أو قل يحتاج إلى قرينة , كما في قوله تعالى : ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) فليس المراد أن يقال : ( الله ) فقط , بل المراد التسمية
وأما السنة فأحاديث ومنها :
1-حديث أنس رضي الله عنه :
ففي صحيح مسلم 1/131 : ( عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : ( الله الله ) اهـ
وفي لفظ لمسلم 1/131 : ( لا تقوم الساعة على أحد يقول : ( الله الله ) اهـ
قال الإمام النووي في شرح مسلم 2/178 : ( قوله صلى الله عليه وسلم على أحد يقول ( الله الله ) هو برفع اسم الله تعالى وقد يغلط فيه بعض الناس فلا يرفعه
واعلم أن الروايات كلها متفقة على تكرير اسم الله تعالى في الروايتين وهكذا هو في جميع الأصول قال القاضي عياض رحمه الله : وفى رواية بن أبى جعفر يقول : لا إله إلا الله , والله سبحانه وتعالى أعلم ) اهـ
وقال ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 5/226 : ( أي لا يُذكَرُ الله فلا يبقى حكمة في بقاء الناس، ومن هذا يُعرَفُ أن بقاء العالم ببركة العلماء العاملين والعُبَّاد الصالحين وعموم المؤمنين، وهو المراد بما قال الطيبي رحمه الله: معنى حتى لا يُقالَ الله، الله حتى لا يُذكَرَ اسمُ الله ولا يُعبَد ) اهـ
2-حديث حذيفة رضي الله عنه :
في مستدرك الحاكم 4/548 : ( عن سعد بن حذيفة قال : رفع إلى حذيفة عيوب سعيد بن العاص فقال ما أدري أي الأمرين أردتم تناول سلطان قوم ليس لكم أو أردتم رد هذه الفتنة فإنها مرسلة من الله ترتعي في الأرض حتى تطأ خطامها ليس أحد رادها ولا أحد مانعها وليس أحد متروك يقول : ( الله الله ) إلا قتل ) اهـ
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه , وقال الذهبي في التلخيص : صحيح
وهذا وإن كان موقوفا فله حكم الرفع لأنه لا يقال من قبيل الرأي وحذيفة رضي الله عنه راوية أحاديث الفتن
3-حديث ابن عمر رضي الله عنه :
في الجواب الكافي لابن القيم ص 31 : ( روى ابن أبي الدنيا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبه, ووزراء فجرة, و أعوانا خونة, وعرفاء ظلمة, وقراء فسقة سيماهم سيما الرهبان , وقلوبهم أنتن من الجيف, أهواؤهم مختلفة فيتيح الله لهم فتنة غبراء مظلمة فيتهاوكون فيها
والذي نفس محمد بيده لينقضن الإسلام عروة عروة حتى لا يقال : ( الله الله ) اهـ
4-حديث علي رضي الله عنه :
في مستدرك الحاكم 4/596 : ( عن محمد بن الحنفية قال : كنا عند علي رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدي فقال علي رضي الله عنه هيهات ثم عقد بيده سبعا فقال ذاك يخرج في آخر الزمان إذا قال الرجل : ( الله الله ) قتل ... ) اهـ
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه , قال الذهبي في التلخيص : على شرط البخاري ومسلم
5-حديث ابن مسعود رضي الله عنه :
في مستدرك الحاكم 4/539 : ( عن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : ( الله الله ) اهـ
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه , قال الذهبي في التلخيص : على شرط البخاري ومسلم
6-حديث ابن عباس رضي الله عنه :
في الفتن لأبي عمرو الداني 4/827: ( عن ابن عباس قال : لا تقوم الساعة وواحد يقول : ( الله الله ) اهـ
7-حديث أنس رضي الله عنه :
قال الجصاص في أحكام القرآن 5/380: ( حدثنا عبد الباقي قال حدثنا إسماعيل بن الفضل قال حدثنا العباس بن أبي طالب قال حدثنا حجاج قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن ثمامة عن أنس قال :
قال النبي صلى الله عليه وسلم من رأى شيئا أعجبه فقال : ( الله الله ) ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره شيء ) اهـ
8-قصة بلال رضي الله عنه :
ففي مصنف عبد الرزاق 11/234 وشعب البيهقي 2/238 وتاريخ ابن عساكر 10 /443 والاستيعاب لابن عبد البر 1/181 : ( عن معمر عن عطاء الخراساني قال : كنت عند سعيد بن المسيب فذكر بلالا رضي الله تعالى عنه فقال: كان شحيحا على دينه و كان يعذب في الله عز وجل ، و كان يعذب على دينه فإذا أراد المشركون أن يقاربهم قال : ( الله الله ) اهـ
وفي مصنف ابن أبي شيبة 6/396 ومسند أحمد 1/404 وسنن ابن ماجه 1/53 وصحيح ابن حبان 15/558 ومستدرك الحاكم في 3/320 : ( عن ابن مسعود قال : ... فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول : ( أحد أحد ) اهـ
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي في التلخيص : صحيح وقال البوصيري في مصباح الزجاجة 1/23 : هذا إسناد رجاله ثقات
9- شعار الصحابة في غزوة بدر :
في سيرة ابن هشام 3/182: ( وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر: أحد أحد ) اهـ
وإذا لاحظنا في هذين الأثرين كون ذلك في العهد النبوي فهما من المرفوع
فإن قيل : إن الأحاديث السابقة ليس المراد بها إفراد اسم الله وإنما هناك تقدير في الكلام مثل يا الله أو لا إله إلا الله أو سبحان الله أو نحو ذلك
فالجواب : أن التقدير لا يظهر في الأحاديث وإن سلمنا أنها كلها فيها تقدير فيقال : إن ذكر الذاكر بالاسم المفرد هو كذلك , ففيه تقدير بحسب الحال وعلى فرض عدم التقدير فلا مانع من ذلك
وإن قيل : إن المقصود بالحديث حتى لا يبقى من يؤمن بالله
فالجواب : أن تكرار اللفظ يدل على إرادة الذكر قال الشيخ العلاوي في رسالته في الاسم المفرد ص 19 : ( وأبلغ شاهد يعتمد عليه في هذا الحديث هو مجيء لفظ الجلالة مكررا فكان صريحا في إرادته ذكر ذلك الاسم أما لو جاء غير مكرر لاحتمل أن يكون المراد به : حتى لا يبقى على وجه الأرض من يعتقد وجود الله أما مع وجود التكرار فلا احتمال ) اهـ
وإن قيل : إن بعض ما ذكر في الأحاديث والآثار هو في تكرار الاسم المفرد وليس في الذكر بالاسم المفرد
فالجواب : أنه لا فرق فإذا دلت الأحاديث والآثار على جواز تكرار الاسم المفرد فلا فرق بين أن يكون التكرار للذكر أو لغير الذكر
قال الشيخ علي محفوظ في كتابه ( مضار الابتداع ) ص 294 عن البناني : ( اعلم أن ذكر الاسم المفرد المعظم مجردا عن التركيب بجمله , وهو قول : ( الله الله ) مما تداولته السادات الصوفية واستعملوه بينهم ...
إلى إن قال : وفي الصحيح لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : ( الله الله ) وهو شاهد في الجملة بذكر هذا الاسم وحده لا سيما على رواية النصب ولا نزاع في جواز التلفظ بالاسم الكريم وحده فأي مانع أن يكرره الإنسان مرات كثيرة
وكونه لم ينقل عن السلف لا يقتضي منعه ولا كراهته وكم أشياء لم تكن في عهد السلف مع أنها جائزة ) اهـ
وأما النظر :
فإن التفكر في معاني أسماء الله تعالى وصفاته مشروع , والمكرر لاسم الجلالة ( الله ) إنما هو يتفكر في معاني أسماء الله تعالى , فكلما قال : ( الله ) فإنه يتذكر معنى اسم من أسماء الله أو صفة من صفاته .
وإذا كرر اسما آخر من أسمائه تعالى مثل ( العليم ) فإنه يظل يتفكر في معنى ذلك الاسم كلما ذكره , هذا كله لمن يذكر بحضور القلب رزقنا الله ذلك
فإن قيل : بما أنه يوجد من قال بكراهة الذكر بالاسم المفرد فالأحوط إذن هو اجتنابه
فالجواب : أن اجتناب ما اختلف في كراهته احتياطا إنما يكون إذا كان الخلاف دائرا بين الكراهة والإباحة أما إذا كان الخلاف دائرا بين كراهته واستحبابه فليس من الأحوط حينئذ اجتنابه بل من الأحوط فعله , قال الأجهوري في شرحه على خليل : ( قال المواق : ما اختلف في ندله وكراهته ففعله أفضل , وهكذا ما اختلف في سنيته وكراهته لا يكون أحط رتبه من المباح بل نصوا على ما اختلف في مشروعيته أنه أرفع درجة من المباح ) اهـ من رسالة العلاوي في الاسم المفرد ص 20
فائدة :
كتاب العلاوي في الذكر بالاسم المفرد قرظ له طائفة كبيرة من علماء المغرب العربي ومؤلفه هو أحمد بن مصطفى العلاوي
تنبيه مهم :
استدلال بعضهم على الذكر بالاسم المفرد بقوله تعالى : ( قل الله ثم ذرهم ..) -كما تقدم عن الشبلي والرازي والخادمي وغيرهم - لا يصح لأن ذلك في الآية كان جوابا على سؤال وارد في أولها وهو ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ... قل الله ثم ذرهم ... )
ولا شك أن هؤلاء الأئمة لم يخف عليهم ذلك لكن لعل ذلك كان منهم على سبيل ما يسمى بالتفسير الإشاري , ثم وقفت على كلام لابن عجيبة في أن ذلك منهم كان على سبيل التفسير الإشاري قال ابن عجيبة في شرح الحكم ص 366 : ( كثيرا ما يستدل الصوفية بهذه الآية [ قل الله ثم ذرهم ] على الانقطاع إلى الله والغيبة عما سواه وهو تفسير إشاري لا تفسير معنى اللفظ لأنها نزلت في الرد على اليهود حيث قالوا : ( ما أنزل الله على بشر من شيء ) فقال لهم الحق تعالى ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ) فلما لم يجيبوا قال الله لنبيه ( قل الله ) أي قل لهم أنزله الله ثم لا تجادلهم بل ذرهم في خوضهم يلعبون
والصوفية -رضي الله عنهم - يقرون الظاهر ويقتبسون إشارات خفية لا يعرف مقصودهم غيرهم ولذلك رد عليهم بعض المفسرين حيث لم يعرف قصدهم ( قد علم كل أناس مشربهم )
وأما ذكر هذا الاسم باللسان مجردا ففيه ثلاثة أقوال :
احدها الجواز مطلقا والثاني الكراهة مطلقا والثالث التفصيل يجوز لأهل النهايات دون أهل البدايات والمشهور الأول ) اهـ
وقال ابن عجيبة أيضا حول استدلال القوم بهذه الآية في شرح الحكم ص 80 : ( ثم تلا الشيخ هذه الآية ( قل الله ثم ذرهم ... ) على طريق أهل الإشارة , قل : الله بقلبك وروحك وغب عما سواه ثم ذر الناس أي اتركهم في خوضهم يلعبون أي يخوضون في السوى لاعبين في الهوى , وقد اعترض بعض المفسرين على الصوفية استشهادهم بهذه الآية ولم يفهم مرادهم , قد علم كل أناس مشربهم ... ) اهـ
تنبيه آخر مهم
روى الترمذي في سننه 5/462 : ( عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أفضل الذكر لا إله إلا الله ) اهـ
قال الحاكم في المستدرك 1/676 : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه , وصححه ابن حبان 3/126
وعليه فما نقله الرازي وابن عطاء الله عن بعضهم من تفضيل الذكر بالاسم المفرد على الذكر بلا إله إلا الله غير صحيح , وأما استدلالهم على ذلك بـ :
1- أن نفي الغير عدم لأن النفي عدم
2- أن الذاكر حين ينطق بالنفي لعله لا يمهل ليصل إلى الإثبات
3- أن الاشتغال بنفي الأغيار دليل على شغل القلب بالأغيار
4- أن نفي الشيء إنما يحتاج إليه عند خطور ذلك الشيء بالبال
5- أنه ( أي لفظ الله ) المقصود فهو بالذكر أولى
6- أنه أسهل على اللسان وأقرب لإحاطة القلب به
7- أن نفي العيب عمن يستحيل عليه العيب عيب
فهذه الاستدلالات أقيسة في مقابلة النص فهي فاسدة الاعتبار , بل بعضها غير مقبول كقولهم : إن نفي العيب عمن يستحيل عليه العيب عيب , فنحن بالتسبيح ننزه الله تعالى عن كل نقص وعيب وليس ذلك بعيب بل مدح
نعم يمكن أن تكون تلك الوجوه من الأدلة النظرية على مشروعية الذكر بالاسم المفرد , أما أن تكون من الأدلة على تفضيل الذكر بالاسم المفرد على الذكر بكلمة التوحيد فلا.
وللفقير بحث في ( التفسير الإشاري ) ذكرنا فيه : معنى التفسير الإشاري .. أمثلة له .. حكمه وأقوال أهل العلم في قبوله .. الفرق بينه وبين التفسير الباطني .. شروط قبوله .. بعض التفاسير الإشارية .. وما إلى ذلك , وسينشر قريبا إن شاء الله تعالى .
هذا آخر المقال والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وأتباعه
[/justify]
المفضلات